ليزر علاجي يزيل الشعر ويعالج البشرة، هذه استخداماته الطبيعية التي تعرف بكلفتها الباهظة، وخطورتها العالية، تقنيةٌ تجتاح صالونات التجميل وتنال رواجاً وإقبالاً من قبل فتيات تعرضت عديدٌ منهن إلى حروقات جلدية وتشوهات نجمت عن سوء استخدام وتقصير، فأين الرقابة على مراكز التجميل التي تدعي الخبرة؟ وما هي شروط الترخيص التي يمكن للمركز من خلاها أن يزاول العلاج بهذا الجهاز؟ وكيف للمريض المتضرر أن يسترجع حقه وينال المركز عقابه؟
المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية لؤي ارزيقات أكد أن هناك عديداً من القضايا المسجلة في بعض المحافظات، تحت طائلة الأخطاء الطبية والاستخدام الخاطئ لأجهزة الليزر التي تسببت بأضرار صحية.
وتابع ارزيقات: "إن النسبة الأكبر لقضايا الحروقات الناجمة عن أجهزة إزالة الشعر بالليزر تركزت في مدينة الخليل".
وحول عدد الشكاوي التي وصلت للشرطة الفلسطينية بهذا الخصوص، أكد ارزيقات على أن نسبة الشكاوي التي يرفعها المتضررون في صالونات التجميل قليلة بالمقارنة مع البلدان الأخرى ، موضحاً عدم وجود إحصائية مفصلة لعدد الشكاوي لدى الشرطة.
وبعد أن يتقدم المتضضرون بشكوى ضد مركز التجميل الذي قام بفعل الضرر، تقوم الشرطة بعمل الإجراءات المتبعة في هذه الحالات، وذلك بحسب ما صرح المتحدث الرسمي فإن الشرطة تقوم بأخذ الإفادات في القضية كمشتكي ومشتكى عليه ويتم إحضار المشتكى عليه وتحويله للنيابة بحسب الأصول.
فرح:" في عام 2013 توجهت إلى مركز معروف لإزالة الشعر الزائد عبر تقنية الليزر، وقيل لي أني سأحتاج لثمانية جلسات على الأقل لإنهاء العلاج، وأن سعر كل جلسة 550 شيقل، ومن هنا أبديت استعدادي الكامل بالدفع والالتزام في الجلسات أملاً بالتخلص من مشكلة الشعر الزائد التي أواجهها.
عندما حل موعد الجلسة الرابعة، قامت موظفة جديدة صغيرة السن بالدخول إلى غرفة العلاج لأداء الجلسة بدلاً من الطبيب المختص، وهو ما جعلني أشعر بالخوف، فكيف لفتاة لم تتجاوز الثامنة عشر أن تكون قادرة على استخدام هذا الجهاز ذي الأشعة الخطيرة؟ أحسست بأني فأر التجارب خاصتها!
تتابع فرح باستياء: لم أتردد عن سؤالها فيما لو كانت هي من سيجري الجلسة العلاجية، وبعد أن أكدت لي ذلك تمنيت لو قمت بمغادرة المكان حينها، ولم أبق صامتتة في مكاني أنتظر أن يأتي الفرج أو أن تنتهي الجلسة بأسرع ما يمكن.
منذ بداية الجلسة، أحسست بساقي تحترق، تقول فرح: إن شعوراً بالألم أصابني جراء الحرارة المفرطة التي استخدمتها، ولم أستطع إخفاء تعابير وجهي التي تصرخ ألماً من شدة الحرارة، فما كان منها إلا أن أكدت لي في محاولة طمأنتي: إن شعورك بالألم أمرٌ طبيعي، ومن الضروري بمكان أن أزيد من حرارة الجهاز لإعطائك مفعولاً أكبر".
بعد انتهاء الجلسة، نظرت فرح لجسدها فوجدته مليئاً بالبقع الحمراء "المهبرجة" وعندما سألت عن ماهية هذه البقع توترت الفتاة وخرجت مسرعة من الغرفة لإحضار الدكتورة المختصة، تسرد فرح: عند دخول الطبيبة المختصة استطعت أن أرى الارتباك وقد اعتلا وجهها، وما كان بيدها سوى أن تعطيني مرهماً مجهول الاسم والمصدر .. بالمجان، حاولت أن تبتسم لتشعرني ببعض الأمان: هذا طبيعيٌ وسيختفي خلال أيام!
وتنهي فرح شكواها بأن البقع لم ينفع معها مرهم ولا علاج، فتحولت بعد أيام للون بني، اتضح لها لاحقاً بأنها حروق جلدية، احتاجت أشهر حتى اختفت.
أكثر نضارة وإشراقاً، عبارة رنانة دفعت منار إلى التوجه إلى مركز تجميلي شهير الاسم مكلف الثمن، فهي بصدد الاستعداد لحضور زفاف أخيها أملاً في إطلالة مميزة جميلة، تقول منار: أسبوعٌ واحدٌ فقط كان يفصلني عن حضور زفاف أخي، فتوجهت لمركز "ل" لإجراء عملية تقشيرٍ بعد أن أغرتني مقاطع مصورة يظهر فيها الاختلاف ما قبل وبعد التقشير، أبهرتني النتيجة وزاد حماسي في إجراء التقشير الذي يتغنى به المركز.
تتابع منار: "وضعت الطبيبة التي يفترض بها أن تكون مختصة، كريم التقشير على وجهي لإجراء عملية التقشير، وطلبت 300 شيقل ثمناً لذلك".
توضح منار بأن احمراراً ملتهباً نتج عن عملية التقشير اجتاح وجهها، الأمر الذي لم تجده الطبيبة أمراً غريباً، وتصرفت وكأن الأمر طبيعيٌ مؤكدة أن الاحمرار سيزول خلال ساعات.. كانت تتألم.
تقول منار: بعد أن تأكدت الطبيبة بأن نوبة الهلع التي أصابتني لن تزول ببضع كلمات تشجيعية، اقترحت علي أن اشتري مرهماً مضاداً للاحمرار والالتهاب، ثمنه 300 شيقل.
مرت الأيام والاحمرار لم يختف عن وجه منار، فما كان منها سوى أن توجهت إلى الطبيبة إياها لسؤالها عن سبب ازدياد الاحمرار رغم المرهم الذي وصفته لها، فكانت إجابة الطبيبة التي يفترض بها أن تكون ذات خبرة واختصاص: عليك بطبيب الجلد فإن حالتك غريبة ولا أعرف لها حلاً!
لا نضارة ولا إشراق، حضرت منار زفاف أخيها بوجه محمرٍ يبدو للناظر بأن ناراً قد اشتعلت فيه.
أوضحت حلا العروس المستقبلية، أن المركز الذي توجهت إليه لإزالة شعرها عبر تقنية الليزر أقنعها بأن بصيلات الشعر ذات اللون الفاتح يمكنها هي الأخرى أن تستفيد من الليزر كعلاج للشعر الزائد، فما كان منها سوى أن تدفع مقابل 4 جلسات لم تسقط فيهن بصيلة شعر واحدة!
بعيداً عن أجهزة الليزر، تستقطب مراكز التجميل زبائنها لتقنعهم بمراهم علاجية مختصة و"مختبرة" لإزالة التجاعيد حيناً وعلامات تشقق الجلد أحياناً أخرى.
تقوم فكرة علاج تشققات الجلد من خلال شراء آلة خاصة تشبه شفرات الحلاقة وحسب ما يدعي المختصون في هذه المراكز على تقشير الطبقة الخارجية من الجلد لتحفيز إنتاج الكولاجين، الأمر الذي يجدد البشرة.
وهو ما دفع المتضررة حنان إلى شرائه بكلفة قدرها 250 شيقل، وبعد أن بدأت باستخدامه لاحظت جفافاً شديداً ولوناً بنياً مخيفاً أقرب إلى الحروق الجلدية، الأمر الذي دفعها إلى متابعة طبيبها المختص الذي باعها هو الآخر مرهماً كما فعل سابقوه لعلاج نتائج الجهاز من حروق ونشفان شديدين، سعره 250 شيقل.
لم تقتصر الحروق الجلدية على مراكز التجمل التي تستخدم أجهزة الليزر، بل تعدى الضرر ذلك ليصل إلى العيادات الجلدية، وهو ما أكد عليه أمين سر نقابة أصحاب صالونات التجميل والعناية بالبشرة في رام الله والبيرة، مؤيد عياد.
وفي شرح مفصل لأسباب الحروق، بين أمين السر في النقابة، أن مسببات الحروق لا تقتصر على أجهزة الليزر كأداة، وإنما هناك أسباب أخرى: السبب الأول هو نوع الليزر المستخدم، فهنالك أنواعٌ عديدة من الليزر، ويجب استخدام نوع الليزر الواقي لتجنب الحروقات.
أما السبب الثاني فيعتمد على نوع بشرة الشخص الذي يخضع للعلاج بالليزر، حيث تختلف نوعية البشرة من شخص إلى آخر، ففي بعض الحالات تتسبب أجهزة الليزر بحروقات لشخص دوناً عن الآخر، وفقاً لحساسية الجلد وقدرة البشرة على تحمل العلاج.
والمسبب الأخير للحروقات كما ذكر عياد، والذي يعد الأكثر انتشاراً وخطورة، فهو العاملون بمراكز التجميل والصالونات فاقدي الخبرة والمهارة، ولا يحملون شهادات تؤهلهم لاستخدام أجهزة الليزر على المرضى.
وشدد عياد، على ضرورة تأهيل العاملين في المراكز التجميلية وتعريفهم بآلية استخدام الأجهزة، وألا يقتصر دور المركز التجميلي على إحضار جهاز الليزر وكسب المرضى والبدء بالعملية العلاجية دون أن يكون للعاملين عليه الخلفية والمهارة اللازمة.
وحول قانونية عمل مراكز التجميل واستخدامها لأجهزة الليزر، نوه أمين سر النقابة إلى أنهم بصدد تطوير امتحان سيتم عقده للعاملين على الأجهزة كشرط أساسي في الحصول على التراخيص من وزارة الصحة.
وأضاف الأمين عياد، أن المراكز التجميلية لا يمكن تراخيصها إلا بعد فحص جملة من الشروط والمعايير حددتها وزارة الصحة الفلسطينية، وأكد عياد أن النقابة بصدد تفعيل التواصل مع الوزارة لتشديد الإجراءات الرقابية من أجل تصويب وضعها القانوني.
عبد الله الأحمد، رئيس وحدة الإجازة والتراخيص في وزارة الصحة، كشف أن عدد المراكز التي تستخدم أجهزة الليزر دون ترخيص تقدر بالمئات، حيث لا يستخدم الليزر فقط في المراكز التجميلية، وإنما يستخدم في صالونات التجميل والحلاقة أيضاً، وهو ما ورد في الأيام الأخيرة إلى الصحة عن استخدام الحلاقين لماكنات الليزر.
ومن أجل الحصول على ترخيص من قبل وزارة الصحة لأي مركز تجميلي، أكد الأحمد أن هناك شروطاً فنيةً وشروطاً هندسية يجب أن يخضع لها المركز قبل إصدار ترخيصه، ومن أهم هذه الشروط إذا كان يرغب باستخدام أجهزة الليزر أن يتوفر لديه طبيب جلدي مختص.
وأضاف الأحمد، أنه في حال لم تتوفر هذه الشروط لا يتم منح المركز الترخيص، ومن يقوم بالعمل من دون ترخيص فهو يتحمل المسؤولية الكاملة.
وأردف رئيس وحدة الإجازة والتراخيص في وزارة الصحة، أن الوزارة تقوم بعمل جولات دورية من قبل الدوائر الرقابية على المراكز والصالونات، والمراكز المخالفة يتم إغلاقها.
وأوضح، أنه وخلال هذه الجولات تم الكشف عن عدد من المراكز المخالفة وتم إغلاقها، وهناك من المراكز التجميلية من توجه للصحة مطالباً بالرخصة التي أوقفة الوزارة سير إجراءاتها نتيجة المخالفة، وفي حالات أخرى تم إغلاق بعض مراكز التجميل التي وصل الصحة شكاوٍ بها.
ورغم مسؤولية مراكز التجميل عن أخطائهم الطبية، إلا أن الأحمد حمل بعضاً من المسؤولية إلى المواطن المتضرر الذي تعرض للحروقات أو المشاكل الجلدية، ولم يقم بالتوجه إلى وزارة الصحة بالشكوى.
وفي ختام حديثه، ناشد رئيس وحدة الإجازة والتراخيص في وزارة الصحة المواطنين بتقديم شكواهم للصحة في حال التعرض إلى إية مشاكل صحية ناجمة عن مراكز التجميل ومخالفاتها.
ونصح الأحمد، بالتأكد من ترخيص المراكز قبل بدء العلاج، بحيث تعلق رخصة المزاولة في مكان ظاهر للمراجع، وفي حال تبين عدم وجود ترخيص يجب أن يتوجه المواطن للصحة بالشكوى.
وأكد الأحمد بأن وزارة الصحة على دراية بوجود مراكز طبية يعمل بها فتيات دون المؤهلات المطلوبة، معطياً وعوداً بمتابعة مستقبلية لهذه المخالفات، عبر لجان ستعمل الصحة على تكثيف دورها الرقابي على مستوى الضفة الغربية من أجل كشف هذه المخالفات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقها.
مراكز التجميل تُغنى على حساب مواطنين منحوا تلك المراكز ثقة عمياء بصحة أجسادهم، ولكي تستحق تلك المراكز هذه الثقة، على الجهود أن تتضافر بين مواطنين دائمي الشكوى، ووزارة دائمة الرقابة، ونقابة تحاسب منتسبيها، ورقابة ذاتية تحملها مراكز التجميل بداخلها كوازع أخلاقي لتحقيق المسؤولية المجتمعية