آراء حرة

استعادة ثقة المواطن... الانتخابات مدخلاً

استعادة ثقة المواطن... الانتخابات مدخلاً

بقلم: وائل إبراهيم بعلوشة*

في علم الاجتماع، يُعرف النظام الاجتماعي على أنه شبكة من العلاقات النمطية، التي تشكل رابطة قوية ما بين الأفراد والجماعات والمؤسسات. يشير هذا المصطلح إلى الهيكل الرسمي للدور والمركز الممكن تشكيله في الجماعات الصغيرة المستقرة. ومن الممكن أن ينتمي الفرد لعدة نظم اجتماعية في آن واحد. من الأمثلة على النظم الاجتماعية: أفراد الأسرة، والمجتمعات، والمدن، والشعوب، والجامعات، والشركات والمصانع. يعتمد تعريف المجموعات ضمن النظام الاجتماعي على عدة خصائص مشتركة كالمكان، والوضع الاقتصادي والاجتماعي، والعرق، والدين، والوظائف الاجتماعية وغير ذلك من الصفات المشتركة.

إن النظام الاجتماعي يسبق من حيث التشكيل النظام السياسي، والذي يعرف على أنه نظام اجتماعي يقوم بعدة أدوار أو وظائف متعددة استناداً إلى سلطة مخولة له، أو قوة يستند إليها، كإدارة موارد المجتمع وتحقيق الأمن الداخلي والخارجي، وتحقيق أكبر قدر من المصالح العامة، والعمل على الحد من التناقضات الاجتماعية. والنظام السياسي، في صورته السلوكية هو تلك المجموعة المترابطة من السلوك المقنن الذي ينظم عمل كل القوى، حيث يقول أرسطو أن تأسيس الدولة (النظام السياسي) تشكل عبر تطور البنى الاجتماعية بدءاً من الأسرة ومن ثم العائلة ومن ثم المدينة، وعليه، فإن النظام الاجتماعي هو من يحدد الدور السياسي لأعضاء هذا النظام كما قال ابن خلدون.

الشاهد من الحديث أن الضامن لوجود نظام سياسي جيد وفعال وكفؤ هو النظام الاجتماعي ذاته، بمعنى آخر أن العقد الاجتماعي ينشأ، ويليه النظام السياسي.

وهنا يكمن التساؤل: هل هناك دور للبنى الاجتماعية التقليدية التي شكلت النظام السياسي في تعديل وضبط سلوك النظام السياسي، ليصبح مستجيباً لطموح هذه البنى بكل تشكيلاتها؟

الإجابة نعم، هذه الإجابة تقودنا لفحص الدور الاجتماعي للبنى الاجتماعية في إعادة تصويب سلوك النظام السياسي، بما يتلاءم مع تطلعاتها، ويكون ذلك إذا ما أردنا رد الأمور لأصولها، وعليه، ولغرض المنفعة المشتركة، وامتثالا لمقتضيات المصلحة الفضلى للمجتمع، يجب الحفاظ وبشكل دائم على حيوية ورشاقة النظام الاجتماعي، والكفّ عن السعي للسيطرة عليه، وتدجينه بأساليب مختلفة من قبل النظام السياسي، الذي يسعى لتثبيت نفسه أحيانا من خلال السيطرة على القوى الاجتماعية، وجعلها تابعة له.

يصبح النظام الاجتماعي فعالاً ومؤثراً بفعل عدة عوامل، يتمثل أهمها بقدرة هذا النظام على الرقابة المستمرة على سلوك النظام السياسي، وقدرته على إدارة مقدرات المجتمع بطرق تتصف بالرشادة، بالإضافة الى الحفاظ على أحقية المجتمع في الحصول على تفسيرات لأفعال النظام السياسي، بمعنى أن يكون قادراً على المساءلة والمحاسبة بشكل دائم. هذه العوامل بحاجة لأمرين أساسيين، الأول: فهم النظام السياسي لكونه نظاماً تشكل بموجب عقد اجتماعي، هدفه ضمان حياة كريمة للناس، بينما يتمحور الثاني حول ضرورة حفاظ التشكيلات الاجتماعية المختلفة على قدرتها في التأثير على النظام السياسي، بما يضمن الحفاظ على مصالحها.

وبالتالي، تصبح المسؤولية مشتركة بين النظامين، حتى لا ينشأ صراع حتمي في نهاية المطاف، ولغرض تفادي هذا الصراع - الذي يأتي بعد حالة الاحتقان عادة- لجأت الشعوب لفكرة الانتخابات، والتداول السلمي للسلطات التي تشكل ضمانة فعلية لاستقرار النظامين الاجتماعي والسياسي معاً، حيث أن الانتخابات تفسح المجال أمام الناس للتعبير عن رأيهم بشكل حرّ، وتضمن لهم مشاركة حقيقية في الحياة السياسية، وتضعهم أمام مسؤولية مفادها أنهم شركاء في الحكم من خلال الإدلاء بأصواتهم.

ولعل الأجواء الإيجابية التي سادت في الآونة الأخيرة تشكل مدخلا مهماً للحديث عن ضرورة إجراء الانتخابات، وضمان دوريتها، ومنح فرصة للمجتمع بفئاته المختلفة للتعبير عن طموحاته بشكل دائم، وفق ما جاء به القانون الأساسي.

في الحالة الفلسطينية شديدة التعقيد - بفعل أسباب كثيرة يعرفها الجميع جيداً- قد تشكل الانتخابات مدخلا مهماً على عدة أصعدة. فعلى الصعيد الداخلي، فهي تساهم في تجديد الشرعيات، وإعادة ثقة المواطن، والتشكيلات الاجتماعية على اختلافها، في قدرتها على التغيير. وعلى صعيد المواجهة مع الاحتلال، فهي تشكل حالة نضالية، وشكلاً فريداً من الاشتباك مع الاحتلال. وعلى المستوى الدولي، فهي تثبت أن الفلسطينيين متمسكين بالشكل والمضمون الديمقراطي في إدارة شؤونهم، وقادرين رغم كل ما يحيط بهم من أزمات على تقرير مصيرهم وإدارة أنفسهم باحتراف.

فالانتخابات تتعدى كونها عملية تمارسها الشعوب لغرض اختيار ممثليهم فقط، وإنما تشكل ضمانة لتطبيق الفكر الديمقراطي، الذي يدعو إلى اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، بناءً على رأي أفراد الشعب، وهذا أدى إلى اعتبار الانتخابات حقاً من حقوق الناس، وواجباً عليهم تطبيقه لضمان تفعيل دورهم الإيجابي في الحياة السياسية، وفي مجتمعهم، ودولتهم.

 

* وائل بعلوشة، مدير المكتب الإقليمي لائتلاف أمان في قطاع غزة، حاصل على ماجستير في الدراسات الإقليمية من جامعة القدس/ أبو ديس، وبكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة الأزهر. مهتم بدراسات العقد الاجتماعي وشؤون الحكم.



 

**المقالات والآراء المنشورة تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي أمان
go top