أخبار 2025

الفريق الأهلي: ضرورة تبني الحكومة الفلسطينية سياسة عامة وطنية لإدارة القطاع الزراعي تتضمن خطة شاملة تشاركية مع رصد موازنات لضمان استدامتها

الفريق الأهلي: ضرورة تبني الحكومة الفلسطينية سياسة عامة وطنية لإدارة القطاع الزراعي تتضمن خطة شاملة تشاركية مع رصد موازنات لضمان استدامتها

الفريق الأهلي يعقد جلسة لنقاش مسودة تقرير: "تحديات السياسات الحكومية في إدارة القطاع الزراعي"

ضرورة تبني الحكومة الفلسطينية سياسة عامة وطنية لإدارة القطاع الزراعي تتضمن خطة شاملة تشاركية مع رصد موازنات لضمان استدامتها

رام الله- بحضور عدد من المؤسسات الرسمية والأهلية ذات العلاقة؛ عقد الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة جلسة نقاش مسودة تقرير، بعنوان: "تحديات السياسات الحكومية في إدارة القطاع الزراعي"، والذي يهدف إلى تقديم توصيات تعزز من إدارة القطاع الزراعي وتساهم في تذليل التحديات التي يواجهها القطاع في فلسطين، وذلك من خلال تتبع أهم البرامج والأنشطة التي تقرها الحكومة وتنفذها الوزارة، بالإضافة إلى قراءة في الموازنات المرصودة لذلك، من أجل تعزيز الحفاظ على الأرض وصمود المزارعين عليها.

استهلت الجلسة بكلمة من عصام حج حسين، المدير التنفيذي لائتلاف أمان، والذي أضاء بدوره على أن التوصيات المعدة تشكل مساهمة من المجتمع المدني الفلسطيني بشكل عام والفريق الأهلي بشكل خاص للضغط باتجاه بلورة سياسة عامة شمولية لإدارة القطاع الزراعي، مع عدم إغفال تشابك القطاع الزراعي الفلسطيني -والذي يعد ركيزة أساسية من ركائز التنمية والصمود- مع العديد من القضايا الاستراتيجية.

وقد استعرض الباحث أشرف سمارة مسودة التقرير، مشيراً أن سياسات الاحتلال الإسرائيلي كانت التحدي الأساسي الذي أعاق التوجهات الفلسطينية الرسمية والأهلية والخاصة التي سعت إلى تطوير القطاع الزراعي، من خلال مصادرته واستيطانه على المساحات الأكبر من الأراضي الزراعية، سيما المناطق المصنفة (ج) والتي تشكل 60% من الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى سطوته على مصادر المياه، حيث أن ندرتها في الأماكن الصالحة للزراعة وعمليات سرقة المياه الفلسطينية من قبل الاحتلال ساهم في تفاقم الوضع في القطاع الزراعي. ويستدل على ذلك أيضا بتحليل المؤشرات الاقتصادية ذات العلاقة؛ كعجز الميزان التجاري الزراعي (زيادة الفجوة بين الواردات الزراعية والصادرات الزراعية)، وتراجع القدرة التشغيلية للقطاع الزراعي، وبالتالي تراجع مستويات الدخل للمزارعين، وارتفاع نسب الفقر في أوساطهم، والأكثر أهمية انعدام الامن الغذائي، والسيادة على الغذاء على المستوى الوطني.

موازنة وزارة الزراعة أقل من 1% من الموازنة العامة

وأجمل سمارة أبرز الاستنتاجات التي لخص لها التقرير، حيث أوجزها بضعف التمويل وضعف التخطيط الوطني الشامل، مشيراً أن الموارد المالية المخصصة لموازنة وزارة الزراعة قليلة لجميع السنوات، ولا يتم الالتزام ببند موازنة النفقات التطويرية المخصصة لها بشكل جيد، فعلى سبيل المثال: في العام 2023، كانت الموازنة المقدرة لوزارة الزراعة 186.4 مليون شيقل، والمقدر منها لبند النفقات التطويرية 90.9 مليون شيقل، فيما كان الإنفاق الفعلي على هذا البند فقط 44 مليون شيقل. وقد تناول التقرير بعمق حصة وزارة الزراعة، والتي تعد أقل من 1% من إجمالي الموازنة الفلسطينية العامة، الأمر الذي يؤثر سلبًا على قدرتها في تنفيذ مشاريع تطويرية تلبي احتياجات القطاع الزراعي، حيث يكون الإنفاق الفعلي السنوي أقل مما يرصد ضمن الموازنات التقديرية. وعرّج التقرير أيضا على الخطط الاستراتيجية لوزارة الزراعة، والتي تقدم تشخيصاً صحيحاً لواقع القطاع الزراعي الفلسطيني واحتياجاته، لكن هناك ما يعيق ترجمة هذا التشخيص إلى خطط وإنجازات ملموسة على أرض الواقع، ويعود ذلك لعدم توفر موازنات كافية لذلك. ويذكر التقرير أنه وبالرغم من التحسن في مستوى الشراكة والشفافية بين الوزارة والأطراف الفاعلة في القطاع الزراعي، إلا أن الاعتماد الكبير على التمويل الخارجي غير المضمون، ما يجعل الإنجازات غير مستقرة، الأمر الذي يتطلب مراجعة شاملة لآليات التخطيط والتنفيذ.

عدم رضا المزارعين وتذمرهم المستمر من الوضع الراهن

وقد نوّه التقرير إلى ضعف الاستجابة لتوقعات المزارعين والتحديات الميدانية، متحدثاً عن وجود فجوة بين رؤية الوزارة وتوقعات المزارعين، الذي يطالبون بدور أكثر فاعلية في الإشراف والإرشاد والتعويض عن الخسائر. فبالرغم من توثيق الوزارة للخسائر الزراعية الناتجة عن الكوارث وسياسات الاحتلال، إلا أن التعويضات غير كافية ولا تُصرف بوقت مناسب، كما أن الرقابة على المدخلات الزراعية تحتاج إلى تحسين، في ظل انتشار المنتجات غير المطابقة للمعايير في الأسواق الفلسطينية.

كما يشكل موضوع عدم فاعلية الاسترداد الضريبي، وصعوبة الإيفاء به من قبل وزارة المالية، مصدر تذمر لشريحة واسعة من المزارعين، ناهيك عن أنه يتضمن إجراءات روتينية طويلة، وتأخر كبير في دفع المستحقات لمن يستطيع توفير ما هو مطلوب.

فهناك تذمر عالٍ من المزارعين على عدم فاعلية العديد من المبيدات والمستلزمات الزراعية، وكذلك الحال فيما يخص عدم توفر المختبرات الرسمية من حيث العدد والمعدات والتوزيع الجغرافي، إضافة إلى عدم الرضا على مستوى الحماية للمنتجات الفلسطينية، وسياسات الاستيراد خاصة للثروة الحيوانية (الخراف تحديداً)، وتهريب البضائع الإسرائيلية إلى الأسواق الفلسطينية. كما أن هناك تراجعاً في فرص العمل التي يوفرها القطاع الزراعي، فحسب بيانات القوى العاملة التي يصدرها الإحصاء الفلسطيني، وخلال الفترة 2015 الى 2022، فقدت 10 آلاف فرصة عمل. وحسب بيانات التجارة الخارجية المرصودة الصادرة عن الإحصاء الفلسطيني، فإن الميزان التجاري الزراعي يعاني من عجز متصاعد، وخلال العام 2023، وصل إلى 520 مليون دولار، نتيجة زيادة الواردات من السلع الزراعة عن الصادرات بشكل متصاعد، فخلال الفترة 2014 إلى 2023، ارتفعت الواردات الزراعية من 417 مليون دولار إلى 645 مليون دولار، بمعدل زيادة سنوي حوالي 25 مليون دولار، مقابل شبه ثبات في الصادرات من السلع الزراعية.

ضرورة وضع خطة وطنية زراعية ورصد ميزانيات لها

أطلق التقرير مجموعة من التوصيات التي تشكل إطارًا عمليًا لتعزيز السياسات الزراعية وضمان استدامة الإنتاج المحلي، مما يعزز الصمود الزراعي والأمن الغذائي، على رأسها ضرورة بلورة سياسة عامة شمولية لإدارة القطاع الزراعي، يشمل دور وزارة الزراعة من الإغاثة، والإشراف، والمساعدة، والتنمية، مع تبنّي استراتيجيات توسع في الإنتاج المحلي عبر خفض تكاليف الإنتاج بدلًا من الاعتماد على الاستيراد، كذلك  التخطيط والتنفيذ التشاركي، وإشراك كافة الجهات المعنية، بما في ذلك المجتمع المدني، الجمعيات التعاونية، القطاعين العام والخاص، تحت إشراف الوزارة، لضمان تكامل الجهود وتحقيق الأهداف المرجوة. ناهيك عن زيادة المخصصات المالية للقطاع الزراعي، ورفع قيمة المخصصات المالية الموجهة للقطاع الزراعي، كونه ركيزة أساسية لتطبيق الاستراتيجيات بفعالية، وإصلاح نظام التأمينات الزراعية، على أن تكون التأمينات الزراعية تحفيزية وغير مثقلة بتكاليف إضافية على المزارعين، مع تقليل البيروقراطية، وضمان استدامة التمويل، وتسريع إجراءات التعويض.

كما أوصى التقرير بضرورة تنمية الموارد المائية الزراعة، كذلك تحسين الرقابة والإشراف الزراعي، ومضاعفة عدد الكوادر الزراعية الميدانية وزيادة الإمكانيات اللوجستية، وفرض المزيد من الرقابة على الأدوية والمبيدات وضمان توفر بدائل صحية، كذلك تطوير آليات دعم وحماية صغار المزارعين ضد المنافسة غير العادلة والتهري،. وإعادة هيكلة نظام الاسترداد الضريبي، وتنظيم الأراضي الزراعية ومنع الزحف العمراني، وتطوير البنية التحتية والتكنولوجيا الزراعية، وتعزيز الأمن الغذائي وتنظيم الإنتاج الزراعي.

تعقيبات متعددة

في مداخلته، أوضح محمود فطافطة، مدير عام العلاقات العامة والدولية في وزارة الزراعة، أن واقع القطاع الزراعي الفلسطيني ما قبل حرب الإبادة يختلف عما بعدها، حيث تفاقمت التحديات القائمة وأصبحت الموارد أكثر شحًّا وتتطلب ضوابط دقيقة، مشيراً أن وزارة الزراعة ليست الطرف الوحيد المسؤول عن القطاع الزراعي، وإنما هناك أطرافاً أخرى وذوي اختصاص من سلطة الأراضي، الأوقاف الإسلامية، وزارة الاقتصاد، وزارة الحكم المحلي وغيرها، ما يستدعي توحيد الجهود والتنسيق بين مختلف الجهات المعنية لضمان تحقيق تنمية مستدامة لهذا القطاع.

وأشار فطافطة أن الاكتفاء الذاتي الكامل غير ممكن في فلسطين بسبب القيود المفروضة، حيث تشكل الزراعة البعلية أكثر من 80%، بينما لا تتجاوز الزراعة المروية ما نسبته 11%-19%، كما أن 80% من البستنة تعتمد على الزيتون كمحصول استراتيجي، في حين أن الاكتفاء الذاتي من القمح لا يتجاوز 5%، ما يجعل تحقيق الأمن الغذائي المحلي تحديًا كبيرًا. أما في قطاع الثروة الحيوانية، فإن نسبة الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء (العجول) لا تتجاوز 15%. وأضاف فطافطة أن تحقيق الاكتفاء الذاتي في ظل ما يفرضه الاحتلال من قيود، حيث هناك 500 ألف دونم من الأراضي الزراعية تحت السيطرة الإسرائيلية (مستوطنات، مناطق تدريب، شوارع التفافية)، بينما المتاح للزراعة لا يتجاوز 200  ألف دونم، معظمها في المناطق الجافة وشبه الجافة، ما يحدّ من فرص التوسع الزراعي والاكتفاء الذاتي.

وأكمل فطافطة أن فلسطين تتمتع باكتفاء ذاتي في معظم أنواع الخضار، باستثناء بعض المحاصيل خلال شهري نوفمبر وديسمبر مثل البصل والبطاطا والبندورة، مشيراً في الوقت الذاته إلى الضربة القاسية التي يعانيها القطاع الزراعي في غزة، حيث كانت ما نسبته 30% من الخضار المتأتية إلى الضفة الغربية مصدرها غزة. وفي قطاع الإنتاج الحيواني، يوجد لدينا فائض في البيض بنسبة 134%، والذي كانت الضفة الغربية تصدره إلى قطاع غزة.

ومن ناحية الصادرات، أشار فطافطة أن فلسطين احتلت المرتبة الخامسة عربيًا، والثامنة دولياً في الدول المصدرة للتمور العام الماضي، حيث وصل المحصول إلى 22 ألف طن من إنتاج التمور، وأعزى فطافطة ذلك إلى حوكمة التمور التي عملت الوزارة عليه، من خلال إنشاء لجنة وطنية كاملة تختص بذلك. وأكمل فطافطة أنه لدينا اكتفاء ذاتياً في إنتاج زيت الزيتون، والذي شهد ارتفاعًا الموسم الماضي، حيث بلغ 27 ألف طن، في حين أن الاحتياج المحلي يقدر بـ 8 آلاف طن فقط، وخصص الباقي للتصدير. وبشأن المياه، أشار فطافطة إلى ضرورة تحسين البنية التحتية لشبكات الري الزراعي، وتحويل الآبار الحالية، أو إنشاء آبار جوفية جديدة، لأن نسبة استخدام المياه للري الزراعي لم تتجاوز 20% فقط.

ومن جهته، أكد محمد المصري من وزارة الزراعة، أن الوزارة بصدد تنفيذ مشروع التأمين الزراعي (طوعيا وليس إلزاميا)، موضحًا أن التأمين الزراعي يُعد مطلبًا أساسيًا للمزارعين. كما أشار إلى أن الوزارة عملت على إنشاء عدد من المكاتب في مختلف المحافظات، بهدف تعزيز التواصل مع المزارعين وتقديم الدعم اللازم لهم.

من جانبه، شدد عصام عاروري، مدير مركز القدس للمساعدة القانونية، على أهمية وجود تخطيط زراعي شامل، يضمن حماية الإنتاج والأراضي الزراعية، مشيرًا إلى ضرورة تنظيم استخدام الأراضي الزراعية والحد من تحويلها إلى منتجعات أو لاستخدامات البناء. وأكد العاروري إلى ضرورة تفعيل التخطيط بمشاركة التعاونيات والمؤسسات الأهلية التي تعنى بالقطاع  الزراعي، وذلك تحت إشراف وزارة الزراعة، بحيث يؤدي كل طرف دوره في دعم هذا القطاع الحيوي.

في السياق ذاته، أوضح مؤيد بشارات من اتحاد لجان العمل الزراعي أن المرحلة الحالية- في ظل حالة الطوارئ والحرب والإبادة وسياسات الاحتلال المتمثلة في تشجيع الاستيطان الرعوي والضم في الضفة الغربية- تتطلب وضع خطة وطنية شاملة للقطاع الزراعي، كما يستدعي رفع موازنة قطاع الزراعة إلى أكثر من 1%، مع التركيز على تعزيز موازنة الخطة الحكومية الزراعية. وأوصى بشارات بحل مشكلة غلاء الأعلاف عبر إعفاء مدخلات الإنتاج الزراعي من الضرائب، ودعا إلى الضغط على الممولين للاستثمار في الأراضي المصنفة "ج" واستئناف العمل فيها، وهو ما تواجهه المؤسسات الزراعية بحذر نظرًا للمخاطر القائمة.

بدوره، أكد عزت زيدان، ممثل عن ائتلاف المؤسسات الزراعية الأهلية، على ضرورة مراجعة السياسات الحكومية المعمول بها، بالتنسيق مع مؤسسات العمل الأهلي، مشيرًا إلى أن أبرز التحديات تكمن في تفتيت الملكية وتعدد استخدامات الأراضي، مما يتطلب حلولًا استراتيجية لمعالجتها.

وفي ختام المداخلات، اختتم د. عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان لشؤون مكافحة الفساد، بتأكيده على التوصية الرئيسية، بضرورة تبني سياسة وطنية زراعية تقرها الحكومة الفلسطينية، تأخذ في الاعتبار الواقع الاستثنائي تحت الاحتلال وتحديات الاستيطان في الضفة الغربية. وأكد على أهمية توفير بيئة استثمارية داعمة للزراعة، وتخصيص موازنة مناسبة لوضع خطة وطنية شاملة، تتجاوز الحلول الطارئة إلى استراتيجيات طويلة الأمد تضمن استدامة هذا القطاع الحيوي.

لمشاهدة الجلسة: https://www.youtube.com/watch?v=8VH23NoiYVw

go top