آراء حرة

فساد... في فساد

فساد... في فساد

 

كتب يوسف الشهاب

قبل الحديث عن محاربة الفساد أو مواجهته، والسعي إلى الإصلاح، علينا أولاً وأخيراً لملمة المفهوم الحقيقي للفساد، ومضامينه ومواقع تواجده، كل هذه الإجراءات ضرورية ولها الأولوية في كل خطوة وسعي للإصلاح، هذا إذا تحقق، مع أنني لست متفائلا بذلك، لأن واقع الفساد كبير في مساحته وتواجده والشق عود، والقول بالمعالجة والمحاربة غير الفعل الميداني، وعلى العموم نحن بالانتظار، ويقول أهل مصر المحروسة «الميه تكذب الغطاس».


هذا العدو الأوحد أو هذا الداء اللعين الذي اسميناه الفساد ما كان ليأخذ كل هذا الصيت السيئ لو كانت المواجهة مبكرة والعقاب حاضرا الى جانب الثواب في آن واحد، أكثر من هذا لو أن الحكومات المتعاقبة ومعها مجالس الأمة على اختلاف فصولها التشريعية قامت منذ إطلالة رأس الفساد وذيله بقطع ذاك الرأس في كل موقع يطل منه لما كان لكل ذلك ان يحدث، الأمر الذي أدى الى استشراء هذا الداء على معظم الأصعدة عندنا سواء الوظيفية منها أو الفنية وحتى السلوكية للإنسان في تعامله مع القوانين العامة ولوائح أنظمة الحياة اليومية عندنا، وهذا ما يصيبنا بالألم والأسى على تاريخ مجتمع كان بالأمس نظيفا في سمعته وسلوكه ونظافة يده وحرصه على أموال وطنه ومجتمعه.


الفساد الذي تتطلع الحكومة الى محاربته وكل مواطن نظيف غيور على وطنه معا من دون حدود لا يتحقق الانتصار بالجري على هذا الفساد بالكلام والتصريحات بقدر ما يتحقق بالمواجهة الصريحة مع كل مفسد مهما كان موقعه الوظيفي ومكانته الاجتماعية بعيدا عن المجاملات أو الخضوع الى الواسطات من بعض النواب الذين اعتادوا على حماية المفسدين وصفقوا لهم، بل وباركوا فسادهم لغايات ومصالح انتخابية رخيصة أدت الى تدمير المجتمع واتلاف القيم الكريمة فيه والأخلاق التي كانت بالأمس خير شاهد على نظافة الجهاز الوظيفي بالدولة وعلى استقامة السلوك الإنساني لدى الموظف مواطنا كان أو وافدا.


الإصلاح لا يقتصر على شوية إجراءات رادعة تظهر اليوم وتختفي غدا وربما بعد ساعات، بل انه يتحقق في تأديب كل مفسد حين تثبت إدانته بتهمة الإساءة الى سمعة الوظيفة والتطاول على الأموال العامة وحتى قبول الرشوة وهي ما نسمع عنها كثيراً في الآونة الأخيرة وللأسف، ويتحقق هذا الإصلاح في غرس الشعور الحقيقي في نفوس الجميع وإدراكهم بأن الفساد داء تصل عدواه ونتائجه السيئة اليهم جميعا، وان عليهم جميعا أيضاً ضرورة محاربته واقتلاعه من جذوره ليشعر كل مفسد في الأرض بانه منبوذ من شرفاء المجتمع والساعين إلى الإصلاح فيه.


نحن في حاجة الى ثورة إصلاح حقيقية ميدانية وليست على الورق أو بالتصريحات البراقة، بل في خطوات يدرك فيها كل من تسول له نفسه الدنيئة ممارسة الفساد بأنه لن يفلت من العقوبة، وان عصر المجاملة أو التهاون قد انتهى الى غير رجعة، هذا هو الإصلاح الذي يجب تطبيقه اذا ما أردنا للفساد ان يكون في محرقة التاريخ الوظيفي عندنا واذا ما أردنا لذوي الأيدي النظيفة والضمائر النزيهة ان تشعر بنظافتها بين المفسدين وإلا «لا طبنا ولا غدا الشر».

نغزة
كل انتهاك لقوانين الشارع العام سواء في اختراق الإشارة الحمراء أو ممارسة السلوك الرديء بالشارع الذي يأتي بغياب التربية المنزلية وكل محاولة لتقديم رشوة لإنجاز معاملة، كل هذه وغيرها فساد في فساد.. طال عمرك.

**المقالات والآراء المنشورة تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي أمان
go top