كتبت: هداية شمعون (*)
من الصعب التكيف في بيئة يرتفع فيها الضجيج على صوت العقل...! إن ما نلمسه من يومياتنا بين المواطن والمسؤول، يكاد يجعلنا نجزم دوما أن هنالك مسؤوليات جسيمة على السلطة الحاكمة في قطاع غزة، وبعيدا عن أي إشارات سياسية لا من قريب ولا من بعيد، لقد نجح المواطنون بأدوات متعددة ومتنوعة من انتزاع حقوقهم من خلال اخضاع المسؤولين لطائلة المساءلة في قضايا الشأن العام، وقضايا تشكل أولويات خدماتية لا يمكن المساس بها.
هنالك شواهد متعددة تدلل على قدرة المواطنين وسطوة الرأي العام عبر السوشيال ميديا للمطالبة بتحسين جودة رزمة الخدمات المقدمة للمواطنين، وبرزت إشكالية التعامل مع أول دفعة عائدين من معبر رفح بشكل مفاجئ ودفعهم اجبارا إلى مدارس غير مهيأة ولا مجهزة ما أثار حفيظة الرأي العام خاصة مع شهادات النساء في الحجر، ما توجب الإسراع بجهود حثيثة للعمل على أرض الواقع، والاستجابة لتحسين ومواءمة المعايير الصحية بالحد الأدنى للناس، وبما هو متوفر فعليا من إمكانات كلنا يعرف محدوديتها في قطاع غزة بفعل 14 عاما من الحصار والانقسام السياسي، وهذا ما يتطلبه تكاثف دور الاعلام وواجبات المسؤول وحقوق المواطن، فهنالك توليفة تكاملية للأدوار لكل من المواطن والسلطة القائمة والإعلامي والمؤسسات الحقوقية قائمة على نظرية أصحاب الحق وأصحاب الواجب وهو النهج الحقوقي الذي ننتمي له..
الشائعات ومحاربتها في أزمة كورونا:
وفي ذات السياق فإن محاربة الاشاعات هي مهمة الجميع مواطن ومسؤول على حد سواء، فكلما لجأت السلطة القائمة إلى الإفصاح عن المعلومات، والحفاظ على دوريتها ودقتها، وكلما أبدت السلطات المسؤولة شفافية ونزاهة أعلى في تقديم المعلومات وعدم الاستخفاف بالجمهور، كلما تمكنت من بناء الثقة مع المواطن وهذا ما نشهده في أزمة كورونا حاليا.
لكن هنالك حلقة لازالت مفقودة في المساءلة المجتمعية فهي لم تعد فقط بين المواطن والمسؤول بشكلها العامودي من الأسفل للأعلى، بل باتت أيضا مساءلة المواطن الضمنية والضميرية، وعي المواطن بات على مقياس المساءلة أيضا، فأهم ما يمكن أن يقوم به المواطنون البقاء في بيوتهم في مرحلة حساسة تتساقط بها الأنظمة الصحية لدول عتيدة، فمابال الحديث عن مدينة محاصرة من 14 عاما تعاني الحصار والاغلاق وتحملت عدوانات متكررة فأكلت الأخضر واليابس، وتركتها مدينة تتكئ على قلبها ليمدها قوة، فالنظام الصحي في حالة شبه انهيار دائم، فكيف يمكن تخيل سيناريو كورونا في غزة..!!
الاعتماد الأول والأهم هو المسؤولية المجتمعية للمواطنين والمسؤولية الضميرية والأخلاقية، أن يلتزم المواطن بحماية نفسه وعائلته، إن البعد الثقافي لهذه الجزئية كاي امتداد عربي ليست سهلة التغيير، فكيف لمن عاند الحصار سنوات طويلة، ولم ترهبه الطائرات الحربية الإسرائيلية، وعاش في مواجهة الموت كامل عمره أن يقبل بشعور الخوف من فيروس لا يراه، إن الوعي المجتمعي مهم لذلك لا حل لهذه المعضلة إلا بزيادة التوعية المجتمعية والعمل على ضخ العشرات من الرسائل والمبادرات الإيجابية للتحفيز على تبني المواطن لأهمية حماية نفسه وعائلته وحماية مجتمعه وبلده، لم يعتد المواطن أن يكون في موضع المساءلة ذات يوم، لكن اليوم هنالك باب المسؤولية المجتمعية والأخلاقية التي يجب أن يقدرها المواطن.
المسؤولية المجتمعية والمحتوى الرقمي:
لقد حان الوقت لتتحد جهود الجميع وتنصهر في بوتقة واحدة لأجل مصلحة أكبر وأكثر سموا، بعيدا عن أي أيدولوجيات وصراعات فالمواطن لبنة المجتمع، وهو الآن من يملك الضر والنفع لمجتمعه وليست السلطة المسؤولة فقط وحدها.
ليس مطلوبا من المواطن أن يثبت للمجتمع أنه في بيته ويبث صوره في البيت فالصورة لا تعني أنه ملتزم فعليا في بيته، التحدي الأهم هو ما خلف الكاميرا أن يؤمن المواطن بأن بقاؤه في البيت لأجل أسرته ومجتمعه، وخروجه فقط للضرورة القصوى مع الأخذ بعين الاعتبار كل أساليب الوقاية الممكنة حتى لو لم يكن متيقنا من وجود إصابات في محيطه.
المطلوب من السوشيال ميديا ، وكل من يساهم بالمحتوى الرقمي، أن توجه تحديا للمواطن مع نفسه وتكون أكثر قوة لتعزيز مفهوم المسؤولية المجتمعية لديه، أن تخاطب كل فئات المجتمع بكل قطاعاته وأجياله شبابه وأطفاله كي تحدث فرقا حقيقيا، عليه أن يسمع خطابا عاديا من البسطاء الذين يمثلونه، أن يكون مشاركا لا تلقي فقط، حينها سيكون متحفزا للمشاركة والالتزام بالحجر المنزلي، وهذا لن يتأتى إلا بالأخذ بعين الاعتبار لأولويات الصمود لكل فئات المجتمع وشرائحه، وهو ما يتطلب أيضا إعادة تنظيم الدور الطوعي الممتد لمؤسسات المجتمع المدني، وتحفيز الشباب والشابات للانخراط بمسؤولية مجتمعية واعية، بتشكيل فرق مناطقية يمكنها المساندة في الوصول لكل الفئات المهمشة والتي تحتاج للعون لإبقائها في بيوتها بقدر من الكرامة الإنسانية، ومن المتوقع أن هذه المسؤوليات تأتي ضمن خطط الطوارئ للمؤسسات التي بإمكانها أن تستنهض القوى مرة أخرى لمواجهة فيروس كورونا بالفعل والتخطيط والعمل التشاركي والعقل الجمعي، وعدم الاكتفاء فقط بتوجيه الرسائل من علو بعيدا عن التماس الحقيقي والاشتباك مع احتياجات وأولويات المواطنين.
إن المسئولية المجتمعية هي إحدى دعائم الحياة المجتمعية الأكثر أهمية، وهي وسيلة من وسائل تقدم وتماسك المجتمعات، إذ تقاس قيمة المواطن في مجتمعه بقياس مدى تحمله المسئولية تجاه نفسه وتجاه الآخرين، ولذلك وجب أن يضع المواطنون أهم أسس محاربة انتشار فيروس كورونا من خلال إسناد الطواقم الطبية والعمل الحكومي في ظل حالة الطوارئ، فمبادرة ومشاركة المواطن هي خط الدفاع الأول وحصن المجتمع الوحيد، ومن ثم تأتي بمستويات ومراحل تالية المساءلة بكل مكوناتها للجهات الحاكمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتبة وإعلامية، منسقة وحدة الرصد والدراسات في الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة-أمان