الصحافة الاستقصائية

في ظل غياب الرقابة .. متواطئون يحرمون ذوي الاحتياجات الخاصة من المواصلات المتخصصة!

في ظل غياب الرقابة .. متواطئون يحرمون ذوي الاحتياجات الخاصة من المواصلات المتخصصة!

غزة : ميرفت عوف

قبل أربع سنوات، دخلت إلى قطاع غزة 174 مركبة مجهزة لخدمة المعاقين حركيًّا عبر قوافل فك الحصار؛ لترفع معاناتهم، وتوفر سبل الحياة الكريمة لهم، لكنها لم تصل إلى هذه الشريحة أو الجمعيات التي تُعنى بخدمتهم، بل بيعت كسابقاتها، أو مُنحت لوزارات وبلديات للتعامل مع واقع ما بعد الحصار، الذي منع دخول كافة أنواع المركبات باستثناء سيارات الإسعاف ومركبات خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة.

نتيجة لذلك يرزح 75% من ذوي الإعاقة الحركية، البالغ عددهم 20 ألفًا، تحت وطأة السجن في بيوتهم، وفق تقديرات مركز الإحصاء الفلسطيني، أو في 80 مركز رعاية وجمعية مختصة منتشرة في غزة؛ لعدم قدرتهم على استخدام المواصلات العامة.

الطالب عبد الكريم الجرناوي، مثلاً، مصاب بشلل نصفي منذ العام 2006، ويحتاج لأربع ساعات (ذهابًا وإيابًا) لقطع مسافة 12 كم أربع مرات أسبوعيًّا؛ كي يصل الكلية الجامعية بغزة حيث يدرس المحاسبة.

عبد الكريم، البالغ 23 عامًا، عندما يتجه لموقف السيارات في مخيم "النصيرات" حيث يقيم، يركب كرسيه المتحرك "الكهربائي"، ويجرُّ خلفه كرسيه المتحرك "العادي". سبب هذا التبديل أنه لا يوجد سيارة خدمة معاقين مزودة بالأدوات اللازمة لرفعه ونقله، ولا سيارة أجرة تتسع لكرسيه الكهربائي، وهو مضطر لاستعمال الكرسيين كي يمرَّ بسهولة في الطريق الترابية بين بيته وموقف السيارات وفي أروقة الكلية.

يزيد ألم هذا الشاب كثيرًا عندما يرى السيارات المؤهلة لنقل المعاقين تصطف أمام الجمعيات، وقد وضع عليها لافتة "للبيع".

معاناة الجرناوي، كغيره من ذوي الإعاقة الحركية، تعود إلى أن غالبية المركبات المجهزة التي أدخلت للقطاع: إما بيعت لأفراد بعد "تشليحها" من آليات تحميل وتنزيل ذوي الإعاقة الحركية، وتغيير صفة استعمالها، أو استحوذت عليها مؤسسات رسمية بموافقة الوزارات المعنية.

أما المؤسسات الرسمية المسئولة عن توزيع هذه السيارات، فتستخدمها لأغراضها، ولا تراقب عملية تحويل الملكية لبعضها، جراء ثغرات قانونية في قانون المعاق الفلسطيني لسنة 1999، وقانون الجمعيات الخيرية لسنة 2000.
وسط ذلك، يشكو 89.9% من ذوي الإعاقة، بشكل عام، البالغ تعدادهم 40 ألفًا، أنهم لا يجدون مركبات تنقل خاصة، وأكثر من 75% منهم لا يستطيعون استخدام وسائل نقل عامة، بحسب تقرير المركز الإحصائي الفلسطيني 2012.
وتشكِّل نسبة الإعاقة بين جرحى حرب الفرقان (العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008، والبالغ عددهم 1699 جريحًا) 4.25 % من ذوي الإعاقة في غزة.

  الأفراد ذوو الإعاقة 18 سنة فأكثر الذين لا يستخدمون المواصلات العامة حسب السبب (توزيع نسبي)

الأسباب

نعم

لا

لا أعرف

الخدمة غير متوفرة في منطقة سكناك

28.6

71.1

0.3

الخدمة غير متوفرة في الوقت الذي تريد

39.8

59.9

0.3

المواصلات العامة غير موائمة لاحتياجاتك

50.1

49.6

0.3

لا يعرف كيف يستخدم المواصلات

29.1

70.6

0.4

صعوبة التنقل من مواصلة إلى أخرى

85.2

14.6

0.2

الصعود والنزول من وسائل المواصلات

77.5

22.3

0.2

أخرى

8.1

89.9

2.0

 

 

 

 


        *المصدر: مركز الإحصاء الفلسطيني

 

تقديرات غير رسمية

 رصدت معدة التحقيق، بناء على مقابلات مع مسئولي قوافل فك الحصار، أعداد المركبات المخصصة لنقل ذوي الإعاقة الحركية القادمة للقطاع، في ضوء عدم توفر إحصائية رسمية بشأنها، وتبيَّن أنهخلال العامين 2011 و2012 أدخلت 174 سيارة خاصة بذوي الإعاقة الحركية (أميال من الابتسامات 14-6-2012) و(الوفاء 17-12-2012).

كما رصدت كاتبة التحقيق 10 سيارات مؤهلة لنقل ذوي الإعاقة عبر أرقام لوحاتها تبيَّن بالتقصي أنها تجوب شوارع قطاع غزة في غير غايتها الأساسية.

تمكنت كاتبة التحقيق من رصد 10 سيارات، وعبر تتبع لوحاتها تبيَّن أنها مؤهلة، لكنها لا تستخدم لنقل ذوي الإعاقة، وتحمل الأرقام التالية:
(3-3622-10 ) (3-0041-09 ) (3-0409-09 ) (3-0414-50) (3-0387-09) (3-0229-50) (3-0227-50) (3-0392-50) (3-4744-10 ) (3-1236-50 )

من بين المركبات العشرة، فإن سيارتين مؤهلتين تحملان رقمي (3-0229-50)، (3-0227-50) تقلان إداريي وزارة التربية والتعليم، على أن موظفًا في الوزارة - فضل عدم ذكر اسمه - يؤكد أنهما تقلان طلبة جمعية النور للمكفوفين (حكومية)، نافيًا تخصيصهما لنقل موظفي الوزارة.

الدفاع المدني، مكان آخر رصدت فيه مثل تلك السيارات، حيث وصلت إليه سيارتان مؤهلتان من وحدة الإمداد المركزي بمجمع أبو خضرة الحكومي. أحد كوادر الدفاع المدني - رفض الكشف عن اسمه – يقول: إن السيارتين اللتين أحضرتا ضمن قافلة النائب البريطاني المعارض جورج غالاوي غير فاعلتين لهم، وأنهم يطمحون إلى استبدالهما قريبًا".
بجوار مبنى مديرية الدفاع المدني، عاينت معدة التحقيق وجود جك لخدمة مركبات المعاقين ركن في إحدى الزوايا، وقد اعتلاه الغبار وتهالك معدنه بفعل الصدأ. هذا الجك تقدم ذوو الشاب أمير عنان (20 عامًا وهو مصاب بضمور في العضلات) بطلب لشرائه من قبل الدفاع المدني لتركيبه على متن سيارة يملكونها، فقوبل الطلب بالرفض لعدم وجود صلاحية بذلك لدى الدفاع المدني.
تتبعت معدة التحقيق قيام جمعيات تُعنى بشئون ذوي الإعاقة ببيع سيارات مؤهلة، أو التخلص من أجزائها وأدواتها المساعدة، بحجة عدم توافر ميزانية لتشغيلها.

يتمُّ إزالة المصعد الكهربائي للمركبة (جهاز تحكم ينزل إلى الأرض لحمل المعاق داخل السيارة بكرسيه المتحرك)، يُعرف محليًّا بـ"الجك"، ويتم بيعه على أنه "خردة" بثمن بخس 4000 شيكل (1000 دولار)، في حين أن سعره عندما يكون موجودًا بالسيارة 7000 دولار.

توصلت معدة التحقيق إلى أمثلة لمؤسسات تستغني عن الأجهزة المضافة لسيارات ذوي الإعاقة، ومنها: الاتحاد العام للمعاقين وبلدية الوسطى، اللتان برر المسئولون فيهما ذلك "بتكلفة الصيانة المرتفعة، ومرتب السائق والوقود".

أين تذهب السيارات؟

وزارتا المواصلات والداخلية وزَّعتا عددًا من المركبات المخصصة لذوي الإعاقة على مؤسسات حكومية، بعد تغيير هيكلها لتصبح "عادية الاستخدام"، بخاصة خلال فترة منع الجانب المصري (2007-2011) دخول أي من السيارات إلى القطاع إلا لذوي الحالات الإنسانية من إسعافات ومركبات للمعاقين.

وفي بعض الحالات سلَّمت تلك الوزارات جمعيات ذوي الإعاقة مركبات مؤهلة، لكن دون مراقبة لآلية استخدامها في نقل ذوي الإعاقة الحركية بعضها بيع لاحقًا للتجار منزوعة من جهاز رفع ذوي الإعاقة "الجك".

الشاب فضل شوبكي (29 عامًا) روى لمعدة التحقيق كيف حصل على سيارة مؤهلة فقال: "بينما كنت أمر بالقرب من إحدى الجمعيات المعنية بالمعاقين، لفت نظري مركبة رُكنت وكانت في وضع يُرثى له، تمكَّن أخي من شراء المركبة من المؤسسة بقيمة 7 آلاف دولار قبل عامين، وقمنا بإعادة صيانتها حتى تُصبح مناسبة للعمل، وأستخدمها حاليًّا في توزيع المواد التموينية على البقالات، نظرًا لاتساع المركبة من الداخل الذي يساعدني لوضع أكبر كمية من البضائع فيها".

يبرر الرجل شراء مركبة كانت مخصصة لأن تُقلَّ سبعة من ذوي الإعاقة إلى أماكن عملهم بالقول: "لم تكن المركبة في وضع جيد. نحن من أصلحناها، كانت مركونة بلا نفع عام أو خاص".
توصلت معدة التحقيق إلى أبي المعتصم (45 عامًا) الذي يملك إحدى المركبات المؤهلة لنقل المعاقين. اشتراها عام 2012 من إحدى بلديات المنطقة الوسطى، ثم حوَّلها لسيارة نقل طلاب مدارس نظرًا لسعتها الجيدة.
يقول أبو المعتصم: "عندما حصلت على تلك المركبة كانت رخصتها تنص على أن الحمولة ستة ركاب، ثم اضطررت لتغيير الهيكلية وإضافة بعض الكراسي عند الميكانيكي لتصبح الحمولة 10 ركاب، وبموافقة وزارة المواصلات".

في مقر البلدية التي باعت تلك السيارة المؤهلة، يقول أحد الموظفين - رفض الكشف عن اسمه: إن "إحدى الوزارات زودت البلدية بهذه المركبة، وطلبت منها تسليم (الجك) إلى وزارة المواصلات".

وكي تتمكن البلدية من البيع حصلت على "إذن بيع" من وزارة الداخلية بغزة؛ حيث ينص قانون الجمعيات على جواز البيع لأي شخص أو مؤسسة في حالة تقديم مبررات مقنعة لذلك؛ الأمر الذي أكدته مصادر في البلدية.

وعن أسباب البيع يوضح موظف البلدية (في اتصال هاتفي أجري معه في 5\8\2013): "بعد عام من استخدامها في نقل الموظفين وتلبية خدمات البلدية قررنا بيعها؛ لأنها لم تعد تناسبنا من حيث السعة والإمكانيات، على أمل أن نأتي بأفضل منها".

يقر رئيس الاتحاد العام للمعاقين، عوني مطر، أنه كمسئول في واحدة من أبرز الجمعيات المعنية بشئون ذوي الإعاقة حصل على مركبة من وزارة النقل والمواصلات كانت منزوعة "الجك والجير".

يوضح مطر (في مقابلة خاصة بمقر الاتحاد في 8\8\2013) أنه اضطر لعرض المركبة للبيع قائلاً: "عانينا كثيرًا من أجل إصلاحها، ثم أصبحت عبئًا على المؤسسة؛ كون تكلفتها فوق طاقتنا، حيث يزيد راتب السائق والصيانة عن 3000 شيكل شهريًّا". وللتخلص من هذه المركبة قدَّم مطر طلبًا لوزير المواصلات بالموافقة على البيع لتأتي الموافقة فيما بعد.

كيف تجري الصفقات؟

توصل هذا التحقيق إلى أن وزارتي الداخلية و"النقل والمواصلات" تعمدان إلى تغيير هيكلة غالبية المركبات - القادمة على شكل تبرعات من متضامنين في الخارج - ثم تبيعانها في السوق، أو توزِّعانها على الدوائر الحكومية لكي تُستخدم في نقل الموظفين. كما تشترك جمعيات خاصة في بيع ما يصلها من مركبات على حساب رسالتها الإنسانية، مُتذرِّعةً بعدم قدرتها على تحمل تكاليف تشغيلها وصيانتها، تاركة المنتفعين دون وسائط نقل متخصصة. 
وتحمِّل وزارةُ الداخلية وزارةَ النقل والمواصلات مسئولية متابعة عمل تلك السيارات في نقل ذوي الإعاقة، والتحقق من وجود الأدوات المتخصصة بهذه الشريحة، لكن وزارة النقل والمواصلات تؤكد من جانبها أن مهمتها تنحصر بالرقابة على تلك الجمعيات، فلا تشمل كيفية استخدام السيارة. أما وزارة الشئون الاجتماعية فتعزو المشكلة إلى فجوة في صلاحيات الوزارات أدت إلى قيام جمعيات بمشاريعها بعيدًا عن الرقابة الرسمية.
عن كيفية إجازة وزارة الداخلية لبيع هذه المركبات، يقول المختص بشئون ذوي الإعاقة، ظريف الغرة(مقابلة أجريت معه في مركز الهمم الشبابية بتاريخ 5\3\2014): "تعتَبِر الجمعياتُ هذه السيارات عبئًا، فتتقدم بطلب البيع لوزارة الداخلية التي لا تدرك أهمية مواصفات السيارة، وطالما أقر مجلس الإدارة بالجمعية البيع والتزم بإعلان ذلك بالصحف وبمواصفات المزادات؛ تتم الموافقة".


"الداخلية": لا حساب على المخالفات

تتقاسم مسئولية الأزمة التي يعانيها ذوو الإعاقة وزارتا الداخلية والمواصلات، لكنها تقع بشكل أكبر على وزارة الداخلية؛ لأنها هي من تمنح تلك الجمعيات التراخيص، وسيارات الجمعيات مسجلة لديها ضمن الأصول الثابتة للجمعيات، كما أنها مسئولة عن المراقبة المالية والإدارية على تلك الجمعيات. أما وزارة المواصلات فتشارك في جزئية محدودة، وهي منح ترخيص لهذه السيارة أو إعفائها جمركيًّا، بحسب المختص الغرة.

وفقًا لما تم التحقق منه، من مدير عام الإدارة العامة للشئون العامة والمنظمات غير الحكومية بوزارة الداخلية، ثروت البيك، لم تصدر خلال السنوات الخمس الماضية أية أحكام نتيجة مخالفات تتعلق ببيع سيارات مؤهلة من قبل الجمعيات، كون البيع يتم بإذن من وزارة الداخلية.

قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000 يُعرِّف "الوزارة المختصة" بأنها وزارة الداخلية؛ لذا فهي المسئولة عن معاقبة الجمعيات في حال الإخلال ببنود القانون.

وبحسب البيك (الذي التقينا في مكتبه بوزارة الداخلية في 20 مايو 2013)، فإن الوزارة تلزم الجمعيات بالحصول على أذن منها عند بيع أي شيء تملكه. وإذا ألزم المتبرع المؤسسة بأن تخصص المركبة لنقل المعاقين حركيًّا، ثم قامت الجمعية بمخالفة هذا الشرط؛ تصبح المؤسسة مُخالِفة وتحوَّل للتحقيق".

بالبحث والتقصي من قانونيين ومسئولين بقضايا ذوي الإعاقة، لم يعثر على سابقة أو وثيقة عن تلقي أي شكوى أو محضر بهذا الخصوص، ولم يحدث ولو مرة واحدة أن حققت النيابة أو الوزارة في صحة مبررات البيع التي تبديها المؤسسات. وبالبحث والتقصي في ملفات النيابة والجمعيات لم يتم العثور على أي دليل أو سابقة أو وثيقة عن تلقي النيابة أي شكوى بهذا الخصوص.

"العدل" تلقي بالكرة في ملعب "الداخلية"
 
يلقي المساعد القانوني في وزارة العدل، شعبان المبيض، باللوم على وزارة الداخلية باعتبارها المسئولة عن إلزام الجمعيات باستخدام المركبات المؤهلة في نقل ذوي الإعاقة الحركية استخدامًا مُجديًا.

يقول المبيض (الذي التقيناه في مقر اتحاد المعاقين بتاريخ 5\9\2013 ): "إن عملية بيع سيارات خدمة ذوي الإعاقة في الغالب تتم بموافقة مجلس إدارة الجمعية ووزارة الداخلية، لكنه إذا اكتشف أنه تم بدون علمهما، وعلى مسئولية أحد موظفي الجمعية؛ فإن هذا يعد مخالفة قانونية توجب تحذير وزارة الداخلية للجمعية بتسوية الأمر خلال ثلاثة شهور، وإذ لم يتم ذلك تُحلُّ الجمعية، أو يعاقب الشخص الذي قام بالبيع".

"لا يوجد قانون يفرض استخدام تلك السيارات فيما خصصت له، فالأمر يقتصر فقط على معاقبة من يبيع تلك السيارات دون أذن من وزارة الداخلية بغزة"، على ما أكده المبيض.

ويوضح أن هذا يعد "جنحة" يمتد فيها السجن من أسبوع إلى ثلاث سنوات. وقد يحدث أن يبيع المسئول المركبة ويتفق مع المشتري أن تبقى مسجلة باسم الجمعية، وهذا يعني أن كلا الطرفين "سيئ النية"، حسب تعبير المبيض.

ويدعو المبيض وزارة الداخلية إلى إلزام الجمعيات باستخدام المركبات المؤهلة في نقل ذوي الإعاقة، رغم أن القانون الفلسطيني لم ينص على ذلك.


النقل والمواصلات تنفي

مدير عام الشئون الفنية بوزارة المواصلات، المهندس حسن عكاشة، المسئول الأول عن منح الموافقة لتغيير هيكلية المركبات، يرد بالنفي على الاتهام بكون وزارة الموصلات ساهمت بتغيير هيكلية المركبات المؤهلة؛ بازالتها للأدوات المساعدة في الرفع والتثبيت للسيارة المُسَلَّمة للبلدية.

يقول المهندس حسن عكاشة: "من تواصل معنا للحصول على هذه الأجهزة المساعدة التي تضاف لسيارات ذوي الإعاقة نقول له: تفضل، تلك الأدوات توجد في مخازن الحكومة، مفكوكة عن المركبات المؤهلة، بعد أن استغنت عنها مؤسسات ذوي الإعاقة بمحض إرادتها".

ويضيف: "نرحب بأي مؤسسة تريد تغيير هيكل المركبة ليكون مؤهلاً لذوي الإعاقة. أما عكس ذلك فلا يتم الاستئذان منا"، إلا أن عكاشة يقر بوجود تقصير وخلل في متابعة المؤسسات التي حصلت على هذه السيارات وكيفية استخدامها، والتصرف بها.

فجوة بين "الشئون الاجتماعية" والجمعيات

حسب قانون الجمعيات الفلسطيني تقع مسئولية متابعة عمل الجمعيات إداريًّا وماليًّا ومهنيًّا وفنيًّا على عاتق وزارة الشئون الاجتماعية في قطاع غزة.

وفي هذا السياق، يقر مدير عام الجمعيات سابقًا في الوزارة، أسامة شرف، بوجود فجوة بين عمل الجمعيات ووزارة الشئون الاجتماعية بسبب سياسة ما أسماه "العهد الماضي" (أي قبل الانقسام الفلسطيني عام 2007). هذه الفجوة أدت - كما يقول - إلى قيام الجمعيات بمشاريعها بعيدًا عن الوزارة، ويضرب مثالاً على ذلك: "عندما تستلم الجمعية مركبة من جهة داعمة لا نكتشف الأمر إلا إذا لجأت إلينا للتخليص الجمركي"!

ويشدد شرف على أنه في حالة الإبلاغ عن جمعيات تبيع المركبات المؤهلة لتجار أو غيرهم، تقوم وزارة الشئون الاجتماعية برفع الأمر إلى وزارة الداخلية لمعاقبتها.

معاناة مستمرة

جمعية السلامة الخيرية لرعاية الجرحى وذوي الإعاقة الحركية من أحوج المؤسسات لمركبات مؤهلة، فهذه الجمعية مسجل بها 12 ألف جريح، بينهم 750 يعانون من إعاقة حركية، ويحتاج 1200 من أعضائها لمراجعات طبية وزيارات إلى عيادات ومراكز علاج طبيعي.

مسئول العلاقات العامة في الجمعية عبد الله الحجار، يشتكي من أن الجمعية تمتلك مركبة وحيدة مؤهلة لخدمة منطقة غزة والشمال، حملتها قافلة "أميال من الابتسامات" قبل أربع سنوات، وتُستخدم المركبة في نقل ذوي الإعاقة الحركية المسجلين لدى الجمعية؛ بهدف المشاركة في أنشطتها. 
يتحدث الحجار عن "سخط" الجرحى نتيجة عدم التمكُّن من نقلهم، فهم بحاجة دائمة للوصول للمستشفيات، وتتطلب العديد من الحالات بقاءها أثناء التنقل على كرسيها المتحرك أو على السرير. ويضيف: "نضطر أحيانًا لاستئجار أشخاص لنقل ذوي الإعاقة من الجرحى على الأكتاف حتى يوضعوا داخل المركبات العادية. وهذا يضر كثيرًا بصحتهم".

منير الميناوي (49 عامًا)، أحد المسجلين لدى جمعية السلامة الخيرية، يحتاج لسيارة مؤهلة تقله للمستشفى، لكن الجمعية لا تتكفل بذلك؛ مما اضطره لتقليص زياراته إلى مؤسسة الإغاثة الطبية ومستشفى دار الشفاء لمرة في الأسبوع بدلًا من ثلاث.
يعاني هذا الرجل من شلل نصفي منذ إصابته عام 2007. ومنذ ذاك الوقت يعتمد على تأجير سيارة على نفقته الخاصة. يقول الميناوي: "ركوبي في سيارة غير مجهزة يؤذيني، وكثيرًا ما يحدث لي أثناء الصعود تشنجات عصبيَّة، لا أحد يتحمل حاجتي قليلاً للانتظار بعد هذه التشنجات. السائق يلح عليَّ بإنهاء الأمر كي يتحرك، وهذا ما يحرجني، والأقسى أن يشير "لي بالرفض فقط لصعوبة صعودي ونزولي من سيارة الأجرة".

الفتاة الفلسطينية نور غانم )16 عامًا(، المقعدة بشلل رباعي، حُرمت من الذهاب للمدرسة منذ عامين لأنها لم تجد مركبة واحدة مؤهَّلة تُقلُّها بكرسيها المتحرك إلى مقعدها الدراسي.

والد هذه الفتاة بات عاجزًا عن حمل جسدها المشلول الثقيل، بعد أن اعتاد على ذلك لمدة تسع سنوات، عقب إصابته بإنزلاق غضروفي.

الخروج من عنق الزجاجة

للخروج من الوضع المرير الذي يعانيه يوميًّا آلاف المعاقين يدعو المختص بشئون ذوي الإعاقة، ظريف الغرة، لإسناد مهمة توزيع ومتابعة وإلزام الجمعيات باستخدام سيارات نقل المعاقين إلى مؤسسة حكومية مؤهلة، ويقول: "عند الترخيص أو البيع لا يوجد فني مختص من وزارة الداخلية يشير لأهمية كون المركبة مؤهلة لذوي الإعاقة، كما أن الوزارة تفتقر لإدراك أهمية السيارة".

وفقًا للغرة المختص بشئون ذوي الإعاقة، فالمشكلة الأكبر لدى جمعيات ذوي الإعاقة أن قانون المعاق الفلسطيني لا يُلزم الحكومةباستخدام هذه المركبات في نقل ذوي الإعاقة، بل يكتفي بتهيئة الطرق لهم، وفق المادة (16) في قانون المعاق الفلسطيني رقم (4) لسنة 1999.

المادة(16):
تعمل وزارة المواصلات على تهيئة البيئة المناسبة لتسهيل حركة المعوقين، إضافة إلى منح تخفيضات خاصة في وسائل النقل العامة لهم ولمرافقيهم.

من جانبه، يسلط المساعد القانوني في وزارة العدل الفلسطينية، شعبان المبيض، الضوء على قانون المعاق الفلسطيني الذي لا يُلزم وزارة الداخلية بمراقبة استخدام الجمعيات للكيفية والأغراض التي تستخدم فيها سيارات نقل ذوي الإعاقة الحركية.

ويضيف: "من المفروض أن يكون هناك إلزام من وزارة الداخلية للجمعيات باستخدام المركبات المؤهلة في نقل ذوي الإعاقة الحركية استخدامًا مجديًا، لكن للأسف القانون الفلسطيني لم ينص على ذلك، ولم يطالب به بسبب ظروف الانقسام".

ويقرُّ مدير عام الشئون الفنية بوزارة المواصلات، المهندس حسن عكاشة، بأن هناك إشكالية في ثقافة المؤسسة التي ترعى ذوي الإعاقة الحركية، وتستغني عن الأدوات المساعدة، ويقول (في مقابلة أجريت معه في 17 مايو 2013 في مكتب بمقر وزارة المواصلات): "هناك تقصير وخلل في متابعة من حصل على هذه السيارات وكيفية استخدامها"، ويرى أن هناك حاجة لتكاتف الجهود ما بين مؤسسات ذوي الإعاقة والوزارات (الشئون الاجتماعية، المواصلات، والداخلية)، لإيجاد وسائل نقل عام لذوي الإعاقة.

وفي الوقت الذي تتواصل فيه عملية تغيير هياكل السيارات المخصصة لنقل ذوي الإعاقة الحركية،)وسياسة عدم استخدامها لغاياتها الأساسية، يبقى الآلاف منهم بلا سيارات مجهزة تقلهم، وهذا ما أجبر عائلة الشاب أمير عنان (20 عامًا، الذي يعاني من ضمور في العضلات على تحمل تكلفة وصلت إلى 8 آلاف دولار من أجل تحويل سيارة عادية إلى سيارة مؤهلة تمكِّن أميرًا من استكمال دراسته لدبلوم الوسائط المتعددة في الكلية الجامعية بغزة. وما زالت عملية تأهيلها مستمرة.

أمير - الذي اشتهر بصفته أول من عمل مصممًا بتقنية "ثلاثي الأبعاد" في غزة - يضطر الآن للانتظار أكثر من ساعتين حتى يتمكن مكتب التاكسي من توفير إحدى سياراته التي تتسع بالكاد لكرسيه المتحرك.

*تم نشر هذا التحقيق بدعم من شبكة أريج (صحافيون عرب من أجل صحافة استقصائية).

go top