آراء حرة

الإقتصاد الفلسطيني بين القول والفعل

الإقتصاد الفلسطيني بين القول والفعل

 

بقلم: محمد خضر قرش

دخل إلى القاموس الإقتصادي والإجتماعي الفلسطيني كلمات وتعابير ومصطلحات مستحدثة من حيث الإستخدامات اللغوية والمخاطبات، لم تكن دارجة ومستعملة على نطاق واسع في الأدبيات والثقافة الإعلامية.

وقد أُسس لهذه المصطلحات والتعابير منظمات دولية وإقليمية ومؤسسات وجمعيات غير حكومية عديدة خصص لها موازنات ليست قليلة بغرض مكافحة الفساد والمحسوبية والواسطة وتضارب المصالح وغسل الأموال أو ما يطلق عليه الجرائم البيضاء بلغة علماء الاجتماع.

وقد سنًت وشرعت لها القوانين بشكل عاجل وأعطيً لها صفة الإستعجال من حيث الإصدار والنشر والعمل بها، علما بان هناك قوانين أهم منها بكثير للإقتصاد الوطني لم تأخذ صفة الاستعجال، كقانون الشركات مثلا الذي ما زال ينتظر الفرج لإطلاقه وإصداره.

هناك قوانين عديدة صدرت بمراسيم رئاسية وأخذت صفة الإستعجال علما بأنها دون أهمية قانون الشركات بكثير. ما يهمنا في هذا المقام أو السياق هو تبيان درجة إستفادة الإقتصاد الفلسطيني من إدخال هذه المصطلحات والقوانين حيز التنفيذ وبدء العمل بها.

فالنائب العام صرح قبل أكثر من 5 سنوات بأن حجم الأموال المختلسة أو غير المحددة الإتجاه أو مجهولة المصير بلغت نحو 750 مليون دولار ومن يومها وحتى تاريخه لم يصدر من أي جمعية أومن رواد الشفافية والمساءلة والنزاهة والحكم الرشيد(الحوكمة) ما يشير إلى متابعة الموضوع أوالإهتمام به وإعلام الشعب الفلسطيني بحقيقة مآل هذا المبلغ وهل فعلا جرى إختلاسه أم أنها زلة لسان قيلت في لحظة تأثر نتيجة مشاهدة موقف معين.

من المؤكد أن ممارسة النزاهة والشفافية والمساءلة في الحكم يساعد كثيرا في تنمية وتطوير الإقتصاد المحلي ويحفز الإستثمار. وإذا كان ما سبق صحيحا ولا خلاف عليه بين الإقتصاديين والسياسيين على حد سواء، إلا أن تطبيقه ووضعه موضع التنفيذ ومساواة الجميع امام القانون سيؤدي إلى وقف هدر المال العام  وخاصة بالنسبة للدول النامية والفقيرة، والتي لا تملك موارد فائضة عن حاجتها. فوفقا لرئيس المنظمة العربية لمكافحة الفساد عامر الخياط، فإن ثلث مجموع الدخل القومي العربي قد أهدر بسبب تفشي ظاهرة الفساد وإنعدام المحاسبة والشفافية والمساءلة. وبلغة الأرقام فإن ألف مليار$ قد اهدرت من قبل الدول العربية خلال السنوات الخمس الماضية بسبب الفساد والرشى والمحسوبية وتضارب المصالح.

(الشفافية في العطاءات والمناقصات)

وهناك جانب تطبيقي هام يتعلق بالشفافية في التعامل مع المناقصات والعطاءات الرسمية والخاصة على حد سواء. فالصحف الفلسطينية تنشر بشكل شبه يومي مناقصات أو إستدراج عروض لتقديم خدمات إستشارية وإعداد بحوث ودراسات معظمها ممول من الهيئات الدولية. ورغم أن الإعلانات تشير إلى ان الطلبات ستعامل وفق معايير مدونة ومحددة ومحفوظة حيث ستعطى الفرص للجميع بشكل عادل  وستناقش العروض بشفافية ونزاهة، إلا أن أيا من هذه العبارات والتصريحات لا تاخذ طريقها للتنفيذ أو التطبيق. وبدون الدخول في التفاصيل، فإن العديد من المراكز التجارية والهيئات المهنية المستقلة وشبه المستقلة والتي ترفع الشعارات سالفة الذكر وتتغنى بها، فإنها  ليس فقط، لا تطبقها ولا تقيم وزنا لها ولا تأخذها بالإعتبار، بل انها تمارس المحسوبية والوساطة وتضارب المصالح جهارا وبوضح النهار دون حسيب أو رقيب حتى من الدول والهيئات المانحة نفسها.

ونتمنى على هذه المؤسسات والهيئات التي أنشئت خصيصا لتعزيز الشفافية والنزاهة ،متابعة ما يصدر في الصحف اليومية لتتأكد بنفسها من عمليات الغش والإحتيال التي تمارسها الهيئات والمراكز التجارية تحت يافطة محاربة الفساد والمحسوبية وتعزيز النزاهة في عمليات ترسية العطاءات ومناقشة العروض. فالشفافية تعني أن يكون كافة المشاركين أو المتنافسين في العطاءات على علم بمن تقدم والسعر المنافس ولماذا أرسيت على الشركة (س) وليس الشركة (ص). الشفافية تعني أن تفتح المظاريف امام كافة المتنافسين وأن يستلم كل مشارك في العطاء نسخة من المعايير والمواصفات والاسس المرجعية التي سيستند إليها طارح العطاء لترسية العرض على هذه الشركة أوتلك ،بحيث يكون على علم تام بمدى تطابق أو إنطباق الشروط والمعايير عليه وبالتالي فهو من تلقاء نفسه يستطيع أن يقدر فيما إذا سيتم ترسية العطاء عليه ام لا. الشفافية ليست العمل بالسر وتحت الطاولة والتحيز لذوي القربى والمصالح وتجاهل الآخرين وعدم تكليف النفس حتى بإعلام المتنافسين بما جرى لعروضهم !! وهذه هي الصفة المشتركة بين معظم طارحي العطاءات.

فهم لا يكلفوا أنفسهم في الكثير من الأحيان بإرسال كتب إعتذار كحد أدنى. الشفافية والنزاهة والامانة في التعامل مع العطاءات ليست مفقودة وغير موجودة فحسب وإنما يشوبها ويفوح منها روائح متخمة من الفساد وتضارب المصالح والرشى. واجب مركز آمان والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان التحري والتدقيق في العطاءات لضمان العدالة والشفافية والنزاهة في كافة مراحل طرح العطاء والترسية. هذا هو مقياس نجاح مركز آمان وغيره ممن تحاول أرساء قواعد وأخلاقيات العمل ومبادىء النزاهة وحق المتنافسين جميعا في الحصول على فرص متساوية. وهذه دعوة إلى آمان لمراقبة هذا القطاع وذلك بغرض ترسيخ قواعد النزاهة والشفافية والعدالة في التعامل مع العطاءات. بإمكان مركز آمان الإتصال بكاتب هذا المقال للحصول منه على عينة من المؤسسات والمراكز التي لا تقيم وزنا لقواعد الشفافية والنزاهة ولتقديم امثلة في هذا الجانب. من ألأفضل عدم طرح العطاءات على التلاعب فيها.

النزاهة والشفافية والحوكمة والعدالة والمساءلة تشجع الإستثمارات وتحفز النمو بينما الفساد والرشى وتضارب المصالح والإستئثار في المناصب وإحتكارها من قبل فئة بعينها تضر بالإقتصاد وتهرًب المستثمرين وتهدر المال العام والخاص على حد سواء. جل ما نخشاه أن تتحول عبارات الشفافية والنزاهة والمساءلة إلى شعارات لفظية مماثلة لشعارات تحرير فلسطين والتي تحولت في الواقع إلى تسليم فلسطين. والله نسأل الآمان والعافية للإقتصاد الفلسطيني من رافعي شعارات الشفافية والنزاهة والمساءلة وتضارب المصالح.

**المقالات والآراء المنشورة تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي أمان
go top