تحقيق – بشار دراغمة – الحياة الجديدة- 2013
ليس هناك أجمل من بيت شيد بحجر أبيض قاس، تمتاز به فلسطين عن غيرها، يبلغ سعر المتر المربع الواحد منه بالمتوسط نحو خمسة دولارات وتزيد، قد يكون رخيص بالنسبة لك، لكن كثيرين يدفعون ثمنه غالياً جداً، فبينما تدخل الأموال لجيوب أصحاب المقالع مع كل حجر يستخرج من الأرض تدخل أجسام المواطنين في المنطقة التي يتم فيها العمل العديد من الأمراض، أقلها الربو والحساسية في العيون وأمراض صدرية أخرى وربما ما خفي كان أعظم.
الدخول إلى مقالع الحجارة والكسارات في بلدة جماعين جنوبي مدينة نابلس ربما لا يقل صعوبة أحيانا عن دخول منشأة نووية لمعرفة تفاصيل ما يجري هناك، وأصحاب تلك المنشآت لا يفضلون الحديث إلى الإعلام ويرفضون وجود الكاميرا، وإذا ما لقوا أنفسهم مجبرين على الحديث فإن "خير الكلام ما قل، لكن دون أن يدل"، و"دبلوماسية البزنس" هي الصفة السائدة في بلدة نسبة البطالة فيها أقل من 3% بفضل تلك المنشآت الصناعية، التي لها ضريبتها أيضا وآثارها المدمرة للإنسان والبيئة، وكأن البلدة التي يعيش فيها عشرة آلاف نسمة، قتلت نفسها بأيدي أبنائها.
الكل في جماعين يشكو، لكن برأي الكثيرين "الشكوى لغير الله مذلة"، فالكثير من كتب الاعتراض رفعت لأعلى المستويات -حصلت الحياة الجديدة على نسخ منها- دون أن يتحقق شيء على أرض الواقع في بلدة صغيرة يزيد عدد مقالع الحجارة والكسارات ومناشير الحجر فيها عن 55 منشأة، عدد منها داخل المخطط الهيكلي للبلدة، ووفقا لأحد أصحاب المحاجر وهو معين الضميدي والذي يعمل رئيسا لبلدية حوارة أيضا، فأن 99% من مقالع الحجر تعمل دون ترخيص.
وتشير دراسات عديدة إلى أن معظم تلك المحاجر تلحق أضرارا كبيرة في البيئة والإنسان وتفتقد لإجراءات السلامة العامة، بالإضافة إلى ثلاثة مصانع "زفتة" يقول عنها رئيس بلدية جماعين عاصم ناظم أنها تؤثر أيضا سلبا على صحة الإنسان وتترك مواد كيميائية سامة وربما مسرطنة.
الطريق إلى جحيم الغبار
في الطريق إلى جماعين يلحظ الزائر حجم الانتهاك الكبير للبيئة والزراعة، وكميات الغبار الأتربة التي تشاهدها في سماء البلدة بمجرد وصول مشارفها، تشعرك أنك داخل منشأة صناعية واحدة، وليس في بلدة يعيش فيها عشرة آلاف نسمة ويدفعون يوميا من صحتهم ثمنا لكل هذا المنشآت، ليصل الأمر أحيانا إلى حالات وفاة أيضا بسبب الاهمال في تلك المنشآت، وتشير سجلات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين إلى أن قطاع الانشاءات في الضفة الغربية يعتبر من أكثر القطاعات التي تشهد إصابات عمل وحوادث وفاة، فشهد العام الماضي 885 إصابة و20 حالة وفاة في الضفة الغربية، نسبة منها في مقالع الحجارة والكسارات، وفي محافظة نابلس كان هناك حالتي وفاة في ذات العام، إحداها في بلدة جماعين حيث توفي إبن صاحب إحدى الكسارات، والآخر في نابلس، وفقا لمصطفى حنني سكرتير دائرة الصحة والسلامة المهنية في الاتحاد العام لنقابات العمال، الذي يؤكد أن بعض أصحاب العمل يستثقلون الالتزام بإجراءات السلامة والصحة، مشيرا إلى توفير أدوات الحماية أقل تكلفة مالية بكثير من خسائر إصابات العمل.
وتكرر هذه الحوادث في مقالع الحجارة والكسارات بسبب عدم ردم تلك المحاجر بعد انتهاء العمل بها، أو بسبب غياب إجراءات السلامة العامة بالنسبة للعمال داخل تلك المنشآت، بالإضافة إلى آلاف الدونومات الزراعية التي تأن تحت ثقل الغبار المتراكم على الأشجار والذي أثر بشكل واضح على كميات الانتاج وفق روايات المواطنين.
ويفتح واقع المحاجر في جماعين مجموعة من الأسئلة هو لماذا يتم السماح لأصحاب تلك المحاجر بالعمل في مقالع لم تحصل على الترخيص، ولماذا حصلت بعض المقالع على الرخصة، وحرمت منها أخرى؟ – الرواية منسوبة لأحد أصحاب المحاجر-، ولماذا يتم ترخيص كسارات ومقالع حجارة داخل المخطط الهيكلي للبلدة أحيانا، وفي مناطق قريبة من الأراضي الزراعية في حين آخر؟، ولماذا تغيب الجولات التفتيشية الدورية والمتقاربة للجهات ذات الاختصاص للإطلاع عن كثب على ما يجري في تلك البلدة، وأيضا لماذا تلاحق مقالع الحجارة وتُمنع من العمل في منطقة رام الله وقراها ويُسمح لها بالعمل في نابلس بدون ترخيص، وفي الجنوب تعمل بكل أريحية وبكامل التراخيص؟، وطالما يقر المسؤولون بوجود انتهاكات من قبل أصحاب المحاجر بحق الانسان والزراعة والصحة العامة، فلماذا لا يتم معالجة مواطن الخلل؟ ولماذا لجأت بلدية لمحاولة التوصل إلى حلول بقرار فردي ولم تشارك فيه وزارة الاقتصاد الوطني؟
إجراءات ترخيص معقدة لكن المحاجر منتشرة
وإقامة أي مقلع للحجارة أو كسارة يتطلب الحصول على تراخيص من وزارات البيئة والزراعة والصحة والاقتصاد والحكم المحلي، ولكل جهة اختصاص من تلك الوزارات شروطها ومواصفاتها الصعبة لمنح التراخيص، ونظريا يمكن القول إن تلك الشروط تضمن إلى حد ما الحفاظ على البيئة والزراعة والصحة، لكن زيارة واحدة إلى تلك المنشآت تفتح أمام الزائر اسئلة بلا اجابات، "لماذا تعمل كل هذه المحاجر والكسارات في منطقة زراعية، فتتلف مساحات واسعة من الأراضي المزروعة، وتدمر حقول زيتون ولوزيات وغيرها؟ وكيف تصمت وزارة البيئة على ما يجري داخل منشآت لم يوفر أصحابها مقومات حماية البيئة رغم أن الأخيرة لم تمنح ترخيصا لعدد كبير من تلك المنشآت بالعمل، وأصيب الكثير من سكان البلدة بأمراض مختلفة أقلها الربو والحساسية في العيون، وربما ما خفي كان أعظم، والكثيرون لديهم تقاريرهم الطبية التي تثبت إصاباتهم بالأمراض بسبب تلك المنشآت، وما يزيد "الطين بلة" هو عدم توفر مراكز حكومية تعمل بفترات مناسبة في البلدة، سوى عيادة واحدة تعمل في أيام محددة من
من الوزارات للعيادات
وبينما تكبر أرصدة في البنوك لأصحاب مقالع الحجارة والكسارات، تكبر هموم المواطنين ومشاكلهم، فالمواطن عثمان شرع يحمل دائما ملفا مليئا بالأوراق، معظمها كتب شكاوى واعتراضات على إقامة الكسارات ومقالع الحجارة في مناطق زراعية وسكنية، بالإضافة لتقارير طبية تثبت إصابته بأمراض عدة بسبب غبار تلك المنشآت، ولم يترك شرع بابا إلا وطرقه من أجل التوصل إلى حلول تنهي معاناة سكان البلدة وتحمي مزروعاتهم، كما أن أنه يقضي أوقاتا كثيرة من يومه وهو يجمع تواقيع من أبناء البلدة اعتراضا على تلك المنشآت، ووصل عدد الموقعين على عريضة واحدة حصلت عليها "الحياة الجديدة" إلى 50 شخصا من أرباب الأسر، وتعدى الأمر ذلك إلى رفع دعاوي قضائية في المحاكم ضد وكيل إحدى الوزارات، وبعض أصحاب الكسارات ومقالع الحجارة. لكن ذلك كله لم ينه معاناة سكان جماعين حتى الآن.
ويقول شرع لـ"الحياة الجديدة" أن عشرات الدونمات الزراعية تدمرت لديه بفعل تلك المنشآت، وبعض الحقول لم يعد قادرا على الوصول إليها، وأخرى بدل من أن يجني ثمار الزيتون عنها لا يحصل إلا على أكوام من الأتربة والغبار، وبعض الأمراض.
وأضاف:" أذكر قبل 20 عاما كانت شجرة الزيتون تنتج في جماعين نحو 20 كيلو زيت، لكن الآن لا تنتج إلا 300 كيلو من الغبار المتراكم عليها".
وأصيب شرع بأمراض في عينه، ويحمل تقريرا طبيا موقعا من الدكتور عبدالفتاح عرفات، مدير مركز النور لطب وجراحة العيون في المستشفى العربي التخصصي، ويؤكد التقرير الذي اطلعت "الحياة الجديدة" على نصه، أن سبب مرض العين ناتج من العوامل البيئية المحيطة.
الهواء ليس عليلا
وبحسب دراسة قدمت لنيل شهادة الماجستير في جامعة النجاح الوطنية للباحث عزيز صادق والتي تضمنت دراسة ميدانية واستطلاع رأي تبين أن 33.3% من سكان جماعين يشعرون بضيق "كبير جدا" في التنفس عند عودتهم إلى بلدتهم اذا خرجوا لمنطقة أخرى، وقال 66% أنه بالضيف بشكل "كبير" فتكون نتيجة من يشعرون بالضيق أكثر من 99%. وترى نسبة تصل إلى أكثر من 93% باختلاف الهواء بين بلدتهم وبلدات أخرى، ويعتقد نحو 82% من السكان أن المحاجر تؤثر بدرجات متفاوتة على صحتهم.
ويصل الأمر في جماعين إلى أن سكان بعض المنازل لم يفتحوا نوافذ بيوتهم منذ إنشائها، ومع ذلك تجد الغبار والأتربة متراكمة على أرضيات المنازل، كما أنهم حُرموا من الجلوس في باحات منازلهم.
"لا حياة لمن تنادي"
ويقوم مصطفى حنني، سكرتير دائرة الصحة والسلامة المهنية في الاتحاد العام للنقابات، إن العدد من كتب الشكاوى يرفعها الاتحاد للوزارات والجهات المعنية، لكنها لم تحرك ساكنا ولم تفعل شيئا من أجل وقف النتائج المدمرة على البيئة والصحة، مشيرا إلى أن الاتحاد يقوم بالعديد من الزيارات إلى تلك المنشآت ويلحظ حجم الضرر الذي تشكله على البيئة والإنسان، مشيرا إلى أن أصحاب تلك المنشآت يتعاملون بمزاجية مع ممثلي الاتحاد وهم من يأذنون لهم بدخول المنشأة أو صدهم، منتقدا أيضا غياب دور وزارة العمل عن القيام بجولات تفتيشية على هذه المنشآت للتأكد من تحقيق شروط السلامة والتأمين، مشيرا إلى وزارة العمل مقصرة وتتذرع بضعف الإمكانيات ووجود فقط 40 مفتش في الضفة الغربية كلها.
أرباح هائلة واستغلال موقف
وتدمر مقالع الحجارة على أصحابها أربحا هائلة و"كل واحد وحظه"، ويقول عصام ناظم رئيس بلدية جماعين لـ"الحياة الجديدة" أن صاحب مقلع الحجر ربما يستأجر دونم الأرض بـ40 ألف دينار أردني وربما أكثر، لكنه يدر عليه دخلا يتجاوز المليون دينار أردني، علما أن صاحب المحجر وضع الكثير من النفقات للوصول إلى هذه الأرباح.
ويسعى بعض أصحاب الأراضي إلى استغلال حاجة أصحاب مقالع الحجارة، فيرفعون أسعار تضمين الأرض لتصل أحيانا إلى 50 ألف دينار للدونم، علما أن سعر الدونم الواحد لا يتجاوز 5 آلاف دينار، لكن صاحب الأرض يرفض عرضها للبيع ويكتفي بتضمينها لفترة زمنية محددة.
وما يميز جماعين ويجعلها قبلة أصحاب المقالع، هو حجرها الذي يتميز بقساوته الفريدة، وربما جعله ذلك الحجر رقم واحد في العالم.
ويقول عصام ناظم متفاخرا بحجارة بلدته "حجر جماعين وصل إلى دول الخليج كافة، وأنحاء من أوروبا، وليس غريبا إن قلت أن عمارة في الكويت حُفر عليها كنوع من الفخر كلمتي "حجر جماعين".
"ما باليد حيلة"
وينفي ناظم أي مسؤولية للبلدية عن منح تراخيص لإقامة مقالع للحجارة أو كسارات، وقال إن وزارة الحكم المحلي ترفض تدخل البلديات في هذا الأمر، باعتبار أن المنشآت تقام خارج المخطط الهيكلي للبلدة، وعن تلك المقامة داخل المخطط الهيكلي وزودتها البلدية بالكهرباء والماء قال ناظم:" كلها محاجر وكسارات ومناشير قديمة، في عهد بلديتنا لم نزود أحد بالكهربا داخل المخطط الهيكلي"
كما أن بعض أصحاب المحاجر ليسوا بحاجة إلى كهرباء البلدية من أجل تشغيل منشآتهم فيستعملون مولدات كهرباء شخصية تعمل بالسولار.
وأشار ناظم إلى وجود مصانع "زفتة" تخلف أضرارا كبيرة على البيئة والإنسان وليس فقط الكسرات ومقالع الحجارة، مشيرا إلى أن مصانع الزفتة لا تقوم بتغيير الفلاتر الخاصة بها بشكل دوري ومنتظم ويتركوها لفترات طويلة، وأحيانا يتم ترك المواد السامة تتسرب بدون اي فلاتر ما يشكل خطرا كبيرا على صحة الانسان، قائلا:" ان تلك المواد ربما تكون مسرطنة وهي معروفة عالميا بذلك".
ويوضح ناظم أن أصحاب مناشير الحجر الموجودة داخل البلدة يطلبون بديلا خارج المخطط الهيكلي لترحيل المناشير الموجودة حاليا، ويريدون ترحيل مناشيرهم على حساب البلدية، وأن توفر لديهم البلدية أماكن بديلة خارج المخطط الهيكلي، كما أنهم يضعون العراقيل، ويفضلون البقاء داخل البلدة لأن ذلك أسهل لتسويق منتجاتهم.
وتحدث ناظم عن تجربة شخصية في هذا المجال قائلا:" أحد أصحاب مناشير الحجر عرضت عليه أرض للإيجار لنقل منشاره إليها، لكنه تحجج وقال انا اريد ان اشتري ارضا ولا استأجرها"، علما أن لا أحد يعرض أرضه للبيع في جماعين والكل يريد الاستفادة من الإيجار.
وأشار ناظم إلى أن اتفاقا تم التوصل إليه مع أصحاب المحاجر والكسارات بعدم وجود أي منشأة من هذا القبيل بعد تاريخ 1/7/2015.
أصحاب المحاجر: نحن مظلومون
أصحاب مقالع الحجارة لا يريدون الحديث للإعلام، لكن معين الضميدي، والذي يملك نحو ستة مقالع في بلدة جماعين وحدها، قرر أن يتحدث وكما قال "بكل صراحة" حول ظروف عمل تلك المحاجر.
وأقر الضميدي بالضرر الذي تلحقه مقالع الحجارة بالإنسان والزراعة والبيئة، وبوجود محاجر تابعة له ضمن المخطط الهيكلي، مشيرا إلى أنه كإنسان يدرك الخطر تماما، مقرا بأنه يعمل في هذه المهنة منذ 20 عاما وأضاف:" خلال هذه الفترة لم نجد أحد يوقفنا" وبالتالي تأسست منشآت كبيرة لا يمكن تدميرها في لحظة، ولا يوجد بديل أمام أصحاب المحاجر، فالاحتلال الإسرائيلي يضيق عليهم الخناق ويمنعهم مطلقا من العمل في مناطق مصنفة "ج" ويتم مصادرة معداتهم في حال تم العمل في تلك المناطق، كما أن أصحاب مقالع الحجارة مضطرون للحاق الأماكن التي تتوفر فيها الحجارة الجيدة وهي ليست كثيرة ومحصورة في أماكن محددة.
مشيرا إلى أن منشآت يشارك فيها تعرضت للإغلاق في محافظة القدس بسبب شكاوى قدمت، وأصدرت محافظة القدس قرارا بوقف العمل بها، مشيرا إلى أن عمله في القدس يكون في مناطق مصنفة "ج" ومعظمها أراض مهددة استيطانيا أو مهمشة، وأوضح أنه يُمنع أيضا من العمل في العديد من مناطق رام الله.
ويبدي الضميدي الذي يعمل في صناعة تسهم بنحو 5% من مجمل الاقتصاد الفلسطيني وفقا لروايته، استعداده هو وبقية أصحاب مقالع الحجارة والكسارات للتعاون من أجل الحفاظ على الصحة والبيئة والزراعة في حال وجود إجراءات ملزمة للجميع ويتم تنفيذها بكل شفافية وعلى الجميع دون محاباة لأحد، وقال:"
ويلقي الضميدي باللوم على الجهات الرسمية في وجود انتهاكات من قبل المحاجر والكسارات، وذلك لعدم وجود جولات تفتيشية دورية وعدم وجود عقوبات بشأن المخالفات وهو ما يشجع الكثيرين على عدم الالتزام بالإجراءات المناسبة، كما يبدي استغرابه من موافقة الجهات المختصة على منح تراخيص لبعض المحاجر ومنعها عن أخرى.
وأقر الضميدي صاحب مقالع حجارة وصلت منتجاتها لعشرات الدول، بانه اضطر للعمل بدون تراخيص في بعض مقالعه مشيرا إلى أن حاول جاهدا ترخيصها لكن دون جدوى، واصطدم بمعارضة وزارة الزراعية للترخيص بسبب وجود المحجر في منطقة زراعة متوسطة، مشيرا إلى أن تلك المنطقة فائدتها الصناعية تكون أعلى من الزراعية.
ويبدي الضميدي استعداده للالتزام بأي إجراءات قد تطلب منه للحصول على الترخيص ومنها زراعة أشجار مثلا بعدد الأشجار التي تتضرر وربما أكثر من ذلك، وقال:" اذا اقتلعت عشرة أشجار أنا مستعد لزراعة 200 شجرة في منطقة أخرى" وتعهد أيضا استخدام المياه لمنع تتاطير الأتربة والغبار وفق إجراءات سلامة آمنة، خلافا لما يجري عليه الحال الآن في الكثير من المقالع والكسارات، لكنه يشترط أن يكون ذلك ملزما للجميع، وان يتم منح تراخيص للمقالع.
وأضاف:" لم يطلب منا أحد اتخاذ تدابير وقاية... أنا الوحيد الذي أضع جدار وقائي في جماعين، وألوم الجهات المسؤولة عن عدم الكشف على المحاجر للالتزام بإجراءات السلامة المطلوبة، وإلزام أصحابها بتطبيق القانون، وتحرير مخالفات في حال عدم الالتزام، وشخصيا زراني الدفاع المدني وأعطانا تعليمات بمتطلبات السلامة العامة والتزمت قدر الإمكان، لكن لماذا لا يتم زيارة المحاجر كل ست شهور مثلا".
وينفي الضميدي بعض الشائعات عن دفع رشاوى للحصول على رخصة، وذلك لأن الترخيص يتطلب الحصول على موافقة عدة جهات وليست جهة واحدة، وبالتالي إمكانية وجود هذا الخيار مستبعدة.
اتهامات بابتزاز مالي في الشمال وامتيازات للجنوب
وتحدث الضميدي عن وجود قضايا ابتزاز مالي، تدفع ببعض أصحاب الأراضي إلى تقديم شكاوى في حال لجأ صاحب مقلع الحجر مثلا إلى استئجار أراضي من شخص معين، ما يثير غضب جاره الذي كان ينتظر أن يتم استئجار الأرض منه، ويدفعه الغضب إلى تقديم شكوى لدى الجهات الرسمية، لكنه يصمت إذا تم استئجار الأرض منه، مشيرا إلى أنه شخصيا تعرض لمثل هذا الموقف، حيث اصبح هدف البعض من الشكاوى إلحاق الضرر بصاحب مقلع الحجر وليس الحفاظ على البيئة والصحة وغيرها وأضاف:" قال لي شخص قدم شكوى ضدي "هل جحا يرث وجحا لا يرث".
وتحدث أيضا عن قضية ابتزاز أخرى فيما يتعلق بالطرق التي تمر منها السيارات والآليات إلى المقالع، فيضطر لدفع ستة آلاف دينار أردني سنويا مقابل المرور لمسافة لا تتجاوز 80 مترا.
وأشار إلى أنه اذا تم توقيفه عن العمل فأن ربما يخسر مليون ونصف دولار في موقع واحد.
كما تطرق إلى وجود امتيازات لمناطق جنوب الضفة ويُحرم منها الشمال، فيما يتعلق بتصدير الحجارة إلى الخارج، وبسبب عدم وجود تراخيص في الشمال وبالتالي عدم وجود شهادة منشأ يضطر أصحاب مقالع الحجارة إلى نقل انتاجهم إلى الجنوب، ومن ثم يتم تصديرها، لكن دون أن تحمل اسم المنتج الاصلي، وانما من خلال وسيط.
إلى كندا دُر
وانتقد الضميدي المضايقات التي يتعرض أصحاب المحاجر رغم ما يقدمونه للاقتصاد الفلسطيني من فائدة وأضاف:" الفيزا الأمريكية في جيبي، وتزوجت من كندية من أجل الحصول على الجنسية الكندية، وفي اللحظة التي أشعر فيها أنه لم يعد لنا رزق في بلدنا سأرحل".
صراع صلاحيات
وفي الوقت الذي توصلت فيه بلدية جماعين لاتفاق مع عدد من أصحاب مقالع الحجارة والكسارات لإنهاء أعمالهم داخل المخطط الهيكلي خلال فترة زمنية محددة، ترى وزارة الاقتصاد الوطني أن بلدية جماعين تجاوزت صلاحياتها من خلال هذا الاتفاق وأن الحلول الجذرية تأتي من خلال الوزارات المعنية وليست البلدية.
وقال محمد زيدان مدير دائرة المحاجر والكسارات في وزارة الاقتصاد الوطني إنهم تفاجئوا من اتفاق بلدية جماعين مع أصحاب مقالع الحجارة، مشيرا إلى أن ذلك يشكل تعديا على الصلاحيات، وقال إن البلدية تستفيد من الرسوم التي تتقاضاها من هذه المنشآت، في إشارة إلى المصلحة باستمرار وجود هذه المقالع والكسارات.
وأوضح زيدان أن الحل يكون من خلال الوزارات المسؤولة عن هذا الأمر، وبشكل إلزامي، مشيرا إلى أن الوزارة منحت اخطارات لأصحاب المحاجر غير المرخصة بضرورة تسوية أوضاعهم، مشيرا إلى عدة فرص تم منحها من قبل بهذا الخصوص.
من يمنح الترخيص في منطقة "ج"
ويعمل أصحاب مقالع الحجارة بأريحية كبيرة في مناطق مصنفة "ج"، وفي الوقت الذي يزعم فيه أصحاب المقالع أنه يتقدمون بتراخيص ويتم رفضها، ويؤكد محمد زيدان، أن السلطة الفلسطينية لا تملك إمكانية الترخيص في مناطق "ج"، وأن الترخيص يكون من خلال الإسرائيليين، وبالتالي يعمل أصحاب المقالع في تلك المناطق بدون تراخيص، مستغلين التواجد في مناطق لا تملك السلطة السيطرة الكاملة عليها.
ونفى زيدان ما يتحدث به بعض أصحاب مقالع الحجارة عن أن أصحاب المحاجر في الجنوب يتمتمعون بامتيازات، وقال إنه تم إغلاق العديد من المحاجر هناك، بسبب مخالفتها شروط العمل.
وأضاف زيدان:" نحن لا نقاتل أصحاب المحاجر على رزقهم، لكن مصلحة المواطن دائما هي في سلم الأولويات".
منتجعات في أوروبا وحفر موت في جماعين
ويؤكد الدكتور مروان حداد، مدير معهد الدراسات البيئية والمائية في جامعة النجاح الوطنية، أن مقالع الحجر تنتهك بشكل صارخ البيئة وتتسبب بأضرار كبيرة لها، داعيا إلى وجود حلول عملية تنهي هذه "المأساة".
وتحدث عن نماذج ناجحة في ألمانيا والصين للحفاظ على البيئة بعد انتهاء العمل على سبيل المثال في مناجم الفحم والمنشآت المماثلة، بحيث يتم تحويل تلك الاماكن إلى منتجعات سياحية وفناديق وحدائق عامة.
لكن الواقع مختف في جماعين والقرى المجاورة لها، بحيث تبقى مقالع الحجارة بعد انتهاء العمل بها مكشوفة وتشكل خطرا على الإنسان، وخير دليل هو وفاة عجوز، في جماعين سقطت في أحد المقالع عندما كان يسير بالقرب منه وذلك قبل ثلاث سنوات.
وانتقد الدكتور حداد غياب التخطيط عن عمل مقالع الحجارة، مشيرا إلى وجود عشوائية كبيرة لا بد من وضع حد لها، وتخيص أماكن محددة للعمل على أن يتم الاستفادة منها لاحقا في قضايا تخدم البيئة ولا تدمرها، مشيرا إلى أن هناك أماكن يجب أن تترك ولا يتم المساس بها مطلقا تحت أي ظرف.
وأوضح حداد أن جهات الاختصاص ربما لا تعرف بالتحديد الأماكن التي يجب أن يكون فيها المقالع، وبالتالي عليها الاستفادة من الخبراء في هذا المجال.
مشددا على ضرورة تطبيق الأنظمة والقوانين فيما يتعلق بعمل مقالع الحجارة، وربطها بالمخطط الهيكلي للمناطق التي يتم العمل بها بحيث تكون خارجها وبمسافات كافية، مشيرا إلى أن الترخيص ليس عملا مستقلا عن التخطيط الشامل، فيما يغيب الأخير بشكل واضح على الأقل عمليا، وربما يكون موجودا على الورق فقط.
وانتقد حداد غياب الوعي لدى كثير من الناس بما يحدث من أضرار على الانسان والبيئة، مشيرا إلى ضرورة معرفة المواطن بما يحدث وما هي الأضرار التي تطاله، وأضاف:" الناس يجب أن تقرر وأن يكون لها صوت، ولا يجوز تدمير البيئة للأجيال القادمة"
وإشار حداد كذلك إلى وجود أخطار أخرى على البيئة في حال بقيت مقالع الحجارة بعد انتهاء العمل بها كما هي دون اعادة استصلاح أرضها، فيمكن أن تتحول إلى مكبات للنفايات، والمخلفات الصناعية الضارة، وتتسرب لاحقا للإضرار بالمياه الجوفية، مبديا قلقا أيضا على النباتات الفلسطينية النادرة وفلسطين متحف لهذه النباتات.
مقالع قديمة لها آثارها
من جهته أوضح جميل مطور، نائب وزير البيئة، إن هناك مقالع قديمه عملت قبل قيام السلطه الوطنيه الفلسطينيه ولها اثارها وهناك مقالع أقيمت بعد اقامه السلطه واخذت الموافقات اللازمه من جهات الاختصاص ومن وزاره شؤون البيئه، مشيرا إلى أنه طبقا للقانون فان الوزاره تمنح الموافقه البيئيه بعد دراسه الطلب واستكمال الاجراءات اللازمه وتضع مجموعه من الشروط لضبط النشاط الاقتصادي والحد من الاثار المحتمله وبما يضمن عدم الاضرار بالبيئه العامه، موضحا أن الوزاره تسعى بكل جهدها لمتابعه ايه خروقات هنا وهناك وتتخذ الاجراءات الكفيله بوقف اي ضرر.
وأقر المطور بوجود ضعف في التزام المستثمر بشروط الترخيص الامر الذي يتسبب احيانا ببعض المشكلات بين الحين والاخر، مشيرا إلى وجود مشكله في متابعه بعض المقالع المقامه على الاراضي المصنفه بمناطق "ج".
وحول معايير منح التراخيص بين المطور أن وزارة البيئة ملتزمه بسياسه تقييم الأثر البيئي المقره حكوميا وهناك شروط مرجعيه توضع من قبل الوزاره لاعداد دراسه تقييم الاثر البيئي والتي تعتبر متطلبا من المستثمر وبعد ذلك يتم دراسه الطلب ومراجعه الدراسات المقدمه وكذلك يتم زياره الموقع اكثر من مره من قبل الفريق المختص وغالبا ما يتم دراسه الملف في اطار لجنه تقييم الاثر البيئي الوزاريه والتم تضم 12 عضوا من وزارات وسلطات الاختصاص ولا يتم اعطاء الترخيص النهائي من قبل وزاره الاقتصاد الوطني الا بعد اخذ موافقه وزاره شؤون البيئه وفي العاده تتضمن الموافقه مجموعه من الشروط البيئيه التي يتعين على المستثمر الالتزام بها تحت طائله المساءله القانونيه اواعاده النظر في الموافقه اذا ما تبين ان هناك اضرار او مستجدات تستدعي الغاء الموافقه او تصويب الوضع.
وفي رده حول وجود مقالع حجارة داخل تجمعات سكانية والمخطط الهيلكلي لبلدة جماعين بين نائب وزير البيئة، أن الوزاره تأخذ بعين الاعتبار العديد من العوامل والظروف المحيطه والمتعلقه بالنشاط ومنها المياه الجوفيه والسكان والمزروعات وطبيعه الارض والسلامه العامه والبيئه المحيطه بكل عناصرها والوزاره لا تعطي موافقه لاي نشاط من هذا النوع داخل تجمعات سكانيه مشيرا إلى وجود مقالع قديمه مهجوره وهي بحاجه الى اعاده تاهيل.
لا نشاط اقتصادي مثل المقالع بدون آثار سلبية
وأشار المطور إلى أنه يصعب تخيل نشاطا اقتصاديا مثل مقالع الحجارة بدون اية اثار نهائيا وأضاف:" لكن هناك فروق في درجه الضرر ومستوى تاثيره ومحيط هذا التاثير وهنا لا بد من الاشاره ان الوزاره تسعى دوما لتحقيق نوع من التوازن بين الحاجه الاقتصاديه للناس كجزء من عمليه التنميه وبين احتياجات حمايه البيئه وعدم التسبب باثار خطيره".
مشيرا إلى أنه تم مؤخرا تصويب اوضاع بعض الصناعات الحجريه وغيرها وبين الحين والاخر ترفض الوزاره اعطاء الموافقه نهائيا حتى لو كان ذلك تعطيلا لنشاط اقتصادي معين على قاعده ان درء المخاطر والاضرار اولى من جلب المنافع وطبقا للقانون ومتطلبات حمايه البيئه بوجه عام.
وفي رده على سؤال حول التزام أصحاب مقالع الحجارة والكسارات في ضوابط وزارة البيئة قال المطور:"كي اكون صريحا وبدون مواربه فانني اقول انه يوجد درجات متفاوته من الالتزام من جانب المستثمرين ولا اظلم احدا ان قلت ان هناك ضعفا عاما في التقيد بشروط الترخيص الا من رحم ربي وهذه مناسبه كي اتوجه بدعوه هؤلاء المستثمرين بان ياخذوا ويعملوا بشروط الترخيص ليس احتراما للقانون فحسب بل حمايه للصناعه الوطنيه وحمايه للبيئه والسلامه العامه وحفاظا على مصادرنا الطبيعيه وحدا للتلوث وتقليصا للاضرار قدر الامكان".
ونوه المطور إلى وجود جولات بين الحين والاخر سواء لاغراض الرقابه والتفتيش بشكل مفاجئ او روتيني وأضاف:" كذلك هناك متابعه للعديد من الشكاوي التي تصل الوزاره بين الحين والاخر ولكن لن ادعي ان الجولات كافيه او شامله وقد يكون احد اسباب ذلك النقص في الكادر الفني ومتطلبات الحركه مثل المركبات".
وإشار المطور إلى نقطة لا يلتزم بها الكثير من أصحاب مقالع الحجارة وهي أن هناك شرط يوضع على المستثمر بان يقوم باعاده تاهيل المقلع حسب الاصول على حسابه، موضحا أن الوزارة حاولت كذلك البحث عن مصادر للاستفادة من المقالع بعد انتهاء العمل بها وإيجاد مشاريع رياديه الا ان هناك صعوبات تواجه هذه المحاولات.
وأكد المطور على ضرورة التزام المستثمرين بما جاء في الموافقات البيئيه الممنوحه لهم وطبقا للقانون مشيرا إلى أنه من حق الوزاره تحرير مخالفات او ايقاع عقوبات حسب القانون وقد تصل الى حد الاغلاق او نقل المنشاه.
وزارة الزراعة: لا نمنح التراخيص
وأكد المهندس محمد فطاير، مدير زراعة نابلس، وجود تشدد من قبل الوزارة لإقامة مقالع الحجارة، وترفض منح تراخيص في مناطق زراعية، مشيرا إلى وجود مقالع مقامة بدون تراخيص، كاشفا عن وجود شكاوى ودعاوى قضائية رفعت من قبل الوزارة بحق بعض أصحاب المقالع ممن يحاولون العمل في مناطق زراعية.
وأوضح فطاير أن هناك بالفعل اعتداءات على الأراضي الزراعية سابقا، مشيرا إلى أنه يتم الآن منح التراخيص بناء على كشف تقوم به وزارة الزراعة، ويعتمد ذلك على المخطط المكاني للمشروع، ويتم تحويل الملف من قبل وزارة الاقتصاد إلى بقية الوزارات ذات الاختصاص، وكل وزارة تبدي الموافقة أو المعارضة بناء على الالتزام بقوانينها.
وإشار فطاير إلى أنه كان هناك غياب للقانون وغياب للمسؤولية من قبل بعض أصحاب المناشير، وحاليا يحاولون تصويب أوضاعها.
وكشف فطاير عن توقيف بعض الأشخاص، وتحويلهم للنايبة العامة بسبب اعتدائهم على الأشجار والزراعة، مشيرا إلى وجود قرار من وزير الزراعة بمنع قطع الزيتون وخاصة الأشجار الرومية الكبيرة.
خطوات لا بد منها
وللتخلص من الكارثة البيئة والصحة التي تعاني منها جماعين يتطلب ذلك تشددا كبيرا في القوانين ومنح التراخيص، وملاحقة كل المنشآت التي تعمل بدون ترخيص، ووقفها عن العمل خلال فترات زمنية محددة، وكذلك القيام بجولات دورية على المنشآت وإلزامها بإجراءات السلامة العامة، والتأكد من تطبيقها لشروط الترخيص الذي حصلت عليه، ومنع العمل مطلقا في مناطق زراعية، وتشجير محيط المناطق التي تعمل فيها المحاجر والكسارات المرخصة والبعيدة عن الأماكن السكنية ومن شأن هذه الخطوة منع تطاير الغبار والأتربة بكميات كبيرة إلى مناطق أخرى.
كما أن مشكلة الطرق غير المعبدة تخلق أزمة إضافية في جماعين، وبالتالي تعبيد الطرق يحد إلى نسبة معينة من التلوث والإضرار بالبيئة، بالإضافة لضرورة إيجاد طرق إلتفافية خارجية تمر بعيدا عن المناطق السكنية.
ومن شأن طمر المقالع التي انتهى العمل بها، أن تحد من التشوهات التي تطال البيئة، وتقليل نسبة الخطر على الإنسان، وأيضا القيام بزراعتها بعد طمرها.
وكذلك فإن التعامل على محمل الجد مع شكاوى السكان يجعل الجهات الرسمية في صورة الأوضاع ويعطيها الفرصة سريعا لحل أي إشكاليات حصلت.