التجار الفاسدون لا يسجنون، هي الحقيقة التي تبينت خلال بحثنا في ثنايا قضايا ترويج البضائع الفاسدة التي اعلن ضبطها خلال هذين العامين، وفتحت لنا الباب لبحث اخر والغوص اكثر في المسببات التي آلت الى هذه النتيجة.
وتكشف بيانات حصلت عليها رايــة إن لا احكام بالسجن صدرت بحق كافة التجار الذين ضبطوا بجرائم اقتصادية في 2015 حتى النصف الاول من العام 2016، منها قضايا ترويج البضائع الفاسدة.
وحسب الاحصائيات والارقام التي حصلنا عليها تبين ان عدد القضايا المتعلقة بالجرائم الاقتصادية ومن ضمنها البضائع الفاسدة وصل الى 114 قضية في محافظة رام الله، خلال النصف الاول من 2016.
في حين بلغ عدد القضايا المماثلة طيلة عام 2015 الى 90 قضية، في ذات المحافظة.
ومن ضمن الـ114 قضية هذا العام، 78 قضية لا تزال قيد التحقيق و30 احيلت للمحكمة و6 احيلت لنيابات اخرى خارج المحافظة.
ولم يصدر أي حكم بالسجن في كافة القضايا خلال العامين 2015 و2016.
القضايا الـ30 التي احيلت للمحكمة منها 20 فصلت بالادانة وصدرت الاحكام بغرامات مالية فقط، و10 لا تزال قيد النظر في المحاكم.
اما بخصوص 2015 فكان من بين الـ90 قضية، 40 قضية فصلت بالادانة وصدرت الاحكام بغرامات مالية فقط، منها 30 قضية صنفت على محكمة الصلح "جنحة" و10 على محكمة البداية "جناية".
وتصنف كافة قضايا البضائع الفاسدة بحسب النيابة على قسم الجنايات.
وتبقى من عام 2015، 21 قضية لا تزال قيد النظر في المحاكم، و9 قضايا "واحدة تم حفظها لعدم وجود ادلة، و3 احيلت للاختصاص المكاني، و5 محالة الى مكتب النائب العام ولا تزال قيد التدقيق".
ونصل من خلال الاحصائيات المتوفرة في محافظة رام الله من بداية 2015 حتى تاريخ 24- 8 – 2016 الى ان 204 قضية، كلها لم يصدر فيها حكم بالسجن، أي انه لم يسجن تاجر روج بضاعة فاسدة من بداية 2015 حتى النصف الاول من العام 2015.
وتشير المعطيات الى ضعف واضح في القانون الى جانب امور اخرى تكشفت خلال التحقيق بمادة تضاف للكعك اسمها "الشفارو"، وتسبب السرطان اذا زادت عن النسبة المعقولة وهي المادة الى تعطي الكعك اللون الاحمر، اذ خرجت لجنة التحقيق بتوصيات قدمتها للحكومة، لكن لم ينتج أي قرار.
يقول رئيس مجلس القضاء الاعلى السابق عيسى ابو شرار ان الخلل بالقانون يضع خيار السلطة التقديرية للقاضي بين الحبس او الغرامة، في حين المطلوب هو الحبس والغرامة، فـ"التاجر الغشاش يستطيع دفع الفي دينار".
وحسب المادة 386 من قانون العقوبات الفلسطيني فإن الغش في مواد مختصة بغذاء الإنسان او الحيوان وعرضها للبيع يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من خمسة دنانير إلى خمسين دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين.
من حماية المستهلك الى وزارة الصحة الى الاقتصاد حتى المواصفات والمقاييس، تجتمع كلها على موضوع ملاحقة البضائع الفاسدة، لكن النتيجة تضيع بين هذه المؤسسات دون ايجاد جسم يجمعها ويضعها تحت ممثل واحد وحيد.
يقول ابو شرار الذي عمل قاضيا: احيانا يحتار القاضي، بين قانون الصحة العامة ام حماية المستهلك ام المواصفات والمقاييس، أم قانون 1961.
احدى الحالات التي اطلعت عليها رايــة، تم ضبط تمر فاسد في نابلس، وبسبب تأخر فحص هذ التمر، قرر القاضي اعادة الشحنة للتاجر، دون ان يدقق انه يسمم أم لا.
ووفق ابو شرار فإنه لم تكن هناك جهة معنية تتجاوب مع القاضي، لتثبت تسمم التمر.
ويفتقد موضوع محاربة البضاعة الفاسدة، للتخطيط الجدي والاهتمام الحقيقي، فعدا عن الغذاء الفاسد هناك ادوية خطيرة تروج وهي غير قانونية.
ولا يخلو ذلك من صراع بين الوزرات في صلاحيات الرقابة على الاغذية، و"تعدد جهات المراقبة، يؤدي الى فشل المراقبة الحقيقية"، كما يبين ابو شرار.
كل طرف يعتقد انه هو المعني، وهناك اعتقاد ان وزارة الصحة هي التي يجب ان تكون معنية بالاساس، وهي التي تفحص مخبريا.
لكن حتى وزارة الصحة فلا تملك القدرة الكاملة على الفحص المخبري الدقيق بنسب عالية.
إذا يؤكد مدير المختبر المركزي في وزارة الصحة إبراهيم سالم، على غياب اجهزة متخصصة مرتفعة الثمن لإجراء الفحص على مادة الشيفارو في الكعك.
ويملك المختبر المركزي اجهزة احضرت سابقا، لكن فحص الشيفاور يعتبر فحص معقد في كافة مختبرات الوطن ويحتاج الى اجهزة متخصصة مرتفعة الثمن.
وأجرت مختبرات في الوطن فحوصات على المادة لكن النتائج لم تكن دقيقة في حين اجرى المختبر المركزي ذات الفحص وتمكن بالامكانيات المتوفرة من كشف وضع بعض المخابز هذه المادة المسرطنة التي تؤدي الى نفخ الكعك واعطائه اللون الاحمر.
لكن سالم يقول إن المطلوب هو اجراء فحص دقيق بنسبة 100% لاتخاذ القرارات بناء عليه.
وبحسب احصائيات لوزارة الاقتصاد تبين ان المواد الغذائية الفاسدة المضبوطة خلال النصف الاول من هذا العام بلغت كميتها 485.25 طن.
فيما احيل للنيابة 202 قضية ترويج بضاعة فاسدة خلال هذه الفترة.
وفي عام 2015 بلغت المواد المضبوطة 877.5 طن.
وبلغ عدد حالات التسمم بسبب اغذية فاسدة خلال العام الماضي 141 فيما لم تتوفر احصائيات لعام 2016 حتى الان.
ما يجري في كواليس الاغذية الفاسدة وهذا الموضوع الذي يتجدد كل عام مع اعلان ضبط كميات كبيرة من الغذاء الفاسد في المحال التجارية في مدن الضفة، يهدد حياة المواطن الذي يتساءل، هل نشهد غيابا للقانون وانفاذه؟.
فقد ضبطت عشرات الاطنان من الاغذية الفاسدة في محافظات مختلفة وخرج مروجوها ببراءة في الحكم، بحسب ابراهيم القاضي مدير عام حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد.
ويدفع تردي الامور الى هذا الحد المتابعين والخبراء نحو اقتراحات لا تلقي المؤسسة الرسمية لها بالا.
وفي البحث عن حلول لأخطر القضايا واقلها اهتماما والمتمثلة بالغذاء والدواء يقترح ابو شرار ايجاد جسم خاص للدواء والغذاء، ليمثل كافة الاطراف، زراعة، اقتصاد، صحة، ويتضمن قانونا خاصا بعقوبات رادعة ويحل محل القوانين الثلاث، "الصحة، المواصفات والمقاييس، وحماية المستهلك".
ويضيف: في حال ثبوت فساد المادة المضبوطة فلا حاجة لقرار محكمة للاتلاف.
ورغم اقرار مجلس الوزراء لمسودة قانون جديد لحماية المستهلك بعد كل الجدل الذي دار حول غياب الرادع لمروجي البضائع الفاسدة مع بداية هذا العام الا ان الاشكالية تبدو قائمة في امور اخرى كغياب الهيكلية التي تضبط هذا القطاع كما في تجارب دول اخرى أولت للدواء والغذاء اهمية كبرى عبر اطار مؤسسي يحويه.