بحضور رئيس مجلس القضاء الاعلى، رئيس هيئة مكافحة الفساد، النائب العام، أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح، وعدد من رؤساء المؤسسات الاهلية والعامة وفعاليات المجتمع المدني اضافة إلى عدد كبير من وسائل الإعلام والصحفيين والمواطنين. أطلق الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، في كل من رام الله وغزة، "تقرير واقع النزاهة ومكافحة الفساد لعام 2015" خلال أعمال مؤتمره السنوي الثاني عشر، تحت عنوان "النزاهة تقتضي العدالة في توزيع الموارد والأعباء"، بحضور ممثلين عن الحكومة والمنظمات الأهلية ووسائل الإعلام، والمهتمين بقضايا مكافحة الفساد في فلسطين.
وجاء في التقرير أن العام 2015 شهد تحسناً طفيفاً في واقع النزاهة ومكافحة الفساد في المنظومة الوطنية للنزاهة لبعض المؤسسات الرسمية، بفعل جهود مكافحة الفساد؛ فتحسّنت ثقة المواطنين بالإجراءات التي تمّت، سيّما المتعلقة برفع الوعي العام بأسباب الفساد وأشكاله، وطرق مكافحته والتي من ضمنها التحسن الذي طرأ في تطبيق نظام الشكاوى الفلسطيني وتفعيل المواقع الإلكترونية وأتمتة الإجراءات والمعاملات في بعض الوزارات والمؤسسات العامة ما يمهد الطريق للحكومة الإلكترونية ويقلل فرص الفساد. من جهة ثانية أظهرت هيئة مكافحة الفساد نشاطًا واضحًا حيث أقرت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد للأعوام 2015-2018.
لكن المنحى العام الذي أظهرته الدراسات التي قامت بها (أمان)، واستطلاعات الرأي المحلية والدولية لم تظهر أي تطورٍ جديٍ في مجال تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، إلى جانب ما أظهرته من تراجع واضح في حرية التجمع والتنظيم شهده عام 2015.
رئيس مجلس إدارة (أمان) عبد القادر الحسيني، قال في الكلمة الافتتاحية لأعمال المؤتمر ان العام 2015 شهد حراكا في الساحة الداخلية الفلسطينية على اكثر من مستوى، سواء فيما يتعلق بجلسات الحوار الوطني الهادفة الى تحقيق المصالحة وانهاء الانقسام، او الجهود الشعبية الواسعة الهادفة الى محاصرة الاحتلال وإعلاء صوت المطالبة بانهائه، او الحراك المدني المطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية، لافتاً إلى ما يعانيه الشعب الفلسطيني من ضغوطات اسرائيلية يمارسها الاحتلال بمختلف الاشكال سواء من خلال التوسع الاستيطاني او الإمعان في القمع والتنكيل.
وشدد الحسيني عن أن القدرة الحقيقة لدى الفلسطينيين شعباً وقيادة تمكنهم من تحقيق المصير، معتبراً ان هذه القدرة تنطلق من الاعتماد على المصداقية المكتسبة من حسن الاداء والحالة الصحية لمنظومات الرقابة والمساءلة المختلفة وقدرة النظام الديمقراطي على منح فرص التجديد بالانتخابات واحترام مبدأ الفصل بين السلطات مرورا بإرث عدم التهاون في انفاذ القانون وهيبة منظومات المحاسبة المختلفة والشراكات التي تؤسس لها تلك المنظومات مع الاطر المدنية المختلفة بما يعود على عملها بمزيد من الثقة والمصداقية وانتهاءً بمتانة الشراكة بين مؤسسات المجتمع المدني والحكومة وشجاعة مؤسسات المجتمع المدني والعمل الاهلي في نقدها لذاتها واقدامها على تطوير ادائها وخروجها من بوتقة النخب الى فضاء العمل المباشر مع الناس ومن اجلهم.
وختم الحسيني كلمته بالتساؤول عن امكانية البحث عن طرق مبتكرة تضمن ان يبقى صوت الناس مسموعا ومؤثرا في ظل تعطل الحياة البرلمانية ما يضمن مشاركة واسعة للجمهور في عملية صناعة القرار في المستويات المختلفة خصوصاً في ظل عدم امكانية اقتصار العملية الديمقراطية على الانتخابات ولا الاكتفاء بنقاشات غرف البرلمانات في عالم اتاحت فيه التطورات التكنولوجية المجال واسعا لاخذ رأي الناس مباشرة بطرق مبتكرة يحق لشعبنا ان يستفيد منها.
من جانبه أكد رئيس هيئة مكافحة الفساد الأستاذ رفيق النتشة على أهمية هذا المؤتمر وضرورة العمل بتوصياته والأخذ بنتائجه بهدف القضاء على الفساد في شعب لا يستحق وجود هذه الآفة فيه، مستدركاً أن إرساء دعائم الاستقلال والحرية لا يكون إلا بتعاون واضح بين جميع المؤسسات العاملة في فلسطين رسمية كانت أم اهلية.
وشدد النتشة على أهمية ضمان استقلالية هيئة مكافحة الفساد التي قال إنها تعرضت في الفترة الأخيرة لمحاولات ما وصفه بالتدمير مع التأكيد على أن هذه الاستقلالية التي مُنحت للهيئة عند تأسيسها تعتبر الميزة الأهم في عملها. وختم النتشة كلمته بالتأكيد على اهمية العمل المشترك كل في اختصاصه لتحقيق الهدف الذي وضعته الهيئة في استراتيجيتها وهو الوصول الى مجتمع فلسطيني خالٍ من الفساد انطلاقاً من إيمان الهيئة بجدارة هذا الشعب وأحقيته بتحقيق هذا الهدف.
من جهته أعرب رئيس الممثلية النرويجية لدى السلطة الوطنية هانز جاكوب فرايدنلاند، عن إعجابه بعمل أمان وجهودها المبذولة في الفترة الأخيرة مؤكدا أن هذه الجهود تأتي كمحاولة لملئ الفراغ الذي تأتّى من غياب المجلس التشريعي لسنوات.
وفيما يتعلق بالسياسات الحكومية أكد فرايدنلاند على وجود آليات مختلفة لدى السلطة الوطنية تهدف إلى اكتشاف وتجنب ومعالجة الفساد، مشدداً على أهمية وجود رقابة على الجهود الرقابية المبذولة من قبل المراقب العام وهيئة مكافحة الفساد في ظل غياب المستقبل النهائي للتقرير والذي هو المجلس التشريعي المعطل.
وأشار فرايدنلاند إلى الصعوبات التي كادت أن تواجهها استمراية دعم الممولين لجهود أمان لولا قيام المجتمع المدني الفلسطيني بملئ الفجوة بطريقة حيوية ومهنية، وهي فجوة لا يمكن إزالتها دون وجود مجلس تشريعي فاعل وتحقيق المصالحة الوطنية واجراء الانتخابات الحرة، مشدداً على التزام حكومات كل من النرويج وهولندا ولوكسمبورغ بالوقوف مع هذه الجهود لتحقيق الهدف المشترك وتطوير حوكمة رشيدة واقامة دولة فلسطينية شفافة وحرة.
بالرغم من جهود ديوان الموظفين العام في وضع واعتماد بطاقات الوصف الوظيفي للموظفين العموميين، إلا أن بطاقات الوصف الوظيفي للوظائف العليا لم تنجز كاملة حتى نهاية عام 2015، فضلاً عن استمرار غياب إجراءات مكتوبة ومعتمدة تتعلق بتعيين وترقية الكثير من رؤساء الهيئات غير الوزارية وتحديد رواتبهم وحقوقهم وامتيازاتهم المالية إضافة إلى استمرار التحايل من قبل بعض المسؤولين في عقود الخبراء لمصالح أفراد على حساب المال العام، فوفقاً لبيانات ديوان الموظفين، فإن عدد العقود الجديدة والمجددة في عام 2015 بلغ 1,610 عقود وتبلغ التكلفة السنوية لهذه العقود حوالي 65 مليون شيكل، وتُدرج رواتب هؤلاء المتعاقدين ضمن فاتورة الرواتب والأجور.
استمر التراجع في شفافية الموازنة العامة عام 2015 وتوقفت وزارة المالية عن إعداد ونشر موازنة المواطن، وتبعاً لمعايير شراكة الموازنات العامة IBP ، فإن الوثائق الأساسية التي يجب أن تنشرها الحكومة والمتعلقة بالموازنة العامة غير منشورة، وهي: بلاغ الموازنة العامة، مقترح الموازنة العامة، موازنة المواطن، الموازنة المقرّة، وهذا الأمر سيؤثر بشكل سلبي وكبير على شفافية الموازنة العامة في فلسطين، مقارنة بالدول الأخرى، حتى الأقل شفافية في العالم.
ظهر خلال عام 2015 صراع على الصلاحيات بين وزارة المالية ووزارة الاشغال العامة والإسكان إضافةً إلى التباطئ في الاستعدادات الإدارية والمالية ما حال دون تفعيل قانون الشراء العام والابقاء على سياسة الاستثناءات والشراء المباشر فضلاً عن استمرار التوسع في قرارات الاستثناءات في الشراء المباشر ما أفسح المجال أمام الفرص المتزايدة للتكسب الوظيفي.
رغم توقيع فلسطين على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2014 إلا أن عدم نشر الاتفاقية حتى في مجلة الوقائع الفلسطينية عكَس عدم الجدية في تطبيق أحكامها بما يفتح المجال لبعض الفاسدين للإفلات من العقاب، فضلاً عن ذلك ظهرت تناقضات كثيرة في الواقع القانوني تنافي الاتفاقية الموقعة كإصدار قرار بقانون لإقرار الموازنة العامة دون مشاورات مجتمعية ما أضعف من الشفافية في إدارة المال العام، عدم إقرار تشريع حق الحصول على المعلومات، صدور عددٍ من التشريعات شكلت عاملاً سلبياً على النظام الوطني للنزاهة وشغل عددٍ من أعضاء المجلس التشريعي مناصب حكومية كرؤساء هيئات، وسفراء في إطار السلطة التنفيذية في مخالفة صريحة لقانون حقوق وواجبات أعضاء المجلس التشريعي، والنظام الداخلي للمجلس اللذين يتضمنان أحكاماً تمنع قيام عضو المجلس بالعمل في أية وظيفة تنفيذية باستثناء الوزير.
استمرت عام 2015 إدارة قطاع البترول والغاز دون تنظيم حيث ما زالت الهيئة العامة للبترول تدير تجارة المحروقات (البنزين، السولار، الغاز، الكاز، الزيوت) دون قانون ينظم عملها، إضافة إلى النتائج التي أظهرتها استطلاعات رأي المواطنين الفلسطينين بشأن الفساد ومكافحته والتي ما زالت تعكس انطباعا سلبياً وتعتبر تفشي الفساد ضمن أهم المشاكل الواجب معالجتها إلى جانب كل من البطالة والفقر والاحتلال والاستيطان.
تنوعت أشكال الفساد التي برزت عام 2015 بين شغل الوظائف العليا بناءً على العلاقات الشخصية على حساب الكفاءة والمهنية مروراً بجرائم فساد الأغذية التي تزايدت بشكل مستمر بسبب عدم نجاعة إعداد الملفات وعدم فعالية العقوبات، وازدياد جريمة الواسطة والمحسوبية والمحاباة والرشوة الصغيرة للحصول على تصاريح السفر والعبور او العلاج في الخارج بسبب الحصار ومحدودية الفرص المتاحة، وانتهاءً بإساءة الائتمان واستثمار الوظيفة العامة والاختلاس التي كانت أكثر القضايا التي تعاملت معها النيابة العامة عام2015، حيث أحالت 39 قضية فساد الى نيابة مكافحة الفساد، منها 36 قضية (92%) تتعلق بالقطاع العام والهيئات المحلية و3 قضايا تتعلق بالعمل الاهلي (4%).
وطالبت أمان من خلال تقريرها الحكومة الفلسطينية والجهات ذات العلاقة باعتماد خطة وطنية شاملة من قبل الحكومة لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد في فلسطين، تكون مبنيةً على أسس تشاركية ومتوافقٍ عليها ومعتمدةٍ وطنياً، وتتضمن آلية للمتابعة والتقييم لمدى الالتزام بالتنفيذ فضلاً عن مطالبة السيد الرئيس بتفعيل المجلس التشريعي وتمكينه من القيام بدوره التشريعي والرقابي والإسراع في تجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وجاء التقرير بعدد من التوصيات أبرزها: