تونس - خاص بـالقدس من رشيد خشانة - اكتشف الجزائريون أخيرا أن كل ما نشر عن الرشاوى التي حصل عليها وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل وبعض من معاونيه لم تكن سوى قمة جبل الجليد الذي ضرب أطنابه في أعماق الاقتصاد. ويعتقد 57 في المئة من الجزائريين الذين استطلعت آراءهم منظمة الشفافية الدولية أن الفساد في بلدهم تفاقم في السنتين الأخيرتين.
واعتبر هؤلاء أن أكثر القطاعات عُرضة للفساد هو عالم المال والأعمال، ووضعوا في الرتبة الثانية القضاء وفي الثالثة الأحزاب السياسية والشرطة، كما شملت الرشوة بحسب هؤلاء قطاعي الصحة والتربية وأجهزة الضرائب ووسائل الإعلام. وحذر الأمين العام للجمعية الوطنية لمكافحة الرشوة حليم فضال من خطر أن تُصبح الرشوة ظاهرة مألوفة في المجتمع. وأسس الجمعية نشطاء حقوقيون ومدافعون عن حقوق الانسان لكن السلطات رفضت في البدء منحها الترخيص قبل أن توافق على ذلك قبل نحو سنة.
وطبقا للإستطلاع الذي اجرته "منظمة الشفافية الدولية" في مائة وسبعة بلدان، اعترف 40 في المائة من الجزائريين المُستجوبين بانهم أعطوا رشى لعناصر من الشرطة، فيما اعترف 33 في المئة أنهم قدموا رشى لموظفين في سلك القضاء وأعطى 39 في المئة رشى لمصلحة الضرائب و38 في المئة لمديريات الزراعة. ويعتقد فضال أن السلطات الجزائرية لا تبذل جهدا كافيا لمحاربة الفساد على رغم تصديقها على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد لدى اعتمادها في 2003 والتي دخلت مجال التنفيذ اعتبارا من أواخر 2005.
وكشفت معلومات نشرت أمس في الجزائر أن تهريب المواد المدعومة إلى دول الجوار يستنزف موارد البلد ويُرهق كاهل الميزانية. وعزا خبراء اقتصاديون كثافة اللجوء إلى دعم المواد الاستهلاكية إلى مخاوف السلطات من انتشار حركات اجتماعية قد تؤدي إلى زعزعة الوضع الاجتماعي والسياسي في البلد، خصوصا في ظل المرض المزمن للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وقال الاعلامي محمد فوزي قايدي إن الحكومة تشتري السلم الاجتماعية بالمورد الوحيد الذي تمتلكه الجزائر أي المحروقات. وورد في أحد التحقيقات التي نشرتها صحيفة "الوطن" الجزائرية أن المُهربين هم أكبر المستفيدين من أموال الدعم.
وكان وزير الداخلية دحو ولد قابلية أكد أخيرا أن تهريب المحروقات المدعومة عبر الحدود لم يعد تحديا اقتصاديا للسلطات فحسب وإنما بات ايضا "مشكلا أمنيا". غير أن الاعلامي قايدي حذر من النظر إلى الظاهرة من زاوية "بوليسية" فقط، وحض على الوعي بالمخاطر التي ستنشأ من "سياسات الدعم العقيمة" على ما قال. واستدل بتقرير أعدته اخيرا مؤسسة بحثية تابعة لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أظهر أن سياسات دعم الأسعار لا يمكن إلا أن تؤدي إلى زيادة الطلب الداخلي على المحروقات، واستطرادا التقليل من الصادرات واستنزاف الإحتياطات المحلية من مصادر الطاقة. والأرجح أن موضوع الدعم تسبب بانقسام في صفوف الحكومة التي يقودها عبد المالك سلال، إذ دعا وزراء في مقدمهم وزيرا المال والتجارة إلى مراجعة نظام الدعم، الذي يشمل أيضا المواد الغذائية والسكن والصحة. وشدد هؤلاء على أن التوازنات المالية لن تُجيز في ظل الارتفاع المتزايد لكلفة الدعم، الاستمرار في هذا الحل الذي يُكلف الموازنة 15 بليون دولار سنويا. وفي هذا السياق أظهرت إحصاءات رسمية أن مستوردات البلد من السكر زادت هذا العام بنسبة 37 في المائة فيما زادت المستوردات من القموح بنسبة 9 في المائة.
لكن فريقا آخر في الحكم يتمسك بضرورة الاستمرار في تقديم دعم كثيف لأسعار المواد الاستهلاكية من أجل تفادي انتشار الغضب وتحرك الشباب من أبناء الفئات المُعوزة في الأحياء والمناطق الفقيرة، ما قد يُهدد بوصول شرارة الانتفاضات العربية إلى الجزائر. ويُحذر أركان هذا الفريق من اتساع حركات الاحتجاج التي قادها شباب عاطلون عن العمل في الأشهر الأخيرة في ولايات الجنوب، حيث تنتشر البطالة وتتركز حقول النفط الرئيسية، وخاصة الوادي والأغواط وورغلة وحاسي مسعود. وكادت المظاهرات الصاخبة التي اندلعت في مطلع 2011 في أعقاب الزيادة في سعر السكر والزيت تنقل الانتفاضة التونسية إلى الجزائر، لو لم تتخذ السلطات قرارا سريعا بإعادة الدعم لأسعار المادتين