أخبار 2018

الائتلاف الأهلي للرقابة على العملية التشريعية يطالب بعدم اقرار مشروع قرار بقانون معدل لقانون مكافحة الفساد وطرحه على النقاش المجتمعي

الائتلاف الأهلي للرقابة على العملية التشريعية يطالب بعدم اقرار مشروع قرار بقانون معدل لقانون مكافحة الفساد وطرحه على  النقاش المجتمعي

ناقش الإئتلاف الاهلي للرقابة على  العملية التشريعية مشروع قرار بقانون معدل لقانون مكافحة الفساد رقم 1 لسنة 2005 المطروح على مجلس الوزراء لاقراره، وقد تبين للائتلاف ان مشروع القرار بقانون المذكور هو نسخة شبه مكررة عن القرار بقانون رقم 14 لسنة 2016 المعدل لقانون مكافحة الفساد والذي تم وقف العمل به بعد اسابيع قليلة من اصداره بسبب الملاحظات الجوهرية عليه ومخالفته للاصول والمبادئ الدستورية في حينه.
ان الائتلاف الاهلي واذ يؤكد على موقفه المبدئي الرافض لاصدار قرارات بقوانين لا تبررها حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير وفقا لما نصت عليه المادة 43 من القانون الاساسي المعدل، يبدي على مشروع القرار بقانون المذكور الملاحظات الاتية والتي يأتي غالبيتها انسجاما مع اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، وانسجاما مع احكام القانون الاساسي الفلسطيني وفقا لما يلي:

1. استهدفت التعديلات منح مزيد من تركيز الصلاحيات بيد هيئة مكافحة الفساد بشكل غير مبرر، ويتعارض مع فكرة ان مكافحة الفساد لا يمكن ان تتم بنجاح الا بأكبر قدر من الشراكة الوطنية سواء الرسمية او المجتمعية،  ويتبدى هذا التركيز من خلال الاتي:

  • حصر الابلاغ بالهيئة: حيث ان قصر الابلاغ بالهيئة يحد من المفهوم الواسع للابلاغ والذي يفترض ان يكون اوسع من ذلك، فابلاغ الجهة الرسمية نفسها التي وقع فيها الفساد ( دوائر الشكاوى مثلا) او رئيس الدائرة الحكومية اذا كان من موظف على موظف اخر او على مسؤوله وكذلك ابلاغ ديوان الرقابة المالية والادارية او ابلاغ ديوان الموظفين العام او ابلاغ المراقبين الماليين والاداريين، او ابلاغ مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة،  يجب ان يعفي المبلغ من التقدم للهيئة نفسها. خصوصا عندما لا يكون هنالك وضوح في مدى اعتبار المخالفة المبلغ عنها شكل من اشكال الفساد المعرّفة وفقا للقانون لا سيما مع المواطنين العاديين الذين قد يكون من الصعب عليهم التمييز ما بين المخالفات العادية وافعال الفساد.
  • حصر حماية المبلغين بمن يبلغ للهيئة فقط: حيث ان هذا الحصر لا ينسجم مع الفلسفة والمبررات الموضحة في الفقرة السابقة، من جهة، كما انها لا تنسجم مع الممارسات الفضلى في هذا الجانب ( دليل ارشادي حول الابلاغ عن الفساد المعد من منظمة الشفافية الدولية في العام 2015).
  • التصميم على دور الهيئة في وضع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد:  والذي يمثل استفرادا من قبل الهيئة في وضع هذه الاستراتيجية على الرغم من ان اقرار السياسات هو احد اختصاصات الحكومة وفقا للقانون الاساسي. كما ان  أجندة السياسات الوطنية التي أقرتها الحكومة تتطلب شراكة كاملة من جميع القطاعات الوطنية في ذلك، بما فيها القطاع الاهلي والقطاع الخاص. ومن جانب ثاني فمن غير الواضح ما هو المقصود بعبارة " ضمان تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد" الوارد في التعديل على الفقرة 6 من المادة 8 من القانون الاصلي، هل يشمل ذلك ايقاع العقوبات على من لا يلتزم بتطبيق الاستراتيجية..؟

 

  • اعتبار هيئة مكافحة الفساد البوابة الحصرية لتحريك قضايا الفساد امام القضاء بما ينتقص ويتعارض مع  الصلاحية الدستورية والقانونية للنيابة العامة بتحريك واحالة ملفات الفساد الى القضاء. ومن جهة ثانية فإن اعتبار نيابة مكافحة الفساد نيابة منتدبة وليست نيابة متخصصة كغيرها من النيابات المتخصصة كنيابة الجرائم الاقتصادية ونيابة الاحداث والاسرة، فيه مساس  بوحدة النيابة العامة ويؤدي الى فتح الباب لاحداث اشكال من الاختلافات والفروقات ما بين اعضاء النيابة العامة وخصوصا في جهة الاشراف او في الحقوق المالية بصورة لا مبرر لها.
  • الزيادة غير المبررة على الرواتب والعلاوات للعاملين في هيئة مكافحة الفساد وخصوصا اولئك الذين لا تخضعهم طبيعة وظائفهم ( كالعاملين في مجال الخدمات وبعض الوظائف الادارية) لمخاطر تبرر الزيادة في الرواتب عما هو موجود في سلم الرواتب في الخدمة المدنية. وفي هذا السياق يمكن الحديث عن أن المشروع ينطوي على تضارب في المصالح، كون هيئة مكافحة الفساد هي الجهة التي أعدته، وهي التي وضعت سلم الدرجات والرواتب الخاص بها في المادة (5) فقرة (3) التي نصت على أن "يعين رئيس الهيئة عدداً كافياً من الموظفين والمستشارين لتمكين الهيئة من القيام بمهامها وفق سلم الدرجات الملحق بهذا القرار بقانون". إذ كيف يمكن لجهة (هيئة مكافحة الفساد) أن تعد مشروعاً لذاتها وأن تحدد درجاتها الوظيفية ورواتبها وعلاواتها المالية؟ كما أن سلم الدرجات والرواتب والعلاوات الخاص بموظفي الهيئة مقتبسٌ حرفياً عن نظام موظفي هيئة مكافحة الفساد الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (7) لسنة 2011 بما قد يوحي بأن الهدف من إدراجه في المشروع هو الحفاظ على الامتيازات الوظيفية والمالية لموظفي الهيئة بقوة قانونية أعلى من النظام كتشريع فرعي من خلال مشروع القرار بقانون إنطلاقاً من مبدأ تدرّج القاعدة القانونية من حيث القوة الإلزامية.

2. اضافة جريمة المتاجرة بالنفوذ كأحد اشكال الفساد دون توضيح الفرق بينها وبين جريمة استثمار الوظيفة وفق تعريفها في قوانين العقوبات السارية، وجريمة اساءة استعمال السلطة، حيث ان التعريف المقدم لكل واحدة منهم مشابه للاخر، ومن جانب آخر فإن هذه الجرائم تتشابه بتعريفها ايضا مع جريمة الرشوة. وبالتالي وحيث انه من المعروف في صياغة التشريعات الجزائية ان النص التجريمي يجب ان يكون واضحا وضوحا لا يقبل التفسير والتأويل والخلط فإن الصياغة المستخدمة معيبة ولا يمكن الاتفاق معها.

3. اضافة جريمة التزوير كجريمة فساد:  ونتساءل هنا عن الحكمة من اعتبار جريمة التزوير التي  يقترفها موظف في نادي رياضي او نقابة لختم او ورقة رسمية تصدر عن جهة اخرى دون ان يكون لوظيفته اية علاقة هنا بجريمة التزوير، فلماذا يتم اعتبارها جريمة فساد، على الرغم من ان جريمة الفساد الاصل ان يتم فيها استغلال نفوذ او منصب وظيفي.  وفي هذا السياق يشار الى توسع مشروع القرار بقانون في الجرائم التي تعتبر فساداً لغايات تطبيق أحكامه، بما يشكل اعتداءً على صلاحيات النيابة العامة ودورها الأصيل في تحريك ومباشرة دعوى الحق العام، حيث نجد أن المادة (3) الخاصة بالتعريفات تعتبر جرائم التزوير والتزييف وجرائم إساءة الائتمان المنصوص عليها في قوانين العقوبات السارية؛ جرائم فساد لغايات تطبيق أحكام القرار بقانون، في حين أن تلك الجرائم غير واردة في اتفاقية مكافحة الفساد وتحديداً في الفصل الثالث الوارد تحت عنوان "التجريم وإنفاذ القانون" والتي تشمل: الرشوة، والاختلاس، والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة استعمال السلطة، والإثراء غير المشروع، وغسل الأموال، وإعاقة سير العدالة.
4. تخفيض عقوبة استغلال النفوذ الوظيفي واستثمار الوظيفة واساءة استعمال السلطة الى عقوبة جنحية: حيث ان هذا يتعارض مع ضرورة التشديد في العقوبات على جرائم الفساد وفقا لمتطلبات الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد.
5. الخلط في تعريف مفهوم " تضارب المصالح" حيث ان التعريف المستخدم غير دقيق من حيث ان حالة تضارب المصالح هي مرحلة تسبق تأثر الموظف بوجود مصلحة خاصة له، حيث ان تأثر الموظف بالمصلحة الخاصة يصبح جريمة فساد تامة قد تكون واسطة او استغلال نفوذ او استثمار وظيفة، وكان من المفترض تقديم تعريف دقيق لحالة تضارب المصالح استخدام عبارة " احتمالية التأثر" وليس "التأثر" او عبارة " قد تتأثر" عوضا عن عبارة " تتأثر".
6. اعتماد مبدأ التكتم والسرية المبالغ فيه فيما يتعلق باجراءات الملاحقة وعدم تبنيه لمبدأ الانفتاح والمكاشفة في ملاحقة قضايا الفساد التي تثير الرأي العام، بحيث يتم الكشف عن المعلومات العامة ذات العلاقة بقضايا الفساد المهمة دون المساس بسرية التفاصيل المتعلقة بالتحقيقات ودون المساس بقرينة براءة المتهم حتى تثبت ادانته. خصوصا وان هذه المسألة متبعة في الممارسات الدولية الفضلى ( كالقانون الجزائري 2005).
7. السماح لهيئة مكافحة الفساد بتقبل التبرعات والمساعدات غير المشروطة، ونرى ان حساسية عمل الهيئة وضمان استقلاليتها المطلقة يستوجب ان لا تتقبل اي مساعدات او تبرعات حتى لو كانت غير مشروطة. اذ ان هذا الأمر قد يمس باستقلالية الهيئة وطبيعة دورها وقد يوحي بأنها باتت أقرب إلى مؤسسة أهلية. ويمكن أن يطرح تساؤلاً حول دور الجهات المانحة وطبيعة العلاقة بينها وبين الهيئة فيما يتعلق برسم السياسة العامة للهيئة والخطط والبرامج التنفيذية والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي تندرج ضمن اختصاصات الهيئة بموجب المادة (7) من المشروع.
8.  خلا مشروع القرار بقانون المذكور من معالجة العديد من الملاحظات التي قدمتها مؤسسات المجتمع المدني على قانون مكافحة الفساد النافذ رقم 1 لسنة 2005 او القرار بقانون رقم 14 لسنة 2016 المعدل لقانون مكافحة الفساد وخصوصا فيما يتعلق بضرورة النص الصريح على عدم تجاوز التدابير الخاصة بحقوق الانسان وضمانات المحاكمة العادلة تحت ذريعة مكافحة الفساد. وكذلك ما يتعلق بإعادة هيكلة ومأسسة هيئة مكافحة الفساد وايجاد مجلس ادارة فاعل ومستقل ومنفتح في التمثيل على الشراكة مع القطاعات المختلفة الاهلية والخاصة وان لا يكون هذا المجلس من لون سياسي واحد.  وكذلك التأكيد على مبدأ ان لا حصانة لمرتكبي جرائم الفساد. واهمية النص على عدم شمول العفو الخاص لمقترفي جرائم الفساد.
9. واخيرا يُلاحظ أن مشروع القرار بقانون يُكثر من استخدام مصطلح "قانون" بدلاً من مصطلح "قرار بقانون" رغم الفرق الواسع بين التشريع الأصيل (القانون) الصادر عن المجلس التشريعي والتشريع الاستثنائي (القرار بقانون) الصادر عن السيد الرئيس، بما يشكل مخالفة لمبدأ الفصل بين السلطات الراسخ في القانون الأساسي.

وعليه، فإن الائتلاف الاهلي للرقابة على العملية التشريعية يوصي بوقف عملية اقرار مشروع القرار بقانون المذكور، وطرح هذا المشروع للنقاش المجتمعي لمنحه المزيد من النضج والقبول المجتمعي.

go top