آراء حرة

الحكومة "تنتهك" ضمانات استقلال ديوان الرقابة وحصانته

الحكومة "تنتهك" ضمانات استقلال ديوان الرقابة وحصانته

بقلم: جهاد حرب

أثار قرار مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة الاسبوع الماضي بتنسيب احالة رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية الى التقاعد مسألتين، الاولى: مدى قانونية هذا التنسيب أو انسجامه مع النصوص القانونية المتضمنة في قانون ديوان الرقابة المالية والإدارية رقم 15 لسنة 2014، والثانية: الاسباب الداعية لاتخاذ مثل هذا القرار.

في المسألة الاولى من الواضح أن مجلس الوزراء لم يدرك النص القانوني القاضي باستقلالية الديوان، أو دوره في تعيين رئيس الديوان وفقا لأحكام القانون الاساسي وقانون ديوان الرقابة المالية، وبدا أن مجلس الوزراء يطبق القاعدة العامة من يمتلك حق التعيين يمتلك حق الاقالة على حالة المتعلقة بتنسيب رئيس الديوان التي يمنحه اياها نص المادة الرابعة من قانون الديوان وهي حالة خاصة، ومعلوم لدى أهل العلم والقانون أن الخاص يقيد العام.

وينبغي أن يُقرأ نص البند الاول من المادة الرابعة، القاضي بتنسيب مجلس الوزراء رئيس ديوان الرقابة، كمتممة لنص المادة 46 من القانون الاساسي للسلطة الفلسطينية "يساعد مجلس الوزراء الرئيس في أداء مهامه وممارسة سلطاته على الوجه المبين في هذا القانون الأساسي"، ومحققة للنص الدستوري في المادة 96 من القانون الاساسي التي تنص على أنه "يعين رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية بقرار من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية وبمصادقة المجلس التشريعي الفلسطيني".

وقد جاء نص المادة السابعة من قانون الديوان لتحدد مسؤولية رئيس الديوان أمام رئيس السلطة والمجلس التسريعي قصرا وحصرا ما يمنع مجلس الوزراء من التدخل في عمل الديوان أو محاولة مساءلته. وجاءت المادة العاشرة من نفس القانون لمنح رئيس الديوان الحماية وضمانات الاستقلالية عند نصها على عدم القدرة على عزل رئيس الديوان لأي سبب من الاسباب إلا بموافقة أغلبية خاصة في المجلس التشريعي (اغلبية مطلقة للمجلس) من ناحية، وأن مدة  رئاسة الديوان سبع سنوات لفترة واحدة غير قابلة للتجديد، ناهيك عن الحصانة التي يتمتع بها رئيس الديوان وموظفوه بالحصانة عن كل ما يقوم به من أعمال تتعلق بتنفيذ مهامه بموجب احكام المادة الحادية عشر من قانون ديوان الرقابة المالية والإدارية.

أما الادعاء أو الاحتجاج بأن هناك حالة ضرورة لا تحتمل التأخير تنطبق عليها احكام المادة 43 من القانون الاساسي يبدو أنه استخدام مغلوط لهذه الاداة القانونية، فأي حالة ضرورة لا تحتمل التأخير لإقالة رئيس الديوان الذي لم يمكث في منصبه عامين، فقد تم تعيين د. سمير أبو زنيد في 21/6/2012، وهو انتهاك للضمانات التي منحها اياه القانون من ناحية، واستخدام لأداة قانونية في غير محلها من ناحية ثانية، كما أن عزل (تنسيب الاحالة للتقاعد) رئيس ديوان الرقابة المالية يحتاج لتبرير اسباب هذا العزل الذي من المفترض، حسب القانون، أن تتم مناقشتها في جلسة المجلس التشريعي العلنية لإطلاع العامة على اسباب العزل، وفي هذا الشأن لا ينطبق عدم تبرير مجلس الوزراء لهذا القرار اذا ما سلمنا ان له حق باتخاذ هذا القرار من ناحية ثالثة. وعدم الاعتداد بسابقة احالة رئيس الديوان السابق للتقاعد من قبل مجلس الوزراء فهي أيضا خرق فاضح للقانون آنذاك من ناحية رابعة.

وفي المسألة الثانية المتعلقة بأسباب اتخاذ مجلس الوزراء هذا القرار فإنها لا تعدو، بعد الاستقراء والتدقيق والتمحيص لما كتب وبعد قراءة ما بين السطور، أو تخرج عن احد سببين لا ثالث لهما: الاول اعداد الديوان لتقرير يتعلق بتصرفات بعض الوزراء فيما يتعلق بالتعيينات على ملاكهم وعدم خضوعها لقواعد القانون العام ونصوصه أو قرار مجلس الوزراء المتعلق بتعيين مدراء مكاتب الوزراء مما أغضب وأزبد وأرعد بعض الوزراء لما اصابهم من تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية حيث تلاقت المصالح باتخاذ قرار في مجلس الوزراء على الرغم من أنه غير قانوني.

والثاني: تصريحات رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية لوسائل الاعلام حول وجود قضايا فساد في بعض الوزارات والهيئات المحلية والتي تم تحويل هذه الحالات لهيئة مكافحة الفساد.

هذان السببان يدلان على مهنية ديوان الرقابة المالية والإدارية لقيامه بواجبه المهني والوظيفي بحكم نصوص القانون الخاص بالديوان واختصاصاته. حيث نصت مقدمة المادة 23 التي تحدد اختصاصات الديوان على أنه " يهدف الديوان إلى ضمان سلامة العمل والاستقرار المالي والإداري في السلطة الوطنية بسلطاتها الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وكشف أوجه الانحراف المالي والإداري كافة بما فيها حالات استغلال الوظيفة العامة والتأكد من أن الأداء العام يتفق مع أحكام القوانين والأنظمة واللوائح والقرارات والتعليمات النافذة وفي حدودها وأنه يمارس بأفضل طريقة وبأقل تكلفة ممكنة" هذا فيما يتعلق بالتقرير الخاص بتعيينات مدراء مكاتب الوزراء والعهد التي بحوزتهم.

أما فيما يتعلق بالتصريحات الصحفية يبدو أن مجلس الوزراء لا يَعْلم أن تقرير الديوان يجب نشره في الجريدة الرسمية وفقا لأحكام المادة 8 من قانون ديوان الرقابة المالية والإدارية، أي أن الديوان ملزم بالتصريح بما جاء فيه من ناحية، وأن الحكومة ملزمة بنشر التقرير كاملا في الجريدة الرسمية هنا نسجل تقصير مجلس الوزراء في نشر التقرير والذي هو أيضا انتهاك لقاعدة قانونية آمرة من ناحية ثانية. وقد أحسن رئيس الديوان في تصريحاته لوسائل الاعلام عن بعض مما احتواه التقرير السنوي عن اعمال الديوان في الرقابة على مؤسسات السلطة الفلسطينية. كما نشجع رئيس الديوان على عقد مؤتمر صحفي بشكل سنوي لعرض محتويات التقرير السنوي للديوان بشكل منتظم لتعزيز الشفافية والنزاهة في العمل العام والأهلي، وإظهار مدى  جدية مؤسسات الرقابة في السلطة الفلسطينية، ومدى التزام مؤسسات السلطة الفلسطينية في احترام سيادة القانون وحرصها على ادارة المال العام بشقيه المالي والإداري. هذا الامر ما ينتظره الجمهور الفلسطيني بشوق.

أعتقد جازما أن مجلس الوزراء قد أخطأ في قراره، المتعلق بتنسيب احالة رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية للتقاعد، الاسبوع الماضي. لكن أيضا أعتقد أن مجلس الوزراء لا يفوته تصويب الخطأ بدلا من تكريس خرق القانون وانتهاك ضمانات استقلال الديوان.

**المقالات والآراء المنشورة تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي أمان
go top