الصحافة الاستقصائية

غياب الرقابة تثير الشبهات حول سياسة التوظيف في “الاونروا”

غياب الرقابة تثير الشبهات حول سياسة التوظيف في “الاونروا”

تحقيق اسماعيل العثماني:

مجموعات مصلحية متبادلة، شخصيات ذات نفوذ استغلالي، توظيف أشخاص مقابل خدمات، ترقيات بطرق ملتوية، مصطلحات عابرة قد تسمع بها خلال حياتك اليومية عن مؤسسات او وزارات او هيئات، لكن الحديث هنا عن مؤسسة دولية بحجم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ” الاونروا “!

تعتبر الاونروا من أكبر المؤسسات الدولية وأقدمها حيث أنشئت بقرار 302 الصادر عنهيئة الامم المتحدة في نهاية العام 1949 بهدف إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وحسب الاحصائيات والارقام التي صدرت عن مؤسسات حقوقية عديدة خلال السنوات الخمس الأخيرة تقول أن ادارة الانروا لا تعمل وفق هذه الاهداف بالشكل المطلوب.

أهم هذه الارقام تتعلق بنسب التوظيف داخل الاونروا والتي وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ بدء عمليات الهيئة الدولية في الاول من ايار عام 1950، بما يتضمنه ذلك من شبهات فساد إلى جانب نظام العقود المؤقتة الذي شهد انخفاضا حاداً في العام 2017 بواقع تقليص 50% عن العام 2012.

ظهرت أولى هذه الشبهات حينما روى لنا موظف داخل احدى مدارس الاونروا– رفض الافصاح عن اسمه – وجود تلاعب كبير في سياسة التوظيف، ذاكراً ان أصحاب الدرجات العليا في الوكالة هم أصحاب النفوذ الاكبر في هذا التلاعب لما لهم من تأثير كبير على كافة مستويات عمل الهيئة، وذكر نفس الموظف أن(س. ص.) صاحب الدرجة العليا في الاونروا ساهم في توظيف خمسة من أقاربه؛ بعضهم لا يحمل المؤهلات المطلوبة لهذه الوظيفة، وحسب نفس المصدر، عين الموظف (ي. م.)- وهو أيضا صاحب درجة عليا في الاونروا -نجله دكتورا في احد المراكز الصحية رغم رسوبه في امتحان التوجيهي واجتيازه تخصص الطب بمعدل لا يؤهله للوظيفة.

وحسب المصادر المختلفة، لم تقف التدخلات في سياسة التوظيف عند هذا الحد، بل وصلت الى الموظفين بدرجات أقل، أحد الشهود الذين أجرينا معهم مقابلات ذكر أن الموظف (أ. ع.) ساهم في توظيف اربعة من اقاربه في وظائف غير هامة عن طريق تمديد البطالات الدائمة الى حد التوظيف. وفي حادثة أخرى، قال أحد المرشحين لامتحان وظيفة محاسب في الوكالة الدولية – والذي رفض الكشف عن هويته خوفا من استبعاده من وظائف مقبلة – أن أحد مدراء العمليات وعده بالتدخل في توظيفهبمجرد دخوله المقابلة بعد اجتيازه للامتحان الكتابي.

من جانبه أكد أحد المتخصصين بموضوع اللاجئين الدكتور جمال أبو نحل أنّ سياسة التوظيف بوكالة الغوث لا تخلو من المحسوبية رغم وجود معايير متبّعة، وأن هناك حالات ممن يعملون في مراكز مرموقة بالوكالة في غزة حرصوا على تمكين أقاربهم من الدرجة الأولى والثانية في وظائف الوكالة قبل أن يحالو للتقاعد مما يمثل خللاً كبيراً في عملية التوظيف.

حاولنا التواصل مع الوكالة الدولية لوضعهذه المعلومات والتفاصيل بين يديها والرد عليها بشكل رسمي، وبدأنا بالاستاذ محمود الزرابي وهو ممثل عن دائرة الموارد البشرية في الاونرواوأردنا تسليمه طلبا لتحديد موعد لمقابلته، إلا أنّ استقبال المبنى الرئيسي لوكالة الغوث في مدينة غزة رفض استلام الطلب وربطنا عبر الهاتفبالاستاذ الزرابي الذي بدوره رفض بشكل قاطع الرد على الطلب او حتى استلامه أصلا، وقال أنه غير مخول بالحديث معنا او التواصل وأن علينا التواصل مع مدير عمليات الوكالة لتحديد الموعد!

ومع شعورنا بصعوبة الأمر، تواصلنا مع بعض الشخصيات الصديقة في الوكالة والذين بدورهم نصحونا بالتواصل مع الناطق الرسمي باسم الاونرواعدنان ابو حسنة وهو ما حدث فعلا لكننا صدمنا بنفس الاجابة، أنه علينا التواصل مع مدير عمليات الوكالة لانجاز اللقاء!

عدنا مرة أخرى وراسلنا الناطق الرسمي باسم الاونروا سامي مشعشع والذي نفى علمه بالموضوع مسبقا؛ مما حذا بنا الى ارسال التحقيق كاملا للرد عليه، وكان رده أن الاونروا تنظر بجدية لأي إدعاء بوجود فساد و/أو إساءة في استخدام السلطة.

وأضاف مشعشع أنه من مصلحة الوكالة أن تتم الخدمات المقدمة بطريقة شفافة وعادلة وأن تتم سياسات التوظيفلديهم بطريقة احترافية منظمة تسير وفق إجراءات العملية التوظيفية!

وفي نفي تام من الوكالة للشهادات الواردة في التحقيق قال مشعشع أن أي إدعاء بما يخالف ما سبق ينبغي أن يشتمل على معلومات موثوقة مبنية على بيانات وحقائق وأدلة مستطردا أنه بخلاف ذلك فإن التكهنات غير المدروسة قد تؤدي عن غير قصد إلى خدمة مصالح شخصية و/أو مصالح مجموعات خاصة ولا تخدم المصلحة الفضلى للاجئي فلسطين!

وتدارك الناطق باسم الاونروا أن أي ادعاء موثوق تتم مراجعته من قبل الوكالة وعندما يكون هنالك داع يتم اللجوء لعمل تحقيقات لضمان أن أنظمة وعمليات الوكالة تعمل بشكل سليم مشدداأن هذا يشمل الإدعاءات بوجود إساءة سلوك مثل الفساد أو المحاباة والتي تتم مراجعتها بشكل دقيق وقد يتم التحقيق فيها.

وفي تعليقه على آلية التعيين قال مشعشع أن المساءلة والشفافية والإنصاف والالتزام بسياسات وقوانين وتعليمات الأونروا تعد أمورا ذات أهمية قصوى وتتجسد في كافة عمليات التعيين التي تحدث في الوكالة، بما في ذلك مكتب إقليم عمليات غزة مؤكدا أنه يتم التعامل مع الشكاوى بطريقة منهجية ومهنية وأن أية مخالفة مزعومة يجب ان يتم الإبلاغ عنها  وذلك إلى مكتب مدير العمليات لغايات الفصل فيها وأن يتم القيام باستجابة رسمية على ذلك الادعاء.

دخان من غير نار

وتعليقا على هذه التصريحات، تواصلنا مع أكثر الأجسام النقابية قربا للوكالة، فكان لقاؤنا مع الدكتورة آمال البطش نائب رئيس اتحاد الموظفين العرب في وكالة الغوث والتي أكدت أن أهداف الاتحاد لا تشمل بشكل رئيسي الكشف عن قضايا فساد وأنهمكموظفين في الوكالة في حال وصلتهم معلومات حول شهبات فساد يتم التبليغ عنها وفق الآليات المتبعة في الوكالة ويتم متابعتها بشكل جدي من قبل ادارة الوكالة التي لا تتهاون بدورها في اي قضية فساد تصلها وتتعامل بشكل موضوعي ومهني مع هكذا قضايا.

اتسعت الدائرة أكبر، وحاورنا الدكتور سمير ابو مدللة الخبير في شؤون اللاجئينمعلّقاًعلى هذه المعلومات والتصريحات أن دور اتحاد الموظفين غير كافي، ويجب ان يكون له دور أكبر في متابعة عمل الوكالة ذاكرا أن بعض دوائر وكالة الغوث تشوبها شبهات الفساد وناشد الجميع أن تتكاتف الجهود من أجل مزيدا من الدفاع عن حقوق اللاجئين.

الدكتور ابو نحل وهو أيضا مدير مركز الديموقراطية للاجئين قال ان هناك فساد واضح وقضايا رأي عام يقودها متنفذين في وكالة الغوث والمسؤول الاممي هو من يتحمل عبئ هذا الفساد.

الشهود بحاجة لإذن المرجعيات

وصلنا خلال بحثنا عن الوثائق الثبوتية إلى أحد الأشخاص المعروفين على مستوى قطاع غزة والذي وافق بشكل مبدأي على التعاطي معنا بخصوص الكشف عن شبهات الفساد، إلا أنه طلب منا الانتظار لحين أخذ الإذن من مرجعيته لتقديم المعلومات اللازمة! عاودنا الاتصال به مرة أخرى إلا أنه أجابنا برفض المرجعية تزويدنابأية معلومات! وسنحاول في الجزء القادم من التحقيق معرفة هذه المرجعيات وكيفية عملها!

لا رقيب على عمل الوكالة 

الاستاذ سامي العمصي رئيس نقابات عمال فلسطين أبدى تخوفا واضحا في المجتمع الفلسطيني من إنهاء عمل الاونروا التي لا تعطي أرقاما واضحة لبياناتها مما يعطل عمل المؤسسات الحقوقية في مجال الرقابة والمتابعة.

وأضاف العمصي أن هناك تقليص مطرد في نسب التوظيف منذ سنوات طويلة وأن الاونروا تحاول التهرب من التشغيل عبر المساعدات الغذائية والبطالات والعقود حيث كان الاولى بها زيادة التوظيف والمساعدات في ظل الوضع الراهن من حصار وبطالة وفقر مدقع.

من جانبه أظهر الدكتور سمير أبو مدللة- والذي يدير أحد مراكز اللاجئين المعروفة – قلقه من الغموض الذي يكتنف هيكلية الوكالة وأن هناك تساؤلات حول كيفية إجراء عملية التوظيف وأن لجان المقابلات قد تفتقد للشفافية في التعامل مع المستفيدين.

تقرير الائتلاف من أجل النزاهة والشفافية أمان في العام 2016 حول متابعة المستجدات والاجراءات التي اتخذتها وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئينالفلسطينيين (الأونروا) لمتابعة الاستخلاصات التي أوردها تقرير بيئة النزاهة والشفافية في عمل الأونروا اوضح أن هناك غياب للسياسة الواضحة لنشر المعلومات وتسهيل الوصول لها من قبل المستفيدين من خدمات الأونروا مما يعزز حالة غياب الثقة من قبل الجمهور ويتيح المجال للشائعات وتحديدا مع تزامن ذلك مع سياسة التقليصات التي تتبعها الأونروا منذ فترة.

تحوّل وتحييد في عمل الوكالة 

ابو مدللة نوّه إلى أن هناك تراجع في عمليات التوظيف بشكل متسارع وأن هناك ما يقارب 13 الف موظف في قطاع غزة من أصل 30 ألف موظف في جميع مناطق العمليات وهي نسبة غير متكافئة رجوعا لعدد اللاجئين في قطاع غزة.

وطالب أبو مدللة وكالة الغوث بمزيد من الشفافية في سبيل الكشف عن موازنتها التفصيلية وأنها يجب ان تلتزم بمبدأ التشاركية ومن الخطأ المهني رفض مقابلة الصحافيين وحجب المعلومات.

وشدد ابو مدللة أن هناك تراجعا في سياسة التوظيف محذرا من خطورة نظام العقود وأن أعداد التوظيف لا تناسب مع أعداد اللاجئين ومع نسبة البطالة البالغة 60% وأن هناك 230 ألف طلب منذ العام 2007.

من جانبه قال أبو نحل أنه يجب تصحيح مسار الوكالة مشددا على انه من الواضح ان سياسة التوظيف باتت رهينة لنفوذ أشخاص متنفذين في الؤسسة الدولية.

دول مانحة لا تمنح

العمصي أوضح ان هناك تراجعاً حاداً في خدمات الوكالة خلال السنوات الماضية متذرعة بنقص التمويل من الدول المانحة وهو بالتالي مهمة الأمم المتحدة.

ونوه على أن الوكالة تروّج بشكل مقصود للدول المانحة بأن الوضع في الاراضي الفلسطينية مستقر وأن الحياة تسير بشكل طبيعي وهو ما ينافي الواقع.

هجمة شرسة تجاه انهاء عمل الوكالة

توجهنا إلى دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية وقابلنا الدكتور مازن أبو زيد مدير عام المخيمات في المحافظات الجنوبية الذي أكد أن قرار إنشاء الوكالة واضح ويشمل إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وقال أنه يخشى أن تتحول الوكالة الى منظمة عالمية وأن تحيد عن دورها الذي أنشأت من أجله.

وذكر ابو زيد أن هذا يأتي ضمن مخطط إقليمي ودولي لإنهاء عمل الوكالة ومما يساعد في ذلك أن الوكالة لا تخضع لأي رقابة من حكومات البلدان التي تعمل ضمن نفوذها مبدياً أسفه لعدم تعاون بعض مسؤولي الوكالة مع المؤسسات والجهات الاعلامية.

من جانبه قالت آمال البطش أن الوكالة تتعرض لمؤامرة وهجمة شرسة تقودها إسرائيل ودول أخرى بهدف إنهاء عمل الوكالة وأن ليس لهاأي علم بأي أطرفف من داخل الوكالة تساهم بذلك.

 

إن ائتلاف أمان يشجع نمط الصحافة الاستقصائية لدورها في افعال مبدأ المساءلة الاعلامية والرقابة على الشأن العام، إلا أن نشر هذه التحقيقات عبر موقعه لا يعني تبنيه لما يرد فيها من معلومات رغم اصراره على ضرورة ان تلتزم هذه التحقيقات بالموضوعية والحياد والاستناد الى المعلومات

go top