آراء حرة

نحتاج للناس من اجلهم في حركة مكافحة الفساد

نحتاج للناس من اجلهم في حركة مكافحة الفساد

(بقلم: فضل سليمان) 


عندما كنا نسمع‏، أو يقال دوما إن الفساد ظاهرة عالمية كان البعض يظن أن هذه المقولة تبرير لوجوده أو تقليل من شأن خطورته، ولربما ذريعة لانتشاره، حتي تبين ان الفساد بالفعل ظاهرة عالمية تصاعدت خطورته، واستفحلت آثاره المدمرة التي اجتاحت العالم أجمع، وهي أكثر تأثيرا على حساب الدول النامية أو الآخذة في النمو، وضد الفقراء والأغلبية الساحقة من الناس، وضد التنمية وتقدم المجتمع قاطبة‏.

الفساد ظاهرة عالمية تقوض التنمية والديمقراطية

ولأن الفساد في أي بلد يستقوي دائما بمراكز القوى والسلطة، لهذا صار شبكة متماسكة بين مراكز القوي بين تلك الدول، وبعضها بعضا، ولم تسلم منه دولة واحدة، مهما كان ضعفها أو قلة حيلتها، أو كانت كذلك قوتها وعظمة اقتصادها، فازدادت قوة الفساد تعاظما حتي صارت ظاهرة عالمية تزداد بطشا وقوة وتماسكا، ساعد على تغولها ذلك الانقلاب العالمي الذي انتشر بين الدول بظاهرة العولمة، ورفع القيود والحواجز الدولية، وتقدم وسائل التكنولوجيا والاتصالات، فازداد الفساد توحشا بسبب تضخم الرأسمالية والاقتصاد الحر دون مراعاة للتنمية الاجتماعية في البلدان، حتي ظهرت لنا صور جديدة من الفساد أكثر خطرا وأشد بطشا وشراسة، تهدد أمن الدول ، وتقوض التنمية والديمقراطية وتضرب حقوق الإنسانية في مقتل.

اتساع مساحات النقاش والانخراط الرسمي

لكن المواطن لا يثق بجهود الدولة

ينتشر الفساد نتيجة قصور في رقابة من يديرون الشان العام، ويضعف الجهود المبذولة لتعزيز التنمية البشرية وشعور الإنسان بالكرامة والأمن. ما تزال البيانات والمعلومات المتعلّقة بمدى انتشار الفساد في البلدان العربية نادرة، وثقة الناس في قدرة الدولة على التحرّك الفعّال في مواجهة الظاهرة ما تزال ضعيفة. ومع ذلك، فإنّ التطورات التي حصلت مؤخرًا تنبئ بإمكانية التغيير والتطوير في هذا المجال، لا سيّما في ضوء المطالب المتزايدة باتخاذ إجراءات ضدّ الفساد. وقد شهدت السنوات القليلة الأخيرة اتساعًا ملحوظًا في مساحات النقاش العام حول هذا الموضوع، ونموًا واضحًا في وتيرة الإنخراط الرسمي في مبادرات الإصلاح ذات الصلة. حتى تاريخه، هناك 19 بلدًا عربيًّا أعلن عن إلتزامه بتنفيذ إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهناك 17 بلدًا إنخرط في الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد. وقام بعض هذه البلدان بعددٍ من الخطوات منها: إصدار سلسلة إصلاحات قانونيّة للوقاية من الممارسات الفاسدة ومعاقبة مرتكبيها، وإنشاء هيئات متخصصة لمكافحة الفساد، ووضع استراتيجيات وطنية لمكافحة الفساد والبدء بتنفيذها، وإشراك المجتمع المدني في جزء من هذه الجهود.

استمرار حجب المعلومات تحدي حقيقي في الدول العربية

لكن في المقابل، ما تزال هناك بعض الفجوات، على مستوى الأطر التنظيمية والقدرات التقنية، التي تحدّ من قدرة الجهات المعنيّة على التصدي الفعّال للفساد. مستويات الشفافية تتحسن باستمرار لكنها ما تزال منخفضة نسبياً، ولا زالت قدرة المواطن والباحث والصحفي على الحصول على المعلومات محدودة الى محدودة جدا، وآليات الرقابة المختلفة ما تزال بحاجة إلى مزيد من التطوير، واهمها(الرقابة الشعبية) لا سيما في ظل ضعف تنظيم سبل الرقابة الرسمية والاعلامية . أمّا التنفيذ الفعلى للأطر القانونية الموجودة يظلّ، إلى حدّ كبير، دون التوقعات. ويترافق ذلك مع ندرة الملاحقة القانونية في قضايا الفساد الكبرى. أمّا التعاون الدولي، بشقّيه القانونيّ والقضائيّ، فما يزال يُعدّ بطيئاً ومعقّداً، بينما المشاركة الفعّالة للمجتمع المدني تتزايد باستمرار وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ نسبيًّا مما هو مأمول.

الواقع الفلسطيني: تفرد السلطة التنفيذية بالقرارات دون رقابة

فلسطينيا يعتبر عمل السلطة الوطنية الفلسطينية لتلبية الاحتياجات الأساسية هو ضرورة للحفاظ على الدعم الجماهيري لعمليات الإصلاح، غير أن الواقع الفلسطيني وخلافا للآمال المعقودة اتخذ مسارا لم يحقق الأهداف. فقد شهد النظام السياسي الفلسطيني تفرد السلطة التنفيذية بالقرار، لغياب الدور الرقابي للمجلس التشريعي الفلسطيني والمؤسسات الرسكية الرقابية الاخرى، على عمل السلطة التنفيذية، ورغم التغييرات الايجابية البطيئة لا زال الجهاز القضائي يعاني من مشاكل قد تشكل تهديدا خطيرا لاستقلال القضاء وسيادة القانون كدعامتين من دعائم عملية التحول الديموقراطي والإصلاح في فلسطين.

أدى ذلك، من ضمن اسباب أخرى كاستبعاد المسائلة والمحاسبة والشفافية وسيادة القانون في العمل، إلى عرقلة جهود الإصلاح، جعلت من المطالبة الشعبية لإصلاح مؤسسات القطاع العام الفلسطيني ضرورة ملحة. إن انتشار ظاهرة الفساد، دفع المواطن ومؤسسات المجتمع المدني للمزيد من الانتقاد. ورغم أن الضغوط اثمرت باتخاذ خطوات إصلاحية، إلا أنها ظلت محدودة ولم ترق إلى إصلاحات حقيقية شاملة وجذرية.

توسيع دائرة مشاركة المواطن خطوة اساسية

إن الانسان يبقى الهدف والوسيلة لاية عملية تنمية حقيقية وفاعلة،  ويعتبر توسيع دائرة المشاركة السياسية هي الخطوة الاولى والاساسية نحو تحقيق الحكم الصالح، مقترنة مع مشاركة المواطن في التعبير عن رأيه بآليات محاربة الفساد. وكان من المفترض أن تشكل التقارير المختلفة التي ترصد مستوى النزاهة وحالات الفساد في فلسطين فرصة ودافعا لإجراء إصلاحات جذرية، الا ان اتخاذ الاجراءات لا زال بطيئا، ما زاد من إحباط الشارع، في حين ولد إحساسا بالأمن والأمان عند منتهكي القوانين ومستغلي مناصبهم من اجل مصالحهم الخاصة ليستمروا بالعمل خارج سيادة القانون.
محاسبة الفاسدين تشجيع للمشاركة

ويطالب المواطنون الفلسطينيون بأن يكون المسئولين عن ادارة المال العام أكثر نزاهة وشفافية وبعيدين كل البعد عن الفساد، وبضرورة محاسبة المتهمين بقضايا الفساد ومعاقبة من تثبت جريمته. ف 93% من المستطلعة اراؤهم يؤكدون على اهمية محاسبة المتهمين بالفساد كخطوة أساسية نحو إصلاح مؤسسات القطاع العام، وهذا يشكل تحديا شعبيا لمدى جدية خطة مكافحة الفساد المعلنة رسميا.

يقول الباحثون والمهتمون ان الشعارات لمقاومة الفساد‏ لم تعد تجدي، ولايكفي لمحاربته الخطب أو لغة الكلام، كل ذلك لم يعد صالحا لمقاومته، بل كلما زادت لغة الكلام استقبلها الرأي العام بالاستخفاف، واعتبر ذلك نوعا من الاستهلاك والتخدير، ولأن النصوص وحدها ليست كافية، وصياغة الخطاب الخاص بالتوقيع على الاتفاقيات الدولية بأسلوب دبلوماسي لايكفي، كذلك الاعتماد على حسن النيات لايغني ولايسمن في محاربة الفساد‏.

ولان الطريق الي مكافحة الفساد لايقتصر على التعاون الدولي وحده، بل يتوقف بالدرجة الأولي على الواقع الاقليمي والمحلي، لهذا فان نجاح الدولة في محاربة الفساد ومكافحته والطريق اليه لايكفي له التشريعات وحدها مهما كانت كثرتها‏..‏ ولا التحريات مهما كانت دقتها بل ولا حتي المحاكمات مهما بلغت شدتها‏..‏ لأن كل ذلك حالات بعينها أومجهودات فردية، بل يجب ان تتضمن الطريق الي مكافحته وضع سياسات محددة وموثقة واضحة ومعتمدة ومتفق عليها  تقوم على محاربة الفساد، وان تتضمن الترويج لثقافة مكافحة الفساد، وتشمل الاهتمام باخراط المواطن وادماجهة في تلك الجهود، ووضع البرامج الثقافية والاعلام وبرامج التعليم، وان تكون هناك خطوات وآليات لاتخاذ التدابير التي تمنع حدوثه وتكشف عنه قبل وقوعه‏. كما لايكفي ان تقوم باجراءات مكافحة الفساد اجهزة متعددة لايجمعها رابط أو نسق واحد.‏

المجتمع المدني والاعلام يقول ما يشاء والمتنفذ يفعل ما يشاء

من الواضح ان هناك نوعا من التقدم في معالجة موضوع وقضايا الفساد في بلادنا، ومن الواضح كذلك زيادة الاهتمام او التركيز اكثر على الابلاغ عن الفساد، سواء عن اشخاص فاسدين او عن مؤسسات فاسدة،  وايضا يزداد الوعي عند المواطن الفلسطيني بضرورة الابلاغ عن الفساد، وان وازدياد الجرأة هو امر ايجابي، وفي نفس الوقت زيادة التركيز من قبل المؤسسات، سواء اكانت مؤسسات رسمية، او مؤسسات مجتمع مدني، اكان من خلال الاعلانات اوالنشرات والاعلام ام من خلال اللقاءات والتظاهرات والورش،  هو ايجابي ايضا.
لكن المواطن يتابع وبشكل شبة يومي اشكال فساد تقلق الجميع، كمثل فساد الاغذية او الادوية، وعدم صلاحيتها، وعدم الكشف عن المروجين والتجار المستوردين، واجراءت قانونية غير رادعة، ومثل ضياع ملفات مالية من اروقة المحاكم بفعل فاعل، ومثل التاخر في البت في اصدار الاحكام ضد الفاسدين وامثلة كثيرة اخرى، وسط غياب لاليات ضغط فعلية مؤثرة، وفي ظل تراجع في ثقة المواطن بالجهود المبذولة من قبل المؤسسات الرسمية والمدنية فالمجتمع المدني والاعلام يقول ما يشاء، والجهات المتنفذة تفعل ما تشاء دون خوف من رادع قضائي او محاسبة علنية.

ان نجاح عملية الإصلاح الفلسطيني ومكافحة الفساد لا تتوقف على جهود تقوم بها بعض المؤسسات الرسمية والاهلية الفلسطينية، بل يجب أن توازيها من جهة، خلق حركة جماهيرية شعبية واسعة تعمل كرافعة الضغط تضع نصب عينها هدف الوقوف امام استمرار الاستهتار بالمطالبات بالاصلاح وعقاب الفاسدين ، ومن جهة ثانية، تسليط الضوء على ابرز الثغرات في القوانين والاجراءات الفلسطينية التي قد تؤدي الى الافلات من العقاب وتسمح بالانتقام من المبلغين.

المواطن يريد الابلاغ لكنه متردد؟

ان ابرز التحديات التي تواجه مشاركة المواطن في جهود مكافحة الفساد وفي الابلاغ عنه في المراحل المختلفة، تتمثل اولا بالثقافة الشعبية السلبية تجاه الابلاغ عن الفساد، التي تعتبره كنوع من الوشاية بالمهوم السلبي المرتبط بالاحتلال ، اضافة الى الضعف بالجانب القانوني، وقصور تشريعي في التشريعات الناظمة، اضافة الى مجموعة من الاشكالات السياسية والادارية التي تتمثل بعدم الالتزام بالقانون وضعف الارادة السياسية في فرض واجب الابلاغ على الموظف العام وعدم محاسبة كبار الفاسدين مما ادى الى شعور اللاجدوى لدى المواطن الفلسطيني ساهم في احجامه عن الابلاغ عن الفساد، هذا بالاضافة الى ضعف الحوافز التي تشجع على الابلاغ عن الفساد.

اما اثناء عملية الابلاغ فتتمثل التحديات بالفهم الخاطىء للجهة المختصة بتلقى البلاغات وحصرها بهيئة مكافحة الفساد واغفال هذا الفهم لدور الجهات الاخرى في تلقى البلاغات كالجهة الرئاسية في المؤسسة نفسها التي وقع فيها افعال الفساد، هذا بالاضافة الى عدم وضوح اجراءات التبليغ، وعدم وضوح الجهة المختصة في تعريف من هو المبلغ وعملية التمييز بين المبلغ والشاهد والضحية والخبير.
ان عدم اصدار النظام الخاص بحماية المبلغين يعتبر ابرز التحديات في مرحلة ما بعد الابلاغ، اضافة الى وجود شعور لدى المواطن بان تقديم الابلاغ عن الفساد بلا فائدة لاعتقاده بان شكواه لن تؤخذ بالجدية اللازمة، وهو يرى ايضا الاعفاءات التي منحها القانون للمتورطين في جرائم الفساد.

لا بد من اجراء تعديلات مشجعة على قانون مكافحة الفساد

ان الابلاغ عن الشبهات هو احد الآليات الاهم في مكافحة الفساد ولكي يتمكن المواطن من الابلاغ يجب ان نهتم بتوعيته وتطمينه، وتشجيعة على التوجه للجهات المختصة، من المهم التركيز على المواطن وعلى دوره واقتناعه بأهمية مكافحة الفساد،وبالرغم من التعديلات التي جرت على قانون مكافحة الفساد واهميتها الا انه لا بد من اعادة النظر بها ومراجعتها مرة اخرى في ضوء ما جاء في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد والتي اعلنت السلطة الفلسطينية التزامها بها مؤخرا، ولنجاح خطة وطنية فلسطينية لمكافحة الفساد، فأنها تحتاج الى ان تعتمد على ثقافة المتابعة والتقييم والمراقبة والشفافية والاستمرارية، وبأن يكون هناك تركيز على الاستثمار المستدام في تشكيل اللجان المحلية من الافراد المتضررين فهم وقود التغيير والرافعة والحامي للانجازات، وبدون شك ان المواطن الفلسطيني وبغض النظر عن مكان تواجده او عمله هو الاهم في عملية مكافحة الفساد، سواء اكان موظفا في القطاع العام اي الحكومة او عاملا في القطاع الخاص، او احد موظفي المؤسسات الاهلية، او حتى ان كان احد المستهلكين العاديين لخدمات او لمنتجات، قد يكتشف انها فاسدة، او احد المراجعين لدوائر او لمؤسسات، قد يكتشف ان ممارسات افرادها فاسدة. اضافة الى دور الاجهزة الرسمية لمكافحة الفساد، والدور الهام لمنظمات المجتمع المدني، كأطار يسلط الضوء وينشر الوعي ويقدم الدراسات والادلة، وكذلك هناك دور هام لوسائل الاعلام في ممارسة الرقابة والمساءلة والبحث الاستقصائي عن المعلومات الخفية بشكل موضوعي بعيد عن التهويل او التزويق او التشهير.

نحتاج لحركة جماهيرية شعبية

اننا نحتاج  لحركة جماهيرية تضم كل ما ذكر لتعمل على رفض ثقافة الفساد وتعزز قيم النزاهة وتطالب بالشفافية منشر المعلومات وتقوم بالمساءلة لكل من يقوم بادارة مالا عاما وشانا عاما، و تعمل على تثقيف وتمكين الرأى العام بالمعرفة بالحقوق والثقة بالذات وبسيادة القانون والايمان بعمل المؤسسات، من اجل التاسيس لتنمية مستدامة تقوم على العدالة والحرية والديمقراطية.
  فضل سليمان

**المقالات والآراء المنشورة تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي أمان
go top