أزمة الكهرباء في قطاع غزّة مفزعة كالاحتلال ومزمنة كالمفاوضات، وهي لا تحظى بالاهتمام الكافي من قبل المسؤولين الفلسطينيّين كما هي الحال بالنسبة إلى المصالحة الفلسطينيّة. وعلى الرغم من أنها أشبعت بحثاً، إلا أن هذه الكارثة ما زالت تطلّ علينا من وقت إلى آخر. وفي هذا التحليل، محاولة لتحديد الأسباب الاستراتيجيّة للأزمة واقتراح لسبل الحلّ.
بلغ حاجة قطاع غزّة من الكهرباء حالياً ما بين 350 و450 ميغاواطاً مرشّحة للارتفاع إلى 600 ميغاواط في حال رفع الحصار الإسرائيلي.ويتزوّد قطاع غزّة بالكهرباء من مصادر عدّة هي: شركة الكهرباء الإسرائيليّة الذي تورّد 120 ميغاواطاً، ومحطة التوليد في غزّة وقدرتها النظريّة 140 ميغاواطاً فيما يبلغ متوسّط إنتاجها 80 ميغاواطاً، وشبكة الكهرباء المصريّة التي تؤمّن نحو 20 ميغاواطاً. http://www.gedco.ps/ وهذا يعني إجمالي 230 ميغاواطاً. لذا يُسجَّل عجز دائم يتسبّب في انقطاع التيار الكهربائي 12 ساعة يومياً وفي توقّف حركة الصناعة والتجارة والمواصلات والخدمات البلديّة وجميع مناحي الحياة تقريباً في قطاع غزّة.
ويمكن تحليل أزمة الكهرباء من خلال هذه العناصر الأساسيّة:
محطّة توليد الكهرباء في غزّة هي المحطّة الوحيدة في الأراضي الفلسطينيّة. وقد بدأت إنتاجها في العام 2003 ضمن عقد أبرم مع السلطة الفلسطينيّة التي تتولّى مهمّة توريد الوقود اللازم للمحطة لقاء مبلغ مقطوع قدره 2.5 مليون دولار أميركي شهرياً. ويأتي ذلك في مقابل حرق الوقود لتوليد الكهرباء بغضّ النظر عن الإنتاج الفعلي للكهرباء. وحدّد هذا المبلغ نسبة للقدرة الإنتاجيّة النظريّة وهي 140 ميغاواطاً، وهو سقف لم تصله أو تقترب منه محطّة التوليد منذ إنشائها. ويبلغ متوسّط تكلفة شراء الكهرباء الواردة من إسرائيل نصف شيكل للكيلو واط الواحد، في حين يُحدّد متوسّط تكلفة إنتاج الكهرباء محلياً ما بين 1.5 شيكلاً شيكلَين اثنَين بحسب كميّة الكهرباء المولّدة. وتحقّق الشركة أرباحاً سنويّة من دون توقّف بمعدّل 10% من حقوق المالكين أي ثمانية ملايين دولار سنوياً.
أنشئت الهيئة العامة للبترول في العام 1994 وتمّ إلحاقها بمؤسّسة الرئاسة لغاية العام 2003 عندما ألحِقت بوزارة الماليّة. أوكلت الهيئة مهمّة الإشراف الحصري على قطاع البترول من استيراد وتصدير للنفط. ففرضت نفسها كوسيط إجباري ما بين الشركات الفلسطينيّة والسوق الإسرائيلي الذي كان مفتوحاً أمامها كلياً. ويدلّل تأسيسها على ممارسة واضحة لرأسماليّة الدولة، إذ تحوّلت السلطة الفلسطينيّة من مسهّل للأعمال إلى منافس في شروط منافسة غير عادلة. وقد شكّل ذلك عئباً مالياً وإدارياً كبيراً على هذه الشركات وعلى المواطن الفلسطيني على حدّ سواء. ويشير الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة-أمان في تقريره الصادر في نيسان/أبريل 2009 بعنوان "الهيئة العامة للبترول بين التقييم والتقويم" (منذ تأسيس الهيئة في العام 1994 ولغاية ضمّها إلى وزارة الماليّة في حزيران/يونيو 2003)، إلى أن الهيئة لم تحتكم في إدارة شؤونها وآليات عملها إلى قانون محدّد أو أنظمة معيّنة، ولم تتبع إلى أي من وزارات السلطة. وقد ترتّب عن تبعيّتها لمكتب الرئيس خروجها من دائرة الرقابة العامة والتشريعيّة، الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة حول إدارتها.
وتقوم الهيئة العامة للبترول بشراء جميع أنواع الوقود اللازم للأراضي الفلسطينيّة وتتقاضى ثمنها من الشركات الفلسطينيّة في مدّة أقصاها 45 يوماً، في حين أنها مَدينة للشركات الإسرائيليّة بـ 600 مليون شيكل (170 مليون دولار).
وقد امتنعت الهيئة العامة للبترول عن توريد الوقود اللازم للسوق الفلسطينيّة بحجّة ارتفاع مديونيّتها للشركات الإسرائيليّة. والسؤال المطروح هنا: لماذا تراكمت هذه الديون ولماذا لا تسدّد الهيئة أثمان الوقود التي تتقاضاها من الشركات الفلسطينيّة للمورّد الإسرائيلي مباشرة؟
قامت السلطة الفلسطينيّة في أوائل عهدها بتوقيع عقد شراء حصري للوقود مع شركة "دور" الإسرائيليّة. ثم وقّعت عقداً جديداً في أيار/مايو 2012 بقيمة 3.6مليار دولار مع شركة "باز" الإسرائيليّة لمدّة عامَين، ينتهي في تشرين الأول/أكتوبر 2014.
وتشتري الهيئة العامة للبترول نيابة عن الشركات الفلسطينيّة من إسرائيل الوقود الصناعي اللازم لمحطّة التوليد في غزّة. وتفرض إسرائيل ضرائب عديدة على الوقود سواء ما تبيعه لمواطنيها أو ذلك الذي تبيعه لأراضي السلطة الفلسطينيّة، من قبيل الضريبة على القيمة المضافة التي تبلغ 17% وضريبة أخرى يُطلق عليها تسمية "بلو" وتشمل مجمل الضرائب والرسوم التي تجبيها نيابة عن مؤسّسات حكوميّة مختلفة مثل الموصلات والأمن والبيئة والاستيطان. وتبلغ قيمة ضرائب "بلو" 110% من السعر الأساسي للوقود بعد التكرير، وهو 2.2 شيكلاً أي 0.62 دولاراً لكلّ لتر واحد من الوقود. تضاف إلى ذلك تكلفة النقل والإدارة والحراسة وغيرها من الضرائب. وبالتالي يرتفع سعر اللتر الواحد من الوقود الصناعي المباع لغزّة إلى5.7 شيكلاً (1.62 دولاراً) . وتسترجع السلطة الفلسطينيّة من خلال وزارة الماليّة ووفقاً لبرتوكول باريس الاقتصادي جميع الضرائب التي يدفعها الفلسطينيّون على مشترياتهم من إسرائيل، ضمن عمليّة المقاصة التي تتمّ شهرياً. وتقدَّر قيمة صافي المقاصة مع إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينيّة ما بين500و600 مليون شيكل شهرياً، وهو ما يغطّي نحو 40% من إجمالي موازنة السلطة الفلسطينيّة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن القانون الإسرائيلي يتيح للشركات والمصانع الإسرائيليّة استرجاع الضرائب ومن بينها ضرائب "بلو" كنوع من التشجيع والتحفيز للصناعة، في حين لا تقوم السلطة الفلسطينيّة بإرجاع ضريبة "بلو" والضرائب الأخرى إلى مواطنيها وشركاتها. لذا فإن الضرائب على الوقود تساهم بعوائد للسلطة الفلسطينيّة تقدّر بنصف مليار دولار سنوياً.
من الملاحظ أن التعامل مع أزمة إنقطاع الكهرباء في السنوات الماضية لم يتجاوز الحلول اليومية و المؤقتة ، وقد كانت مجال تنافس بين حكومتي السلطة الفلسطينية في رام الله و حماس في غزة حيث تتهم كل منها الاخرى بالتسبب فيها . لابد من مواجهة الأزمة بشكل إستراتيجي من خلال أسبابها الاساسبة و المشار إليها سابقا . فسخ العقد المبرم بين السلطة الفلسطينية و شركة التوليد مما سيوفر مبلغ 2.5 مليون دولار و توجيهها لشراء الوقود أو التيار الكهربائي ذاته بما سيخفض من تكلفة فاتورة الاستهلاك . كذلك مطالبة شركة محطة التوليد بإرجاع المبالغ الاضافية التي تقاضتها عن كهرباء لم تنتجها مطلقا . مع التأكيد على ضرورة أن يبادر النائب العام في السلطة الفلسطينية إلى إجراء تحقيق رسمي وشعبي لكشف الخفايا التي صاحبت توقيع هذا العقد و الذي يوصف بالعقد الجائر. يمكن للنائب العام أن يطلب من المجلس التشريعي الفلسطيني الملف الكامل لهذه القضية . في نفس السياق مطالبة أصحاب محطة التوليد بالتنازل عنها لمصلحة الشعب في قطاع غزة بسبب مظلومية العقد خاصة أن محطة التوليد قد استرجعت تكلفتها . و ذلك إسوة بالمليونير السعودي الوليد بن طلال الذي تخلى عن حصته في مشروع أراضي توشكى في جنوب مصر بسبب فساد العقد. من ناحية أخرى و تماشيا مع فلسفة الاقتصاد الحر التي تنتهجها السلطة الفلسطينية تحرير تجارة الوقود وتحديد دور الهيئة العامة للبترول بالرقابة على الجودة و المواصفات البيئية و الأسعار. من الضروري أن تتخلى حكومة حماس في غزة عن إدارة قطاع الكهرباء و الطاقة في غزة و إخراجه من دائرة الانقسام و الاستقطاب السياسي وذلك بخصخصته . كذلك زيادة كمية الكهرباء المشتراة من الشركة الإسرائيلية و بدء العمل على مد محطة الكهرباء في غزة بالغاز الفلسطيني الموجود في بحر غزة مما سيخفض فاتورة الكهرباء المولدة من محطة التوليد بحوالي 60% .
المصدر: AL-MONITOR website