الصحافة الاستقصائية

غزة تنتج ثمارها من عصارة النفايات السامة!!

غزة تنتج ثمارها من عصارة النفايات السامة!!

تحقيق: عبد الله أبو حشيش

اختار المزارعون الغزيين وسائلهم البديلة في عملية ري محاصيلهم الزراعية، طريقتهم كانت صعبة لمحاولة سد احتياجهم في ظل استمرار فرض الحصار على غزة والذي أدي إلى منع دخول المواد الأساسية والكمالية، فقد دفع غياب السماد الزراعي عددا من المزارعين في غزة إلى البحث عن بدائل من دون النظر إلى خطورتها على صحة الناس، فهم سيتناولون الخضروات على أنها بلدية (محلية) .

البديل الجديد الذي اختاره بعض المزارعين هو عبارة عن عصارة النفايات، وهي مادة سامة تستخرج من خلاصة القمامة بعد جمعها في بعض مكبات قطاع غزة، حيث يتوجه بعض المزارعين إلى دمج هذه العصارة مع الماء في ري مزروعاتهم على أنها بديل عن السماد.
ومن خلال متابعة سبب توجه المزارعين استخدام هذه العصارة تبين أنها تسرع عملية جني الثمار خلال مدة صغيرة لا تتجاوز ال(72) ساعة، ما جعلنا للتوجه إلى فحص العصارة لمعرفة محتواها، لتكون الفاجعة أنها تحمل مواد سامة وخطيرة تسبب الإصابة بالسرطان بنسبة 100% وذلك حسب نتائج التحاليل التي سترفق مع التحقيق.
وأظهرت نتائج التحليل الخاصة بالتحقيق أن العصارة تحتوي مواد ثقيلة وخطيرة مثل الزرنيخ والحديد والنيكل والقصدير، لكن الحديد كان الأكثر فيها، وهي بغالبها مواد عالية السمية وتسبب بعضها السرطانات بعد امتصاص التربة لها ثم انتقالها للإنسان عبر الثمر، لكن ذلك مرتبط بالأثر التراكمي بعد الأكل المزمن للثمار المسمومة.
والطامة الكبرى بهذا الملف حيث تبين أن الجهات المسئولة في بعض الوزارات ذات الاختصاص على علم بالموضوع، لكنها لم تحرك ساكنا على اعتبار أن استخدام هذه العصارة مقتصر على منطقة معينة!.
وكان الحل الذي اعتبرته بلدية دير البلح الامثل هو محاصرة المكب بأسياج تمنع عملية الدخول إليه إلا عبر بوابة يحرسها موظف، لكن بحسب موقع المكب الجغرافي والذي يقع على الحدود الشرقية لمنطقة الوسطى يتوجه المزارعين أو ما ينوب عنهم لتلك المنطقة في فترة الغروب أي بالفترة الزمنية التي يخشى أي مواطن الوصول إليها تجنبا لاستهدافه من قبل الاحتلال لتمكن من جمع تلك العصارة واستخدامها بالزراعة.

وبعد تحليل عينة من العصارة ومقارنتها بالمعايير الدولية لنسب وجود عدد من المعادن والمكوّنات التي يمكن ري المزروعات بها، أظهرت وجود فارق كبير ما بين ما هو مسموح به لاستخدامه لتسريع عملية نضج الثمار وما هو ممنوع من الاستخدام, يمكن ملاحظته في نتائج التحليل المرفقة .

وبعد المعاينة ميدانيا من قبل معد التحقيق لمكان المكب الذي يستخلص منه المادة تبين أن المكب تم السيطرة عليه ولا يتم اختراقه بسهوله، ولكن تفاجئنا أن هناك مصدر آخر للحصول على المادة من خلال كشف أحد المزارعين الذي رفض ذكر اسمه وهو - شاب في العشرين من عمره - أنهم يحصلون على العصارة من مكب النفايات الواقع شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة
هذا مكب في منطقة مفتوحة، حيث بالكاد تم الوصول إليه- نظرا لوجوده بالقرب من السياج الحدودي- لالتقاط صوره له فكانت مياه العصارة تسير بالأرض على شكل سيل فيتم تخزينها في أوعية صغيرة وبيعها للمزارعين بأسعار أقل بكثير من سعر السماد المتعارف عليه رغم قوته في عملية نضج المحاصيل الزراعية ، إذ أن وفق معاينة ميدانية سريعة للمكب الآخر شرق رفح تبين أنه من المفروض أن يكون هذا المكب تحت رعاية إحدى بلديات القطاع ولكن يخلوا من أي متابعة أو حراسة عليه، وبذلك لا رقابة قوية عليه.
الجدير ذكره أن المادة 26 من القانون الزراعي الفلسطيني (المخصّبات الزراعية) ينص على ضرورة «تحديد أنواع المخصبات التي يسمح بتداولها وتحديد مواصفاتها وإجراءات تسجيلها وشروط وطرق تداولها»، كما يجب التزام «شروط وإجراءات ترخيص استيراد المخصبات والاتجار بها ونقلها من جهة إلى أخرى»، لكنه وفق أسلوب بيع هذا «المخصّب» الجديد (العصارة) فإنه يتنافى مع نص القانون.
ويقول أحمد حلس، الباحث في معالجة الراشح الناتج عن مكبات النفايات الصلبة وقضايا المياه والبيئة ومدير التوعية البيئية في سلطة جودة البيئة أن ما ظهر للمزارعين من فوائد باستخدام هذه المادة (سرعة النمو) عائد إلى وجود مواد مثل الحديد والفوسفور والمغنيسيوم في التربة، وهي تساعد على تخصيب التربة ونمو النبات لكنّ المزارعين يجهلون خطورتها في ظل غياب متابعة الوزارة لمخصّبات تفوق المعايير الدولية المسموح بها.
ويحذر حلس بقية المزارعين من أن يغشهم أحد بهذه المادة التي تظهر على شكل سائل بلون قاتم يحتوي على تراكيز عالية جداً من الملوثات التي تنتج عن تحلل النفايات الصلبة في المكب، مضيفا أن لهذه المادة خطر آخر على المياه الجوفية، وذاكرا في الوقت نفسه أن العناصر الثقيلة من الأسباب المباشرة لحدوث السرطان، علما أن ( حلس) هو من قام بمساعدتنا في فحص المادة.

ويشير حلس إلى أن الحصول على الراشح ليس سهل وهو ويعتبر أنه معقد جدا حيث يصل للمكبات المركزية في قطاع غزة كل يوم تقريبا 1700 طن نفايات و60 % من تركيبة نفاياتنا الصلبة مواد عضوية وهي قابلة للتحليل نتيجة ضغط وحرارة ووجود مواد كيماوية تذوب وتنتج عنها ما يسمى بالعصارة وكل طن ينتج من 200-250 لتر من العصارة السامة وهنا تكمن الخطورة .
ويضيف :" تركيبة النفايات الصلبة تلعب دور في شكل وتركيبة العصارة كميتها بالإضافة لدرجة الحرارة ، وكذلك المطر له دور في المكب حيث تزيد من نسبة العصارة وتسرع عملية خروجها من النفايات ".
ويكشف حلس أن المكب الذي يقع وسط القطاع رغم جاهزيته والمواصفات العالمية التي صمم بها،إلا أنه غير صالح لاستقبال النفايات منذ عام 2007م وكان من اللازم إغلاقه لأن طاقته الاستيعابية لا تتحمل أكثر، فهو يستقبل يوميا أكثر من 500 طن من النفايات الصلبة.
وعند تحليل عينة العصارة كشف حلس أن سموم الراشح لديها خطورة كبيرة جدا على البيئة والإنسان لأن المواد السامة والملوثة في العصارة أكثر ما هو موجود في مياه الصرف الصحي العادية، و للأسف لا توجد طريقة لمعالجته رغم توفير عدة مشاريع لهذه المكبات لإعادة تكريرها والاستفادة منها دون تنفيذ على ارض الواقع .
الجدير ذكره أن ( احمد حلس) عمل لمدة عامين في المختبر على هذا الموضوع ، حيث وجد أنه من الممكن أن تصل إلى 45 ألف جزء في المليون محتوى المواد العضوية في العصارة وهذا تركيز عالي جداً، وأضعاف نظيره في المياه الملوثة والعادمة، بجانب العناصر الثقيلة المسئولة عن السرطانات والتضخم الطبيعي للخلايا ونسبها ( 1 ملجم) والتي من المفترض بالأصل تكون 0% التي تصلح للشرب أو للري.
وأثناء التحقيق في تكريبة المواد التي تستخدم كبديل عن عصارة النفايات بالوقت الذي يعجز المزارع الوصول إليها ، تم الكشف عن وجود تعبئة لمياه الصرف الصحي وبيعها بعبوات أشبه بعبوات أسمدة سائلة مستوردة خاضعة لمواصفات ومقاييس دولية ، لكن الجرم بالموضوع كان عبارة عن استخدام شبيه لمسمى العبوات المستوردة ما يؤكد بوجود حالة غش ومحاولات مختلفة لايذاء المواطنين بطرق مختلفة ، فيما تؤكد المادة 23 من القانون نفسه أنه «لا يجوز إصدار رخصة صناعة المخصبات الزراعية أو استيرادها أو تجهيزها، أو عرضها للبيع أو بيعها، إلا بعد موافقة الجهات المختصة في وزارة الزراعة»، فأين دور الوزارة ؟؟؟! .
وعندما التقينا المشرف العام للمكب، جمال أبو ميري، الذي أكد أن هناك مجموعات معينة مختصة بسرقة العصارة وبيعها، مبررا عجزهم عن السيطرة على الوضع بسبب قرب المكب من الحدود مع الأراضي المحتلة كما ذكر في بداية التحقيق الأمر الذي يجعلهم يفقدوا السيطرة على المكب بسبب الخوف من إطلاق الاحتلال النار عليهم.
هذا وتكون كمية العصارة أكبر إذا كانت النفايات الصلبة تحتوي على مواد عضوية قابلة للتحلل كبقايا الطعام، وينتج في فلسطين عن كل 100 كلغ نفايات صلبة ما يعادل 200 لتر من العصارة السامة، بينما من المفترض إعادة التعامل مع العصارة يوميا وتقليل كميتها عبر التبخر، لكن ذلك توقف منذ 2007 بسبب ضعف الإمكانات.
وفي نفس السياق كان هناك كشف واضح من قبل رئيس بلدية دير البلح ( سعيد نصار) أن المزارعين بالمنطقة استخدموا هذه العصارة ، لكن أكد أن هناك رادع منع استخدامها بعد اعتقال احد المروجين وهو موظف بالبلدية .
يذكر أن مكب المنطقة الوسطى يقبع تحت سيطرة بلدية دير البلح ، لانه يقع بالمنطقة الشرقية للمنطقة وهذا مقسم ضمن خرائط عمل البلديات بحسب قول رئيس البلدية
ويقول( نصار) الذي يعتبر احد أعضاء مجلس النفايات : هناك بعض المزارعين يقومون بجمع العصارة الناتجة عن النفايات واستخدامها في تسميد النباتات وهذا يؤثر على صحة الإنسان وقام المجلس بتكتيف حماية المكب وإغلاق ما فيه من فتحات وتم تقديم بلاغ رسمي للمباحث في دير البلح بهذا الخصوص وتم اعتقال بعض المشتبه بهم ،لافتا إلي أن مجلس النفايات يعمل جهده لعدم تسرب هذه العصارة للمزارعين.
وزارة الزراعة بدورها حذرت المواطنين والمزارعين من استخدام عصارة النفايات الصلبة الموجودة في مكب النفايات شرق دير البلح أو في رفح، والذيٍ يستخدمه البعض كسماد في الزراعة، وذلك نظرا لاحتوائها سموم خطيرة .
وقالت الزراعة "إنّ الأخطر من ذلك، هو أن البعض يقوم ببيع مياه الصرف الصحي بعد تجميعها في عبوات على أنها سماد"، مؤكدةً أنها تمثل خطرا على صحة الإنسان حال تم استخدامها, وحذرت المزارعين أن كل من لا يلتزم بتعليمات الوزارة يُعرضهم للمساءلة القانونية.
وعادة ما يلجأ المزارعون لهذه العصارة بسبب ظهور أثرها بشكل ملحوظ على المزروعات التي تنمو بسرعة كالبطيخ والجرجير والخس وغيرها من المزروعات.
حديث الزراعة جاء على لسان م. " نزار الوحيدي" مدير عام الإرشاد والري في وزارة الزراعة في غزة الذي أكد خلاله أن الدور يتمثل في متابعة استخدام راشح العصارات من قبل المزارعين يتمثل بدور تكاملي ما بين سلطة جودة البيئة ووزارة الصحة لا سيما دائرة الطب الوقائي، إضافة إلى وزارة الزراعة التي يتمثل عملها بالدرجة الأساسية في تقديم الإرشادات للمزارعين وتوعيتهم بخطورة استخدام الراشح وأهمية مراقبة المنتج.
وكشف الوحيدي خلال لقاءنا به أن هناك بعض المزارعين يستغلون فترة الغروب- كما ذكرنا -ويقومون بجمع العصارة وبيعها, ليكون ذلك إقرار من قبل وزارته أن هناك استخدام بالفعل للعصارة السامة ، حيث أكد أن الشرطة ضبطت أحد المهربين للعصارة وقدمته للقانون لكن الأمر لم يكن رادعا ، وهذا ما أشار إليه رئيس بلدية دير البلح .
ونوه إلى نقطة مهمة وهي أن الخطورة في النفايات الصلبة في قطاع غزة تكمن في أنه لا يتم فصلها، حيث يتم وضع النفايات الطبية مع الصناعية مع الزراعية، وكذلك نفايات الأسواق إضافة إلى النفايات المنزلية التي تشكل خطورة كبيرة، حيث تحتوي على ما يتم استخدامه من مبيدات حشرية، ما يؤدى إلى ترشح مواد سامة تكون خطيرة جدا.
وعن السبب الذي يدفع المزارعين لاستخدام الراشح بالرغم من خطورته يشير الوحيدي إلى أنه يحتوى على قيمة سماد عالية جدًا، إلا أن الأخطار الصحية والبيئية كبيرة جدًا، مشدداً على منع استخدامه، ما لم يتم معالجته بالطرق الموصى بها علميًا.
لكن المعضلة كانت بالتناقض الشاسع بين ما ذكر وبين إفادة وزارة الحكم المحلي حيث أكدت أن المشكلة انتهت منذ ما يقارب العام, في حين قامت الوزارة بعدة إجراءات لمنع هذا الأمر فخلال السنوات الماضية أقامت 3اسوار شائكة حول مكب النفايات كان آخرها قبل عام تقريبا لمنع المزارعين أو من يجمعون العصارات من الحصول عليها كما تم إبلاغ الشرطة بذلك حيث تم اللقاء القبض على عدد ممن يجمعها ويتاجر فيها وتم محاسبة.
وأستطرد زهدي العزيز وكيل مساعد في وزارة الحكم المحلي :" نؤكد أنه لا يوجود أي استخدام في غزة لمثل هذه العصارات فلا يمكن الحصول عليها إلا من مكب دير البلح كونه تم تجهيزه لاستخراج هذه العصارة, ولكن باقي المكبات وخاصة رفح وجحر الديك لا يمكن الحصول عليها, فهي تبقي بأسفل أطنان القمامة ولا تخرج للاستفادة منها مثلما يحدث في مكب دير البلح".
مبين أن مكب دير البلح أعد بتصاميم خاصة تتيح إخراج العصارة من النفايات بسهوله وهي تكون مريء العين.
لكن الصورة التي تم التقاطها من مكب رفح من قبل معد التقرير تظهر العصارة واضحة التي تخرج من أسفل النفايات كما انه مفتوح ويتم استخدام والحصول على العصارة وبيعها من قبل المزارعين .

وبحسب تقارير ودراسات بيئية تبين أن المكبات الموجودة في قطاع غزة هي غير صالحة بيئيًا بالمطلق، فهي تستوعب نفايات فوق قدرتها الاستيعابية، فالأصل أن المكبات يوجد تحتها نظام عزل حتى يكون هناك طمر صحي، فحين تخرج النفايات عن حيز العزل تتسرب العصارة إلى خارج نظام العزل لتصل إلى مناطق خارج المكب، ومن ثم تصل إلى الخزان الجوفي وأحيانًا للتربة الزراعية.
هذا وناقش في وقت سابق تقرير لمركز العمل التنموي/ معا، ظاهرة خطيرة متصاعدة في غزة تتمثل في استخدام مكبات النفايات كمصدر لسماد النبات وما تحويه من عناصر خطرة على الإنسان والبيئة والنبات، كالكادميوم والرصاص وغيرها، عدا الجراثيم الخطرة.
وكانت النتيجة في هذا التحقيق أن هناك بالفعل استخدام لعصارة النفايات المستخلصة من المكب الخاص بالقمامة في المنطقة الوسطى ورفح ، ويتم استخدامها سرا من خلال أشخاص يقومون بزيارة المكان ، بالإضافة إلي استخدام مياه الصرف الصحي والذي تؤكد التحاليل أن احتواء هذه العصارة على مواد كيماوية خطيرة جدا تسبب بانتشار السرطان ،دون إيجاد حلول جذرية ووضع حلول لها.

go top