الصحافة الاستقصائية

تساؤلات حول عملية تجديد رخصتي الاتصالات وجوال

تساؤلات حول عملية تجديد رخصتي الاتصالات وجوال

تحقيق أسماء مرزوق - في الثامن والعشرين من شهر ديسمبر الماضي عام (2016) جرى تجديد رخصتيّ شركة الاتصالات الفلسطينية وشركة جوال عاموديّ قطاع الاتصالات في الأراضي الفلسطينية، لعشرين سنة إضافية. وأُعلن في مؤتمر صحفي عقب التوقيع عن مبلغ الرخصة وهو 290 مليون دولار تُدفع خلال سنتين. وأكدت الأطراف ذات العلاقة، وزارة الاتصالات والمالية ومكتب الرئيس وشركة الاتصالات، أن الاتفاقية تمت وفق أفضل الممارسات التنظيمية العالمية وباستشارة شركة عالمية مختصة (Price Water House Coopers).

لكن أثارت مسألة تجديد العقد جدلاً من مؤسسات المجتمع المدني، وناشطين، استهجنوا توقيع الحكومة لاتفاقية بهذا الحجم بسريّة وبدون حوار مجتمعيّ خصوصا في ظل غياب المجلس التشريعي. وتركزت الانتقادات في عدة قضايا، منها: غياب الشفافية في مراحل توقيع العقد والامتناع عن نشر الرخصة بعد توقيعها، وعدم فتح عطاء يسمح لشركات محلية ودولية التنافس لتحقيق شروط أفضل، وكذلك حول قانونية الإجراءات المتبعة.

حاولت معدة التقرير الحصول على نسخة من العقد لكن اتضح أن هناك قرارا من الجهة المختصة وهي وزارة الاتصالات بحفظ سرية العقد. إذ لم تلق أيضا مطالبات مؤسسات المجتمع المدني كائتلاف أمان بالاطلاع على الاتفاقية، سواء قبل توقيعها أو بعده، أي رد. ويبرر  فلوريد الزربا مدير عام الاتصالات في الوزارة الامتناع عن النشر بأن الاتفاقية: "كأي رخصة أخرى لا يوجد فيها شيء سري لكنها أمور تنظيمية ليس هناك ضرورة لنشرها".

هذا التبرير لم يكن مقنعا للمهندس ماهر العلمي المدير التنفيذي لشركة "كوول نت"، فعدم نشر الاتفاقية أو على الأقل إطلاع العاملين في قطاع الاتصالات، كشركات الانترنت، حسب رأي العلمي، يعد انتقاصا من حقوقهم وتهميشا لهم رغم أن بنود العقد قد تمس عملهم بشكل مباشر. ويشير إلى أن إخفاء الاتفاقية يمنع أي مستثمر جديد محلي أو أجنبي على دخول هذا القطاع "المحتكر والمغلق" حسب وصفه.

وزير الاتصالات السابق د. مشهور أبو دقة أيضا أبدى استغرابه  من امتناع الوزارة عن نشر نص الرخصة مشيرا إلى أنه أطلع على المسودات وهي تشمل بنودا تشكل نقلة نوعية بالمقارنة مع الرخصة السابقة، حسب وصفه، وأن إخفائها يثير القلاقل أكثر بكثير من نشرها.

التساؤلات القانونية بشأن التجديد

تم إبرام اتفاقية تجديد رخص الاتصالات من خلال وزارة الاتصالات التي رفعتها لنقاشها في مجلس الوزراء الذي اقرها ورفعها بدوره إلى الرئيس للمصادقة عليها. وهذا وفق قانونيين يخالف القانون الأساسي الفلسطيني وبالتحديد المادة رقم 94 التي نصت على ضرورة أن "يحدد القانون القواعد والإجراءات الخاصة بمنح الامتيازات أو الالتزامات المتعلقة باستغلال موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة.." .
ويوضح الخبير القانوني عصام عابدين بأنه يجب أن يُنظم عقد بهذا الحجم يمس خدمة إستراتيجية بقانون يصدر عن جهة تشريعية توضح الشروط التي مُنح الامتياز على أساسها ومدته والمبلغ والمترتب عليه. وبغياب المجلس التشريعي ووجود ضرورة ماسة كان يفترض أن يصدر الأمر كقرار بقانون من قبل الرئيس لتنظيم مسألة منح الامتياز ويتم نشره في الجريدة الرسمية.

وكانت الدائرة القانونية للجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي قدمت عام 2003 رأياً قانونياً اعتبرت فيه أن الاتفاقية (الأولى) الموقعة ما بين شركة الاتصالات ووزارة الاتصالات تحتاج إلى إصدار قانون يشرعنها على اعتبار أن هذه الاتفاقية هي شكل من أشكال الامتياز الذي أكدت المادة 94 من القانون الاساسي على أن تنظم بقانون.

لذا يرى عابدين أن التغاضي عن الجانب القانوني وعدم تنظيم الاتفاق بقانون وإحاطته بهالة من السرية يتعارض مع القانون الأساسي ومع مبادئ النزاهة والشفافية في هذا النوع من العقود.

لكن المستشار القانوني للرئيس حسن العوري يؤكد بأن الرخصة تمت بإطار قانوني، وفق بنود قانون رقم (3) لسنة 1996 بشأن الاتصالات السلكية واللاسلكية، الذي يعطي مجلس الوزراء صلاحيات تجديد رخص الاتصالات، وهو قانون نافذ، معتبرا أنه لا حاجة لإصدار قانون خاص بالاتفاق. ويوافقه بالرأي المستشار القانوني لوزارة الاتصالات الذي أكد أن التجديد استند إلى هذا القانون، بالإضافة إلى القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء بالخصوص لاسيما تجديد الرخص.

لماذا يحظى الاتفاق باهتمام واسع؟

تتفق الجهات الرسمية والمجتمع المدني بأن الرخصة الأولى لشركة الاتصالات عام 1996 كانت مجحفة بحق الحكومة تنظيميا وماليا. إذ مُنحت "بالتل" الامتياز لتشغيل قطاع الاتصالات بقرار من الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي أراد للقطاع أن يعمل برأس مال وطني. وتم توقيع رخصة انطوت على الكثير من العيوب، وبقيت هذه الرخصة غصة في حلق المهتمين والعاملين بقطاع الاتصالات لعشرين عام.

يورد الدكتور نضال صبري استاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت في كتابه "القطاع العام ضمن الاقتصاد الفلسطيني، 2003" مجموعة من المشاكل التي انطوت على العقد  ومنها: أن العملية لم تصدر عن مجلس الوزراء ولم تُعرض الشروط على المجلس التشريعي ولم يفتح الباب لاستدراج عطاءات محلية ودولية، وكان رأس مال الشركة أقل من قيمة الأصول التي أحيلت إليها كما أن الشركة لم تدفع رسوما مقابل حصولها على الامتياز إذ اقتصر الأمر على دفع الشركة ما قيمته 7% من إيراداتها للحكومة، وتم  تحويل الأصول التي كانت قائمة وتعمل ضمن وزارة الاتصالات إلى الشركة مقابل تعويض قدره 30 مليون دولار فقط، كما أن الاتفاقية لم توضح آلية رقابة الوزارة على الأسعار .

ماذا عن الاتفاق الجديد

بتوجيهات من الرئيس محمود عباس تم تشكيل لجان فنية ومالية وقانونية من وزارتي الاتصالات والمالية ومن مستشار الرئيس القانوني وبوجود شركة تدقيق دولية، للتفاوض مع شركة الاتصالات الفلسطينية للوصول إلى أفضل اتفاقية لتجنب أخطاء الاتفاقية الأولى، حسب وصف المستشار الرئيس القانوني حسن العوري، الذي أكد أن اللجان لم تلمس رغبة من أي أطراف جديدة لدخول السوق نظرا للأوضاع السياسية المتقلبة وتحكم إسرائيل بطيف الترددات في الاتصال الخلوي، وفضلت تركيز الجهود للخروج بأفضل شروط ومبلغ رخصة من الشركة الحالية.

لكن مراقبون يرون أن عدم فتح الباب لاستدراج عطاءات محلية ودولية بشكل رسمي وضمن المعايير المهنية يشكل تكرارا لأخطاء الأمس. وأن أفضل نموذج مستخدم في دول العالم هو فتح الباب للعطاءت مع إعطاء الأولوية للشركة الحالية “Right of first refusal”.
ويتفق وزير الاتصالات السابق أبو دقة ورجل الأعمال العلمي على أن قطاع الاتصالات الفلسطيني أثبت خلال العشرين سنة الماضية أنه قطاع نشط ويحقق أرباحا عالية قد تتجاوز أرباح الشركات في الدول المحيطة، كون المواطن الفلسطيني مستهلك جيد للتكنولوجيا، وبالتالي قد يجذب رؤوس أموال جديدة.

290 مليون دولار قيمة الرخصة

أُلزمت شركة الاتصالات الفلسطينية بدفع مبلغ 290 مليون دولار مقابلا لتجديد رخصتي الخط الثابت (30 مليون دولار) وجوال (260 مليون). دُفع منها نصف المبلغ مباشرة بعد توقيع الاتفاقية، وسيتم دفع النصف المتبقي على أربع دفعات على مدار عامين. وذلك إضافة إلى استقطاعا نسبته 7% من إيرادات المجموعة، كان ساريا في الاتفاقية السابقة. علما أن الاتفاقية ألغت أيضا إعفاء ضريبيا جزئيا كانت تستفيد منه الشركة وفق قانون تشجيع الاستثمار وكان من المفترض أن ينتهي عام 2022، أي أن الشركة ستدفع ضريبة الدخل والضريبة المضافة بنحو (20%) من الأرباح بدون إعفاءات.

وأوضح وزير المالية بتصريحات صحفية أن احتساب قيمة الرخصة تمت وفق معادلة رياضية احتسبت توقعات لأرباح الشركة خلال العشرين سنة القادمة، معتبرا أن الرقم عقلاني وعادل للسلطة والشركة.

ورغم أن الرئيس التنفيذي لشركة الاتصالات الفلسطينية عمار العكر لمّح إلى  أن الرقم كبيرا وسعى خلال المفاوضات لطرح رقم أقل إلا أنه بالنهاية خضع للإرادة الحكومة واعتبر الاتفاق مكسبا للحكومة وللشعب بجانبيه المالي والتنظيمي.

ويُذكر هنا، أن شركة الوطنية موبايل التي حصلت على رخصتها عام 2008 التزمت بدفع 355 مليون دولار، أي أن رخصة الوطنية تتجاوز ثمن رخصتي جوال والاتصالات مجتمعة.

ويشير الزربا إلى أن سبب ارتفاع المبلغ هو تقديم الشركة لعطاء بهذا الرقم، أي أن الشركة اختارت أن تدفع هذا الرقم بناء على دراستهم للسوق. ويتابع، بأن الشركة لم تدفع إلا 80 مليون دولار من المبلغ، معتبرا أن الوزارة كانت مرنة كون الشركة واجهت قيودا حالت دون تحقيقها إيراداتها المنشودة نظرا لمنع إسرائيل دخولها إلى قطاع غزة وعدم منحنا ترددت الجيل الثالث.

حصرية الرخصة

يذكر المستشار القانوني لشركة الاتصالات حمارشة بأنه لا يوجد في اتفاقيات الرخص الجديدة  أية حصرية بتقديم خدمات الهاتف الثابت أو الجوال سواء بشكل مؤقت أو دائم، على خلاف العقد الأول الذي اعطى الاتصالات حصرية لمدة 10 سنوات وجوال لمدة 5 سنوات.

لكن تنص بنود الاتفاقية على أنه "في حال إصدار أي رخصة اتصالات خلوية بنفس نطاق هذه الرخصة بشروط أفضل من تلك الممنوحة للمرخص له في هذه الرخصة تعدل هذه الرخصة لتتساوى مع الحقوق والالتزامات الممنوحة للمرخص له الجديد مع الأخذ بالاعتبار الالتزامات التي تخص المُرخص له طالما تم تصنيفه كمرخص له مهيمن."

لكن العكر يوضح بأنه في حال دخول مشغل جديد لخطوط الهاتف الأرضي ليس بإمكانه استخدام نفس النية التحتية. ما يجعل دخول أي مستثمر أمرا شبه مستحيل لأنه بدك بدنية تحتية يحتاج لسنوات وتكاليف عالية جدا.

ملكية البنية التحتية

تعد قضية ملكية البنية التحتية لقطاع الاتصالات من الأمور الإشكالية التي لم تتضح للجمهور في عقديّ الرخصة لشركة الاتصالات القديم عام 1996 والجديد عام 2016. إذ ينص قانون الاتصالات السلكية وغير السلكية لعام 1996   أنه "بمقتضى هذا القانون تكون ملكية قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية للسلطة الوطنية الفلسطينية وتخضع للأحكام المنصوص عليها فيه." لكن هل يشمل هذا البنية التحتية؟

خلال سعي معدة التحقيق للإجابة عن هذه النقطة اصطدمت بإجابات متناقضة من الأطراف ذات العلاقة. فمن جهة أكدت شركة الاتصالات أنها قامت بشراء أصول الهواتف الأرضية الفلسطينية كافة بما فيها المقاسم والمباني والتمديدات ضمن بنود الرخصة الأولى، ويضيف الرئيس التنفيذي للشركة عمار العكر بأن أي بنية تحتية أضيفت خلال العشرين عام الماضية هي أيضا مملوكة للشركة. الأمر الذي أكده أيضا فلوريد الزربا المدير العام في الوزارة.

لكن من جهة أخرى، نفى مستشار الرئيس القانوني حسن العوري ملكية الشركة للبنية التحتية من حيث العقارات والأصول باستثناء الأجهزة والمعدات التي تملكها الشركة. مؤكدا أن البنية التحتية لا يمكن أن تكون إلا ملكا للدولة والعقد عبارة عن رخصة لاستخدامها فقط.

وكانت شركة الاتصالات قد سُلمت عند تأسيسها نحو 80 ألف خط هاتف أرضي (وصلت اليوم إلى 432 ألف خط)، ومباني حكومية ومبان تابعة للبلديات إضافة إلى شبكة الخطوط والمقاسم في الضفة الغربية وقطاع غزة، مقابل 30 مليون دولار.
ونظرا لتعمد الجهات المسؤولة عدم نشر ملاحق العقود حتى بعد 20 عاما على إبرامها، يبقى سؤالا بسيطا مثل: لمن تعود ملكية البنية التحتية؟ بلا إجابة شافية.

البنود التنظيمية الإضافية

يشير المستشار القانوني لوزارة الاتصالات رياض حمارشة بأن أهم ما يميز التعاقد الجديد عن القديم إضافة لمبلغ الرخصة، العلاقة مع المشتركين وحماية حقوقهم ووجود عقوبات كفرض الغرامات حيث لم يكن منصوصا على ذلك في العقد القديم ولا يوجد في القانون 1996 تدرج في فرض العقوبات. 

ويتابع حمارشة: تتعدد العقوبات المنصوص عليها في الرخص من حيث فرض الغرامات والإنذارات، انتهاء بالحق في إلغاء الرخص ولكل مسألة من هذه المسائل إجراءات معينة.

ويضيف، بأن العديد من بنود الرخص تعطي الوزارة حق الرقابة والتدخل بالخدمات باعتبار الوزارة الجهة التنظيمية للقطاع بأكمله ومنها على سبيل المثال لا الحصر؛ المواد: 11 الممارسات غير التنافسية،  12 و 13 التزامات الربط البيني، 14 تسعير الخدمات، 15 العلاقة مع المشتركين، 17 جودة الخدمة.

ارتفاع أسعار الخدمات

تعد مجموعة الاتصالات واحدة من أضخم الاستثمارات في سوق المال الفلسطيني، إذ تصل قيمتها لنحو مليار دولار. وتتكون المجموعة من 5 شركات، هي: بالتل وجوال وبالميديا وحضارة وريتش.

وبالوقت الذي يعتبر فيه مراقبون أن أسعار خدمات الاتصالات عالية مقارنة بدول الجوار وإسرائيل، وبالتالي ارتفاع أرباح المجموعة، التي بلغت بنهاية العام الماضي 113 مليون دولار، إلا أن العكر يقول بأن الأسعار والأرباح منسجمة مع دول الجوار باستثناء إسرائيل، مشيرا إلى أنه من غير العادل مقارنة ظروف شركته بالشركات الإسرائيلية، لما يترتب على شركته من مصاريف إضافية نظرا لسيطرة إسرائيل على الترددات وفرضها قيود كثيرة على قطاع الاتصالات.

إن ائتلاف أمان يشجع نمط الصحافة الاستقصائية لدورها في افعال مبدأ المساءلة الاعلامية والرقابة على الشأن العام، إلا أن نشر هذه التحقيقات عبر موقعه لا يعني تبنيه لما يرد فيها من معلومات رغم اصراره على ضرورة ان تلتزم هذه التحقيقات بالموضوعية والحياد والاستناد الى المعلومات

go top