رام الله – خاص وطن للأنباء" يبدو ان رئيس الوزراء رامي الحمد الله قد قرر استهداف مؤسسات المجتمع المدني، بدليل ما نسبته اليه صحيفة الحدث التي نقلت على لسانه اتهامات تحريضية اثارت ردود فعل غاضبة من قبل تلك المؤسسات. الامر الذي يطرح جملة تساؤلات حول المغزى من هذا الهجوم من قبل الحمد الله ؟ والهدف المراد تحقيقه من تشويه سمعتها؟.
وبعيدا عن التنويه الذي صدرعن ديوان مجلس الوزراء امس الخميس وينفي فيه اجراء الحمد الله مقابلة مع الصحيفة، وتأكيد الصحيفة اليوم الجمعة امتلاكها تسجيل صوتي له يتضمن جميع ما جاء في المقابلة، فأن مؤشرات على الارض توحي ان مؤسسات المجتمع المدني باتت مستهدفة من قبل الحمد الله.
ولكن لماذا هجوم الحمد الله على تلك المؤسسات، ولماذا بات الكثيرين يشعر انه يناصبها العداء ويضعها في دائرة الاستهداف؟ وهل ينتقل هذا الاشتباك من دائرة التصريحات الاعلامية الى ارض الواقع في المستقبل؟.
مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين الدكتور عبد الرحمن التميمي، اعرب لـ"وطن للانباء" عن اعتقاده بوجود دوائر في السلطة الفلسطينية وحكومة رامي الحمد الله لديها اجندة ومساع لاستهداف مؤسسات المجتمع المدني لعدة اسباب ابرزها الاحتقان السياسي الذي ترتفع حدته في البلد، والذي ارجعته العديد من مؤسسات المجتمع المدني الى سوء اداء الحكومة ودورها السلبي في التعاطي معه.
واشار التميمي الى وجود دوائر في السلطة الفلسطينية تتصارع فيما بينها من اجل نيل السيطرة والرقابة على مؤسسات المجتمع المدني. رغم ان القانون واضح ويحدد المسؤوليات في ذلك الامر، الا ان عدد من المؤسسات الرسمية والجهات والاشخاص التي لا يخولها القانون بذلك تحاول السيطرة وتستغل المشاحنات بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني لكسب بعض الامتيازات.
واوضح التميمي انه رغم صدور تنويه من ديوان رئيس الوزراء ينفي فيه اعطاء مقابلة للصحيفة، لكن بعض الدوائر في الحكومة تسعى الى تصعيد الخلاف والمواقف تجاه مؤسسات المجتمع المدني، في وقت يجب ان تحتل فيه القضايا الوطنية سلم اهتمام الجميع في ظل تعاظم الاستيطان وسرقة الاراضي واضطهاد الفلسطينيين في ارضهم وقتلهم من قبل الاحتلال.
واضاف التميمي "بالنهاية يجب ان يحتكم الجميع لنص القانون. الحديث عن وجود مؤسسات اهليه لا تعمل صحيح لان 90% من تلك المؤسسات التي لا تعمل انشأت في عهد حكومة حماس والحكومة التي تليها من اجل اظهار وجود مجتمع مدني ضمن حالة المناكفة السياسية التي كانت قائمة".
واعرب التميمي عن اعتقاده ان الارقام الواردة في المقابلة والتي نسبت لرامي الحمد الله وعلى لسانه مبالغ فيها وتحمل الكثير من التهويل داعيا الى التفريق بين الاموال التي تأتي للمجتمع المدني والمؤسسات الاهلية بما فيها الجامعات وبعض المستشفيات والمؤسسات الدولية العاملة، حيث لا يأتي للمؤسسات الاهلية اكثر من 8% من المبلغ المذكور.
وكانت صحيفة الحدث قد نسبت لرئيس الوزراء رامي الحمد لله تصريحات قال فيها ان هناك تجاوزات إدارية ومالية في 1082 منظمة ومؤسسة غير حكومية من بين 2882 مؤسسة في الضفة الغربية، مشيرًا في سياق آخر إلى وجود حصار عربي مالي غير معلن مفروض على السلطة الفلسطينية، مضيفاً واستنادًا إلى تقريروزارة الداخلية، فإن هناك 500 مؤسسة من هذه المؤسسات غير فاعلة على الإطلاق، سوى أنها تتلقى الدعم المالي والأموال باسم الشعب الفلسطيني.
من جانبه قال مفوض ائتلاف "أمان" للنزاهة والمساءلة "امان" عزمي الشعيبي لـ"وطن للأنباء"، انه فوجيء بالطريقة والكلام الذي نسب الى رئيس الوزراء، لان مضمون الكلام والطريقة التي عرض بها بعض المعطيات والارقام لا تعكس مستوى مهني او احد ادنى، من الذي نعرف ان رئيس الوزراء يتمتع به.
واضاف الشعيبي ان التصريحات تسببت بصدمة بسبب مضمونها ونفسها العدائي ضد المجتمع المدني والنتائج التي قد تترتب على ما جاء فيها، بحيث تترك اثارا سلبية على السلطة الفلسطينية والمجتمع برمته، مشيرا الى ان التصريحات تعتبر بمثابة رسالة على لسان رئيس الوزراء ان المجتمع الفلسطيني مجتمع فاسد، ما يعني بصورة اخرى لماذا تقوم حكومات العالم بتقديم مساعداتها للمجتمع الفلسطيني اذا كانت مؤسساته فاسدة؟
واوضح الشعيبي ان ما تم نشره يحمل اساءة للسلطة نفسها، ويظهر عدم معرفة ودراية بحقيقة واقع الجوانب المالية التي يتم انفاقها في المناطق التي تُصرف بها، ما يجعلنا نتساءل عن الجهة التي زودت رئيس الوزراء بتلك الارقام والمعطيات؟
واشار الشعيبي ان صرف 800 مليون دولار منذ بداية العام في المناطق المحتلة هو رقم فلكي، كان يجب على رئيس الوزراء طلب تقرير مفصل من الجهات التي زودته بهذا الرقم، حيث لا تستطيع اي مؤسسة مجتمع مدني ان تستوعب هذا المبلغ الذي يعتبر كبير جدا عليها وعلى امكانيات عملها، في وقت تعمل فيه الوكالة الامريكية للتنمية "يو اس ايد" بمبلغ 400 مليون في العام بالتعاون مع الحكومة وعقد اتفاقيات معها في جوانب البنية التحيتة وتأهيل الشوارع وغيرها.
واعرب الشعيبي عن خشيته من وجود خلط لدى الحمد الله بين صرف المؤسسات الاهلية والمؤسسات الدولية ، وكان عليه ان يتم احضار مدير ديوان الرقابة المالية والادارية ورئيس هيئة مكافحة الفساد لمعرفة كيف انهم لم يقدموا اليه اي تقرير حول صرف المؤسسات الاهلية 800 مليون دولار، رغم ان معظم من تم احالتهم الى محكمة الفساد هم من الموظفين الحكوميين.
وحول الاسباب التي تدفع لمثل هذه التصريحات، قال الشعيبي" التصريحات تحمل نفسا عدائيا تجاه مؤسسات المجتمع المدني، لذلك نرجو ان لا تكون هذه التصريحات دفاعا عن النفس من خلال مهاجمة الاخرين، حيث يبدو ان هناك شكاوى على الحكومة لدى بعض الاطراف الدولية، لكن على الحكومة ان تعلم ان المؤسسات الدولية المانحة وكذلك الدول المانحة مثل الولايات المتحدة الامريكية لديها دوائرها ودراساتها وليست بحاجة الى مخبرين ".
واضاف الشعيبي "ما يهمنا نحن هو الهجوم الذي تم شنه من قبل الحمد الله على بعض المؤسسات التي تعد تقارير عن الشفافية التي انتقدت الحكومة، ومنها مؤسسة امان التي وجهت انتقادات للحكومة بسبب بعض الرواتب العالية في الوزارات والمؤسسات حيث اشرنا الى ذلك بالاسماء والارقام".
وتابع الشعيبي "نخشى ان يكون اولئك الاشخاص الذين اشرنا لهم هم من يحرضون رئيس الوزراء على المجتمع المدني، نحن في امان نشرنا اسماء ورواتب جميع الموظفين لدينا على الموقع الالكتروني ، نحن لسنا ضد رواتب الموظفين في الوزارات التي هي ليست كبيرة بل عادية وانما رواتب بعض الشخصيات كوكيل وزارة يتقاضى راتب من عمله، ويرأس مؤسسة تابعة للحكومة يتقاضى راتب منها يصل الى 15 الف دولار شهريا".
واضاف الشعيبي "لا يكفي بيان من ديوان رئيس الوزراء يتضمن تنويها ينفي فيه اجراء المقابلة، وانما الخروج بتصريح ينفي فيه ما قيل عن المجتمع المدني ودحضه".
من جانبها اعتبرت مديرة عام مؤسسة فلسطينيات وفاء عبد الرحمن في حديث مع "وطن للانباء"، "تحريض" رئيس الوزراء على المؤسسات الأهلية ليس مفاجئاً، بل نتيجة طبيعية لسنوات من عمل السلطة على احتواء هذه المؤسسات واسكاتها، من جهة، وللفهم "المغلوط" أن هذه المؤسسات تنافس السلطة على التمويل الذي شح للسلطة والمجتمع المدني على حد سواء.
واضافت عبد الرحمن "رئيس الوزراء خلط الأوراق، وتعامل مع المؤسسات الدولية أنها مؤسسات محلية، وللتذكير الخبراء الأجانب الذين يعملون في فلسطين، يعملون لدى المؤسسات الرسمية وليس المحلية، وخير دليل على ذلك وحدة دعم المفاوضات والملايين التي صرفت على خبراء أجانب ومستشارين".
واضافت "اسطوانة رواتب المدراء أصبحت مشروخة، ولوضع حد لها، أتفق مع اقتراح أحد الزملاء أن يتم نشر قائمة بأسماء ورواتب مدراء المنظمات الأهلية، ورؤساء الهيئات الرسمية، والمستشارين، والوزراء، والخبراء والنثريات التي يتقاضونها".
واعتبرت عبد الرحمن توقيت هذه التصريحات خطيرجدا، ففي المرحلة التي يتحدث فيها الرئيس عن فتح معركة سياسية مع الاحتلال، تأتي تصريحات الحمدلله لتضرب ركيزة أساسية من ركائز مقاومة الاحتلال، وحاضنة الصمود والدعم، لنؤكد مرة أخرى غياب الاستراتيجية والبوصلة.