• ثلاث دوريات للسلامة تراقب ما يزيد عن 266 الف مركبة على الطرقات..
• 92% من كراجات تصليح المركبات غير مرخصة
• الواسطة والمحسوبية" سوس " ينخر اي جهاز رقابي
تحقيق : منتصر حمدان
مع ازدياد حوادث الطرق المرورية التي تودي بحياة عشرات المواطنين كل عام، تظهر الحاجة لاعادة النظر في الاجراءات والنظم والتعليمات المتعلقة بتنظيم قطاع المواصلات بشكله العام واليات الرقابة والمتابعة لترخيص المركبات بشكل خاص في اطار المساعي الحثيثة للحد من ظاهرة حوادث الطرق التي ادت خلال السنوات القليلة الماضية الى مقتل ما يزيد عن 300 مواطنا واصابة قرابة 17 الف مواطنا بجراح مختلفة ما بين خطيرة ومتوسطة وطفيفة.
ويربط العديد من المسؤولين الرسميين في وزارة الاتصالات واصحاب كراجات وسائقين ما بين ضعف اجراءات الرقابة الرسمية على مراكز فحص المركبات والكراجات وزيادة الحوادت المرورية، التي تزهق ارواح عشرات المواطنين وتلحق اضرارا جسدية ومادية بهم.
ولم يتوقف الامر عند حدود ضعف الرقابة الرسمية على فحص المركبات، بل ان اصحاب مركبات وسائقي مركبات عمومية وخاصة يؤكدون، أن تفشي ظاهرتي "الواسطة والرشى" مقابل ترخيص المركبات أدى الى ترخيص مركبات دون مرورها بالاجراءات الرسمية المقررة في بعض مراكز الفحص" الدينموميترات". في حين ان الاحصائيات الرسمية لدى وزارة النقل والمواصلات تؤشر الى ان عدد الاصابات خلال عامي 2011 و2012 والربع الاول من عام 2013 وصل الى 17615)) مصابا تراوحت جراحهم بين خطرة ومتوسطة وخفبفة في حين ان عدد الوفيات لدى شرطة المرور في النصف الاول من هذا العام وصل الى 69 مواطنا.
ويؤكد مسؤولون رسميون في وزارة النقل والمواصلات أن ضعف الرقابة الرسمية على عمل مراكز فحص المركبات" الدينموميترات" وكراجات تصليح المركبات، يساهم بصورة مباشرة وغير مباشرة في زيادة الحوادث المرورية التي وصل عددها في الربع الاول من هذا العام الى ما يزيد عن 1600 حادث ادت الى مقتل واصابة المئات من المواطنين.
ورغم مساعي فرض رقابة رسمية على عمل مراكز فحص المركبات والكراجات ومتابعة حركة السير على الطرقات، الا ان هذه الجهود ما زالت في حدودها الدنيا بسبب نقص فرق الرقابة مقارنة مع اعداد المركبات ومراكز الفحص والكراجات التي يصل عدد المرخص منها الى 206 كراجات، في حين ان عدد الكراجات غير المرخصة )1434( كراجا وفق الاحصائيات الرسمية لدى وزارة النقل والمواصلات، ما يعني ان 92% من الكراجات تعمل دون ترخيص، في المقابل فإن اكثر ثلثي محلات بيع قطع الغيار غير مرخصة ايضا.
ويلعب ضعف الرقابة على مراكز فحص المركبات "الدينموميترات" في زيادة حوادث الطرق التي بلغ عددها عام 2012، ( 8037 حادثا) اي بمعدل 22 حادث سير يوميا، في حين ان عدد الحوادث المرورية على الطرق والمسجلة خلال الربع الاول من العام الجاري 2013، بلغت 1.685 حادثا مروريا ا دت الى مقتل 28 مواطنا واصابة المئات بجروح ما بين خفيفة ومتوسطة وخطيرة في حين ان شرطة المرور تؤكد وفاة 304 خلال العامين الماضيين والنصف الاول من هذا العام.
وسجلت محافظة رام اﷲ أعلى نسبة حوادث بلغت 22.3%، تلتها محافظة نابلس بنسبة حوالي 21.6% فيما سجلت محافظة طوباس أدنى نسبة حوادث ما بين المحافظات بلغت 2%، ويلاحظ أن الحوادث المرورية في محافظتي رام اﷲ ونابلس شكلت ما نسبته حوالي 43.9% من مجمل الحوادث في محافظات الضفة.
وحسب المعلومات والوثائق التي جمعت في اطار انجاز هذا التحقيق، فإن مؤشرات ضعف الرقابة الرسمية تكمن في عدم انتظام الزيارات والجولات الرقابية على مراكز الفحص والكراجات من جانب، اضافة لنقص الكوادر المخصصة للرقابة والافتقار للمعدات الضرورية لممارسة رقابة فعالة للتأكد من صلاحية المركبات للسير على الطرقات، في حين يؤكد مسؤولون واصحاب كراجات وخبراء في مجال فحص المركبات ان الواسطة والمحسوبية والرشى في بعض الاحيان ساهمت بصورة كبيرة في الاضرار بعملية الرقابة على السائقين والمركبات وآليات ترخيصها وفحصها.
وتتحمل وزارة النقل والمواصلات القسط الأكبر من المسؤولية عن مراقبة هذه المراكز والكراجات كونها هي المسؤولة عن ترخيصها والتأكد من قيامها بعملها وفق القانون والتعليمات والانظمة الرسمية المقرة، الامر الذي يلزمها بالعمل من اجل مضاعفة الجهود للقيام بمسؤولياتها، دون اغفال المسؤولية التي تقع على كاهل السائقين واصحاب الكراجات والمركبات بالالتزام بالقوانين والانظمة.
90% من الحوادث ناتجة عن اسباب بشرية
ويرى الرئيس التنفيذي المكلف للمجلس الاعلى للمرور فاروق عبد الرحيم أن سبب الحوادث وازديادها ناتج بالاساس عن مجموعة عوامل، ابرزها العنصر البشري المسؤول عن قرابة 90% من اسباب وقوع الحوادث وهذا يشمل الراكب او السائق او المواطن العادي في حين ان 5% تكون ناتجة عن اسباب لها علاقة بالمركبة و5% لها علاقة بالطريق.
ويربط عبد الرحيم ما بين عدم التزام السائقين والمشاة بقوانين السير وارتفاع الحوادث، مشيرا الى ان هناك حوادث سير يكون سببها السائق حينما يتجاوز السرعة المسموح بها في حين أن هناك حوادث تنتج عن سبب قيام مواطنين بقطع الطرقات من اماكن غير مخصصة للمشاة.
ورغم حديث عبد الرحيم عن الاسباب المرتبطة بسلوكيات السائقين والمواطنين على الطرق، الا انه لم يغفل الاسباب المرتبطة بسلامة المركبة والحوادث التي تنتج عن خلل فني في المركبة الذي يساهم في وقوع الحوادث، مؤكدا وجوب تقييد السائقين بإجراء فحص دوري لمركباتهم وعدم اقتصارها على الفحوصات الرسمية عند تسجيل المركبة او ترخيصها.
وتفرض وزارة النقل والمواصلات من خلال دوائر الترخيص قيودًا واجراءات إلزامية على السائقين بوجوب ترخيص مركباتهم حسب موديلاتها بشكل دوري ومنتظم مقابل دفع رسوم لصالح دوائر الترخيص، في حين ان قانون المرور لعام 2000 يشير في الفصل الثاني (ترخيص المركبات)، في المادة (13) الى انه لا يجوز تسيير أية مركبة على الطريق انتهت مدة صلاحية سيرها المحددة في رخصتها إلا بعد تجديدها طبقاً لما ورد في هذا القانون، في حين ان المادة (14)، تشير الى انه يتم تجديد رخصة المركبة بطلب من مالكها خلال مدة ثلاثين يوماً قبل انتهاء مدة صلاحيتها، وانه لا يجوز تسيير المركبة إلا بعد فحصها فحصاً فنياً لدى مؤسسة مرخصة لفحص المركبات من قبل سلطة الترخيص. وتحدد المادة (15) آليات تجديد الرخص للمركبات القديمة بالنص التالي:" يكون تجديد رخصة المركبات القديمة، وكذلك المركبات العمومية والحافلات التي مضى على سنة صنعها مدة عشر سنوات كل ستة أشهر، ولا يجوز تجديد رخصة المركبة القديمة إذا مضى على انتهاء صلاحية رخصة تسييرها مدة تزيد على سنة (ما عدا الدراجات النارية والمركبات الخصوصية والمركبات التجارية التي لا يزيد وزنها الإجمالي عن ستة آلاف كيلو جرام).
ويتوجب على السائقين حسب الاجراءات القانونية الرسمية التقييد التام بالاجراءات وانظمة الترخيص والتسجيل للمركبات حيث يفرض على صاحب المركبة الحصول على شهادة "بيريك" لفرامل المركبات من كراج ميكانيكي مرخص والتأكد من سلامة المركبة قبل التوجه الى "الدينموميتر" الذي يأخذ على عاتقه التأكد من سلامة المركبة من الناحية الفنية حيث يتم ختم المعاملة لتحصل بذلك على اذن السير الرسمي على الطريق بعد دفع كافة الرسوم الخاصة بذلك.
وفقا لموديل المركبة تحدد الفترة القانونية لترخيص المركبة فهناك مركبات يجب ترخيصها كل 6 اشهر وهناك مركبات يجب ترخيصها كل عام وهذا يعود لموديل المركبة. وحسب المادة (15) من قانون المرور فإنه تجديد رخصة المركبات القديمة، وكذلك المركبات العمومية والحافلات التي مضى على سنة صنعها مدة عشر سنوات يكون كل ستة أشهر.
ويقول عبد الرحيم: "صحيح ان الفترة القانونية لفحص المركبات تكون مرتبطة بالترخيص الرسمي، لكن على السائقين اعتماد منهج الفحص الدوري لمركباتهم كلما اقتضت الحاجة وعدم ربط هذه الفحوصات مع الترخيص فقط".
ويحظر على المركبات السير على الطرق دون ترخيصها رسميا، الا ان الارقام والاحصائيات تؤشر الى وجود اشكالية حقيقية في هذا الامر عندما نجد ان عدد المركبات المرخصة لعام 2012 (144121) مركبة، في حين ان عدد المركبات المنتهية الترخيص مدة سنة واحدة (12351) مركبة، وعدد المركبات المنتهية الترخيص مدة سنتين (17870) مركبة، ما يثير التساؤلات فهل تسير المركبات منتهية الصلاحية على الطرق ام لا ؟! وللاجابة على مثل هذه السؤال نجد ان المركبات المصادرة والمتلفة وصل عام 2012 الى (2792 ) مركبة، ما يعني ان هذه المركبات كانت تسير على الطريق اما بدون ترخيص او مشطوبه او مسروقة، او انها مرخصة لكنها غير صالحة للسير على الطريق.
ويؤكد عبد الرحيم الحاجة لتنمية وعي المواطنين والسائقين على حد سواء في مجال قواعد السير على الطرقات، ويقول: "المسؤولية جماعية لضمان الحد من مخاطر ارتكاب الحوادث القاتلة".
مركبات غير مؤهلة.. لكنها مرخصة
هل يمكن لمركبات حصلت على شهادة ترخيص رسمي، ان تكون غير صالحة للسير على الطريق؟ هذا التساؤل يجيب عليه، مدير عام النقل الحكومي في وزارة النقل والمواصلات محمد الحلاق حينما يؤكد ان دوريات السلامة على الطرق ضبطت ثلاث مركبات في محافظة نابلس غير صالحة فنيا للسير على الطرق رغم ترخيصها رسميا قبل يوم واحد من ضبطها، ما يؤشر الى وجود اشكالية حقيقية في آليات فحص المركبات من قبل مراكز الفحص الرسمية "الدينموميتر".
ويؤكد الحلاق أن دوريات السلامة على الطرق تضبط اعدادًا كبيرة من المركبات المرخصة رسميا لكنها غير صالحة للسير على الطرق، ما يؤشر الى تجاوزات خطيرة لا سيما ان عملية فحص المركبات وترخيصها يجب ان تتم وفق اصول وقواعد واجراءات رسمية قانونية.
سائقون لمركبات عمومية وخاصة اكدوا وجود "واسطة" في ترخيص المركبات وتسجيلها رسميا دون توجه المركبات الى بعض كراجات "الدينموميترات" ما يشكل اخلالا فاضحا بالنظم والاجراءات الرسمية المتبعة في عملية تسجيل وترخيص المركبات من جانب، في حين ان ذلك يعد تشريعا رسميا لسير المركبات على الطرق دون خضوعها للفحص الميكانيكي الرسمي من قبل هذه الكراجات التابعة لشركات خاصة وبلديات بعد ترخيص الشركات من قبل وزارة النقل والمواصلات.
ويقول الحلاق: "اي كراج معتمد لفحص المركبات، يعطي شهادة ترخيص لمركبة دون فحص رسمي فإنه يشرع القتل على الطرق ويجب ان يحول صاحب الكراج الى النيابة العامة تمهيدا لمحاكمته"، لكن مثل هذا القول لا يعد كافيا ولا يعفي الجهات الرسمية من مسؤولية رقابة مثل هذه الممارسات والخروقات المرتبطة بحياة الناس.
ويؤكد السائق (م، ب) أنه قام بترخيص مركبات اكثر من مرة عبر وسطاء قاموا باخذ رخص المركبة ترخيصها دون توجه المركبة الى الدينموميتر او اخضاعها للفحص، موضحا انه يعرف بعض الاشخاص يحصلون على مقابل مالي لإتمام معاملات المركبات وترخيصها دون فحصها بلدينموميتر، في حين ان هناك مركبات يتم اخذها للدينموميتر لكنها لا تخضع للفحص وتحصل على الترخيص المطلوب!
في المقابل فإن سائق مركبة عمومية (ا، ق)، قال: "ما يهمني الحصول على الترخيص وعدم اضاعة الكثير من الوقت في اجراءات الترخيص والفحص، وانا اعلم ان هناك واسطات تتم من خلال معرفة الفاحصين الذي يغضون الطرف ولا يدققون على كل كبيرة وصغيرة".
ويتورط بعض اصحاب كراجات تصليح المركبات في ترخيص المركبات من بعض "الدينموميترات" مقابل اجر مالي ياخذونه من صاحب المركبة، خاصة ان هؤلاء الميكانيكيين لديهم واسطات لدى المسؤولين في "الدينموميترات" ومعرفة بآليات الفحص، خاصة انه لا توجد اية قوانين او اجراءات تلزم صاحب المركبة بالحضور شخصيا لفحصها في الدينموميتر.
ويدفع كل صاحب مركبة (58) شيقل امقابل ترخيص مركبته وفحصها لدى الدينموميتر، ما يعني ان محافظة مثل رام الله والبيرة تدفع قرابة 18 الف شيقل فقط مقابل ترخيص 3000 مركبة في المعدل الشهري، وهذا دون حساب تكاليف رسوم التراخيص لدى مديرية النقل والمواصلات في المحافظة. ويرفض مدير كراج دينموميتر المصري، عبد الناصر نخلة، بشدة وضع جميع مراكز الفحص "الدينمو ميتر" في سلة واحدة ويقول: "لا يجب التعميم بل يجب اخضاع هذه المراكز للمراقبة والتفتيش قبل اصدار الاحكام"، مشددا على أنه يعتمد على اجراءات صارمة ومهنية في فحص المركبات والتأكد من سلامتها وصلاحيتها للسير على الطرق.
ويتفق نخلة مع اهمية فرض عقوبات على اية جهة تساهم في ترخيص المركبات دون اخضاعها للفحوصات الرسمية المطلوبة، لكنه في المقابل يؤكد ان مسؤولية "الدينموميترات" تكون محصورة فقط في فحص المركبات منذ لحظة دخولها للفحص حتى خروجها من الدينموميتر خاصة ان هناك اصحاب مركبات يقومون بتغيير الاطارات او عدد مقاعد المركبة بعد حصولهم على الترخيص رغم مخالفة ذلك للقوانين والانظمة.
وتكشف هذه الممارسات اهمية مضاعفة جهود الرقابة والتفتيش على المركبات حتى المرخصة منها، خاصة ان مثل هذه الممارسات تشير الى ان بعض المركبات تكون مؤهلة لحظة فحصها وتصبح غير مؤهلة بعد خروجها من "الدينموميتر".
ويؤكد الخبير في فحص المركبات، محمد شهوان، الذي يعمل في هذا المجال منذ عام 1974، ان مهمة الفاحص يجب ان تتصف بالامانة والمصداقية لأن المصادقة على اية معاملة للمركبات بصورة مخالفة للقانون تعني تعريض حياة المواطنين للخطر سواء للسائقين او الركاب.
"إستدانة إطارات لأغراض الترخيص"
ولا يقف الامر عند هذا الحد بل يؤكد الميكانيكي، امجد الهودلي الذي يعمل في هذا المجال منذ سنوات طويلة، ان هناك اصحاب مركبات يستدينون اطارات من اصدقاء لهم لأغراض الترخيص فقط وبعد ترخيص مركباتهم يقومون بإعادتها الى اصحابها ويعيدون تركيب الاطارات القديمة على مركباتهم!
وتعتبر صلاحية وسلامة الاطارات الخاصة بالمركبات من المتطلبات الرئيسية للترخيص كونها مرتبطة بسلامة المركبة والسير على الطرقات، ويزيد على ذلك الحلاق قائلا: "الاطارات السليمة والحديثة تعد من اهم المتطلبات لترخيص المركبة لأن الاطارات المهترئة قد تؤدي حوادث مميته".
وتابع:" اذا ما ضبطنا مركبة تسير على الطريق واطاراتها مهترئة فإن مصير المركبة يكون الشطب وانزالها عن الطريق لما في ذلك من حماية لسلامة السائق وسلامة المواطنين على حد سواء".
وعند حساب الارقام الرسمية المسجلة على النظام في الحاسوب المركزي لوزارة النقل والمواصلات فإن عدد المركبات ( 266556) مركبة، باستثناء المركبات الملغاة وعددها (11462) مركبة في الضفة الغربية ما يعني حاجتنا لقرابة مليون و300 الف اطار، والعدد نفسه كاحتياطي على اقل تقدير، كون المركبة بحاحة لخمسة اطارات التي يتم في الغالب استيرادها من اسرائيل سواء كانت اطارات جديدة او مستعملة.
ويرى الهودلي بأن سلامة الاطارات وصلاحيتها ضرورية للسير الآمن للمركبات على الطرقات لأنها تؤثر على توازن المركبة وعلى فاعلية الفرامل عند الحاجة، موضحًا ان الكثير من الحوادث قد تنتج عن تلف في الاطارات.
ويؤكد الهودلي وجود اشكاليات في ارتفاع اسعار الاطارات على سبيل المثال ما يدفع السائقين بمختلف انواعهم للالتفاف على الاجراءات الرسمية المتبعة لترخيص مركباتهم.
ويقول: "النوعية الجيدة من الاطار يصل سعرها الى قرابة 1000 شيقل، ما يدفع السائقين الى تركيب اطارات مستعملة او رخيصة السعر حيث تكون اغلبها قادمة من اسرائيل ما يؤثر على متطلبات سلامة سير المركبات على الطرق.
ويتفق شهوان مع ضرورة وضع معايير واسس واضحة والتزام السائقين واصحاب المركبات بمعايير اختيار وتركيب الاطارات لأن الاطارات غير الصالحة قد تنفجر خاصة عند السرعة الزائدة اضافة الى ان هذه الاطار تعطل عمل الفرامل ما يؤدي الى وقوع الحوادث.
ويدعم شهوان تخفيض الرسوم واسعار قطع المركبات باعتبار ان مثل هذا التوجه يساهم في تخفيف اعباء ترخيص المركبات على كاهل اصحاب المركبات ويعطي جهات الرقابة قوة كبيرة في معاقبة المخالفين.
ويؤكد ضباط سلامة النقل على الطرق وحتى افراد من شرطة المرور على انهم يشعرون كثيرا بأوضاع المواطنين الاقتصادية ولا يحررون المخالفات او شطب او تنزيل المركبات الا اذا كانت المخالفات جسيمة وقد تؤدي الى وقوع حوادث طرق مميتة.
"اموال.. مقابل شهادات صلاحية الفرامل دون فحصها"
ويؤكد الهودلي وجود اشكالية حقيقية لدى العديد من اصحاب المركبات فيما يخص الحصول على شهادة فحص الفرامل، حيث يفضلون دفع مبلغ 50 شيقلا مقابل الحصول على شهادة صلاحية الفرامل دون اخضاعها للفحص لدى صاحب الكراجات المرخصة، مشيرا الى ان هذا الامر ناتج بالاساس عن ارتفاع اسعار الفرامل وقطع المركبات بصفة عامة ما يدفع اصحاب المركبات للتحايل والالتفاف على الاجراءات الرسمية وسط تأكيدات رسمية وغير رسمية بضعف اجراءات الرقابة والتفتيش على الكراجات وعلى الدينموميترات.
واكثر ما يدلل على ضعف الرقابة والتفتيش هو كيفية حصول صاحب المركبة على شهادة ترخيصها بعد حصوله على شهادة صلاحية "الفرامل" دون اخضاعها للفحص من الميكانيكي، ما يعني ان المركبة ستخرج للسير على الطرقات رغم عدم فحص فراملها ما يعني ان امكانية سيطرة السائق على المركبة تكون في حدودها الدنيا.
ويدعم شهوان ذلك بالقول: "هناك اشكاليات في مجال ترخيص المركبات خاصة في ظل ضعف الرقابة على الكراجات وحركة سير المركبات على الطرقات"، موضحا أن ضعف الرقابة يؤدي بشكل مباشر الى زيادة حوادث الطرق.
وتابع:" اي صاحب كراج يعطي شهادة بصلاحية الفرامل دون فحصها يعرض نفسه للمساءلة القانونية التي قد تؤدي الى اغلاق كراجه خاصة اذا ما ارتكب صاحب المركبة حادث سير"، لكنه يرى أن التطبيق يكاد معدوما.
والسؤال هنا كيف يمكن لكراجات غير مرخصة اصدار شهادات صلاحية الفرامل، وكيف يتم التعامل هذه الشهادات خاصة ان المعلومات الرسمية لدى الوزارة تشير الى ان 80% من كراجات تصليح المركبات غير مرخصة؟!
وحسب مدير عام مديرية رام الله البيرة في سلطة الترخيص ناصر ابو شربك فإن هذه مشكلة حقيقية تواجه الكراجات بعد ان فرضت وزارة المالية ترخيص الكراجات مع حصولهم على براءة الذمة.
ويقول: "الكراجات غير المرخصة تعمل من دون تغطية من التأمين الامر الذي يعرض حياة اصحابها والمواطنين للخطر اذا وقع حادث في هذه الكراجات"، مؤكدا وجوب ان تعمل وزارة النقل والمواصلات على حل هذه المشكلة.
من جانبه يؤكد عبد الناصر نخلة مدير دينموميتر المصري، أنه يتعامل وفق الإجراءات والتعليمات القانونية مع هذه الشهادات، موضحًا أن وزارة النقل والمواصلات لم تصدر لوائح رسمية للدينموميتر تحدد فيها اسماء الكراجات المرخصة وغير المرخصة.
وقال: "رغم ذلك فإننا طورنا انظمة خاصة بنا للتعامل مع المركبات بما في ذلك وجوب توقيع ثلاثة فاحصين على اية معاملة فحص تصل الينا".
"المنافسة القاتلة.. التبعية الرسمية"
توجد مراكز" للدينموميتر" في مدن الضفة حيث يوجد مركزان للفحص في نابلس ومثلهما في رام الله والخليل ويفترض ان يفتتح مركز جديد في يطا جنوب الخليل، في حين انه يوجد في المدن المتبقية مركز واحد فقط، وهناك مراكز فحص تتبع للبلديات وأخرى تتبع لمؤسسات خاصة لكن جميع هذه المراكز يجب ان تحصل على ترخيص رسمي من قبل وزارة النقل والمواصلات بعد التزامها بشروط ومتطلبات الترخيص.
ووفقًا للاجراءات والتعليمات المقرة رسميا فإنه بمقدور اي صاحب مركبة فحص مركبته في اي "دينمو ميتر" في الضفة بغض النظر عن مكان ترخيصها، ما يعني ان المركبة التي تسقط في الفحص في رام الله قد تنجح في مدينة اخرى، اضافة الى وجود مراكز للفحص في منطقة واحدة ما يخلق نوعًا من المنافسة "غير الشريفة" بين هذه المراكز من خلال التساهل في اجراءات فحص المركبات بهدف جذب المزيد من الزبائن، الامر الذي يفتح ثغرات وفجوات في تطبيق الاجراءات او حتى الرقابة عليها.
وحسب ما اكده الخبير محمد شهوان، فإن هناك مركبات لا ترخص في رام الله لأسباب فنية يأخذها اصحابها الى نابلس لتحصل على الترخيص هناك، ما يؤشر الى تباين في تطبيق القانون والاجراءات المرتبطة به لضمان سلامة السائقين والمواطنين على حد السواء.
وفيما يخص الرقابة على فحص المركبات، يشير كامل الى وجود 3 مراكز لفحص متانة المركبات في وسط وشمال وجنوب الضفة، وحسب تأكيداته فإن هذه المراكز لديها طواقم مؤهلة ومدربة لفحص المركبات على مستوى التزوير او قصها، موضحا انه تم تشكيل لجنة فنية من طواقم ومتخصين في الوزارة وخارجها لزيارة هذه المراكز والعمل على تطوير عملها نحو الافضل.
ويوضح كامل ان اثنين من هذه المراكز تتبع لبلديات واخر يعد مؤسسة مستقلة، لكن عند الحديث عن دوريات السلامة على الطرق فانه اشار الى ان عدد الدوريات لا يزيد عن 3 دوريات موزعة على شمال وجنوب ووسط الضفة تضم كل دوريات ضابط دورية وفاحص وشرطي، ما يؤشر الى ان ثلاث دوريات مسؤولة عن مراقبة وفحص قرابة 200 الف مركبة في الضفة الغربية!.
ويؤكد كامل والخطيب اهمية التعامل بحزم شديد مع اية مراكز تتلاعب مع اجراءات الفحص الفني للمركبات غير المؤهلة للسير على الطرقات التي تصل الى حد الاغلاق، لكن في المقابل فإن ما يجري في مراكز الفحص هو عكس ذلك حيث تم ضبط مركبات حصلت على فحوصات فنية سيلمة لكنها غير مؤهلة خاصة في منطقة نابلس وفقًا لتأكيدات رسمية في وزارو النقل والمواصلات.
من جانبه يتفق فاروق عبد الرحيم، مع الاشكالية التي يتسبب فيها وجود اكثر من دينموميتر في منطقة واحدة لكنه اكد عدم وجود هذا الامر في المدن باستثناء مدينة رام الله والبيرة التي تم فيها ترخيص دينموميتر جديد لأسباب استثنائية.
وتتباين الآراء بخصوص الجهة التي يجب ان تتبع لها مراكز الفحص "الدينموميترات"، ففي الوقت الذي يؤيد فيه مسؤولون رسميون في الوزارة ضرورة ان تتبع هذه المراكز لتكون تحت اشراف وادارة حكومية، فإن اصحاب المراكز يرون أن ذلك قد يلحق ضررا بالغا بهم.
ويرى الحلاق ان اقرار تبعية مراكز فحص المركبات للحكومة قد يساهم في تفعيل الرقابة ومنع اية تجاوزات لترخيصها لأن الهدف لا يكون جمع المال بل تطبيق القوانين والانظمة، في المقابل فإن مفوض عام ائتلاف "امان"للنزاهة والشفافية، د.عزمي الشعيبي يعارض فكرة اتباع هذه المراكز للجهات الحكومية تحسبا من زيادة الواسطة والرشى لترخيص المركبات ولذلك فانه يدعم فكرة منح الاشراف والادارة لهذه المراكز لمؤسسات القطاع الخاص.
ويقر الوكيل المساعد في وزارة النقل والمواصلات ياسر الخطيب بوجود تجاوزات في عمل مراكز الفحص ويؤكد "أن هدفها هو الربح وجمع الاموال فقط".
"الرقابة.. مسؤولية من؟ وكيف تتم؟"
وحسب نص المادة (98) من قانوون المرور رقم (5) لعام 2000، فانه إذا ثبت للشرطي بأن جريمة المرور التي ارتكبها قائد المركبة من المخالفات الخطيرة التي من شأنها أن تؤدي إلى حادث طرق فعلية أن يسلمه مذكرة حضور للمحكمة وتعتبر هذه المذكرة كأنها لائحة اتهام ومذكرة حضور للمحاكمة.
ومن أنواع الجرائم الواردة في القانون هو قيادة المركبة بحالة تعرض حياة الأشخاص أو الأموال للخطر، التسبب في خطر لعابري الطريق بسبب عدم إعطاء حق الأولوية عند ممر عبور المشاة، قيادة مركبة غير مستوفاة لشروط الأمن والمتانة.
وفي اطار جولة ميدانية برفقة ضباط دوريات السلامة على الطرق التي تأخذ على عاتقها مراقبة المركبات والتأكد من صلاحيتها والتزامها بقواعد السير، اكتشفنا وجود ثلاث دوريات فقط للسلامة على الطرق يتولون مسؤولية المراقبة والتفتيش على (174.342) مركبة في الضفة الغربية في حين ان عدد ضباط السلامة على الطرق لا يتجاوز(4) ضباط فقط، ويمارسون عملهم برفقة شرطي مفروز من شرطة المرور لكل دورية.
ويؤكد ضابط دورية السلامة على الطرق، مصعب مصطفى، ان عددًا من الكتب الرسمية رفعت للوزارة بخصوص وجود اشكاليات فيما يخص ترخيص المركبات من مراكز الفحص الرسمية رغم عدم صلاحيتها للسير على الطرق، موضحا ان المؤشرات التي يجمعها خلال عمله في هذه المهنة تؤكد ان اكثر المناطق التي تعاني من هذه الاشكالية هي منطقة سلفيت ونابلس حيث يتم ضبط مركبات مرخصة لكنها غير صالحة للسير على الطرقات.
ويضيف مصطفى:" لا أعرف كيف يتم ترخيص مركبة عمومية مثلا رغم وجود تهريب في السولار والزيت من محركها اضافة الى ان اطاراتها غير صالحة؟!".
ولا يتوقف الامر عند ذلك بل ان هناك سائقين يقودون مركبات رغم ان رخصهم لا تجيز لهم قيادتها، موضحا ان دوريات السلامة على الطرق تتولى مسؤولية الرقابة على المركبات والتأكد من ملاءمتها ومطابقتها للمواصفات.
ويكشف مصطفى انه من خلال عمله اليومي العادي يقوم بتنزيل وشطب ما بين 20 الى 30 مركبة يوميا، اما في ايام العمل المكثفة فإن عدد المركبات التي يتم شطبها او تزيلها عن الطرق يصل الى 50 مركبة.
من جانبه يؤكد مديرعام النقل الحكومي في وزارة المواصلات، محمد الحلاق، ان هناك متطلبات رئيسية لأية مركبة لكي يسمح لها بالسير على الطرق مثل "صلاحية البريك" الفرامل، وجهاز القيادة ضمن الهيئة الامامية وكل ما يرتبط بها، و"بيضات الكفة" والاطارات لأن الاطار الماسحة تعتبر من مبررات تزيل المركبة عن الطريق.
وايوضح الحلاق ان هناك نوعين من اجراءات تنزيل المركبات عن الطرق، يتمثل بمنع استخدام المركبة اذا كان فيها خلل فني في اي من الاجزاء، في حين ان هناك امورًا تحذيرية التي لا تشكل خطرًا مباشرًا على السائق او الركاب او حركة السير على الطريق.
ويشير الى ان دوريات السلامة على الطرق رغم نقص الكوادر والمعدات لديها تأخذ على عاتقها المراقبة والمتابعة للمركبات وحركتها على الطرقات، في حين ان مسؤولية مراكز الفحص الرسمي التي تتبع لشركات خاصة يتوجب عليها الالتزام بإجراءات الفحص الشامل للمركبة ولكل الاجزاء الخاصة بها قبل الموافقة على ترخيصها.
لكن ما كشفه ضابط دورية السلامة على الطرق، مصعب مصطفى، يظهر عكس ذلك حينما يؤكد ان 50% من المركبات التي يتم توقيفها بصورة عشوائية تكون غير ملتزمة بقواعد السلامة والمتطلبات القانونية للسير على الطرق.
ويشير مصطفى الى وجود مخاطر محدقة بعمل ضباط دوريات السلامة على الطرق بما في ذلك تعريضهم للقتل والتهديد من قبل اشخاص متنفذين لا يلتزمون بقواعد السير او يقودون مركبات غير صالحة للسير على الطرق.
ويضيف مصطفى: "نحن مؤمنون بعملنا لأننا نعتبره خدمة لكل الشعب سواء كان المواطن او المسؤول (..) وهدفنا هو ضمان سلامة الجميع من الخطر على الطرقات"، لكن ذلك لا يعني بأي حال من الاحوال عدم وجود شكاوى لضباط دوريات السلامة على الطرق خاصة انهم يعملون لساعات طويلة في ظل نقص المعدات والادوات المطلوبة لأداء عملهم على اكمل وجه.
وفي هذا الإطار يقول مصطفى:" من المفترض ان يكون لدينا حاسوب مرتبط بشبكة الانترنت للتأكد من صلاحيات الرخص ومن المفترض ان يكون لدينا معدات وادوات لفحص المركبات بطريقة فعالة وسريعة لكننا نعمل في ظل غياب كل تلك المتطلبات".
ويوضح أنه ساهم في رفع العديد من التقارير للوزارة بخصوص ترخيص مركبات غير صالحة للسير لكن دون اتخاذ اجراءات واضحة في هذا المجال.
ورغم حرص وزارة النقل والمواصلات على اصدار ادلة متخصصة في مجالات عملها بما في ذلك فحص وترخيص الدينموميترات وكراجات اصلاح المركبات ووكراج بيع قطع الغيار واجراءات السلامة على المرورية ودليل الفاحصين، الا ان كل هذه الادلة تبقى حبرًا على ورق ما لم يتم الالتزام بها من قبل الجهات ذات العلاقة سواء صاحب الكراج او السائقين او اصحاب المركبات، خاصة في ظل ضعف آليات الرقابة والتفتيش وعدم الالتزام بتطبيق القوانين والانظمة المعمول بها.
" ضعف الرقابة وعلاقتها بزيادة حوادث الطرق"
تعد الرقابة الفعالة من السياسات الرسمية المتبعة في الدول للتأكد من سلامة الاجراءات وتطبيق الانظمة والقوانين الناظمة لمختلف مجالات الحياة، ويرى خبراء اداريون وقانونيون ان غياب الرقابة او ضعفها يؤديان الى تشريع التجاوزات وخرق القوانين والانظمة، لكن حينما يدور الحديث عن ضعف الرقابة على مراكز فحص المركبات واجراءات ترخيص المركبات تعني تشريعا لقتل المواطنين سواء الركاب او السائقين.
ويقول الخبير في فحص المركبات، محمد شهوان:" الرقابة الفعالة هي الاساس ودونها تكون الامور سائبة"، مشيرا الى ان الجهات الرسمية هي التي تتحمل المسؤولية في فرض اجراءات صارمة للرقابة على المركبات ومنهجية ترخيصها لان هذا الامر مرتبط بحياة الناس.
وعند النظر الى الاحصائيات الرسمية لدى وزارة النقل والمواصلات بخصوص حوادث الطرق، فإن الارقام تشير الى ان عدد الحوادث المرورية على الطرق والمسجلة خلال الربع الاول من عام 2013 ، بلغت 1.685 حادثًا مروريا، وسجلت محافظة رام الله والبيرة اعلى نسبة حوادث بلغت 25.3% تلتها محافظة نابلس بنسبة 17.9%، وعند النظر الى الاحصائيات الصادرة عن المجلس الاعلى للمرور فإن حوادث الانقلاب سجلت على نسبة حوادث خلال هذه الفترة بنسبة 48.3% من مجمل الحوادث، في حين بلغ عدد الوفيات في الفترة ذاتها 28 حالة 15 منها سجلت في مكان الحادث و13 حالة وفاة سجلت في المستشفيات.
وبخصوص اسباب الحوادث المرورية فقد كان الانحراف عن مسلك السير في المرتبة الثانية حيث تكرر 283 مرة في حين احتل عدم اخذ الحيطة والحذر النسة الاعلى بتكرارها 447 مرة اما المحافظة علة مسافة آمنة للمركبة فانه تكرر 258 مرة.
وعند مقارنة نسبة الحوادث وقوع الحوادث مع عدد الكراجات المرخصة، فإن الارقام تشير الى أن محافظتي رام الله والبيرة ونابلس تعتبران من اكثر المدن التي تشهد وقوع الحوادث في حين ان هاتين المحافظتين تعدان ايضا من اكثر المحافظات التي تضم كراجات ومحال بيع القطع غير مرخصة، في حين ان هاتين المحافظتين تقع فيها حوادث الطرق بسبب الانحراف عن مسلك السير.
مدير عام ادارة الشؤون الفنية في وزارة النقل والمواصلات، سائد موقدي، يرى أنه بناء على دراسات دولية واقليمية فإن المركبات الحديثة تزيد من نسبة وقوع الحوادث المرورية مقارنة مع المركبات القديمة، خاصة ان اصحاب المركبات الحديثة يقودون مركباتهم بسرعة تزيد اضعافا عن سائقي المركبات القديمة.
وحسب المعلومات والمشاهدات الميدانية في "الدينموميترات"، فإن اجراءات فحص المركبات الحديثة لا تأخذ الاهتمام الكافي من قبل الفاحصين مقارنة مع الاجراءات التي تفرض على المركبات القديمة، نظرًا لاعتقاد الفاحصين بأن المركبات القديمة هي التي يجب التركيز عليها وليس المركبات الحديثة.
ووفقًا للاحصائيات ذاتها فإن المركبة الخصوصية احتلت النسبة الكبرى 72.6% من مجمل انواع المركبات المشاركة في الحوادث المرورية خلال الفترة التي يغطيها التقرير، في المقابل فإن عام 2012 سجل فيه (8037) حادثا في حين ان عدد الوفيات وصل الى 120 حالة وفاة، وجرح 8075 شخصا، وبلغت المخالفات المسجلة (72791) مخالفة سير.
ورغم وجود مثل هذه الاحصائيات الموثقة بطريقة مهنية، الا انه يغيب عنها المعلومات المرتبطة بتحليل اسباب الحوادث، فعلى سبيل المثال عند الحديث عن انحراف المركبة عن مسلك السير فإنه من غير المعروف الاسباب التي ادت الى هذا الانحراف، فهل ناتجة عن تلف الفرامل او الاطارات او المقود ؟، وهذا التساؤل يثار حينما ننظر الى انقلاب المركبات حيث لا توجد معلومات بخصوص الاسباب التي تؤدي الى انقلابها.
ويتفق فاروق عبد الرحيم الرئيس التنفيذي المكلف للمجلس الاعلى للمرور،"مع الحاجة لإجراء الدراسات والابحاث المعمقة والموثقة حول اسباب الحوادث"، خاصة ان هذا التوثيق المهني يعتبر من احدى الوسائل في المراقبة والتفتيش وتوفير معلومات دقيقة للجهات ذات العلاقة حول الاسباب الحقيقية والتفصيلية لوقع الحوادث.
على الموقع الالكتروني لوزارة النقل والمواصلات، وفي نشرة خاصة بعنوان "الحوادث المرورية" فإن النشرة توضح ان اعداد المصابين والمتوفين في بلادنا نتيجة الحوادث المرورية يبلغ اضعاف ما يحدث في بعض البلاد المتقدمة، حيث ترجع اسباب كثرة الحوادث الى ثغرات في تطبيق الانظمة المرورية وليس الى الانظمة نفسها ، فمن المؤكد ان هذه الانظمة قد صيغت ووضعت بما يكفل السلامة والامان للجميع، ولكن الخلل في اتباعها من قبل الجمهور او في تطبيقها على اناس دون آخرين لاسباب اجتماعية او انسانية غالبًا.
ورغم تأكيدات مدير عام الترخيص في وزارة النقل والمواصلات، جلال كامل، بوجود رقابة على اصدار الرخص ومراكز الفحص وكراجات اصلاح المركبات ومحال بيع القطع، الا انه لا يشعر بالرضى الكامل ويؤكد انه بالامكان تكون الرقابة افضل مما هي عليه الان.
ويقول كامل: "رغم ان الرقابة كانت ضعيفة في وقت سابق إلا أنها الآن افضل مما كانت عليه لكن حجم العمل وتراكمه يزيدان من صعوبة المعالجة"، موضحا ان الرقابة يتم فرضها على شقين ، الاول على رخص قيادة السياقة للافراد من خلال وضع آليات وتعليمات جديدة اضافة الى زيادة الرقابة على مدارس السياقة ومعاهد التدريب لسائقي المركبات العمومية والشحن.
ويضيف: "رغم ذلك، لدينا مشكلة تتمثل في ان هناك اشخاصًا كل ما يهمهم هو الحصول على الرخصة وبعد ذلك لا يلتزمون بقواعد وسلوكيات السياقة السليمة والانظمة المعتمدة الامر الذي يؤدي الى وقوع حوادث مميتة".
ويوالي: "عدة سائقين أعدنا فحوصات لهم بعد حصولهم على رخص القيادة نتيجة وصول شكاوى وشكوك حول قدرتهم على اتقان السياقة"، ما يفتح المجال للتساؤل كيف حصل هؤلاء على الرخص اصلا؟!، حيث يدعم حديث كامل اقوال سائقين واصحاب كراجات حول وجود واسطة ورشى في الحصول على رخص القيادة.
ويقول كامل: "نحن لا نتهاون في متابعة اية شكوى تصلنا (..) لكن من الصعوبة بمكان ان يكون لدينا اشراف كامل ان لم يكن مستحيلا"، ما يؤشر بصورة واضحة الى ان الرقابة الفعالة تتحرك فقط عند وجود شكاوى رغم ان جلال يشكو من عدم وجود ثقافة الشكوى لدى المواطنين.
واكثر ما يعقد الامر عند الحديث عن فاعلية جهاز الرقابة هو نقص الكوادر التي تتولى عملية الرقابة لدى وزارة النقل والمواصلات، فعدد طاقم جهاز الرقابة الداخلي في الوزارة لا يزيد عن(6) موظفين يقومون بجهد كبير حسب مدير عام الترخيص في الوزارة.
وحسب ما اكده كامل فإنه يوجد نحو (80) الف مركبة ما بين مشطوبة وغير قانونية وغير مرخصة، موضحا ان عدد المركبات غير المرخصة وتسير على الطرقات في الضفة الغربية يصل الى ما بين (4000 الى 5000) مركبة تتواجد اغلبها في المناطق المصنفة (ج).
وينص قانون المرور في الباب الثالث بعنوان (المتانة والأمن في المركبات)، في المادة (22)، على وجوب أن تكون المركبة مستوفية لشروط المتانة والأمن التي تحددها اللائحة، وفي المادة (23) انه لا يجوز لمالك المركبة استعمالها أو السماح لغيره باستعمالها إذا فقدت شرطاً من شروط المتانة والأمن المحددة في اللائحة.
اما المادة (24) فإنها تؤكد انه لا يجوز إحداث أي تغيير في قياسات المركبة أو وزنها الإجمالي المسموح به أو حمولتها الذاتية أو قوة محركها عن المقدار الذي حدده منتج المركبة إلا بموافقة سلطة الترخيص، وفي المادة (25) فانه يجوز للفاحص الذي يحمل شهادة فاحص فني مركبات من سلطة الترخيص وللشرطي المؤهل لذلك أن يقوم بفحص المركبة بمعرفته، وإذا ثبت لأي فاحص أو شرطي (..) أن المركبة غير مستوفيه لشروط المتانة والأمن تسحب المركبة لأقرب مركز مرور ويتم سحب رخصتها ولوحتي أرقامها وذلك مع عدم الإخلال بالعقوبة المقررة. ولا تعاد الرخصة إلا بعد ثبوت صلاحية المركبة للسير وتسديد الرسوم المستحقة.
وبينما يؤكد كامل وجود حملات للرقابة على الكراجات والدينموميترات التي كان اخرها قبل شهرين حيث تم العثور على ما وصفها "اشكاليات" في عملية الفحص والكشف عن كراجات غير مرخصة، الا انه اوضح ان الوزارة اعطت مالكي الكراجات غير المرخصة فرصة لاعادة تصويب اوضاعهم القانونية والترخيص وفي حال عدم التزامهم فإنه سيتم اتخاذ الاجراءات العقابية بحقهم، لكن ذلك لم يمنع مواصلة عمل تلك الكراجات وترخيص المركبات التي قد ترتكب الحوادث بأي وقت وتزهق اوراح المواطنين!.
ويقول كامل: "يوجد في كل محافظة مدير مهن المواصلات والمحافظات الكبيرة يوجد فيها اكثر من موظف لكن الذي يريد ان يعمل شيئا غير قانوني فإنك لو وضعت عليه 100 رقيب فانه يعمل ما يريده"، موضحا ان محافظة مثل رام الله والبيرة تصدر بالمعدل 3000 رخصة للمركبات شهريا.
ويضيف:" لا اقول إنني راض عن الوضع الحالي لكن وضعنا الآن افضل من سنوات سابقة حينما كانت فوضى السيارات المسروقة والمشطوبة تعم المدن والمحافظات".
وعند مراجعة مديرية النقل والمواصلات في محافظة رام الله والبيرة، فإن الحديث عن نقص الفاحصين يعطى الاولوية الاولى بالنسبة للمسؤولين هناك بمن فيهم مدير عام مديرية رام الله والبيرة، ناصر ابو شربك، اضافة الى نقص المعدات التي يتطلبها فحص المركبات.
وقال ابو شربك: "يوجد لدينا اربعة فاحصين بينهم فاحص ينتظر التقاعد"، اضافة الى عدم الاهتمام بتطوير قدرات وكفاءة الفاحصين في فحص المركبات في حين تشهد صناعة المركبات تطورا هائلا".
ويؤكد: "لا يمكن مواكبة هذا التطور دون تدريب الكوادر بشكل مستمر".
ويتفق مسؤول الفاحصين في المديرية عزام شريتح، مع ابو شربك في ذلك ويقول: "نحن نعمل بالحد الادنى من متطلبات العمل رغم ان عملنا حساس ويحتاج لادوات ومعدات حديثة".
والى جانب المديرية توجد حفرة لفحص المركبات لكن هذه الحفرة تعاني من نقص التأهيل فلا انارة فيها اضافة الى عدم انطباق المعايير والمواصفات المطلوبة عنها، ما يعني ان الفاحصين يقومون بعملهم في ظروف غير مواتية.
ويقر شريتح بوجود علاقة مباشرة ما بين الرقابة على اجراءات فحص المركبات على مختلف المستويات وازدياد الحوادث على الطرقات، لكن ابو شربك يضيف على ذلك عدم تأهيل الطرقات في الاراضي الفلسطينية الامر ما يؤدي الى الاستهلاك السريع الاطارات وبقية اجزاء المركبات.
"اقرار رسمي بتجاوزات ادارية.. لكنها مميتة"
ويقر وكيل الوزارة المساعد لشؤون التراخيص والنقل في وزارة النقل والمواصلات، ياسر الخطيب، بوجود خلل واضح في عمل مراكز الفحص المرخصة من قبل الوزارة خاصة مراكز "الدينموميترات"، موضحا أن هذه المراكز لا تلتزم بالقرارات والتعليمات الصادرة عن سلطة الترخيص الخاصة بأهمية اجراء فحص شامل للتأكد من سلامة وصلاحية المركبات ومطابقتها للمواصفات.
وردا على سؤال بخصوص المراكز غير الملتزمة التي لا تخرق القانون فقط،، بل تعطي "شهادات موت" لأصحاب المركبات من خلال ترخيصها دون فحصها الشامل؟، يقول الخطيب: "للاسف الشديد هذا يحدث (..) لأن كل ما يهم بعض اصحاب مراكز الفحص هو جمع المال دون النظر للمخاطر التي يمكن ان يلحقها بالمركبات وبحياة المواطنين".
ورغم هذا الإقرار من قبل مسؤول رفيع بالوزارة بوجود مثل هذه الاشكالية والتجاوزات لكن هذا الاقرار لا يعفي الوزارة من المسؤولية في الرقابة والتفتيش على هذه المراكز.
ويقول الخطيب: "تم ضبط العديد من الحالات وفي سنوات سابقة حينما كنت مديرا لسلطة التراخيص واغلقت مركزا لفحص المركبات لفترة من الوقت بعد اكتشافنا بأن يمنح ترخيص للمركبات دون فحصها المهني".
ويوضح الخطيب ان قرارات وتعليمات الوزارة واضحة بأنه لا يجوز تسجيل او ترخيص اي مركبة عمومية او حكومية او خاصة او اية حافلة دون ان تكون مرخصة ومؤمنة حسب الاصول، ووجوب ان تشتمل على شروط ومتطلبات السلامة وتستوفي شروط الامن والامان ودون ذلك لا يجب ترخيصها.
كما ان هناك شروطًا مرتبطة بمن يقود المركبة حيث يجب ان يكون لدى سائقها رخصة قيادة سارية المفعول من قبل سلطة الترخيص اضافة الى اهمية التزام المركبات بشروط الحمولة المسموح بها قانونا.
ويظهر الخطيب عدم رضاه بخصوص اعداد الكوادر المخصصة لمراقبة السير على الطرق، حينما يشير الى وجود ثلاث دوريات سلامة على الطرق فقط في جميع الضفة الغربية موزعة على شمال ووسط وجنوب الضفة في حين تغيب دورية سلامة النقل على الطرق عن مدينة القدس وضواحيها التي تخضع للسيطرة الاسرائيلية الكاملة.
ويقول الخطيب: "وزارة النقل من اكثر من الوزارات التي تدر دخلا على الخزينة العامة لكن في المقابل فإن هناك نقصًا غبر مبرر في دوريات السلامة والكوادر العاملة في هذا المجال اضافة الى نقص المعدات والادوات الضرورية لعمل الطواقم المخصصة للرقابة والتفتيش".
ولا ينكر العديد من المسؤولين الرسميين في الوزارة والمديرية تفشي الواسطة والمحسوبية في تسجيل وترخيص المركبات، اضافة الى تدخل مسؤولين في عملية ترخيص مركبات رغم عدم استيفائها الشروط المطلوبة، ويقول احد المسؤولين الكبار في الوزارة: "الواسطة والمحسوبية هما بمثابة "السوس الذي يدمر فاعلية الرقابة الضعيفة اصلا في اداء واجبها".
"نقص تحليل الاحصائيات وضعف التنسيق"
وتؤكد وزارة النقل والمواصلات على صحفتها الالكترونية أن مؤشرات حوادث الطرق في (فلسطين)، ما زالت تعانى من اشكالات كثيرة اهمها محدودية البيانات وعدم دقتها وغياب سلاسل احصائية تسمح برصد الحوادث المرورية وتحديد اتجاهاتها، كما تعاني من غياب معايير شاملة المتغيرات عدة كالنوع الاجتماعي الفئات العمرية المختلفة والمكان الاجتماعية والحالة المهنية وغياب تنميط وتصنيف الحوادث المرورية وعدم التزام العديد من الدوائر الرسمية ذات العلاقة بالتسجيل الدقيق للحوادث المرورية لذا لا بد من ايجاد احصائيات دقيقة وقوانين مانعة لمنع الحوادث المرورية.
وحسب مصادر رسمية في بعض شركات تأمين السيارات، فإن هناك نقصا كبيرا في المعلومات الخاصة بأسباب حوادث الطرق، موضحة ان شرطة المرور تركز في اغلب الاحيان على اظهار المتسبب بالحادث وتوثيقة دون النظر الى مسببات الحوادث خاصة الناتجة عن اسباب فنية.
وتشير تلك المصادر الى أن شركات التأمين في الغالب يهمها ان تكون المركبات مرخصة ومؤمنة ولا تلتفت الى الامور الاخرى، رغم التأكيد على ان معرفة اسباب الحوادث تهم بشكل كبير شركات التأمين التي تعوض اصحاب المركبات والركاب عن اضرار الحوادث.
ويقول مدير عام الترخيص في وزارة النقل والمواصلات جلال كامل: "هذا الامر مرتبط بشرطة المرور على الطرق ونتمنى أن يزودونا بالدراسات والاحصائيات لديهم ونحن مستعدون للتعامل الكامل"، ما يدلل على غياب التنسيق بين الجهات ذات العلاقة في هذا المجال الحيوي خاصة ان الاجراءات والتعليمات والنظم الفعالة يجب ان تبنى وفق تحليل الحوادث واسبابها.
وقال كامل:" اذا رفع لنا جهاز الشرطة اية ملاحظات او توصيات فإنه يتم الاخذ بها وعدم اهمالها بأي حال من الاحوال".
لكن عبد الرحيم يؤكد وجود دراسات تفصيلية حول الحوادث واسبابها، لكن عند مراجعة هذه البيانات والتقارير تبين انها تفتقر للتحليل التي تساعد في رسم سياسات جديدة ووضع خطط وبرامج لمواجهة ظاهرة ازدياد حوادث الطرق.
ويقول عبد الرحيم: "يعد موضوع السلامة المهنية موضوعا جديدا في المنطقة العربية ونحن نعمل من اجل تطوير الاجراءات والنظم لمواكبة التطور الحاصل في المركبات وتفعيل آليات الرقابة عليها".
ويدعم مدير عام ادارة الشؤون الفنية في وزارة النقل والمواصلات سائد موقدي اهمية التكامل في الادا