19/10/2010
عقدت كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت والائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "امان" ندوة حول "تعزيز دور هيئة مكافحة الفساد في بناء نظام النزاهة الوطني" بحضور الأستاذ رفيق النتشة رئيس هيئة مكافحة الفساد، الثلاثاء 19/10/2010. تناولت الندوة عددا من المحاور ذات العلاقة كإشكاليات التبليغ عن الفساد، و تجريم الواسطة وفق قانون مكافحة الفساد، و متطلبات تأمين الفعالية والاستقلالية لعمل هيئة مكافحة الفساد، حيث تم تقديم أوراق عمل متخصصة قدمها استاذة قانون وباحثين وعقب عليها عدد من الخبراء الفلسطينين.
غياب ثقافة الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة تفرض على المجتمعات التسلط والجهل والتخلف
وفي كلمته أشار د. صالح عبد الجواد، عميد كلية الإدارة العامة والحقوق، الى أهمية مشاركة المسؤولين السياسيين، والقانونين والأكاديميين والمختصين في مجال الحكم الصالح والحكم الرشيد ومحاربة الفساد، ومؤسسة أمان؛ وهي المؤسسة المعروفة بمهنيتها ومصداقيتها، في هذه الندوة الأولى من نوعها بعد نشوء الهيئة. مضيفا إلى أن الحكم الصالح والشفافية والنزاهة والمساءلة سواء كانت حكومية او اهلية او خاصة هي الأعمدة المتينة التي تضمن بناء دوله مؤسسات منيعة عصيه أمام التحديات على اختلاف مصادرها.
وأوضح أن غياب ثقافة الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة تفرض على المجتمعات التسلط والجهل والتخلف الذي يؤدي الى سوء الإدارة، وإلى اشكال الفساد من واسطة ومحسوبية ورشوة ونهب للمال العام. وقال ان التقرير الذي نشره ائتلاف امان في منتصف هذا العام يحمل في طياته معطيات بالغة الأهمية من حيث المضمون والأرقام التي تناولها التقرير حول طبيعة الفساد في بلادنا.
وقد بدأ السيد رفيق النتشة رئيس هيئة مكافحة الفساد بالتعبير عن شكره لمنظمي الندوة جامعة بيرزيت وأمان قائلا ان منظمة أهليه مثل مؤسسة أمان تدعو لدعم مؤسسة رسمية يدل على التكامل والتعاون المثمر الذي تعاونا عليه من أجل تحقيق أهدافنا لمحاربة الفساد. وأضاف ان الهيئة تميزت بقانون يؤكد استقلاليتها مع وجود إرادة سياسية لمكافحة الفساد.
وشدد النتشة ان الفساد غير مقبول في ارض الشهداء والأسرى وأن المساءلة يجب ان تكون من اكبر مسؤول الى اصغره ولكن بطريقة قانونية و قال بأنه يستحق هذا الشعب ان يكون له سلطة خالية من الفساد، وان كل فرد مسؤل عن التبليغ عن الفساد، وأن محاربة الفساد هو محاربة الوجه الاخر للاحتلال.
وقال النتشة " القانون أعطى الحماية لأي شخص يتقدم بشكوى على فساد، ولا يمكن ان نسمح أن يضار أحد لمجرد انه قد قدم شكوى على أي كان". وأضاف "لا نستطيع ان نقول ان الفساد مستشر في كل مكان، لكننا نستطيع ان نقول ان الفساد كبير."
وأشار الى التعاون الجيد بين هيئة مكافحة الفساد، وبين الحكومة، وذكر الى ان هناك وزراء سابقين ووزراء حاليين تم استدعائهم للتحقيق.
وجود القانون والهيئة شرط اساسي لنجاح الجهود الوطنية لمكافحة الفساد وبناء نظام النزاهة الوطني
وأشارت المديرة التنفيذية لأمان غادة زغير الى أن قانون مكافحة الفساد ضمن استقلالية وفعالية هيئة مكافحة الفساد الذي يشكل انشاؤها والمصادقة على قانونها استجابة وانسجاما مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003.
وذكرت الزغير أن أمان أسست النواة الأولى لإعداد قانون مكافحة الفساد، حيث قامت بمراجعة قانون مكافحة الكسب غير المشروع وتطويره وتوسيع صلاحيات واختصاصات الهيئة لتشمل التحقيق في جميع قضايا الفساد .
وأضافت زغير "ولعل تجريم الواسطة والمحسوبية وملاحقتهما كشكل من اشكال جرائم الفساد التي يعاقب عليها القانون يشكل انتصارا لدعوات أمان المتكررة لتجريم الواسطة والمحسوبية والمحاباة بعد أن اشارت تقارير وابحاث تطبيقية واستطلاعات الراي العام أنها أكثر أشكال الفساد انتشارا في المجتمع الفلسطيني."
واعتبرت زغير وجود القانون والهيئة شرطا اساسيا لنجاح الجهود الوطنية لمكافحة الفساد وركيزة أساسية لبناء نظام النزاهة الوطني شرط أن تتمتع هذه الهيئة كما أكدت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد باستقلالية تامة وقدرة وقوة تأثيرية.
الجلسة الأولى: التبليغ عن الفساد إشكالية مجتمعية
تناولت الجلسة الأولى تحت عنوان "إشكاليات التبليغ عن الفساد حيث افتتح الحديث الدكتور غسان فرمند، مدير معهد الحقوق في جامعة بيزيت، وقدم الشكر لمؤسسة أمان لعملها الجاد في مكافحة الفساد، وركز على أهمية تشجيع المواطن للابلاغ عن الفساد حماية للمال العام وتأكيد على حق المواطن في المساءلة.
واعتبر بلال البرغوثي المستشار القانوني لمؤسسة أمان في ورقته ان الابلاغ عن الجرائم بشكل عام وعن جرائم الفساد بشكل خاص وحماية المبلغين عن تلك الجرائم من أهم الضمانات التي تكفل محاربة ظاهرة الفساد وتدعم ملاحقتها، إذ قد يحول التبيلغ عن الجريمة في كثير من الأحيان دون وقوعها، وكذلك تفادي النتائج الخطيرة التي قد تنجم عنها، الأمر الذي يسهم في بناء الثقة والطمأنينة في المجتمع، ويؤدي إلى تعزيز مشاركة الأفراد بشكل خاص والمجتمع بشكل عام في مكافحة الإجرام بشتى صوره، ومعاونة السلطات العامة في القيام بواجباتها على هذا الصعيد.
وعرج البرغوثي الى المعيقات الإجتماعية مثل إعتبار بعض المواطنين أن الابلاغ عن الفساد يمثل شكلا من أشكال الوشاية على الآخرين، كما لا يبدو أن قيمة الابلاغ غير مرتبطة في ذهن وعقل الغالبية ومسؤولية المواطن في الحفاظ على المال العام.
رئيس نيابة مكافحة الفساد يوصي بمكافآت للمبلغين
السيد أكرم الخطيب، رئيس نيابة مكافحة الفساد في الهيئة، شدد على ضرورة وضع نظام مكافآت خاص لمن يقوم بالتبليغ عن الفساد، مما يحفز الشهود والمبلغين.
رئيس نيابة الجرائم الاقتصادية وغسل الأموال، يجب تفعيل دور الإعلام
السيد سالم جرار، رئيس نيابة الجرائم الاقتصادية وغسل الأموال، أشار أهمية الإبلاغ للوصول للمعلومة الصحيحة.وطالب بالحماية المادية للمبلغ والى أسرته. وأشار جرار الى ضرورة تفعيل دور الإعلام لأن الإعلام المهني يعرف كيف يتعامل مع هذه القضايا.
أما الدكتور أحمد السويطي من جامعة بيرزيت فقد تحدث عن اللائحة التنفيذية لحماية المبلغين، أي انه يجب تحديد سقف زمني لصدور اللائحة، فالقانون موجود مع وقف التنفيذ لحين صدور اللائحة التنفيذية.
وقد أوصى الحضور:
1) إصدار النظام الخاص بحماية المبلغين عن الفساد وفقا لأحكام المادة 15 من قانون مكافحة الفساد للعام 2010.
2) موائمة القوانين وإزالة وتعديل النصوص القانونية الواردة فيها والتي تتعارض مع واجب الإبلاغ عن الفساد.
3) المسارعة في إصدار مشروع قانون الحق في الحصول على المعلومات كونه يعزز ثقافة الشفافية والمكاشفة.
4) تبني إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد يشارك في اعتمادها جميع الجهات ذات العلاقة، وخصوصا الرسمية منها.
السيدة عبير مصلح مديرة وحدة البحث والتطوير في أمان ومدرسة مساق النزاهة والشفافية في مواجهة الفساد في جامعة بيرزيت، أشارت الى الصعوبات التي ستواجه المجتمع في مكافحة الواسطة والمحسوبية بسبب اختلاط المفاهيم مثل تقديم المساعدات للمحتاجين باعتبارها قيمة ايجابية ورفض قبول الواسطة التي تخالف حق او تقر باطل.
وعرض الدكتور مصطفى عبد الباقي من جامعة بيرزيت، جريمة الواسطة في ضوء الاتفاقيات الدولية والقانونين الداخلية، وقال ان هذه الجريمة لصيقة بأكثر المجتمعات الأقل تطورا والنظم السياسية الدكتاتورية التي يغيب عنها قيم ومبادئ الديمقراطية والمساواة والرقابة الفاعلة، وهي تزدهر في منطقتنا العربية.
وعرج عبد الباقي الى آثار الواسطة والمحسوبية، بأنها تقوض قيم العدالة وسيادة القانون، وتؤدي إلى تعيينات لا ضرورة لها مما يثقل كاهل الاقتصاد الوطني، ويؤدي الى الترهل الإداري، والى البطالة المقنعة. وشدد الا ان ملاحقة جرائم الفساد، ومنها الواسطة والمحسوبية ضرورة ملحة، لكن الأهم والانجح من ذلك هو مكافحتها والحد من وقوعها.
وطالب الدكتور أحمد البراك، رئيس النيابة العامة، بأنه لا يمنع ان يتضمن نص عام في القانون يجرم الأتجار بالنفوذ، حيث يمكن اعتبار الواسطة والمحسوبية جزءا منها. كما طالب باعتبار هذه الجريمة جريمة خطيرة تستدعي عقوبة مشددة.
أم الرائد على هلال، مدير وحدة مكافحة الجريمة في الشرطة الفلسطينية، بأن الفترة الأخيرة حدثت نقلة نوعية في الشرطة كنوع من تعزيز مبادئ النزاهة والمحاسبة لأفراد في جهاز الشرطة، اي ان يخضع الجميع للقانون.
وقدم الدكتور عزمي الشعيبي ورقة تحدث فيها عن مهام الهيئة وصلاحياتها ومتطلبات استقلالياتها وفاعليتها. وأشار الشعيبي إلى أن القانون الصادر حدد مهاما شاملة لهيئة مكافحة الفساد منها التحقيق في شكاوى الفساد التي تقدم لها عن الفساد من جميع الأطراف الرسمية والاهلية وفحص جميع إقرارات الذمة المالية وتوعية المجتمع بكافة مستوياته الرسمية وغير الرسمية، ورسم السياسة العامة لمكافحة الفساد بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة ووضع الخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها.
ولتنفيذ هذه المهام منح القانون الهيئة مجموعة واسعة من الصلاحيات منها التحقيق في جميع قضايا الفساد باعتبارها ذات اختصاص، وفحص الذمة المالية لكل موظفي السلطة الفلسطينية، ومنح رئيس الهيئة الصلاحية بتعيين عددا كافيا من الموظفين والمستشارين لتمكين الهيئة من القيام بمهامها.
ولتتمتع بالاستقلالية، فأنه يجب ان تتمتع هذه الهيئة وبالاستقلال المالي والاداري، ولها الحق في ابرام العقود وتعيين الموظفين حسب الحاجة والكفاءة، وتخصيص ميزانية واضحة وكافية من الخزينة العامة.
وأضاف الشعيبي "لا يخضع رئيس الهيئة للسلطة التنفيذية في اعماله فهو يقدم تقاريره إلى رئيس السلطة، مجلس الوزراء، المجلس التشريعي. وهذا يعني أنه حيادي بين السلطات الثلاث .
اوضح الشعيبي ان ممارسة الهيئة لهذه الاستقلالية يستند حتى الآن الى رغبة معلنة من السيد الرئيس ومصداقية لشخصية رئيس الهيئة. وبالرغم من اهمية ذلك الا ان مأسسة الهيئة وبناءها على اسس مستقلة وتدريب وتأهيل العاملين على موضوع المهنية والموضوعية والحيادية واستكمال جميع الانظمة الضرورية لضبط الاجراءات التي تقلل الى حد كبير السلطة التقديرية للمسؤولين او العاملين في الهيئة واعتماد مدونة سلوك للعاملين في الهيئة، واعداد خطة تدريب وتأهيل الكادر العامل في الهيئة فورا. اضافة الى تأمين الاحتياجات المالية الضرورية من الموازنة العامة (الخزينة العامة) سوف يساعد الهيئة بأن تشق طريقها بفعالية واستقلالية وفقا للمعايير الضرورية التي تضمنتها اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
وطالب الشعيبي رئيس الوزراء اصدار تعليمات رسمية الى جميع الموظفين العموميين باحترام عمل الهيئة وتحرِّم التدخل في عملها ومحاسبة من يخالف ذلك وتشجيع العاملين في الإبلاغ عن اية معلومات ذات صلة بالفساد الى الهيئة.
رشا عمارنة، المستشارة القانونية لهيئة مكافحة الفساد اشارت بدورها إلى أن العمل الفعلي للهيئة قد بدأ قبل عدة شهور عندما استلمت الهيئة عشرات ملفات الفساد من النيابة العامة وباشرت في التحقيق فيها في الوقت الذي يجري العمل على إعداد الأنظمة والإجراءات الخاصة بعمل الهيئة.
وخلال التدوة، تم الإعلان عن إطلاق دراسة تقييم الالتزام بالتدابير الوقائية في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي أعدتها أمان بالتعاون مع منظمة الشفافية الدولية، حيث قام بإعداد هذه الدراسة الدكتور ياسر عموري، والاستاذ محمود علاونة، والاشراف العام والتحرير الدكتور عزمي الشعيبي.
وتهدف هذه الدراسة الى تقييم مدى الالتزام بالتدابير الوقائية لمكافحة الفساد حسب اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، من خلال التركيز على الأطر القانونية والعملية، وذلك للوقوف على مكافمن القصور والخلل التي تعتري التشريعات الفلسطينية في هذا المجال، ونواحي عدم الانسجام مع الاتفاقية، وتحديد الجوانب التي تنسجم فيها التشريعات الفلسطينية مع الاتفاقية لتقويتها، وتعزيزها ورفدها بالوسائل الاضافية.
وعرض الدكتور ياسر عموري بعض التوصيات التي خرجت منها هذه الدراسة، مثل ضرورة تبني اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد من قبل كافة المستويات السياسية الفلسطينية، وضرورة تعديل بعض التشريعات وموائمتها مع اتفاقية الامم المتحدة، وضرورة تبني نهج واضح في موضوع الخدمة المدنية، وإنهاء تدخل الاجهزة الأمنية في عملية التعيين، كما اوصت بضرورة إيجاد جسم او هيئة لتعزيز وتفعيل موضوع تضارب المصالح.