الصحافة الاستقصائية

التعذيب في سجون غزة .. سياسة ممنهجة أم حالة طارئة نتيجة الانقسام

التعذيب في غزة يطال الجنائيين والسياسيين والقصر وأشكاله تتعدد بين الشبح والضرب والفلكة والحرمان من النوم
134 شكوى تعذيب وتسعة وفيات و266 شكوى بالاعتقال السياسي في قطاع غزة
داخلية حماس تقر بوجود تجاوزات فردية وتؤكد معاقبة من يثبت ارتكابه التعذيب بحق المواطنين
مؤسسات حقوق الإنسان تشكك في محاسبة داخلية حماس لمرتكبي التعذيب
الدعوة لإجراء تحقيقات مهنية ومستقلة في شكاوى التعذيب وإعلان النتائج للمواطنين
الناطق باسم داخلية غزة: نقلة نوعية في الأداء الشرطي بقطاع غزة ومن تثبت إدانته بالتعذيب يعاقب
المراقب العام: 1561 شكوى من قبل المواطنين في عامي 2012/ 2013 ضد تجاوزات أفراد الأجهزة من بينها تجاوزات تعذيب

 

غزة – حسن دوحان

رغم مرور عامان على وفاته، إلا أن ذوو المواطن حسن محمد عودة الحميدي23عاماً من قرية وادي السلقا بدير البلح يصرون على محاسبة المتسببين في مقتله في احد مراكز الاحتجاز والتحقيق لدى جهاز الشرطة المقالة بغزة..

وكان المواطن الحميدي توفي في 10 يونيو (حزيران) 2011 في مشفى دار الشفاء في مدينة غزة بعد صراع مع الغيبوبة نتيجة تعرضه للتعذيب والضرب من قبل أفراد من إدارة مكافحة المخدرات بدير البلح، ويقول علي الحميدي شقيق الضحية "أن شقيقه حسن ألقي القبض عليه داخل منزله وقد خرج من المنزل برفقه قوة الشرطة سليما لا يعانى من أي مرض أو خدش حيث توجهت به الشرطة إلى مقرها في مدينة دير البلح واحتجزته هناك في إطار حملة شملت 55 مواطناً من نفس القرية، وأثناء التحقيق معه تناوب على ضربه عدة أفراد من الشرطة، وكما أفاد لي بعض المعتقلين وذكروا أن أفراد الشرطة (المحققين) كان يخرجون من غرفة التحقيق ويقولوا "إنهم ما طلعوش رأس معاه ومش راضي يعترف، فيتبرع أخر بتعذيبه وإجباره على الاعتراف"، ونتيجة لذلك تم نقله الى المشفى بحالة خطرة في نفس اليوم الذي تم اعتقاله فيه..
ويضيف الحميدي وفي اليوم التالي لاعتقال حسن جاءنا اتصال من أحد الأصدقاء أكد لهم أن شقيقهم حسن وضعه حرج جدا ومتواجد للعلاج في قسم العناية المركزة بمشفى دار الشفاء بغزة، وحينها ذهبنا هناك وكان بحالة صعبة وتوفي على أثرها، ويشير إلى أنه عند استلام جثة شقيقهم لاحظوا وجود عدة كدمات في القدمين واليدين، إضافة إلى جرح في مؤخرة الرأس طوله 20 سم  يعتقد أنها من نتيجة استخدام اله حادة، فضلاَ عن وجود ازرقاق في جميع أنحاء الجسم، وان الجثة تم إخضاعها للتشريح دون علم أو موافقة ذويه"..
وحسب المعلومات المتوفرة لدي الضمير لحقوق الإنسان ، والمستندة لإفادة شقيق الضحية " أنه عند الساعة 12:00 من ظهر يوم أمس السبت، توجه إلى مشفي الشفاء لزيارة شقيقة فلم يجده في سريره، وعند الاستفسار عنه أبلغة أحد الأطباء أن شقيقة حسن، قد توفي ليلة أمس، حيث أن شقيقة حسن الحميدي كان قد أدخل مشفي الشفاء قبل أسبوع تقريبا وهو في حالة حرجة جداً، وذلك بعد مداهمة قوة من الشرطة منزل الضحية فجر يوم الجمعة الموافق 03 يوينو (حزيران) 2011"
ويؤكد الحميدي أن الأجهزة الأمنية لا زالت تتنصل من إقدامها على تعذيب شقيقه مما أدى إلى وفاته، ويشير إلى انه تقدم بعدة شكاوي لدى امن الشرطة ووحدة حقوق الإنسان في وزارة الداخلية المقالة، والمراقب العام دون جدوى، وأخيراً إلى النائب العام في الحكومة المقالة ولا زال ينتظر الرد على شكواه.
والمتوفي حسن الحميدي متزوج ولديه ابنة كان عمرها عندما تعرض للتعذيب ثم الوفاة ثلاثة شهور، وقام شقيقه بنشر فيديو على اليوتيوب يظهر أثار تعذيب شقيقه، مع ترديد أغنية وداعاً، وصورة لابنته وهي تلقي نظرة الوداع عليه..
ويؤكد الحميدي أن التقرير الطبي اظهر تعرض شقيقه للتعذيب وانه تعرض للضرب بالة حادة في رأسه أدت لحدوث جرح بطول 20سم، إضافة إلى كدمات في صدره ورجليه ويديه"، ويقول لن نترك حقنا ونحن ماضون بالإجراءات القانونية لمحاسبة المتسببين بوفاة حسن، ولن نسامح في دم ابننا"..
فقدان ذاكرة
آثار التعذيب لا تتوقف عند حدود معينة، فهذا المواطن أنور إسماعيل محمد أبو غانم46 عاماً  من سكان مخيم جباليا، تعرض للاعتقال من قبل جهاز الأمن الداخلي لمدة شهرين ونصف الشهر للتحقيق معه على اثر تقرير كيدي، ونتيجة للتعذيب حدث معه نزيف في الدماغ أدى إلى فقدانه الذاكرة من تاريخ 9-5-2011 وحتى 26-9-2011..
ويقول ابن شقيقه تامر أبو غانم " لقد تم نقل عمي أنور مساء يوم الجمعة الموافق 27 مايو( أيار )2011 إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة، بحالة صحية حرجة جداً..
وحسب المعلومات المتوفرة لدي الضمير، والمستندة لإفادة تامر أبو غانم، ابن شقيق الضحية " لقد قمنا بإحضار طبيب خاص من خارج المشفى، وأكد أن أنور بحالة حرجة بسبب إصابته بنزيف داخلي حاد في الدماغ من الناحية اليسرى..
ويؤكد تامر ابو غانم أن عمه لم يكن يشكو من أية أمراض وأن صحته جيدة قبل اعتقاله.
ويعمل المواطن أنور أبو غانم في محل تجاري له، ولديه أسرة مكونة من عشرة أفراد، وكان اعتقل بتاريخ 14/04/2011 من قبل جهاز الأمن الداخلي ومحتجز للتحقيق في مركز توقيف أنصار، وتقدمت زوجته لمؤسسة الضمير لحقوق الإنسان بشكوى بتاريخ 09/05/2011 تفيد  باعتقال زوجها من قبل جهاز الأمن الداخلي دون معرفة أسباب الاعتقال أو أي معلومات حول مصيره، إلا أن جهاز الأمن الداخلي قام بالاتصال على ابن أنور وطلب منه إحضار 2000 دولار أمريكي إلي مركز توقيف أنصار، وكذلك تمكنت المؤسسة من التنسيق مع جهاز الأمن الداخلي لتمكين زوجته من الحديث مع زوجها، ولكن منذ منتصف شهر مايو الجاري قوبلت كل محاولات طاقم المؤسسة لزيارته هو وآخرين من بين المعتقلين بالرفض والمماطلة مع قبل جهاز الأمن الداخلي، على الرغم من أن المؤسسة تنسق هاتفياً بهذا الصدد مع كل من دائرة حقوق الإنسان التابعة لوزارة الداخلية ومع إدارة مركز توقيف أنصار..
ويشير تامر إلى أن عمه لا زال يعاني من أثار نفسية نتيجة اعتقاله وتعرضه للتعذيب، مما أوصله إلى مرحلة الموت، ويقول حتى تاريخ 8-5-2011 كانت حالته حسب الصليب الأحمر جيدة، ولكن بعد ذلك تعرض للضرب والشبح وغيرها من الممارسات مما ادخله في غيبوبة، وتم الاعتراف من قبل جهات مقربة من حماس لنا بالخطأ وأنهم قاموا بمعاقبة المتسببين، وارجعوا لنا كافة أغراضه وأمواله التي احتجزوها، ودفعوا كافة مصاريف علاجه إضافة إلى ألفي دولار لعائلته"..
الاعتقال السياسي "لمين بدك تشكي وأبوك القاضي"
ورغم نفي حكومة حماس المقالة في قطاع غزة لوجود اعتقال سياسي إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى حقائق مختلفة، فهذا المواطن مصطفى مقداد 34 عاماً محاضر في جامعة القدس المفتوحة من سكان حي الشيخ رضوان بغزة، تعرض للاعتقال السياسي من قبل جهاز الأمن الداخلي في 21-2-2013 ،وتعرض لأشكال من التعذيب من بينها وضع كيس على رأسه، والشبح، ووضعه على كرسي صغير لساعات طويلة دون نوم، والطلب منه الإدلاء باعترافات حول أشخاص من فتح، إضافة إلى تعرضه للاهانة والتعامل بطريقة سيئة.
ويضيف مقداد "لقد تركزت الأسئلة على عملي الصحفي، ووجهت النيابة العسكرية رغم إنني مدني تهمة الإخلال بوحدة الصف الفلسطيني، وقاموا بتصويري فيديو ثلاث مرات، وتقدمت بشكاوى لمؤسسات حقوق الإنسان، ولكننا لم نتوجه لتقديم شكاوي للجهات الأمنية في الحكومة المقالة وعلى رأي المثل (لمين بدك تشكي وأبوك القاضي)..
أثار التعذيب مستمرة
ورغم مرور عدة أعوام على اعتقاله سياسياً وتعذيبه، إلا أن المواطن حسن العجرمي 41 عاماً من سكان رفح لا زال يعاني من الآلام وأثار التعذيب، ويقول "لقد اعتقلت في شهر حزيران عام 2009 لمدة 30 يوم في جهاز الأمن الداخلي بتهمة الانتماء لحركة فتح والاتصال برام الله، ويضيف "لقد تعرضت لأشكال متعددة من التعذيب، ففي خلال ال30 يوم من الاعتقال لم انم سوى أربع ساعات متفرقة، وكنت معصب العينين، وتعرضت للشبح والضرب بماسورة باطون مما أدى إلى كسر يدي وحتى الآن أعاني من وجود الآلام في يدي جراء التعذيب، وتقدمت بأكثر من شكوى لمراكز حقوق الإنسان ولا حياة لمن تنادي، وخلال فترة اعتقالي لم أتناول سوى علبة لبن في اليوم فقط".
الصحفيون يدفعون الثمن
الصحفيون كانوا أيضاً عنواناً للصراع السياسي بين فتح وحماس، ودفعوا ثمناً باهضاً لما يؤمنون به من رأي، وتعرضوا للاعتقال السياسي من قبل الأجهزة الأمنية سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وكان الصحفي علاء الدين منار الدواهيد 24 عاماً من سكان غزة احد الأقلام التي أبت الانكسار..
اعتقل الصحفي الدواهيد في جهاز الأمن الداخلي بتاريخ 25-1-2013 ولمدة عشرة أيام تعرض خلالها لأصناف من التعذيب من بينها الشبح، ووضع كيس على رأسه، والضرب، والجلوس على كرسي صغير دون السماح له بالنوم، ووجهت له اتهامات العمل في مواقع فتح الإخبارية، ويشير إلى أن أفراد من جهاز الأمن الداخلي قاموا باقتحام منزله وتكسير غرفته، واحتجاز جهاز الحاسوب الخاص به.
ويوضح أنهم قاموا بوضعه في زنزانة مع متهمين بالتخابر مع الإسرائيليين.
كما وتعرض الصحفي حسين عبد الجواد كرسوع للاعتقال من قبل جهاز الأمن الداخلي في شهر يناير من العام الجاري مع 13 صحفي جرى اعتقالهم، واستمر احتجازه لمدة شهر ونصف الشهر، وخلال التحقيق معه تم وضعه على كرسي صغير مما اثر على الإصابة التي يعاني منها في ظهره، ويقول "لم أتقدم بأي شكاوي، لكن مؤسسات حقوق الإنسان لديها تقارير عن أوضاعنا، ولم يقدموا لنا أي شيء"..
الأطفال القصر والتعذيب
وللقصر أو الأحداث حكايات كثيرة مع مسلسل الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون الفلسطينيون من قبل أفراد الشرطة من اجل تحقيق انجازات أو إغلاق ملفات حتى وان كان بمخافة التعليمات والقوانين..
الطفل محمود احمد فسفس 17 عاماً اعتقل في 3-6-2012 من قبل المباحث الجنائية وتعرض للضرب بالفلكة على رجليه كما أفاد لوالده، ولا زال ينتظر المحاكمة بتهمة اعتداء ورغم تأكيد والده انه يعاني من مرض نفسي وقاصر إلا انه اعترف بالتهمة مجبر نتيجة تعرضه للضرب..
ويطالب مؤسسات حقوق الإنسان بالعمل من اجل وضع حد لضرب القصر في مراكز الشرطة خاصة عندما يكونون مرضى..
والطفل محتجز حالياً حسب إفادة والده في مؤسسة الربيع لرعاية القصر.
وتعرض الطفل عبد الرحمن ديار 16 عاماً المعتقل منذ شهرين في أول يومين من اعتقاله للضرب والتعليق والضرب ببربيش بتاع حميركما يقول، ولم يتم تحويله إلى مؤسسة الربيع إلا بعد مرور خمسة أيام رغم أن القانون يجبر الشرطة على تحويل القاصر لمؤسسة الرابع في ال 24 ساعة الأولى من الاحتجاز..
ولسوء أحوال أسرته الاقتصادية لم يتم تكليف محامي للدفاع عنه في التهمة الموجهة له وهي توصيل أو نقل 25 كيلو بانجو..
والطفل عبد الرحمن يعاني من ظروف أسرية صعبة نتيجة وفاة والده وعدم توفر معيل لأسرته وتردي أحواله الاقتصادية، مما جعله يقوم بنقل المواد المخدرة مقابل مائة شيكل كما يقول..
الطفل فارس ماس 15 عاماً تعرض للضرب فلكة على رجليه وببيربيش جلد حمير، وتم تهديده بتشغيل الكهرباء في جسده للاعتراف بحيازة الترمال..
انتهاكات لا تتوقف
وتؤكد منسقة وحدة تقصي الحقائق وإدارة الشكاوى في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان المحامية صبحية جمعة أن كافة الأطفال الذين يتم اعتقالهم في قضايا جنائية من قبل المباحث الجنائية ومكافحة المخدرات يتعرضوا للتعذيب، إضافة إلى احتجازهم مع البالغين، وخلال زياراتنا الدورية للسجون ومراكز التوقيف يشير هؤلاء الأطفال إلى تعرضهم للتعذيب لإجبارهم على الاعتراف بالتهم الموجهة لهم..
وتقول "كما ولا يتم تحويل الأطفال إلى مؤسسة الربيع مباشرة وفق القانون، وإنما يتم احتجازهم مع الكبار، والطفل حسب تعريفه هو ما دون 18 سنة.
وتضيف جمعة "خلال عام 2012 يوجد 311 انتهاك في قطاع غزة منها 134 انتهاك تعذيب أو التهديد أثناء التوقيف، منها 13 معاملة سيئة ولا إنسانية، 64 اعتداء جسدي ومعنوي..
ويشير التقرير السنوي للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان لعام 2012 إلى وجود 219 شكوى ضد جهاز الشرطة في قطاع غزة، 31 شكوى ضد المباحث الجنائية، 66 ضد مكافحة المخدرات في قطاع غزة إضافة إلى 106 شكوى ضد جهاز الأمن الداخلي تتعلق بالتعذيب وتوقيف غير قانوني، وخطأ في الإجراءات القانونية، وشكاوى المواطنين حول انتهاك حقوق الطفل بلغت 48 انتهاك تتعلق بتعرضهم للتعذيب والاعتداء الجسدي والتأخير في نقلهم لمؤسسة الربيع(الإصلاحية).
وتوضح جمعة أن هناك مواطنين يتقدموا بشكاوى في وزارة الداخلية لدى أمن الشرطة أو الشرطة القضائية أو النائب العام دون أي جدوى خصوصا الشكاوى المتعلقة بتعرضهم للتعذيب لا يتم الأخذ بها من قبل تلك الجهات.
وتؤكد تنوع وتعدد أشكال التعذيب على يد أجهزة الأمن الداخلي والمباحث الجنائية ومكافحة المخدرات في قطاع غزة، من الشبح لساعات متواصلة ولأيام، وتقييد اليدين من الأمام أو الخلف، وتقييد الأرجل، والتعليق بالسقف، والضرب بالهروات والمواسير الحديدية، والبرابيش، والعصى الكهربائية، والفلكة على باطن القدمين، وسكب المياه الباردة على الجسم، والضغط النفسي، والاهانة والسب وتوجيه الشتائم، والاحتجاز في زنزانة انفرادية،
وتشير جمعة عدم وجود اختلاف بين ممارسات الأجهزة الأمنية السابقة والحالية في قطاع غزة من حيث ممارسة أشكال التعذيب رغم وجود تعليمات بمنع التعذيب.
وكان التقرير السنوي للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان أشار إلى وجود شكاوى بالتعرض للتعذيب في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وبلغت 306 ادعاءات بالتعذيب، 134 منها في قطاع غزة و172 في الضفة الغربية، و52 ادعاء بالتعرض للمعاملة القاسية واللانسانية أثناء التوقيف 13 منها في غزة و39 في الضفة، بالإضافة إلى 156 ادعاء بالاعتداء الجسدي أو المعنوي"، وسجلت الهيئة وجود 11  حالة وفاة في مراكز الاحتجاز والتوقيف خلال عام 2012 منها تسعة حالات وفاة في قطاع غزة وحالتان في الضفة الغربية، إضافة إلى وجود 266 شكوى بالاعتقال السياسي في قطاع غزة و563 في الضفة الغربية، وهو ما تبرره المحامية صبحية جمعة أن الهيئة المستقلة لم تتمكن من تسجيل غالبية الانتهاكات في قطاع غزة بسبب إحجام أصحابها عن تقديم الشكوى بسبب الخوف أو التهديد من قبل الأجهزة الأمنية، وتقول "لكننا نرصد أثار التعذيب على المعتقلين خلال زياراتنا لاماكن التعذيب والأعداد الحقيقية للانتهاكات تتعدى ما يتم توثيقه والأرقام المشار إليها بكثير في قطاع غزة، وعدد الشكاوى التي يتم تلقيها في الضفة أكثر من غزة وهذا يعود لأسباب ثقافية وأخرى متعلقة بالثقة باتخاذ إجراءات حقيقية بحق أفراد الأجهزة الأمنية الذين يرتكبون مخالفات التعذيب..
وتشير إلى أن الرئيس محمود عباس اصدر تعليماته بحظر التعذيب ومنعه في مراكز الاحتجاز والتوقيف، وتمت محاسبة 45 ضابطا في الضفة لممارستهم التعذيب، ورغم ذلك لا زالت الهيئة المستقلة تتلقى الشكاوى بالتعذيب.
إعلان المحاسبة وتحقيق مهني مستقل
يذهب مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان خليل أبو شمالة لدعوة الحكومة المقالة لإعلان محاسبة من يمارس التعذيب من قبل أفراد الأجهزة الأمنية لتعزيز الثقة من قبل المواطنين بأداء تلك الأجهزة..
ويقول أبو شمالة "كل من مارس التعذيب يجب أن يحاسب، وتكون المحاسبة علنية، ويجب أن نعرف كمنظمات حقوق إنسان وأصحاب الشكاوى كيف تمت المحاسبة ونوعها..
ويضيف من ناحية الاعتقال السياسي لا يوجد توثيق لدينا حول ممارسة التعذيب بحق أبناء حركة فتح وهذا من عمل الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ونحن نطالب بالمحاسبة والتحقيق، ولكن لم يحدث محاسبة من قام بممارسة التعذيب، وحماس تقول أنها تمارس المحاسبة الداخلية، ونحن قلنا لهم أن المحاسبة الداخلية خارجة عن نص القانون"..
ويؤكد أبو شمالة أن معظم حالات التعذيب التي تتلقاها مراكز حقوق الإنسان هي من قبل المباحث الجنائية ومباحث مكافحة المخدرات، وعدد من الذين اعتقلوا على خلفية الاتجار بالمخدرات تعرضوا للتعذيب وتوفي بعضهم، وهناك شبهات حول وفاتهم، ونطالب بالتحقيق، إلا انه لم يتم إجراء تحقيق مهني مستقل لمعرفة الأسباب التي أدت إلى الوفاة، وفي معظم الحالات كان يتم تسوية الموضوع بين أهل المتوفي والحكومة بغزة.
ويقول منظمات حقوق الإنسان لا زالت تتلقى الشكاوى، ولكننا كمؤسسة الضمير لا نتعامل مع شكاوى مدنية، وعملنا يتعلق بشكاوى الحريات وحرية التعبير، وهناك الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان هي من تتلقى الشكاوى تحقق فيها سواء كانت شكاوى سياسية أو مدنية..
التعذيب في القانون الفلسطيني
وعلى المستوى الدولي، ثمة إقرار دولي بحظر التعذيب، عبرت عنه الاتفاقيات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب عام 1984.
وتؤكد دراسة علمية للمحامي معن ادعيس بعنوان "مراجعة قانونية لأحكام التعذيب في النظام القانوني الفلسطيني" انه وعلى المستوى الوطني، نص القانون الأساسي المعدل للسلطة الوطنية الفلسطينية لعام 2003 على أن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام، وان السلطة الوطنية ستعمل دون إبطاء على الانضمام إلى الإعلانات والمواثيق الإقليمية والدولية التي تحمي حقوق الإنسان، كما منع القانون ذاته إخضاع احد لأي إكراه أو تعذيب، واوجب أن يعامل المتهمون وسائر المحرومين من حرياتهم معاملة لائقة، وقرر بطلان كل قول أو اعتراف يؤخذ من أي إنسان تحت تأثير التعذيب،
وتذكر الدراسة أن السلطة الوطنية تحرم التعذيب في قانون 60 في الضفة الغربية وقانون 36 النافذ في قطاع غزة، ونص قانون الإصلاح والتأهيل "السجون" على منع إدارة مراكز الاحتجاز من ممارسة أية أفعال تعذيب أو استعمال أفعال الشدة على النزيل"، واشترط قانون الإجراءات الجزائية في الاعتراف حتى يكون قانونياً أن يصدر طواعية وبالاختيار ودون ضغط أو إكراه مادي أو معنوي.
وتقول منسقة وحدة تقصي الحقائق وإدارة الشكاوى في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان المحامية صبحية جمعة "لقد جرم قانون العقوبات الانتدابي لعام 1936 أي انتهاك جسدي أو معنوي في أماكن الاحتجاز بحق المواطنين، والتعذيب لا بد أن يكون من موظف رسمي وفي مكان احتجاز بهدف نزع اعتراف من الشخص على نفسه أو على آخرين"..
وينص قانون العقوبات الانتدابي لعام 1936 على تجريم أفعال الجرح التي تقع بوجه غير مشروع، وأفعال الإيذاء الشخصي الأخرى كمن أعطى شخص أخر أو ساهم في تناول شخص أخر سماً في تناول شخص أخر سماً أو شيئاً مؤذياً بوجه غير مشروع قاصدا بذلك إلحاق الضرر به أو إزعاجه، وجرم القانون ذاته أفعال الاعتداء على الآخرين التي تأخذ صورة الضرب أو اللطم أو الدفع أو استعمال أي نوع من أنواع القوة، وتضمن القانون تجريم كل فعل من موظف في الخدمة العامة اخضع أو أمر بإخضاع أي شخص للقوة أو العنف بغية أن ينتزع منه أو من شخص يهمه أمره، اعترافاً بجرم، أو أية معلومات تتعلق بجرم، أو هدد أي شخص أو أمر بتهديده بإلحاق أذى به أو أمواله أو بأي شخص وأموال أي شخص يهمه أمره، بغية أن ينتزع منه اعترافاً بجرم، أو أي معلومات تتعلق بجرم".
شكاوى التعذيب والداخلية
شكاوى التعذيب والإهانة في مراكز الشرطة والتوقيف في قطاع غزة لم تتوقف، رغم التطور النسبي في أداء الشرطة في التعامل مع المدنيين، فمنذ ستة سنوات عندما تولت أفراد كتائب القسام والمرابطين تطوعاً إدارة مراكز الشرطة في قطاع غزة كانوا يتعامون مع المواطنين بعقيدة الجيش القائمة على التعامل مع الأعداء إلى أن حدث التحول عقب أحداث جماعة الشيخ عبد اللطيف موسى فبدأت عملية إعداد أفراد الشرطة للتعامل مع المدنيين..
ويقول الناطق باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة إسلام شهوان توجد في وزارة الداخلية عدة جهات بإمكان المواطن التقدم لها بشكاويه في حالة تعرضه لظلم من قبل المجتمع أو من قبل أفراد الشرطة وهي دائرة شكاوى المواطنين، ودائرة حقوق الإنسان، والمراقب العام، والعلاقات العامة والإعلام، إضافة إلى دائرة امن الشرطة التي تتلقى شكاوى المواطنين تجاه أفراد الأجهزة الأمنية الذين لهم علاقة مع المواطنين بحكم عملهم.
ويؤكد شهوان أن التعذيب متوقف منذ أكثر من عامين، ويقول لقد تم منع التعذيب في كافة مراكز التوقيف والاعتقال بما فيها جهاز الأمن الداخلي، وحصل المحققون على دورات خاصة تدربوا خلالها على فنون التحقيق بدون استخدام التعذيب، وأي مواطن يتعرض للتعذيب أو أي إهانة من قبل رجال الشرطة لديه العديد من الجهات الرسمية التي يمكنه التقدم بشكوى فيها، ونحن بدورنا نقوم بالتحقيق في ذلك، وأي مواطن يثبت انه تعرض للإهانة أو أي شكل من أشكال التعذيب يتم اتخاذ الإجراءات ضد الشرطي.
ويؤكد شهوان أن أداء رجال الشرطة والأجهزة الأمنية شهد تطوراً كبيراً ونوعياً في التعامل مع المواطنين، مقراً أن أفراد الشرطة المقالة عندما استلموا عملهم في قطاع غزة لم يكونوا مدربين وإنما جاءوا من دوريات الرباط للتعامل مع المواطنين وهم لا يدركون ابسط المصطلحات القانونية ولكنهم الآن أصبحوا أكثر احترافاً، ويتبعون الإجراءات القانونية في التعامل مع المواطنين بكل مهنية، وذلك بعدما جرى تدريبهم وفق المدارس لشرطية الخليجية ولعربية والشرقية ليشكلوا المدرسة الأمنية الفلسطينية التي باتت تتجاوز في مستوى أدائها العديد من الدول العربية.
ويوضح شهوان أن هناك تطور كبير ونقلة نوعية في الأداء الشرطي بقطاع غزة يشهد له الجميع، بعدما جرى تطوير الكادر البشري.
ويشير شهوان إلى أن بعض الشكاوى تكون كيدية أو مبالغ فيها، ولذلك نجري التحقيق اللازم بحيث نأخذ الحق للمواطن وننصف الشرطي ونبقي على هيبته.
ويقول وبالنسبة للتعامل مع الأطفال القصر وعدم نقلهم لمؤسسة الربيع، فذلك يتم من اجل الحفاظ على نسيج المجتمع والترابط الأسري، نعمل على حل مشاكل الأطفال وإعادتهم لأسرهم، وليس هدفنا اعتقال كل الأحداث بقدر ما نسعى لحل مشاكل هؤلاء الأطفال وإعادتهم لأسرهم، ولا نحولهم لمؤسسة الربيع إلا عندما نضطر لذلك.
ورغم نفي مدير دائرة الشكاوي في وحدة حقوق الإنسان بوزارة الداخلية المقالة محمد الساعاتي وجود معتقلين سياسيين إلا انه اقر بوجود تجاوزات فردية من قبل أفراد الشرطة بحق عدد من النزلاء والمحتجزين في مراكز احتجاز وتوقيف المتهمين.
ويقول أن وحدة حقوق الإنسان تتلقى الشكاوي من قبل المواطنين وتخاطب الأجهزة المختصة سواء المدنية أو الأمنية ومن ثم ترفع ما يتعلق بتجاوزات أفراد الأجهزة لمكتب الوزير لاتخاذ الإجراءات والتعامل مع الشكوى، ويؤكد أن نسبة الشكاوي من قبل الموقوفين في السجون شهدت انخفاضاً كبيراً..
ويشير إلى وجود ازدحام كبير لا زال يعاني منه الموقوفين في السجون نتيجة تعرض السجون في قطاع غزة للتدمير جراء القصف الإسرائيلي، وانه جاري العمل على بناء مراكز توقيف وسجون جديدة في قطاع غزة.
ويكشف المراقب العام لوزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة سامي نوفل عن وجود 1071 شكوى من قبل المواطنين في عام 2012، و490 شكوى في عام 2013 حتى الآن تتعلق غالبيتها بتجاوزات لأفراد الأجهزة الأمنية وخاصة الشرطية من بينها شكاوى تتعلق بالتعذيب والإهانة والضرب ولكنها شكاوى قليلة، مشيراً إلى انه تم انجاز نحو 97% من شكاوى المواطنين ومعالجتها..
ويقول نوفل هناك شكاوى ضد جهاز الأمن الداخلي ولكنها شكاوى قليلة، ويضيف سياستنا في وزارة الداخلية تقوم على منع استخدام العنف نهائياً ضد المواطنين وهناك قرارات وتعليمات بذلك، وأي تجاوز هو تجاوز فردي ومن حق المواطن أن يشتكي وهناك عقوبات ضد أفراد الشرطة الذين لا يلتزمون بالتعليمات بمنع التعذيب، ويوضح نوفل انه يوجد في كل جهاز أمني دوائر رقابية فمثلاً في جهاز الشرطة يوجد مكتب المفتش العام للشرطة وأمن الشرطة بإمكان المواطنين التوجه لهم وتقديم شكاويهم حتى وان كانت ضد أفراد الشرطة أنفسهم.
ويؤكد نوفل أن وزارة الداخلية تطمح للارتقاء بالأداء الشرطي وتشترط الحصول على دورات متخصصة وعلمية لأغراض الترقية، ويشير إلى أن التجاوزات تقل وتنحصر من قبل أفراد أجهزة وزارة الداخلية لعدم وجود تهاون من قبلنا في التعامل مع الشكاوى التي نتلقاها لدرجة أننا نضطر لتشكيل لجان تحقيق في بعض الشكاوى المتعلقة بقضايا الرأي العام أو الإساءة المبالغ فيها للمواطنين والتي توصي بعقوبات شديدة بحق أفراد الأجهزة الذين ارتكبوا تلك التجاوزات.
ويبقى التساؤل متى تنتهي عمليات التعذيب ويتم استبدالها بثقافة جديدة في التعامل مع المتهمين تقوم على الاحترام وعدم الإهانة؟!!!!!!!!!!!

go top