في المؤتمر الأهلي الأول الذي عقدهُ الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) في العاشر من مارس بغزة حول الموازنة العامة: إيردات ونفقات قطاع غزة – حقائق وأرقام، جاءت تلك التوصيات وغيرها من أمان وعدد من الباحثين والمتخصين في الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة، واتفق عليها ما يقارب 200 مشارك من المواطنين وممثلي مؤسسات المجتمع المدني، وجاء هذا المؤتمر استكمالا لجهود أمان والفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة في تعزيز المبادئ العامة للشفافية المالية وخاصة مشاركة الجمهور في وضع سيناريوهات الموازنة العامة، وإتاحة التعرف على البيانات المالية للمختصين ونشر المعلومات الخاصة بقضايا الشأن العام، حيث عبرت عن ذلك فعاليات المؤتمر الذي افتتحه المدير التنفيذي لائتلاف أمان السيد مجدي أبو زيد في والذي أطلق فعاليات المؤتمر قائلاً إن استمرار الانقسام سبب أساسي في غياب المساءلة، ورغم ذلك فإن الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة يسائل طوال الست سنوات الماضية بهدف تعزيز مبدأ المشاركة المجتمعية والحرص على الرقابة في إدارة المال العام، وانطلقت أولى فعاليات المؤتمر باستعراض موقف الفريق الأهلي من موازنتي 2015 و2016، ومن ثم جلسة حقائق وأرقام حول إعادة الإعمار، وأخيراً جلسة اختصت بإيرادات ونفقات قطاع غزة.
أطلقت فعاليات المؤتمر في الجلسة الأولى التي قدم فيها الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة موقفه من سيناريو إعداد الموازنة العامة، حيث استعرض عضو الفريق الدكتور وائل الداية نتائج تحليل الفريق لمدى التزام وزارة المالية بالمرجعيات القانونية الناظمة، ما ورد من أحكام في القانون الأساسي، وقانون تنظيم الموازنة العامة رقم (7) لسنة 1998 ، والتشريعات الأخرى ذات العلاقة، واحترامها لمعايير شفافية الموازنة العامة المتعارف عليها، ومن ثم عرض تفصيلي، وتحليلي لمحاور بنود الموازنة العامة 2016، والتي بين موقف الفرق الأهلي منها واختتم عرضه بتقديم اهم استخلاصات الفريق من أهمها أن بند الرواتب والأجور ما زال يثقل كاهل الموازنة العامة، وبحاجة الى "تنقية" وشفافية ووضوح أكبر، خاصة وأنه يشكل الوزن النسبي الأكبر للنفقات في الموازنة العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتحيط به هالة من الغموض خاصة في أعداد الموظفين خارج التشكيلات الادارية المعتمدة، أو مقدار بعض الرواتب لفئات معينة، وتركزت أبرز التوصيات التي قدمها الفريق الأهلي في المؤتمر، في ضرورة أن تتضمن الموازنة العامة (ملحقا) بإجمالي الايرادات المتحصلة والنفقات الخاصة بقطاع غزة، والنفقات التطويرية، وذلك من أجل شفافية أكبر للموازنة العامة، وتوفير معلومات دقيقة ورسمية عن حجم الانفاق الرسمي في قطاع غزة، وكذلك ضرورة أن يتضمن مقترح الموازنة العامة ملحقا يشتمل على تفاصيل عن المخصصات المالية الخاصة بإعمار قطاع غزة، وبشكل شفاف وواضح.
عُنونت الجلسة الثانية بذلك، كون قضية إعادة الإعمار وضعت في الصندوق الأسود حيث التعتيم على إيراداتها ونفقاتها رغم ارتباطها بالموازنة العامة، إضافة إلى تنفيذها بآلية يُشير بُطؤها إلى افتقارها لقيم النزاهة ومبادئ الشفافية ونظم المساءلة، فبدأت فعاليات الجلسة باستعراض الباحث ناهض عيد تقريرا أعدته أمان لتشخيص آليات تنفيذ إعادة الإعمار، أظهر التقرير ضعفاً عاماً في بيئة الشفافية والنزاهة والمساءلة بما فيها مراحل إعادة الإعمار المختلفة بالإضافة إلى غياب مفاهيم المساءلة الاجتماعية وخلص التقرير إلى مجموعة من التوصيات أهمها تمكين الجمهور وجميع الجهات ذات العلاقة من الحصول على المعلومات والمعايير والشروط التي تم بموجبها تنفيذ عمليات إعادة الإعمار في الوقت المناسب وبوسائل متاحة.
من جهته أكد نائب المدير العام لملف إعادة الإعمار في وزراة الأشغال العامة والإسكان السيد ماجد صالح أن إدارة ملف إعادة الإعمار قائمة عل جهود تنسيقية بين الأطراف العاملة فيها ممثلة بالوزارة، الأونروا، وبرنامج الأمم المتحدة وبعض الصناديق العربية التي تعمل بشكل منفرد كجمعية قطر الخيرية وذلك ما يضمن عدالة توزيع الخدمة بين المواطنين المتضررين كما واستعرض أرقاما لحصيلة التقدم المحرز -وإن كان تقدما خجولاً- في إعادة الإعمار تحت إشراف وزارة الأشغال العام والإسكان.
وتُوجت الجلسة بتقديم أمان لورقة حقائق استعرضها الباحث محمود عبد الهادي، قدمت مُجمل الأرقام المرصودة حول إعادة الإعمار منذ عقد مؤتمر المانحين بعد العدوان حتى الآن، ممثلة بتفاصيل مجمل التمويل الذي طلبته السلطة في خطتها حسب القطاعات، وحجم التمويل الذي تعهدت به الدول حسب كل دولة، واجمالي ما تم استلامه من التعهدات مفصلاً به ما تم إحرازه ضمن مشاريع إعادة الإعمار.
وتركز نقاش المشاركين بعد الجلسة حول أسباب الغموض وتضارب الأرقام في إعادة الإعمار، وازدواجية تقديم الخدمة لبعض الأشخاص المتضررين على حساب غيرهم ما يشير إلى عدم نزاهة المراقبين على العملية أو تضارب المصالح بين العاملين ومتلقي الخدمة على حساب غيرهم من المتضررين.
على مدار أكثر من سبع سنوات والبيانات المالية العامة لقطاع غزة يخيم عليها الظلام، بسبب الانقسام الفلسطيني وضعف إدارة الحكم في قطاع غزة، وحصيلة جهد أمان على مر السنوات في العمل على تعزيز الحق في الحصول على المعلومة، وتعزيز شفافية الموازنة العامة، نجحت أمان في جمع المعلومات حول الحسابات الختامية والتقارير المالية للفترة من 2008 – 2015 تم الإعتماد عليها في تطوير ورقة عمل حول الإيرادات والنفقات العامة في قطاع غزة، تطرقت للجوانب القانونية والفنية في الموازنة العامة، أي رصد ما تم تحصيله من إيرادات، وما يتم فرضه من رسوم وضرائب جديدة بالإضافة إلى رصد حجم النفقات العامة التي تصرفها وزارة المالية في غزة، وأخيراً بيان حجم الإيرادات والنفقات العامة المتعلقة بوزارة المالية في حكومة التوافق الوطني والخاصة بقطاع غزة.
وكانت الجلسة الثالثة أهم جلسات المؤتمر كونها قدمت معلومات جديدة للمواطنين وأشركت المجتمع المدني في تشخيص وتقييم منظومة تحصيل الإيرادات وصرف النفقات، حيث استعرض الباحث أسامة نوفل محاور الورقة ونتائجها، وجاء في أهم ما استعرضه الإطار القانوني والمؤسسي للموازنة العامة موضحاً أنه بعد تشكيل حكومة التوافق الوطني فإن ما يتم اتخاذه من إجراءات في سبيل زيادة الإيرادات يتم بالتوافق مع المجلس التشريعي في غزة، وأن المجلس التشريعي أقر العمل بموازنة 2014 لتمتد إلى عام 2015 دون اعتماد موازنة جديدة، كما تطرق لتحليل التطور الكمي والكيفي لموازنة غزة 2008-2014 والذي تبين على إثر أن إشكالية الإنفاق العام تتركز على قطاع الأمن وتراجع الإنفاق على المجالات الاقتصادية والتنموية حيث فاتورة الرواتب في قطاع غزة ما نسبته 80% من إجمالي النفقات الجارية خلال الفترة المذكورة وارتفعت إلى أكثر من 90% بعد 2014، وذلك ما يعكس التوجه الجامح في توجيه الإيرادات المحلية نحو تغطية الرواتب بالدرجة الأولى ما يؤثر سلباً على عمل الوزارات لتدني النفقات التشغيلية عليها وغياب النفقات التطويرية.
كما أظهرت الورقة أن هناك تحسناً ملحوظاً في إيرادات حكومة التوافق الوطني المتحصلة من قطاع غزة نتيجة للتوجه نحو الاستيراد من إسرائيل بعد إغلاق الأنفاق، حيث بلغت إيرادات المقاصة من قطاع غزة 965 مليون دولار عام 2014 إضافة إلى إيرادات ضريبة الدخل المتأتية من الشركات المساهمة العامة وموظفي السلطة في غزة حيث بلغ إجماليها مليار دولار يقابلها إنفاق حكومة الوفاق على غزة بقيمة 939.6 مليون دولار بفائض قيمته 61.5 مليون دولار لصالح الموازنة العامة من إيرادات غزة المحلية باستثناء المساعدات الخارجية.
وتطرقت الورقة لتشخيص حالة الازدواجية الضريبية التي تقع على كاهل المواطن في غزة نتيجة لتعدد مصادر الإيرادات الضريبية المتمثلة في الضرائب التي تفرضها وزارة المالية في غزة التي بلغت مع نهاية 2014 ما قيمته 85 مليون دولار إضافة إلى الضرائب المفروضة من حكومة التوافق الوطني المذكورة أعلاه.
واستخلصت الورقة عددا من النتائج كان أهمها، ازداوجية عمل الموازنة وأن غياب الكتل البرلمانية عن اجتماعات المجلس التشريعي في قطاع غزة أثر سلباً على شفافية الموازنة العامة، بالإضافة لغياب النقاش المجتمعي للموازنة العامة ما يعني غيابا لأركان الشفافية المالية الذي أضعف عمل الموازنة.
وأوصت الورقة بتوحيد الموازنة العامة في الأراضي الفلسطينية ما يتطلب إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات الحكومية وأهمية اتباع المبادئ العامة للشفافية المالية وخاصة مشاركة الجمهور في وضع سيناريوهات الموازنة العامة، وإتاحة التعرف على البيانات المالية للمختصين والفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة.
واختتمت أعمال المؤتمر بتعقيب النائب في المجلس التشريعي جمال نصَّار رئيس لجنة الموازنة العامة في المجلس التشريعي، على ما جاء في الورقة، الذي أكد بدوره على توصيات الورقة والتي تمثلت أهم نتائجها في ازدواجية الموازنة، التي تتطلب توحيد مشروع الموازنة العامة ومشاركة المجتمع المدني في تنفيذها تمهيداً للخلاص من العجز المالي وتحقيق التقدم في إعادة إعمار غزة.
وناقش عدد من المشاركين النائب نصار في مضامين ورقته التي قدمها خلال المؤتمر وتحدث فيها عن نفقات إيرادات قطاع غزة في إطار الموازنة العامة مقسماً فترة إدارة الحكم في غزة إلى مرحلتين تمثلت الأولى في مرحلة الشنطة التي قدمت عبر الأنفاق ما قيمته 50 مليون دولار، والمرحلة الثانية هي الممتدة من 2008 – 2014 والتي تسلمت فيها حكومة حماس زمام الأمور، وهي الفترة التي اشتد فيها الحصار على غزة، وأغقلت الأنفاق حيث بلغ إجمالي الإيرادات المحلية في تلك الفترة فقط 2764 مليون دولار، مقسمة بين إيرادات جباية محلية من قبل الحكومة شكلت 36.29% من إجمالي النفقات العامة، وإيرادات منح قدمت للحكومة من قبل حركة حماس وبلغت ما نسبته 34.37%.