أشارت نتائج الدراسة إلى متغيرات خطيرة في المجتمع، وهي أن نسبة 77 بالمئة يرون أن هناك انتشاراً لظاهرة الرشوة في المجتمع، مقابل نسبة 8 بالمئة ترى عدم انتشار الرشوة بالمجتمع، و15 بالمئة لا أعرف، وهو ما يعد ناقوسا للخطر، يدق في قلب المجتمع، وليس على أبوابه، فالرشوة وغيرها من الأمراض الاجتماعية تعد من الأمراض التي تأكل المجتمع من الداخل، وتعمل على انهياره وهدمه، ومن هنا يجب الانتباه إلى نتائج هذه الدراسة التي تعطي العديد من المؤشرات على ظاهرة من الظواهر السلبية، التي بدأت تنتشر، وتتعدى معدلاتها الخط الأحمر للخطر.
أسباب انتشار الظاهرة
أما عن أبرز أسباب انتشار ظاهرة الرشوة، فقد أشار المشاركون في الدراسة إلى أن انتشار الفساد الإداري في الكثير من المؤسسات هو السبب الأساسي والرئيسي لظاهرة الرشوة، وهو ما يدل على أهمية قيام ثورة إدارية، حتى تكون البلاد قادرة على معالجة الأخطاء بشكل ذاتي وتلقائي، وقد حاز عامل الفساد الإداري نسبة 68 بالمئة بدرجة كبيرة جدا.
ضعف المبادئ والقيم
من الأمور الخطيرة، التي أظهرتها الدراسة أيضاً، إرجاع ظاهرة الرشوة إلى ضعف المبادئ والقيم في المجتمع، وهي زاوية أخرى تتناولها الدراسة، تدل على ترابط الظواهر الاجتماعية وتشابكها، وتؤكد ضرورة قيام المجتمع بمراجعة منظومة القيم التي تواجه متغيرات شديدة، أدت إلى ضعف بعض القيم والمبادئ في المجتمع، وهو الأمر الذي يحتاج إلى دراسة متخصصة ومستقلة تتناول هذا الجانب وأسبابه وظواهره الاجتماعية، وقد أشار المشاركون في الدراسة إلى أن ضعف القيم والمبادئ في المجتمع يؤثر على انتشار ظاهرة الرشوة بدرجة كبيرة جدا بنسبة 58 بالمئة، وبدرجة كبيرة بنسبة 19 بالمئة، وبدرجة متوسطة بنسبة 15 بالمئة.
قلة الوازع الديني
التدين دائماً ما يرتبط بالظواهر الاجتماعية الإيجابية، ومحاربة الظواهر السلبية، كالرشوة والفساد وغيرها من الأمراض الاجتماعية، التي أكد الدين الإسلامي خطورتها، وتهديدها التوازن الاجتماعي، وإدانة ممارس هذه الأفعال أشد الإدانة، وجاء عامل «قلة الوازع الديني» في المرتبة الثالثة ضمن أسباب انتشار الرشوة في الكويت، بدرجة كبيرة جداً بنسبة 38 بالمئة، وبدرجة كبيرة بنسبة 19 بالمئة، وبدرجة متوسطة بنسبة 35 بالمئة.
البيروقراطية والروتين
النظم البيروقراطية والروتينية العقيمة تقتل الإبداع، وتدمر المبدعين، والأكثر من ذلك، توفر الأرض الخصبة لانتشار الرشوة والفساد، فكلما كانت الإجراءات معقدة ومربكة وتحتاج إلى العديد من الخطوات والوقت لإنجاز المعاملات، كلما كان المجال مشرعا للأبواب الخلفية، والطرق الملتوية لإنجاز المعاملات، ومن هنا يصبح المناخ خصباً للرشوة والفساد وغيرها من التصرفات السلبية والخاطئة. لذلك احتلت المرتبة الرابعة ضمن أهم أسباب انتشار الرشوة والفساد في المجتمع بدرجة كبيرة جداً بنسبة 27 بالمئة، وبدرجة كبيرة بنسبة 34 بالمئة، وبدرجة متوسطة بنسبة 23 بالمئة.
العوز أو الاحتياج المادي
في المرتبة الأخيرة لأسباب انتشار الرشوة في المجتمع جاء عامل «الاحتياج المادي لمتقاضي الرشوة بدرجة كبيرة جداً بنسبة 23 بالمئة، وبدرجة كبيرة بنسبة 20 بالمئة، وبدرجة متوسطة بنسبة 13 بالمئة، وبدرجة ضعيفة بنسبة 17 بالمئة، وبدرجة ضعيفة جداً بنسبة 27 بالمئة، ومن اللافت للنظر أن السبب الأخير حاز معارضة كبيرة من المشاركين في الدراسة، حيث حاز نسبة أكبر في معدل ضعيف جداً، وهو ما يؤكد أن المشاركين في الدراسة لا يوافقون على أن يكون الاحتياج المادي مبرراً وسبباً لتقاضي الرشوة، وهو أمر جيد يجب العمل عليه من خلال تعزيز القيم الإيجابية في المجتمع والتأكيد عليها من خلال الممارسات العملية اليومية.
خطورة نتائج الدراسة
جاءت إجابة السؤال الرابع في الدراسة لتؤكد خطورة نتائج الدراسة والمؤشرات التي يجب الانتباه إليها في المجتمع، وضرورة التصدي لظاهرة الرشوة بالسبل كافة، فكان السؤال هو: هل تعرف أي شخص قام بتخليص معاملاته عن طريق الرشوة من قبل؟ كانت النتائج كالتالي: أعرف أكثر من شخص بنسبة 62 بالمئة، وأعرف شخصا واحدا على الأقل بنسبة 23 بالمئة، ولا أعرف كانت النسبة الأقل، وهي 15 بالمئة من مجموع المشاركين في الدراسة.
إجابة غير متوقعة
اشتملت الدراسة على سؤال تأكيدي وإسقاطي، لمعرفة مدى صدق المشاركين بالدراسة، وكان السؤال هو: هل قمت بتخليص إحدى معاملاتك عن طريق الرشوة من قبل؟
الغريب أن هناك عددا من المشاركين أجاب بالإيجاب (نعم) بنسبة 12 بالمئة، مقابل 88 بالمئة أجابوا بالنفي (لا)، وهو ما يدل على أن البعض أصبح يرى الرشوة طريقاً لتخليص المعاملات والأشغال بغض النظر عن خطرها وأضرارها، وكونها ظاهرة سلبية تضر المجتمع، وهو ما يفسر العوامل الأخرى التي تؤدي إلى انتشار ظاهرة الرشوة في المجتمع، حيث أشار المشاركون إلى أن هناك أسبابا أخرى لانتشار الرشوة، وهي ما أسموه بـ»تبادل المصالح» أو «تبادل المنافع»، فالبعض اختار للرشوة اسما آخر، حتى يجد لنفسه المبرر والمسوغ لتخليص معاملاته عن طريق الرشوة، وهو ما يهدد القيم الاجتماعية الأساسية والأصيلة في المجتمع.
دفع الثمن
واستطرد: «المخيف في الرشوة، أن الكل يدفع الثمن، فالمجتمع يسير عكس أبجديات القانون، والمادة تطغي على كل نواحي الحياة، وحقوق الفقراء والضعفاء تضيع، والظالم اليوم مظلوم غداً، والقيم والمبادئ تندثر، وما يراه الناس هيناً من الرشوة وغيرها، هو أمرٌ كبير ويدمر أركان المجتمع.
الحلول
أما عن أبرز الحلول، فقد أشار الموسوي إلى ضرورة وضع أنظمة إدارية مرنة تسمح بسهولة تخليص المعاملات، والبعد عن التعقيد الإداري، وإنجاز المعاملات بسهولة ويسر، إضافة إلى تنظيم الحملات من أجل إحياء القيم وإيقاظ الضمائر، والتركيز على الجوانب التربوية الإيجابية في الشخصية، وتعزيز مبادئ الولاء والانتماء للوطن وللعمل، مع توضيح أساليب التعامل المجتمعي الصحيح مع الراشي والمرتشي، وأن تتم حملات التوعية من خلال العديد من القنوات التي تشمل المدارس والمساجد ووسائل الإعلام، ومختلف الوسائل التي تعمل على تنبيه الرأي العام بخطورة ظاهرة الرشوة وتأثيراتها السلبية على المجتمع.
* جمعية الشفافية الكويتية