آخر الأخبار

فساد لبنان: الدمى لا تزال مسيطرة 4 مليارات دولار تكلفة الفساد السنوي

فساد لبنان: الدمى لا تزال مسيطرة  4 مليارات دولار تكلفة الفساد السنوي
في عام 2001، قدّرت الأمم المتّحدة كلفة الفساد في لبنان بـ1.5 مليار دولار سنوياً (10% من الناتج حينها). بعد 10 سنوات على هذا التقدير، لا تزال البلاد على الأرجح حيث كانت، إلا أن الكلفة باتت تبلغ 4 مليارات دولار. ماذا حدث في لبنان على صعيد مكافحة الفساد خلال 20 عاماً بعد الحرب وسواد تجربة الحفاظ على السلم الأهلي على حساب الشفافيّة والإدارة الرشيدة والأمينة للأموال العامّة؟ يُطرح هذا السؤال، الذي قد يبدو عبثياً للكثيرين، مع صدور دراسة البنك الدولي، «الدمى الصوريّة: كيف يستخدم الفاسدون الكيانات القانونية لإخفاء الأموال المسروقة، وماذا يُمكن فعله حيال ذلك». تورد الدراسة أمثلة كثيرة من جميع أصقاع الأرض (150 حالة في الإجمال جرت دراستها) لتبحث الصلة بين الفساد على نطاق واسع من جانب كبار الموظّفين العموميّين وإخفاء الأموال المسروقة من خلال شركات وهمية ومؤسّسات وصناديق ائتمانية غير شفافة. هناك سمات مشتركة بين الحالات التي تتعرّض لها الدراسة: أوّلاً، استُخدمت شركات أو مؤسسات على نحو ملتوٍ لإخفاء أثر الأموال المسروقة. ثانياً، ثمار الفساد، من سيولة وأدوات مالية، تمثّلت بأرصدة مصرفية. ثالثاً، في الحالات التي ظهرت فيها معلومات عن صاحب الشركة أو المؤسّسة، يتضح أن تلك الشركة تأسست أو أديرت عبر وسيط محترف. في الواقع، يُمكن إدراج تجربة «بنك المدينة» على أنّها المثال اللبناني الأبرز في هذا الإطار؛ ففي لعبة الفساد وتبييض الأموال هذه، التي لسبب أو لآخر تجاهلتها السلطات النقدية، وصلت قيمة الأموال المبيضة المُعلَنة إلى مئات ملايين الدولارات. ولكن سبحة الأمثلة تكرّ بسرعة في كافّة القطاعات والمؤسّسات العامّة (من البنى التحتية إلى الإعانات في أوقات الأزمات). عموماً، ووفقاً لمؤشّر مدركات الفساد الذي تُعدّه مؤسّسة الشفافية العالمية، كانت مرتبة لبنان الـ127 بين 178 بلداً في عام 2010، بعلامة إدراك الفساد بلغت 2.5 نقطة (الصفر يعني فساداً مطلقاً و10 تعني لا فساد على الإطلاق). وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حلّ لبنان في المرتبة الـ14 أمام سوريا وإيران وليبيا واليمن والعراق مباشرة. واللافت أنّه في عام 2003، حين بدأ قياس أداء لبنان، كان المؤشر عند 3 نقاط لتحلّ البلاد في المرتبة الـ78 عالمياً. ويتضح من نمط تطوّر مؤشر لبنان ووضعيته خلال 8 سنوات، أن بلداناً أخرى تقدّمت فيما تراجع هو، أو بالحدّ الأدنى بقي مكانه. وهو وضع مخز فعلاً (لكنه حتمي ربما بسواد النظام الطائفي ومعايير المحاصصة)، نظراً إلى مدى عرقلة الفساد للازدهار الاقتصادي. ففي دراسة بعنوان «الفساد والنمو الاقتصادي في لبنان»(AARES, 2008)، يتوصل الباحثان موي فريدة وفريدون أصفهاني، إلى الخلاصة الآتية: «يتضح أن الفساد يكبح الاقتصاد من استغلال إمكاناته. وانعكاساته تمسّ فعلياً جميع أوجه معادلة الإنتاج، مباشرة أو على نحو غير مباشر». وفي تفنيد تلك الانعكاسات، يتضح أنّ الفساد يخفض من مستويات الرفاه الاجتماعي في لبنان، يزيد من مستوى عدم الفاعلية في الإنفاق الحكومي، يخفض الاستثمارات، يخفض مستوى إنتاجية اليد العاملة ويعوق النمو الاقتصادي. في المقابل، إنّ «خفض مؤشر الفساد في لبنان يزيد من ثبات نمو حصة الفرد من الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي» تخلص الدراسة نفسها. لكن ماذا يُمكن فعله للوصول إلى نتيجة ملموسة؟ تُقدّم دراسة البنك الدولي، أجوبة عامّة، بل حتّى فضفاضة، إنّما يُمكن البناء عليها، نظرياً ربّما. فهي إذ تُقارب مسألة الفساد وتفشّيه في القنوات الرسمية من أبعاد متعدّدة، تطرح أربع توصيات أساسية، يُمكن بطريقة أو بأخرى «لبننتها». أوّلاً، أن تعتمد الحكومة استراتيجية لمكافحة استخدام الشركات والمؤسّسات لإخفاء أموال اكتُسبت على نحو غير مشروع. على أن تُحدّد تلك الاستراتيجية أنواع الشركات التي تُستخدَم داخل الدول لإخفاء العائدات الناشئة عن الجريمة وكيفية جعل هذه الكيانات والهياكل أكثر شفافيّة. ثانياً، يتعيّن على جميع مقدّمي الخدمات المالية وخدمات الشركات جمع المعلومات عن المالكين المستفيدين من الشركات والاستمرار في رصد مدى دقّة هذه المعلومات. ثالثاً، ينبغي أن توفّر جميع سجلات الشركات حداً أدنى موحّداً من المعلومات عن الكيانات المسجّلة وتسمح بعمليّات البحث على نحو سهل (على الإنترنت) عن هذه المعلومات. بمعنى آخر، ينبغي أن تشمل المعلومات بالحدّ الأدنى معلومات عن المساهمين وأعضاء مجلس الإدارة والمديرين، فضلاً عن توفير معلومات تاريخية في شأنهم. رابعاً، تدعيم قدرات إجراء التحقيقات ومهاراته. وهنا تشدّد الدراسة على ضرورة «التوسّع في التدريب وضمان توافر الأعداد الكافية من موارد القوى العاملة والميزانية لإجراء التحقيقات المعقّدة وعبر الحدود الوطنية». ولكن صياغة هكذا استراتيجيات وخطوات إجرائية ليست أمراً سهلاً، فإجمالاً يكون الفاسدون مرتبطين بشبكة متينة بين مجتمعي السلطة والأعمال؛ وتلك الشبكة مربحة جداً. فبحسب الدراسة، «يُقدّر حجم أعمال الفساد عالمياً بـ40 مليار دولار سنوياً. فكلّ يوم يجري فيه شفط الأموال وإخفاؤها في المراكز المالية والجنّات الضريبية في العالم. تلك الأموال تكون مخصّصة أساساً للمدارس والرعاية الصحية والبنى التحتية في الاقتصادات الأكثر هشاشة من هذا العالم». وفي لبنان تبدو التحدّيات أكبر للمضي قدماً على سكّة مكافحة فساد، بل حتّى تحديده، نظراً إلى أنّ المشكلات هيكلية، بحيث يُصبح الشواذ قاعدة. «هناك مسألتان تعوقان في المبدأ تقويم التقدّم في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في لبنان»، يُعلّق رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب إبراهيم كنعان. أوّلاً، آليّات الضبط وقياس الأداء والشفافية هي الحسابات المالية العامة وحسابات الإدارات؛ وللأسف منذ عام 1993، ليس لدينا حسابات دقيقة وشفافة. ثانياً، القضاء بوضعه الحالي، لجهة تدخّل السياسيين فيه، يحتاج إلى كثير من الإصلاح لكي يكون أداة لتحقيق عدالة لكشف الفساد ومحاسبة الفاسدين. وبغياب الحسابات الشفافة والقضاء المستقل، من الصعب تحديد أين نحن في هذه اللحظة، «لكن الانطباع العام هو أنّ وضعنا على صعيد مكافحة الفساد لم يتحسّن قطّ منذ عام 2001». وإلى حين إجراء إصلاح مالي وتصحيح لمسار القضاء، لا يُمكن توقّع الكثير، يختم كنعان.
go top