الصحافة الاستقصائية

رقابة تعمى عن السوق المحلي وتبصر للسوق الخارجي..الزعتر الأخضر تلوثه المبيدات بسوادها

رقابة تعمى عن السوق المحلي وتبصر للسوق الخارجي..الزعتر الأخضر تلوثه المبيدات  بسوادها

تحقيق: إسلام أبو عرّة  

يتربع المحصول الأخضر العطر على مساحات شاسعة من الأراضي السهلية الفلسطينية، مرتبطاً بتلك الأرض ومزارعيها ارتباطاً وثيقاً، فهو لم يدخل فقط إلى البيت الفلسطيني كأحد الأطباق الرئيسة بل دخل إلى قلوب أصحابه وكان ولا يزال جزء من التراث الفلسطيني متغنياً به الشعراء الفلسطينيون على مر السنيين،"واشتعلن مع الورد والزعتر البلديّ"
وتقول وزارة الزراعة الفلسطينية إن أكثر من 5500 دونم مزروعة اليوم بالزعتر مناصفة تقريبا بين الزراعة المروية والبعلية  تنتج سنويا اكثر من 11 الف طن من الزعتر الأخضر الذي يصدر قسم منه للأسواق العربية والدولية.  ويباع الكيلو غرام الواحد من الزعتر الأخضر  في الأسواق المحلية في المعدل بـ 15 شيقلا وهو سعر يعادل أكثر من ضعف تكلفة الإنتاج ويتقلب بين ارتفاع وانخفاض تبعا لمعادلة الطلب ما يعني انه يمثل استثمارا جيدا ويحقق دخلا دفع كثيرين وخصوصا في شمال الضفة الى التحويل لزراعته.

وعلى الرغم من مكانة الزعتر الفلسطيني إلا أن محدودية ثقافة وسوء استخدام بعض المزارعين  للمبيدات الحشرية أدت إلى تحول الرمز الفلسطيني إلى سم قاتل!.

"وشهد شاهد من أهله"

ومن جهته قال المزارع محمد عبد المعطي من جنين: أنه هناك مزارعين يرشون الزعتر بالمبيدات وتكون فتره الأمان للمبيد كمبيد  "سكور" للصدا الذي يرشه كل مزارعين الزعتر 20 يوم، لكن للأسف يرشه  المزارعين اليوم ويحسدونه ثاني يوم؛ لهذا يرسب الزعتر بفحص المبيدات.

وتابع عبد المعطي: هناك عدة أنواع من المبيدات ترش على الزعتر منها فترة الأمان يومين ومنها أسبوعين و10 أيام ويومين، وكل منها يرش لغرض معين؛ ومن المهم أن يلتزم المزارعين بقترة الأمان لكي يذهب مفعول المبيدات من الزعتر؛ وإذا حصد قبل انتهاء فترة الأمان يبقى مفعول المبيد به.

وواصل محمد: هناك بعض المزارعون يضعون مبيد الهرمون" يعمل على تسارع نمو المزروعات"،  على الزعتر وهو مبيد مسرطن وممنوع، وهذا النوع من المبيدات لا يحتاج "لشطاره  فمن منظر الزعتر يعرف انه مرشوش عليه هرمون، فيكون لونه مائل لاصفرار وعليه أوراق اقل  من الزعتر الطبيعي، ورأيت هذا الزعتر بمنطقة الأغوار قبل مده".

وأردف عبد المعطي: أن قبل ما يقارب الأربعين يوم أتلفت وزاره الصحة والزراعة كميات من الزعتر من الشركات في منطقه جنين، لإحتواءها على نسبة مبيدات عالية؛ لنفس السبب وهو عدم إلتزام المزارعين بفترة الأمان، لكن نحن بمزارعنا نلتزم بفترة الأمان للمبيدات، لأن عدم الالتزام بتضارب مع ضميرنا وقيمنا الأخلاقية والإنسانية. 

وأضاف عبد المعطي: أن الزراعة ولا الصحة  يأتون على المزارع، ولا يجرون فحوصات على الزعتر حتى بعض القص ولا يجرون أي أجراء رقابي على  رش المبيدات في السهول " منشفش حد منهم".

فترة الأمان يبلعها طمع ملاك الأراضي

يقول المهندس الزراعي "م.ب" والذي يعمل بإحدى شركات الأدوية، رافضا الكشف عن اسمه لأسبابه الخاصة: "المزارعون لا يلتزمون بفترة الأمان الزمنية لكل مبيد، فهناك مبيدات فترة الأمان لها 15 يومًا و30 يومًا و90 يومًا، لكنهم يبيعون المحصول قبل انتهاء فترة الأمان للاستهلاك البشري.

ويضيف: "هناك كميات محدودة لكل دونم 3 كيلو/ لتر، لكن المزارعون يضعون أكثر من ذلك، ولا يلتزمون بتعميمات المهندسين الزراعيين، ويؤدي ذلك إلى مضار كبيرة على صحة الإنسان لأنه كلما زادت الكمية زاد تركيزها وتركيز ما تحتوي من مواد، وفي بعض الأحيان يؤدي إلى حرق المحصول.

وأوضح: أن وزارة الزراعة لا تستطيع مراقبة كل مزارع والكمية الواجب وضعها على كل دونم، فالعملية صعبة جدا وشبه مستحيلة، ولا يستطيعون كشف وجود المبيدات بنسبه عالية بحيث لا يصلح للاستهلاك البشري  إلا من خلال أجراء فحص مخبري دوري للمزروعات.

ويكمل المهندس الزراعي: "كشركة أدوية نعطي التعليمات للمزارع كيفية الاستخدام وكمهندسين زراعيين، وزارة الزراعة توزع دليلاً فيه المبيدات المسموحة وطريقة الاستخدام وفترة الأمان، وبعدها يعود لضمير المزارع.

وعن الزعتر تحدث "م.ب" : بعض المزارعين يرشون اليوم مبيد للحشرات أو الصدى وغيره، ويكون فترة الأمان له 20 يوم على سبيل المثال؛ لكن للأسف يقصونه بنفس اليوم أو اليوم الذي يليه، أي قبل انتهاء فتره الأمان الخاصة بالمبيد؛ مما يؤدي لمخاطر صحية جسيمة.

ويتابع: إن دول الإتحاد الأوربي و" إسرائيل"  تطلب فحوصات تكشف نسبة المبيدات في المنتجات الزراعية والأعشاب، ، أما أمريكا تهتم بعدم وجود حشرات بالأعشاب الطبية ولا تهتم بنسبة المبيدات، فأي شركه تريد التصدير للدول يجيب عليها إجراء فحوصات ميكروبية وكيميائية تبين نسبه المبيدات في المنتج.

ويكشف  المهندس: أنه للأسف لا تجري الفحوصات على المنتجات الزراعية التي تباع بالأسواق المحلية، من حيث نسبة المبيدات وهل تصلح للاستخدام أم لا، وبعض المزارعين  يهمهم  الربح فقط، ولا ينتظرون حتى تنتهي فترة الأمان؛لدواعي سعر أعلى وطلب على منتجه موجود  ورقابه غائبة من ذوي الاختصاص.

ويواصل المهندس: أنه قام بتجهيز قطعه من الأرض الزراعية لعائلته لزراعة الخيار والبندورة والزعتر والفلفيله وما أستطاع من الخضروات والمنتجات الزراعية، لكي يضمن خلو خضرت منزله من المبيدات السامة والمسرطنه.

الفحوصات حسب الطلب !

قال المهندس الكيمائي  أحمد عبد الله مساعيد من دائرة الصحة والبيئة بطوباس: أن الفحوصات تجري حسب طلب الشركات ويكون فحص مدفوع الأجر؛ فيجرى فحص ميكروبي، وفحص كيميائي والأخير أكثر تفصيلا من الميكروبي ويكشف  نسبه ما في المنتجات الزراعية  من مبيدات، والشركات تطلب ذلك لنيل شهادة بيئيه من أجل تصدير البضائع للخارج.

وأضاف مساعيد:  أن الزعتر يجري عليه فحص مايكروبي، وفحص كيميائي حسب طلب الشركة التي تريد التصدير، وأجرينا قبل مدة فحص  كيميائي على 2 طون من  الزعتر  من شركه فلسطينيه  فتبين أن  المحصول يحمل نسبه عاليه من مبيد سايبر مترين" والذي يتميز بقدرته الفائقة على القضاء على جميع أنواع الحشرات المنزلية الزاحفة والطائرة"، ومبيد" divenosonezole"  فرسب بالفحص وتم إصدار قرار بتلفه من قبل لجنه السلامة العامه.

وتابع أحمد: تقوم دائرة الصحة والبيئة بمراقبه المزروعات من جانب آمان  برك المياه، وماهية  مياه الري هل هي مياه مجاري أم لا، أما مراقبه المزروعات والمبيدات التي ترش عليها والالتزام  بفترة الأمان، وتوعيه المزارعين والشركات الزراعية  يقع على عاتق مديريه الزراعة.

وواصل مساعيد: أن الدائرة تقوم بمراقبه مصانع التمور والمخلالات والألبان والبقاليات و السمك ما تحتويه الثلاجات بالدكاكين، ومده صلاحية المنتج، والمخابز والمطاعم"حمص، زيت قلي"  بشكل دوري. 


وأكمل أحمد:  أنه في الفحوص التي أجريت سواء الميكروبية أو الكيميائية على المنتجات الزراعية المصدرة للخارج كالميريمة والزعتر والمخلالات، الكمية الراسبة بالفحص قليلة مقارنه بالكمية المصدرة.

ورسب الزعتر!

قال مدير شركه "ح.ل" للمنتجات الزراعية في جنين م.ع : أن مديرية لصحة في جنين وطوباس تجري فحوصات مخبريه  على المنتجات الزراعية التي تصدر للخارج، وحديثا تم أجراء فحص مخبري جديد يبين نسبة المبيدات في المزروعات.

وأضاف م.ع:  أنه أجري فحص على 2 طن من الزعتر  كانت متوجها لدول الإتحاد الأوربي فتبين أنها تحتوي على نسبة عالية من المبيدات لا تصلح للاستخدام؛ فقرر تلفها.

وتابع م.ع:  ليس المرة الأولى التي نصدر للخارج الزعتر، ولكنها الحادثة الأولى التي يجري فيها فحص نسبة المبيدات من قبل وزاره الصحة للزعتر  ويتم تلفه.

وأردف م.ع: راجعنا الشركة المزودة الزعتر لنا فتحملوا نصف خسائر تلفه، وردوا وجود نسبه عاليه من المبيدات به، لحصده قبل انتهاء فتره الأمان المخصصة بعد الرش، وأن الزعتر الفلسطيني معروف بجودته ولذته وخلوه من المبيدات الضارة لكن للأسف المزارع يحتاج للتثقيف على أهميه حصاد محصول الزعتر بعد الانتهاء من فتره الأمان لكل مبيد.

مديرية الزراعة: لسنا شرطة!

وعن دور مديرية وزارة الزراعة في محافظة طوباس والأغوار الشمالية يقول، مديرها، مجدي عودة: "الأصل لا يوجد أي سماد ممنوع لكن هناك سماد ممنوع من الاحتلال لدواع أمنية، وأي شركة عليها تقديم طلب لوزارة الزراعة لإتمام كافة الإجراءات التي تسمح لها بالمتاجرة بالمبيدات والأسمدة.
ويتابع: هناك 300 مبيد مسموح تداولها في فلسطين بناء على ما تقرره سنويا اللجنة المختصة بالمبيدات بوزارة الزراعة والمكونة من وزارتي الصحة والاقتصاد الوطني، وسلطة البيئة، فتجري عملية دراسة للمسموح والممنوع كل عام، حيث يصدر كل عام قائمة بالمبيدات المسموحة في فلسطين ويحتوي طريقة الاستخدام وفترة الأمان والكمية الواجب وضعها لكل دونم.

  ويضيف: هناك 1000 مبيد مسموح تداولها في إسرائيل؛ لأن المبيدات تستخدم في إسرائيل لمحاصيل ليست متواجدة عندنا، ولمحاصيل ليست للاستهلاك البشري المباشر، فمبيد الكوشك يستخدم بإسرائيل لتعقيم القطن".

وأردف عودة: وهناك إجراء وقائي تقوم به الإدارة العامة للوقاية والحماية الزراعية، من خلال عملية تفتيش للمحلات التجارية التي تبيع المبيدات والأسمدة، وهل لديه مبيدات ممنوعة أم لا، وتقوم على ترخيص هذه المحلات، ويوسم بوسم وزارة الزراعة وكل مبيد غير موسوم ممنوع ويصادر ويغرم صاحبه.

وأوضح عودة: أنه يجب أن تحتوي العبوة على اسم العبوة والمادة الفعالة الموجودة بها ومدة صلاحية المبيد، ووسم وزارة الزراعة، وباللغة العربية.

وعن رش المبيد المحرم "الكوشك" والهرمون وغيرها من المبيدات الممنوعة على  المزروعات قال عودة: لكن لم يثبت لدينا كوزارة زراعة أن هناك رشًّا لتلك المبيدات؛ ولا نملك صلاحيات داخل المزارع وينحصر دورنا في الإرشاد والتوعية".

وعن الرقابة على المزروعات يقول مجدي: "هناك إجراءات الاستخدام الأمثل للمبيدات، وإرشاد المزارعين وتوعيتهم، ويوزع دليل سنوي للمزارعين عن المبيدات المسموحة وطريقة الاستخدام وفترة الأمان وكم لتر أو كيلو لكل دونم، ولا نستطيع معرفة هل يلتزم المزارع برش المبيد حسب الكمية لكل دونم، وهل يلتزم بفترة الأمان "منذ رش المزروعات حتى بيعها للمستهلك".

وأضاف: "فرق التفتيش كافية فهناك جهازان جهاز الوقاية، وجهاز الرقابة الزراعية، لكن الاحتلال له دور كبير في عمليات التهريب، وخاصة في مناطق “ج” واتساعها، ووجود مناطق محاذية للحدود مع إسرائيل. ويكشف مجدي عن تعاون بين وزارة الزراعة والضابطة الجمركية، وتم ضبط كميات كبيرة من المبيدات المهربة من المستوطنات ومن داخل الخط الأخضر لا تحمل أوراقًا رسمية ولا وسم وزارة الزراعة ولم تخضع للإجراءات اللازمة، وهناك قضايا في النيابة بخصوص تهريب المبيدات من المستوطنات وإسرائيل.

الزعتر الفلسطيني وقع ضحية جشع بعض المزارعين وسوء استخدام للميدات الحشرية وغياب رقابة فعلية أزاحت النظر عنها إلى السوق خارجي، فهل ستبقى للزعتر قدسيته المرتبطة بالأرض كما قال الشاعر" " أحب الزيت والزيتون والزعتر.. ولكن أحب موطني أكثر"، أم سيغدو كأي محصول أخر يشق جذوره بالتربة فقط؟.

go top