أخبار 2011

خلال ورشة عمل نظمها مركز "شمس"التأكيد على أن ترسيخ ثقافة الوعي القانوني وتعزيزها في المجتمع هي المدخل الأساسي لمكافحة الفساد وحماية حقوق الإنسان

خلال ورشة عمل نظمها مركز "شمس"التأكيد على أن ترسيخ ثقافة الوعي القانوني وتعزيزها في المجتمع هي المدخل الأساسي لمكافحة الفساد وحماية حقوق الإنسان

27/08/2011  
 

عقد مركز حقوق الإنسان والديمقراطية " شمس" لقاء موسعاً مع بلدية كفر الديك وممثلي مؤسسات المجتمع المدني والمواطنين في بلدة كفر الديك بمحافظة سلفيت ،بحضور رئيس البلدية جمال الديك،حول الواسطة وتكافؤ الفرص وعلاقة ذلك بالفساد ، وذلك ضمن أنشطة مشروع المثل الشعبي ودوره في مكافحة الفساد والممول من الائتلاف من اجل النزاهة والمساءلة (أمان) ،وقد افتتح اللقاء الدكتور عمر رحال من مركز "شمس"، وقال أن العلماء والمفكرين المتخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس يرجعون تفشي الفساد في أي مجتمع إلى أزمات خلقية، وخلخلة في منظومة القيم، تعكس خللاً في القيم، وانحرافاً في الاتجاهات عن مستوى الضوابط والمعايير التي استقرت عزماً أو تشريعاً في حياة الجماعة وشكلت البناء القيمي في كيان الوظيفة العامة.ولذلك يعـد الفساد كواقع اجتماعي جزءا من ثقافة تؤدي إلى خلل في سلوك المجتمع بحيث يـنظر إلى ظاهرة الفساد في مؤسسات الدولة على أنها حالة طبيعية مألوفة من قبله ومقبولة لديه.

من جانبه قال المدرب بشار الديك إن مبدأ تكافؤ الفرص هو إتاحة ظروف وشروط ومعايير موحدة أمام جميع المواطنين من اجل حصولهم على استحقاقات متماثلة تتناسب مع كفاءة كل منهم ونزاهته وإبداعه وقدرته على تقديم أعمال ذات مردودات ايجابية للوطن، بحيث تتعادل الحقوق نسبيا مع الواجبات، بما يؤدي لشيوع أعلى حدود العدالة ما بين المواطنين.

وقال عندما يكون الحديث عن تكافؤ الفرص في أي مجتمع فإن المعنى الذي يتبادر إلى الذهن غالباً سيتجه إلى تكافؤ الفرص التعليمية والوظيفية بالدرجة الأولى رغم أنه مرتبط بمناحي الحياة المختلفة التي يعيش فيها الفرد وتعتبر من حقوقه مقابل واجباته تجاه نفسه والآخرين ثم وطنه. وبالمثل عندما يكون الحديث عن تكافؤ الفرص في التوظيف وعندما تكون هناك وظائف متاحة وفق مواصفات ترتبط بالكفاءة والتأهيل وليس المحسوبية وما يرتبط بها من ثغرات إدارية تؤدي إلى الخلل الوظيفي عندما يحصل على هذه الوظيفة من لا تتوفر فيه مواصفاتها ولكن حصوله عليها كان قفزاً على شروطها لأن الواسطة والمحسوبية كانتا البديل.بل ويمتد هذا التكافؤ إلى مستوى تيسير الوصول إليها وليس فقط إتاحتها ،فمثلاً البنية التحتية ووسائل النقل والمواصلات والخدمات المرتبطة بها لا بد أن تتوفر لمن يرغب كي تتيسر له الاستفادة من الخدمات التي يوفرها القطاع الحكومي أو الخاص .

 

المواثيق الدولية والوطنية ذات الصلة

وقال أن التأكيد على مبدأ تكافؤ الفرص ما بين المواطنين جاء ضمن مسارين مهمين، الأول بموجب أحكام ، المواثيق الدولية  والثاني بموجب القانون الأساسي الفلسطيني ،وقال أن المواثيق الدولية أكدت على حق الشخص بالمساواة في بلدة ،فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 21 الفقرة الأولى والثانية التي تؤكد على " لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختيارًا حراً."" لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد".أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،فقد نصت المادة (25) في الفقرة الأولى والثالثة على "أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية،و"أن تتاح له، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده.
أما المسار الثاني فقد جاء ضمن أحكام القانون الأساسي، الذي يؤكد على مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، إذ نصت المادة (25): على الحق بالعمل في الفقرة الأولى "العمل حق لكل مواطن وهو واجب وشرف وتسعى السلطة الوطنية إلى توفيره لكل قادر عليه"والمادة (26): حق المشاركة في الحياة السياسية للفلسطينيين الفقرة الرابعة تقلد المناصب والوظائف العامة على قاعدة تكافؤ الفرص.
وقال أن ما ورد في القانون الأساسي من نصوص تستهدف تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص ومع ذلك فإن هذه النصوص تواجه الكثير من العراقيل، خصوصا ما يتعلق بالتعيين في المناصب العليا وفي الترقيات الوظيفية وفي إشغال المناصب والمراكز المتقدمة وتحديدا في السلك المدني، فالتعيينات في المناصب المتقدمة عادة ما تعتمد على توجهات مبهمة وغامضة أساسها الحقيقي العلاقات الشخصية والجهوية والمحسوبية وقبل ذلك توريث المناصب للأبناء والأحفاد هذه الظاهرة التي تعمقت في العقد الأخير، والتي يستهدف أنصارها مأسستها وجعلها بحكم الأمر الواقع أمام الشعب،وقال أن تغييب تكافؤ الفرص بين المواطنين في مجال اختيار القيادات لإشغال المناصب العليا في النظام السياسي هو اخطر أشكال الفساد، كونه يشكل الحاضنة الرئيسية لباقي أشكال الفساد، فهذا التعين هو المسؤول عن إفراز شريحة قيادات ضعيفة إداريا وفنيا .

الأبعاد الاجتماعية للواسطة

وقال إن لأنكى من الواسطة ذاتها ، تلك الثقافة والأفكار والقيم والاتجاهات ، التي تبعث على هذا السلوك الواسطة وتعززه وتبرِره وتضفي عليه الشرعية ، بل تجعل من الخروج على مقتضياته خطأ اجتماعياً يستوجب العقوبة (العقوبة الاجتماعية) مثل اتهام من لا يتوسط للآخرين بعدم مساعدة الأهل ، ونسيان المعارف بعد الوصول للمنصب ، والخوف ، وعدم التمكن ، إضافة إلى تشويه السمعة وربما المقاطعة ، كما تجعل هذه الثقافة من ممارسة الواسطة فعلاً يستوجب المكافأة الاجتماعية ، كوصف من قام بها بالنخوة ،وإغاثة الملهوف ، وحب المساعدة ،والإخلاص للعائلة والمنطقة .

وبين أن الواسطة في المجتمعات النامية تأخذ صيغة العرف ، ليس العرف بمعنى العادة التي درج عليها الناس لفترة طويلة وكرروها وصارت جزءاً من ممارستهم وحسب ، بل العرف بمعنى ارتباط العادة المتكررة بالاقتناع والالتزام ، أي بأن مخالفتها أمر تترتب عليه عقوبة اجتماعية، إضافة إلى الاعتقاد بأن اللجوء لطلب الواسطة واجب ، حتى لو كان الأمر الذي يبغي طالب الواسطة الحصول عليه مجرد خدمة عادية تؤديها الدوائر الحكومية بسهولة ويسر ووقت قصير ، فهناك دائماً سلوكات صغيرة تتعلق بالحصول على الخدمة الحكومية يعطيها كثير من الناس قيمة كبيرة ، كأن يتمكنوا من دخول مكان دون إبراز الهويـة بينما يبرزها الآخرون ، أو كالتمكن من الدخول إلى الموظف العام (من خلف الكاونتر) .وقال كلما كانت المجتمعات أقرب إلى التخلف وأبعد عن التقدم ، كلما تحكّم فيها العرف أكثر من القانون ، ومما يشير إلى حجم رسوخ الأعراف الاجتماعية المتعلقة الواسطة ، أنها ترتبط بمصطلحات وشكل في الممارسة ، كما تأخذ ممارسة الواسطة صوراً وأشكالاً مختلفة.

قافة المجتمع ودورها في مجابهة الفساد

وقال أن ثقافة المجتمع، هي مجموعة القيم والأفكار والخبرات والتجارب المتراكمة في مجتمع ما، والتي تمثل هوية أجياله، وتتحكم في تصرفاتهم ومسيرتهم، وتميزهم عن غيرهم من المجتمعات الأخرى، في التصورات والاعتقادات، والمبادئ والأخلاقيات، والعادات والتقاليد، والأذواق والأحاسيس، والمعاملات الحياتية اليومية، وهي التي بها تحتفظ الأمة بهويتها الثقافية، وخصائصها التاريخية، وسماتها الحضارية التي تتباهى بها أمام الأمم الأخرى.وقال إذا آمنا بأن ثقافة المجتمع تدفعه إلى التغيير، وتقود عملية التغيير حتى نهايتها، ونقصد هنا بالتغيير، الإصلاح والنهوض، والتنمية والتقدم، والرقي الحضاري بالخلاص من جميع مظاهر الفساد وفي مقدمته الفساد المالي والإداري، بالتالي لا بد لنا من البحث عن حلول واقعية وموضوعية تساهم في تغيير المفاهيم والثقافة التي تكاد أن تشكل عرفاً اجتماعياً فاسداً.

وأوضح الديك في معرض رده على أسئلة الحضور أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصنف مجتمع ما على انه مجتمع فاسد وآخر على أنه صالح أو نزيه بعيداً عن الظروف والأسباب التي أدت بهذا المجتمع أن يوصف بهذا الوصف، فكثرة الحروب والجهل والفقر والاستبداد هي عوامل تتضافر بمجملها لتشكل ثقافة عامة لدى المجتمع تجعل منه أن ينظر إلى ظاهرة الفساد داخل مؤسسات الدولة على أنها حالة طبيعية لا يمكن أن تؤثر على مكانة الفرد (الفاسد) داخل الأسرة أو المجتمع، لا بل قد يرى البعض إن السلوك الفاسد يضفي مكانة أكبر لمن جاء به، وإن ممارسته لهذا السلوك هو جزء من حقه الطبيعي.فعلى سبيل المثال،المرتشي والمتجاوز على المال العام، في نظر البعض هو الشخص (الذكي والفطن) الذي يستطيع أن يخترق القانون ويتجاوز على حقوق الآخرين ويبتزهم بطرق غير مشروعة في سبيل الحصول على كسب غير مشروع من دون أن يترتب على فعله أثر -عقابي- قانوني (كما يتصور هؤلاء)، بينما نجد في مجتمعات أخرى عكس ذلك تماماً، فالمتهرب عن دفع الضرائب أو من يتجاوز على القانون أو يستبيح المال العام نجده منبوذ بينهم ولا يحظى بالاحترام والثقة داخل أسرته ووسطه الاجتماعي.وقال أن الفساد كعلاقة وسلوك اجتماعي، يسعى رموزه إلى انتهاك قواعد السلوك الاجتماعي، فيما يمثل عند المجتمع المصلحة العامة.


التوصيات

وفي نهاية اللقاء أوصى المشاركون بضرورة  النهوض بثقافة المجتمع، لتكون قادرة على الدفع باتجاه التغيير، إذ أن ثقافة المجتمع هي المسؤولة عن الأنماط السلوكية والاتجاهات الفكرية السائدة في ذلك المجتمع، ولذلك فإن تغيير ثقافة المجتمع هي نقطة الانطلاق نحو التغيير. وترسيخ ثقافة الوعي القانوني وتعزيزها في المجتمع وتعويد الأفراد اللجوء الى القضاء دون خوف أو تردد وحمايتهم من أية جهة مفسدة مهما كان حجمها وسلطانها، والنهوض بالواقع التربوي وتحصين الأجيال القادمة بثقافة نبذ الفساد والمفسدين من خلال برامج مدرسية وتربوية مدروسة ضمن أسس علمية وأخلاقية صحيحة.  وأن تكون مواجهة الفساد من أولويات الحكومة معززة بمساندة السلطة التشريعية بصفتها الرقابية والابتعاد عن تسييس ملفات الفساد مهما كانت صفة المتهم بها وإطلاق يد القضاء لمحاسبة ومعاقبة المتورطين واحترام كافة قرارات العدالة.

go top