آراء حرة

المواطن الفلسطيني وعقود الامتياز

المواطن الفلسطيني وعقود الامتياز

الشغل الشاغل للمؤسسات المعنية بحقوق المواطن والمستهلك عن ماذا سيتمخض تجديد رخصة شركة الاتصالات الفلسطينية ومدى إمكانية ضمان حقوق المستهلك في السعر والجودة وشمولية الخدمة للمناطق الجغرافية كافة، وهذا الانشغال أمر مبرر وضروري، خصوصاً ان الاتصالات حق أساسي من حقوق الإنسان، وبدون قطاع اتصالات قوي لن تستوي الحياة في ضوء تفجر ثورة المعرفة، فالخدمات المصرفية مرهونة بالاتصالات وكل الجهات التي تقدم خدمات إلكترونية او التعامل عن بعد، وكنا في العام 2000 نقول تخيلوا اننا ندخل بيت لحم 2000 ونحن لا نمتلك شبكة اتصالات قوية ومؤهلة، فعن اي 2000 نتحدث ساعتها.

السجال الدائر عن تجديد رخصة الاتصالات محق وطبيعي ولكن في غياب تدفق المعلومات يصبح الموضوع حديثاً دون معلومات تعزز هذا النقاش، وحتى توضع الأمور على السكة وضعنا محاور مهمة للنقاش في جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، أهمها أننا نتعاطى مع الموضوع في غياب المجلس التشريعي، كما كان غائبا عن لحظات منح الرخصة الأولى قبل عشرين عاماً مضت، لأنه لم يكن هناك أصلا مجلس تشريعي، في غياب الهيئة الفلسطينية لتنظيم قطاع الاتصالات يكون النقاش ضعيفا، غياب قانون المنافسة ومنع الاحتكار، غياب قانون ينظم منح الامتيازات والخصخصة.

الاهتمام بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتعويل عليه أمر بالغ الأهمية من ناحية وضع فلسطين على الخارطة التكنولوجية العالمية، ومن ناحية تشكيل بنية تحتية لبقية القطاعات في فلسطين، وهذا يمنحه ميزة تنافسية قوية ومصدر قوة وضرورة حيوية، لذلك مبرر النقاش حوله، وكنا نحب ان نكون جزءا من النقاش في مؤتمر ومعرض اكسبوتك، الا ان اتحاد شركات نظم المعلومات كان يصر ان يتحدث مع نفسه اولا ويضخ معلومات عن قوة عود القطاع للجمهور دون ان يكون الجمهور شريكا في النقاش، أو حتى الشركاء الافتراضيين من متلقي الخدمة شركاء في النقاش والحوار.

الميزة التنافسية لقطاع الاتصالات على بقية القطاعات أن الاتصالات تضخ أموالا سنويا في الخزينة دون ان تحمل الخزينة فلسا واحدا لتسديد مديونية او عجز، بينما تتحمل الميزانية عجزا متراكما سنويا ناتجا عن مديونية قطاع الكهرباء ومديونية قطاع المياه، ويظل الجهد الحكومي يصب باتجاه آلية ضبط قطاعي المياه والكهرباء ووقف الفاقد الفني والفاقد المالي وتأسيس شركات توزيع الكهرباء لتكون مسؤولة مهنيا عن هذا القطاع، الا أن هناك رفضا واضحا للالتحاق بهذه الشركات والإصرار على الإدارة البدائية لهذين القطاعين.

النقاش حول الاتصالات يدور حول أحقية منح الامتيازات، والسؤال المنطقي لماذا لم يطرح هذا السؤال بقوة عند الحديث عن عقد امتياز توليد الكهرباء في شمال الضفة الغربية ولاحقا في جنوب الضفة الغربية، وفي غياب المجلس التشريعي وفي غياب قانون المنافسة وفي غياب قانون منح الامتيازات والخصخصة؟ والأمر ينسحب على حق استخراج الغاز في حقل رنتيس مثلا. السؤال يتجدد اليوم عن حجم أرباح الاتصالات انسجاما مع حجم عوائد الخزينة من الرخصة، وكأننا نتعامل مع جمعية خيرية لا تريد أرباحا، وأستغرب لماذا لا يثار نقاش مثلا عن حجم أرباح البنوك وشركات الأدوية مثلا في الوقت الذي تقبض فيه البنوك على ودائع تصل 10 مليارات شيكل ويزيد مقابل إحجام عن الإقراض الإنتاجي والمشاريعي والتنموي، ولا يثار نقاش مثلا عن حجم رخصة المشغل الثاني للخلوي في فلسطين وعن حجم الأرباح.

يتجدد السؤال عن حق المنافسة في اللوازم العامة عندما يتخذ قرار باقتسام خطوط الهاتف الخلوي للوزارات بين المشغلين الاثنين بدلا من الاعتماد على التنافس في العروض بينهما لتحقيق الأفضل، وكان الهم الأكبر فتح المجال للتوازي على حساب المنافسة. اليوم اين نقف؟ الرئيس محمود عباس مؤهل للقيام بدور المجلس التشريعي للقضايا التي تحمل صفة الاستعجال، ورخصة الاتصالات واحدة منها، خصوصا ان عقدها انتهى، وبالتالي نقول ان افضل الشروط يجب ان تتحقق للخزينة وللمستهلك ولتطوير خدمات هذا القطاع والخدمات المرتبطة به. 

استخلاص العبر يتطلب معززات قانونية تعالج قضايا المنافسة وقضايا منح الامتياز والخصخصة. وبات ملحا اطلاق الهيئة الفلسطينية لتنظيم قطاع الاتصالات وعدم إطالة هذا الأمر اكثر. يجب ان نظل نضع أمام ناظرينا حديث الخبراء في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أننا أمام قطاع رغم ما يقال عنه، الا انه الأكثر تنظيما والأكثر تقدما ولا يشكل خسائر للخزينة ولا يحملها مديونية.

هذا لا يقلل من احقية الائتلاف الفلسطيني للمساءلة والشفافية "أمان" والهيئة المستقلة لحقوق الانسان وجمعية حماية المستهلك لنقاش هذا الملف ووضع وجهة نظرهم فيها حماية لحقوق من يمثلون. مطلوب اليوم بشكل واضح وضع حقوق الناس في هذا القطاع على رأس سلم الاولويات من حيث الاسعار وشمولية الخدمة وجودتها واستمراريتها.

*رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني [email protected]

* المصدر: صحيفة الأيام

**المقالات والآراء المنشورة تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي أمان
go top