الصحافة الاستقصائية

65 مليون شيقل خسائر سنوية جراء المركبات غير المرخصة وغير المؤمنة

65 مليون شيقل خسائر سنوية جراء المركبات غير المرخصة وغير المؤمنة

تحقيق: إبراهيم عنقاوي

أثناء تجوالنا في مدينة نابلس، لاحظنا قلة تواجد شرطة المرور في المدينة الأكبر شمال الضفة الغربية. وقابلنا عددًا من السائقين وسألناهم عن مدى تدقيق شرطة المرور على ترخيص المركبات وتأمينها، فأخبرنا بعضهم أن الشرطة لا تدقق كثيرا على ترخيص أو تأمين المركبة.

يقول سائق التاكسي سامح سليم: لأننا معروفون على الخط لا تسألنا شرطة المرور عن الترخيص أو عن التأمين... المفروض أن يسألونا عن الترخيص، لكن ليس دائمًا.

ويوافق السائق رياض مناع تصريحات سليم، إذ يقول بلهجته العامية "عن الترخيص أو التأمين ما بسألونا حتى إشارات المرور إذا بدك تنعطف يمين أو يسار ما بطلعوا". ويضيف "المحسوبيات بتلعب دور كبير، وإذا إلي صديق شرطي بمشيني" في إشارة منه إلى أن بعض عناصر شرطة المرور تتهاون في مخالفة المركبات المنتهية الترخيص أو منتهية التأمين في حال كان سائقها له علاقة شخصية بشرطي المرور.

في رام الله، ينتشر 19 شرطي مرور في وسط وداخل المدينة من التاسعة صباحا حتى الثامنة مساء، إلى جانب الحواجز التي تنصبها شرطة المرور لمراقبة تجاوزات مركبات المواطنين.

استطلعنا آراء السائقين في رام الله، فأكد لنا بعضهم أن بعض عناصر شرطة المرور تتهاون في مخالفة بعض المواطنين والسائقين الذين لهم علاقة شخصية معهم، حيث يقول المواطن وائل عاصي إن بعض عناصر الشرطة "لا تخالف بعض المواطنين الذين لهم علاقة شخصية بهم، وفي إحدى المرات طلب شرطي المرور مني رخصة المركبة وكانت منتهية، لكنه لم يخالفني لأنه لم ينتبه للتاريخ"، وفق قوله.

يضيف أنه "عندما تكون السيارة الخاصة مخالفة لا يخالفه الشرطي؛ خوفا من أن يكون صاحب تلك السيارة أحد مسؤولي السلطة".

ويتهم أمين عام الاتحاد الفلسطيني لشركات التأمين نهاد أسعد، شرطة المرور بــ"تجاهل سؤال أصحاب المركبات عن التأمين، فيما تسأل عن رخصة المركبة والأمور التي تهم الدولة، حسب قوله".

ويسلط هذا التحقيق الضوء على المركبات المنتهية التأمين والمنتهية الترخيص، والخسائر الفادحة في الأموال والأرواح جراء ظاهرة تلك المركبات، وسيحدد التحقيق إجمالي الخسائر التي تتكبدها الحكومة والاقتصاد والمواطنون.

واجهنا شرطة المرور، فنفت تلك الاتهامات، حيث يقول مدير عام إدارة المرور في الشرطة المقدم وضاح عزامطة: عندما يكون ترخيص السيارة ساري المفعول يكون التأمين أيضا ساري المفعول، أي أنه لا يجوز ترخيص المركبة إلا إذا كان التأمين ساري المفعول.

يتابع: عندما نتحدث عن حادث منتهي الترخيص يكون منتهي التأمين والعكس صحيح.

وتظهر إحصائيات شرطة المرور أن عدد مخالفات المركبات المنتهية الترخيص بلغت (8303) مخالفة، بينما وصلت مخالفات المركبات المنتهية التأمين (729) مخالفة خلال العام الماضي.


توجهنا إلى وزارة المواصلات، لمعرفة حجم ظاهرة المركبات منتهية التأمين ومنتهية الترخيص، فتبين لنا حسب بيانات سلطة التراخيص في الوزارة أن عدد المركبات المسجلة لديها، تبلغ نحو (218) ألف مركبة.

ويقول مدير عام سلطة الترخيص في وزارة المواصلات جلال كامل، إن عدد المركبات التي لم يتم تجديد ترخيصها يبلغ (80 ) ألف مركبة، وهذا العدد يشمل مركبات "مشطوبة" ومركبات قديمة لا تسير على الشارع.

ويرى أن مسؤولية المركبات "غير المرخصة" تقع على عاتق المواطن، إذ أن بعضها يتركز في المناطق التي لا تطالها سيادة السلطة الفلسطينية.

ويؤكد كامل أن وزارة المواصلات تنسق باستمرار مع شرطة المرور، للتنبيه بمخاطر السير دون ترخيص وتأمين، لأن بعض المواطنين لا يتوجهون إلى الترخيص.


25 ألف مركبة غير مرخصة تسير على شوارع الضفة

وحسب بيانات إدارة المرور، فإن عدد المركبات المنتهية الترخيص التي تمت مخالفتها خلال العام الماضي بلغ (8303) مركبة، منها (6913) مخالفة لمركبات منتهية الترخيص لمدة تقل عن ستة أشهر، و (1590) مخالفة لمركبات منتهية الترخيص لمدة أكثر من ستة أشهر، وهو ما يظهر خطأ في تقديرات وزارة المواصلات لعدد تلك المركبات منتهية الترخيص.


بيانات الشرطة تشير إلى أن المركبات منتهية الترخيص ترتفع بشكل أكبر نسبيا في الريف والمناطق التي لا تخضع لسيادة السلطة الفلسطينية، رغم الحملات القليلة التي تشنها شرطة المرور على المركبات خارج المناطق المسماة (أ).


وحول تعامل الشرطة مع مخالفات الترخيص، يقول المقدم عزامطة إنها تتعامل مع السيارات منتهية الترخيص من خلال شقين، هما: سيارات منتهية الترخيص أقل من ستة أشهر يتم مخالفتها، والأخرى أكثر من ستة أشهر، يتم تحويل صاحبها للمحكمة.

ويشير عزامطة إلى أن شرطة المرور "لا تعتمد على شارة الترخيص (طبعة الترخيص) المفترض وجودها على المركبة، لأنها من الممكن أن تكون منقولة من مركبة إلى أخرى. كما أنها لا تقوم بتحرير مخالفة في حال عدم وضعها على المركبة لأنه لا يوجد أي نص قانوني لذلك".

25 مليون شيقل خسائر رسوم الترخيص خلال عام

ويبلغ متوسط ترخيص المركبة سنويا نحو ألف شيقل، أي أنه إذا تم الاعتماد في تقدير خسائر الوزارة جراء عدم دفع تلك الرسوم، تتراوح تلك الخسائر ما بين (4- 5) ملايين شيقل في العام الواحد، وهي خسائر تحسب على خزينة الدولة، وإذا تم الأخذ بعين الاعتبار عدد مخالفات شرطة المرور الخاص بترخيص المركبات، تبلغ خسائر الحكومة ثمانية ملايين و300 ألف وثلاثة آلاف شيقل خلال العام الماضي، جراء عدم تسديد تلك الرسوم، ، بينما تتضاعف تلك الخسائر حسب مصدر خاص من داخل الوزارة فضل عدم ذكر اسمه، إذ تصل إلى أكثر من 25 مليون شيقل سنويا.

ورغم أن رسوم الترخيص لا تسقط بالتقادم، فإن عدم إعداد وزارة المواصلات قائمة بأصحاب هذه السيارات وتقديمها للشرطة لملاحقتهم، يزيد من تراكم هذه الرسوم عليهم مما يحول من دفعها، بالتالي تبقى هذه المركبات تسير في الشوارع دون ترخيص، كما أن الخسائر تتراكم وتتضاعف لتصل إلى عشرات أو مئات الملايين في أعوام عدة.

عدد المركبات المنتهية التأمين يفوق المنتهية الترخيص

ظاهرة المركبات غير المرخصة ليست وحدها ما تضر بالمواطن والحكومة والاقتصاد، إذ يصل عدد المركبات منتهية التأمين للآلاف، ويتسبب بخسارة شركات التأمين ملايين الشواقل.

وحسب بيانات إدارة المرور في الشرطة الفلسطينية، بلغ عدد الحوادث التي تسببت أو تعرضت لها المركبات منتهية التأمين (362) حادثًا، بينما بلغ عدد حوادث السيارات منتهية الترخيص (344) حادثًا خلال العام الماضي، مما يؤشر إلى أن عدد السيارات منتهية التأمين يزيد عن السيارات منتهية الترخيص.

ويقول أمين عام الاتحاد الفلسطيني لشركات التأمين نهاد أسعد، إنه من الصعوبة تقدير عدد المركبات منتهية الترخيص، بسبب عدم توفر إحصائية دقيقة، لكن عددها يتراوح بين (30-40)% من إجمالي المركبات غير المرخصة.

ويرى أسعد أن مسؤولية انتشار تلك المركبات تقع على عاتق وزارة النقل والمواصلات، وشرطة المرور، إذ أن الوزارة هي الجهة المطبقة لقانون المرور، بينما شرطة المرور تتجاهل سؤال أصحاب المركبات عن التأمين.

ويرى المحامي موسى الصياد أن قانون التأمين رقم 20 لسنة 2005، الذي طبق عام 2006، يوجد به ثغرات، حيث حاولت شركات التأمين الخروج من مأزق مادة 139 مع دائرة الترخيص، التي تنص (لا يجوز أن تزيد مدة التأمين في الوثيقة عن مدة سريان ترخيص المركبة)، مما خلق إشكالية لدى شركات التأمين بحيث لا يجوز إصدار بوليصة تأمين أقل من ستة أشهر أو أكثر من عام.

خسائر رسوم التأمين

يبلغ معدل رسوم تأمين المركبة الواحدة سنويا ألف شيقل، وتصل خسائر شركات التأمين جراء عدم تسديد أصحاب المركبات لهذه الرسوم إلى ملايين الشواقل، وحسب ما هو معمول به في دوائر السير لا يجوز ترخيص المركبة إلا إذا كانت تحمل بوليصة تأمين سارية المفعول، أي أن المركبات المنتهية التأمين تقارب منتهية الترخيص.

بالاعتماد على تقديرات وزارة المواصلات لعدد السيارات غير المرخصة، وبمقاربة عدد غير المؤمنة من عدد غير المرخصة، يتراوح عددها بين (4- 5) آلاف مركبة غير مؤمنة، أي أن خسائر شركات التأمين بسبب عدم تسديد الرسوم تتراوح بين (4- 5) ملايين شيقل سنويًاً.


ربط مدة سريان التأمين بسريان الترخيص

خلال الفترة الماضية وقعت شركات التأمين ووزارة المواصلات اتفاقية تفاهم بين الطرفين تقضي بربط الترخيص بالتأمين، بحيث يبدآن في نفس الفترة وينتهيان في نفس الفترة، بهدف التقليل من ظاهرة المركبات غير المؤمنة وغير المرخصة، إلا أنه تم وقف العمل بهذا الاتفاق لاحقا، الأمر الذي أدى لانتشار مركبات مرخصة ولكن منتهية التأمين.

ويشير أسعد إلى أن التفاهم الذي جرى بين شركات التأمين ووزارة المواصلات غير مطبق. ويقول إنه يوجد دلائل بأن دوائر السير غير فعالة في ربط الترخيص بالتأمين.

ويعتبر كامل أن القانون لا يفرض وجود تلازم بين الترخيص والتأمين، بمعنى أن القانون يشترط عند ترخيص المركبة وجود وثيقة تأمين سارية المفعول، ولا يشترط أن يبدأ سريان الوثيقتين في نفس التاريخ وينتهي في نفس التاريخ.

ويشير كامل إلى أنه يجري العمل على "قانون لربط الترخيص بالتأمين لأنه من ناحية منطقية سليم ومن ناحية قانونية سليم".

في المقابل يرى المحامي الصياد إن خلافات شخصية تحول دون تطبيق التفاهم بين الشركات والسير بخصوص ربط التأمين بالترخيص. ويؤكد أن "تطبيقه لا يتعارض إطلاقا مع القانون"، إذ أن المادة 139 تنص على أنه "لا يجوز أن تزيد مدة سريان التأمين في الوثيقة عن مدة الترخيص". بمعنى أن يبدأ التأمين والترخيص في نفس التاريخ وينتهيان في نفس التاريخ لا يتعارض مع نص المادة 139.


خسائر صندوق التعويضات والمواطنين نحو 16 مليون شيقل


يخسر صندوق التعويضات الفلسطيني في حال عدم دفع رسوم التأمين، رسومًا تصل إلى نحو 150 شيقل للمركبة الواحدة تجبيها شركات التأمين عند تأمين المركبات والبالغة 15% من إجمالي الرسوم .

خسائر صندوق التعويضات (الحكومي) لا تتوقف عن حد رسوم الترخيص، حيث تخسر أيضا سنويا ملايين أخرى من الشواقل في حال تعرضت أو تسببت تلك المركبات بحوادث سير، حيث أنها تقوم من خلال صندوق التعويضات بدفع تعويضات جسدية للضحايا وتكون بدل تكاليف علاج كما أن المواطنين يخسرون مئات الآلاف من الشواقل أيضا جراء تضرر مركباتهم، ودفع تعويضات مادية للمتضررين.

ولا تقوم شركات التأمين بدفع تعويضات مادية أو دفع تكاليف العلاج للمصابين، في حال كانت المركبة غير مؤمنة أو كانت مؤمنة ولكن منتهية الترخيص لمدة تزيد عن 90 يومًا.

ويشير مدير عام صندوق التعويضات محمد ظرف، إلى أنه لا يوجد إحصائية دقيقة للخسائر التي يدفعها الصندوق بدل تكاليف لعلاج مصابي الحوادث، في حال المركبات غير المرخصة وغير المؤمنة، إلا أنه يؤكد أن الحادث الواحد قد تصل تكلفته ملايينًا من الشواقل.

في ذات السياق، يقول المحامي الصياد إن لديه سبع قضايا ضد الصندوق، منها ثلاث قضايا يصل مجموع التعويضات التي يطالب بها لنحو مليون و200 ألف شيقل خلال العام الماضي، دون التوصل لحل، مضيفًا "إذا استمر في المحاكمة من الممكن أن يكون التعويض أكبر من ذلك".

إلى ذلك بلغت أقساط تأمين المركبات خلال العام الماضي (88 مليون دولار)، تم دفع تعويضات منها بدل الأضرار المادية والجسدية (52 مليون دولار)، أي أنه تم دفع تعويضات من إجمالي رسوم تأمين المركبات بنسبة 59%، وفق بيانات إدارة التحليل المالي والفني في الإدارة العامة للتأمين التابعة لهيئة سوق رأي المال.

مئات الضحايا في العام جراء حوادث تلك المركبات

تسببت حوادث السير التي تعرضت لها أو تسببت بها المركبات منتهية الترخيص أو المركبات منتهية التأمين، حسب بيانات شرطة المرور بوفاة (23) مواطنا، بينما كان عدد الإصابات (458) إصابة، ما يظهر مخاطر تواجد تلك المركبات في الشوارع، حيث أنه عند ترخيص المركبة يتم إخضاع المركبة للفحص، مما يحول من مشاكلها الفنية بالتالي تقليل حوادث السير.

الاستنتاجات:

      - ضرورة تفعيل الرقابة والمساءلة لمن تاتي شكاوى بصددهم في مجال السير والمرور والترخيص والتامين .
- ضرورة تفعيل الرقابة على الجهات التي تقوم بترخيص المركبات .
- ضرورة زيادة التنسيق والتشبيك ما بين الجهات ذات العلاقة بالترخيص وتلك التي تقوم بتامين المركبات.
     - اهمية إعداد قاعدة بيانات للمركبات التي لم تقوم بتجديد ترخيصها ،لتسهيل مهمة الشرطة في ملاحقتها.
     - ضرورة ايجاد اليات لملاحقة ومتابعة تلك المركبات منتهية الصلاحية او الترخيص في المناطق الريفية.

go top