الصحافة الاستقصائية

"التحرش والرشوة الجنسية" فيروس يصيب الفتيات والنساء العاملات في غزة

"التحرش والرشوة الجنسية" فيروس يصيب الفتيات والنساء العاملات في غزة

تحقيق: أمجد ياغي - غزة 

لم تعد بعض الشخصيات العامة في غزة تلتزم بالأصول المهنية كما تنص في أخلاقيات مهنتهم، فبعضهم أصبح يتخلى عن الأخلاقيات والواجبات المهنية أمام الغرائز الجنسية، في المقابل فإنه يستغل هذا الشيء لأنه يتمتع بمكانة لها شأن وقرار في بعض الأمور المتعلقة بالتوظيف والتعيينات ومنح بعض الخدمات أو حتى تمويل المشاريع، في ظل عدم توافر فرص عمل للفتيات والنساء.

بطبيعة الحال، الحديث في هذا الموضوع هو من المحظورات في القطاع، لأنه مجتمع محافظ لا يتمتع بحرية كاملة للتعبير عن أرائه في هذا القضية، لذالك تلجأ بعض الفتيات والنساء العاملات المتعرضات للتحرش من هذه الفئة للصمت، لعدم حدوث مشاكل قد تحرمهم من الخروج للعمل أو أماكن أخرى.
عبر عدة مصادر مقربة من معد التحقيق وبشكل حذر لعدم تقبل المجتمع الحديث عن هذا الموضوع، توصل المعد لعدة حالات فتيات ونساء تم تعرضهن للتحرش اللفظي ومادي وللرشوة الجنسية من بعض الشخصيات العامة، وبالاستعانة في فتاة صحفية ساعدت المعد للوصول لبعض الحالات، فإن مجموع الحالات التي توصلنا لها خلال البحث، هي 36 حالة من الفتيات العاملات في عدة مجالات، لكن رفضت منهن 25 الحديث معنا بالتفاصيل الكاملة، ووافقت 11 على ألا تفصح أسمائهم. ومنهن تحدثن عبر جهاز التسجيل وعلى التفاصيل بالكتابة الورقية.
والحالات، 20 تعرضن لتحرش جنسي داخل عملهن، و10 منهم طلب الرشوة الجنسية، و6 لاعتداء جنسي داخل مكان العمل.

تحرش لفظي وابتزاز من موظفي مؤسسات دولية

دينا اسم مستعار لفتاة تبلغ 27 عاماً، قبل عام ونصف وعبر موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، تلقت رسالة من موظف كبير في الاونروا بعد أن شاهد صورتها الشخصية، يستفسر إن كانت صاحبة الصورة أم لا، وعندما أجابته أنها هي، قالها لها مادحاً "صورتك حلوة ومنورة وما شاء الله قمر"، وتقبلت تعليقه نظراً لفارق السن ومنصبه المهم.
وأصبح الموظف الكبير يتواصل معها كصحفية، وبعد فترة قامت بنشر منشور على صفحتها يعبر عن يأسها لتوقفها عن العمل في وكالتها الإخبارية، وأنها بحاجة لعمل، وقام حينها الموظف الكبير بالحديث معها ويمُد يده للمساعدة، وأن تحضر أوراقها الرسمية لمكتبه. لكن الموظف الكبير كان يفكر بأساليب التقرب منها، وعند حضورها حاول الاقتراب منها ولمسها، لكنها ابتعدت وغادرت، إلى أنها صُدمت بطلبه ممارسة الجنس معها وأن يوفر لها وظيفة، ولهذا قطعت العلاقة معه.
وكانت هذه الواقعة صدمة على حياة دينا، فهي بطبيعة عملها تتعامل مع فئات عديدة، ولا تستبعد استغلال بعض الموظفين أو بعض الشخصيات العاملة للفتيات في قطاعات مختلفة، لكن هذا المنصب عَدمَ ثقتها بكل المناصب، وفي ضوء ذالك لا تستطيع محاسبته نظراً لتشدد عائلتها والمجتمع الذي يحطها والذي وصفته "يشكك في نزاهة الفتاة إن تحدثت عن الشرف".
وإلى آلية محاسبة موظفي الاونروا، فتعتبر مستحيلة، لأن اتفاقيات موظفي الأمم المتحدة التي تتبع لها وكالة الاونروا، تعطي حصانة لجميع موظفيها، ولا يستطيع القضاء الفلسطيني أو حتى الشرطة إتباع بعض الشكاوى ضد أي موظف اونروا، كما أكده لنا أستاذ القانون الجنائي والقاضي عبد القادر جرادة، في ظل اعتماد الأمم المتحدة طائفة متنوعة من القواعد والأنظمة المتعلقة بسلوك موظفيها في المركز القانوني لموظفي الأمم المتحدة وحقوقهم وواجباتهم الأساسية، وهي اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها.

وعلى صعيد المؤسسات الدولية، فإن "أ.م" التي تبلغ 28 عاماً، تعرضت لابتزاز من أحد ممولي المشاريع الحقوقية الذي يعمل مدير مؤسسة دولية في غزة، مقابل أن تخرج معه وتتحدث معه في الأمور الجنسية، وترافقه لأي مكان ويمنحها عمل في إحدى المشاريع التي تمولها مؤسسته.
وعملت "أ.م" مدربة في مجال حقوق الإنسان لمجموعة شبابية مع مؤسسة أهلية، ضمن مشروع ممولة من مؤسسته الدولية، وكان الممول يبادلها المواد التدريبية بالبداية، ومن ثم أصبح يتواصل معها بسبب أو بدون، حتى عبر الفسيبوك، وفي يوم وخلال استراحة أثناء لقاء تدريبي تحدث معها عن مواضيع جنسية وعن عدم التثقف الجنسي في مجتمع غزة، رغم أن موضوع التدريب التي تخصصت فيه بعيد عن هذا الحديث.
وتقول " هو يريد التمهيد لعلاقة جنسية، وقلت له لا داعي للحديث في هذا الموضوع، والموضوع لا يوجد علاقة بطبيعة عملنا، ومن يدرك هذه الثقافة يحتفظ فيها بداخله"، لكن رغم ذالك لم يتوقف من الحديث معها وهي تجهله، وأخذ يحدثها عبر الفيسبوك ما يملكه من أملاك لإغرائها، وعرض عليها وظيفة في وبراتب جيد.
ولم يكتفي عند هذا الحد، فعرض لها نفسه واسطة في إحدى المؤسسات التي قدمت لوظيفة لها بمشروع عام كامل، وطلبها المجيء لمكتبه والجلوس معه لوحده بالمكتب لكنها رفضت.
وأستُفزَ الممول وأخبرها أن المشروع لن يتم تجديده رغم وعوده بالتجديد للمؤسسة الأهلية، ونوه لها أن خطيب أختها منسق المشروع هو بحاجة لمصاريف للزواج إن تتجاوب معه وتخرج معه. لكنا اكتشفت بعد انتهاء المشروع، أنه تواصل مع بعض الفتيات المتدربات في المشروع والتقرب منهم، وحصل على رد قاسي منهن.
وتقول "الفتاة مبدعة إن تعرضت لما تعرضت له من ابتزاز أو استفزاز، تتخوف الحديث لأحد ما حصل معها، والظاهرة موجودة ومنتشرة في غزة" وتذكر "أ.م" أنها تعرف صحفي ما كان يتقرب من الفتيات ويمنحهم فرصة العمل معه بنظام القطعة، ومعظم اللواتي تعاملن معه قطعن التواصل معه، لتحدثه في أمور جنسية وعلاقات، وكان يبرر لهم أنهم يجب أن يكونوا منفتحات.

محامون يتحرشون ومنهم يعرض الرشوة الجنسية

وفي مكتب احد المحامين العام الماضي، تعرضت المحامية المتدربة "م" (23 عاماً) لتحرش مادي من محامي يبلغ 45 عاماً وهي في مكتبه، وعندما اعترضته، رد عليها أنه بحاجة لحنان فقده من زوجته، وهو على استعداد أن يتزوجها. لكنها في اليوم التالي فضلت الجلوس في البيت وتوجهت بعد شهر لمحامي أخر بجانب متدربات من سنها.
وتقول " زميلة لي أخبرتني أنه قام بالتحرش بفتاة من دفعتنا من قبل، والمشكلة هو محامي معروف وله مكانة، وعندما تواجهت معه أصبح  يهددني واخبرني أنه له مكانة ولا احد سيصدق كلامي".
وخلال بحث المعد أكثر في نطاق المحامين، وجدنا فتاتان تعرضن لإيحاءات جنسية خلال إجراء مقابلة عمل "سكرتيرة"، لكن طبيعة المقابلة كانت خارجة عن التوقع، وبأسئلة جنسية. وفي أحد مكاتب المحاميين في غزة، أعلن مكتب وأخر ما عن حاجتهم لسكرتيرة، وتوجت الفتاتان، واحدة من تخصص صحافة والأخرى سكرتارية مكتبية، لكنهم وجدوا الأسئلة تحمل الطابع الجنسي.
وكانت الأولى "م.ي" 28 عاماً، توجهت بعد أن علمت من صديقة لها إعلان المحامي، وعندما التقت المحامي في مكتبه، بادر بأسئلة ليس لها علاقة في تخصص الوظيفة، وكانت من ضمنهم "ما هو المطعم الذي تحبينه وترتاحين فيه؟ (بنية أنه يريد الذهاب له هو وحبيبته وليس زوجته)، ونظرت له وقالت (عفواً)، من ثم ضحك، وسألته بخصوص الراتب، فكان 500 شيكل، وعندما استفسرت بحسب علمها أنه 1000 شيكل، قال لها "الذين يتقاضون هذا المبلغ يقدمون أغراض أخرى للمحامي نفسه"، وردت "لا أخلاقية" وضحك وهو يهز رأسه، ثم إنصرفت.
أما الثانية "ن" 25 عاماً، توجهت لعلمها من قريبتها، وخلال المقابلة وبعد التعريف نفسها ومؤهلاتها، سألها المحامي عن نوع الرائحة التي تضعها، وأنه أحبها ويريدها أن تضعها في العمل، وبدأ ينظر لها بكامل تفاصيلها بتمعن، وعندما سألت لماذا يحدق، قال "جسمك حلو صلاة النبي"، وتفاجأت، وتابع هو "بالنسبة للراتب ما تقلقي إن كنتي حنونة معي راح ازبطك"، لكنها انصرفت وهي تبكي.
وفي مكتب محاماة أخر، عرض محامي على سكرتيرة رشوة جنسية، مقابل إرضائه والسماح له بلمسها، ولم تكن هي تعمل في المكتب من الأساس، لكنها توجهت لتسد محل صديقتها لمدة أسبوع، وعندما بدأت العمل أصبح المحامي يتحدث معها عن علاقته الجنسية مع زوجته ومدى فشلها، وهو ينظر لها نظرات تفصيلية لجسمها، ومن ثم مد عليها مبلغ 50 شيكل ليلمسها، وعندما رفضت، اعتدى عليها لضمها، وقامت بإبعاده وانصرفت من عندها، وقطعت علاقتها في صديقتها.
ولم تلجأ هذه الحالات الأربعة لمحاسبة المحاميين خلال الشرطة أو حتى نقابتهم، في ظل إجماع الأربعة على أنهم القائمون على حماية حقوق المواطنين بمختلفها بالنظر لخبرتهم أكثر منهن، وبالكاد لن تجدي الشكوى ضدهم بشيء، وبوقوف المجتمع مع الرجل، الصمت أمامهم الحل الأمثل.
وخلال توجه معد التحقيق لنقابة المحاميين للإطلاع على آلية محاسبة المحامين في غزة وإن كانت هنالك شكاوى جنسية. فتوصلنا إلى 65 شكوى قدمت ضد محامين في عام 2015، و20 شكوى منذ بداية العام الحالي 2016 لنهاية شهر ابريل، لكن لم تحمل أيٌ منها شكوى أخلاقية، وكل ما ترد هي شكاوى مواطنين ناتجة عن عقد الوكالة المتفق في ما بينهم مع المحامي، كما أفادنا شعبان الجرير عضو مجلس نقابة المحامين ورئيس لجنة الشكاوى فيها.
وينوه الجرير أن النقابة لا تتهاون مع أي محامي يخالف أخلاقيات المهنة، وتتم إتباع إجراءات بعد تحقق الجهات الرسمية في الشرطة والنيابة، وإذا أدين المحامي أو أخل بالشرف أو الاعتبار والأمانة، وبناءاً على الإدانة والحكم الرسمي تقوم النقابة بفصل هذا المحامي، وفقاً لقانون المحاميين النظاميين رقم 3 لسنة 1999 وتعديلاته.

رشوة جنسية وتحرش في الواقع الصحفي ومدونة سلوك غير واضحة لهم

واقع الصحافة لم يخلو في هذه الإشكالية، فعدد من الصحفيات تعرضن للتحرش وطلب الرشوة الجنسية، وبلغ عددهن من العدد الذي وصل له معد التحقيق 13 صحفية من أصل 36، وفقط 3 منهن  تحدثن عن التفاصيل. الأولى هي "ر" تبلغ 30 من عمرها، تعرضت للرشوة الجنسية في ظل استغلال الصحفي حاجتها للمبلغ المالي لعلاج أحد أفراد أسرتها، وكان "الصحفي المعروف" عرض عليها مقابل ممارسة الجنس معها.
وتقول "في واقع الصحافة في غزة الكل يعلم أن بعض من الصحفيين يتحرشون في الفتيات العاملات سواء في المجال أو خارجه، لكن أن تصل لمرحلة رشوة جنسية كانت صاعقة لي، وعلمت أن الصحفي يغازل الفتيات ويتحرش لفظياً فيهن".
وكانت ر.ا صحفية تبلغ من العمر 28عاماً، تعرضت من بعض الصحفيين لأنواع تحرش ثلاث، وهو تحرش لفظي وإيحاءات جنسية وأيضاً اعتداء، وتقول "أحد الصحفيين كان يطلب مني صور في المنزل لي، وهنالك ابتزاز لبعض الفتيات الصحفيات من ناحية جسدية ومعنوية، ورشوة مقابل الجنس، وأنا كنت شاهدة على هذه المواقف من بعض الصحفيين".
وتعتقد أنه في الوقت الحالي أصبح التحرش ظاهرة من بعض الشخصيات العامة التي تشمل الصحفيين، وعدد من الفتيات الضحايا يتكتمون، لكن على صعيدها لم تصمت، وعبر صفحتها الشخصية على الفسيبوك تحدثت عن هذه الفئة من الشبان وخصوصاً بعض الصحفيين. وتوجهت ر.ا ذات يوم لزيارة صحفي في مكتبه هي وزميلتها لشرح طريقة المراسلة التلفزيونية لهم، وبعد أن انصرفت زميلتها فجأة أغلق الباب بسرعة واعتدى جنسياً عليها، لكنها أبعدته وفتحت الباب وانصرفت، ويضيف "كان ينظر لي أنني منفتحة لأنني قادمة من الإمارات".
ونوهت إلى أن صحفي ما قابلته بنية العمل وكانت أختها ترافقها، حاول التقرب من أختها وهو صحفي متزوج، وعرض على أختها أن تعمل معه مقابل أن يخرج معها وتتقرب منه وتخرج معه.
أما الأخيرة، "ه" 30 عاماً، جلست بداية العام الحالي مع صحفي كبير ومشهور في احد المطاعم على شاطئ البحر بنية التحدث في أمور لها علاقة في العمل، لكنه عرض عليه رشوة جنسية ووعدها أن تعمل معه في مكتبه، وكما قال لها "هذا مبلغ لتحسن ظروف وأنا أريد ممارسة الرومانسية معك لأنني اشعر في مشاعر كبيرة" لكنها فضلت الجلوس في البيت لغاية اليوم.
وتعلق " يعتقدون بعض أباطرة المهن في غزة أن الفتاة في غزة مصيدة لهم ولشهواتهم في ظل أنها لا تجد فرصة عمل ".
ووفق مدونة السلوك الخاصة بنقابة الصحفيين الفلسطيني في البند الرابع الخاص بالنزاهة الإعلامية، والتي تنص "الامتناع عن استغلال المهنة للحصول على أية مكاسب مادية أو معنوية" فيعتبر أن الصحفيين المستغلين جانب التحرش والرشوة الجنسية انتهكوا قواعد نظام العمل داخل الجسم النقابي الجامع لهم.
لكن نتيجة للانقسام الفلسطيني وعدم خضوع بعض الصحفيين لعضوية الجسم الصحفي، لا يدرك عدد منهم قوانين النقابة أو حتى مدونات السلوك، وخلال سؤال معد التحقيق لعدد عشرة صحفيين عبر الفسيبوك، إن كان يعلم ما هي مدونة السلوك الخاصة بالنقابة، فلم يجب إلا صحفي واحد عن المدونة والباقي لا يعرف.
ويشير شريف النيرب المسؤول عن نقابة الصحفيين في قطاع غزة إلى أن الواقع الصحفي هو بحاجة بشكل أساسي لتجديد قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني لسنة 1995، لأنه وبجد وصفه "قانون عفا عنه الزمن"، وبحاجة لتجديد ليواكب الزمن والتطور، مع انعقاد مع أول دورة في المجلس التشريعي، وعليه تنعكس السيئات المتعلقة في مدونات السلوك، وأن الصحفي لا يملك الثقافة القانونية.
ويقول "العجز على توفير قانون يحفظ حقوق الصحفيين ويلزمه في واجباته، يعمل عملية اختراق في جميع مدونات السلوك، ونحن عندنا إشكاليات في القانون، وهناك اصطدام بين مدونات السلوك وقانون المطبوعات والنشر"، ويوضح خلال تعديل القانون، تُبني مدونات السلوك وتكون ضابطاً حقيقياً في قطاع العمل في الأراضي الفلسطينية.
ويضيف "كنقابة صحفيين لسنا جهة تشريعية ولا تحقيق في الأمر، إلا إذا كان هنالك إثبات بالواقعة، فيلجأ الصحفي إلى قانون العقوبات المدني في هذا الأمر، وإذا أثبت ذالك بالتدقيق والبحث، فوراً تُفصل عضوية الصحفي من النقابة".

المتحرشون شخصيات معروفة على صعيد عملهم ومتزوجون كلهم

وقامت بعض الفتيات بإطلاع معد التحقيق لبعض أسماء المتحرشون من الشخصيات العامة، وكانوا 7 أسماء جميعهم متزوجون. أربعة صحفيون، ولهم حضور في المؤتمرات وتجمعات الصحفية، أما الاثنان، واحد منهم يعمل في مؤسسة دولية ويتواجد بكثير من المؤتمرات الحقوقية، ويُخصص له كلمات عدة مؤتمرات وله علاقات واسعة، أما السابع فهو مسؤول في جمعية ما وله علاقات واسعة على صعيد المؤسسات الأهلية.
وهذا يظهر مدى تمكن الشخصية العامة في الواقع المهني الخاص فيه، وكيف يستغل شخصيته المعروف للإيقاع بالعاملات لأهدافه الجنسية واستغلال منصبه للابتزاز والرشوة وخدمة ما، لتقديم المقابل الجنسي له.
وفي ضوء ذالك تشير الأخصائية النفسية من جمعية المرأة العاملة الفلسطينية، وصال بدوي، أن كرسي المنصب في غزة يخفي أشياء كثيرة، ويعتقد المتحرش الكبير أنه صاحب النفس البشرية القوية ويحق له التحرش، وليس فقط بالمرأة أو الفتاة العاملة.
واستقبلت الجمعية عدداً من الحالات العاملات اللواتي تم التحرش فيهن في بيئة العمل وأيضاً خارجها، لكن دون وجود رقم دقيق، بسبب توجه الضحية للحديث للاستشارة أو كلام ودي أو عبر لقاءات وتدريبات.
وتنوه بدوي، أن هنالك حالات نساء غير عاملات حتى جلسوا معهن في الجمعية قد تعرضوا للتحرش من بعض كبار مؤسسات لطلب المساعدة المادية فقط. وتقول "التحرش في غزة موجود في كل مكان أصبح، وهذا ما لاحظناه خلال عملنا مع عدد من النساء، سواء في عملهن وفي الشارع وفي السيارة وفي السوق". وتشير أن الجمعية هدفت عدد من النساء العاملات وغيرهن لتمكينهن من حماية أنفسهن من التحرش الجنسي في أي مكان.
وتضيف أن التحرش ينتج عن شعور المرأة أو الفتاة بعدم الأمان الوظيفي والتوتر، وضعف إنتاجية العمل، وخسارة الثقة في جو العمل، والعادات والتقاليد تجبر الضحية على التفكر بكيفية حديث المجتمع عنها إن علموا في وقعوها بالتحرش.

هذا ما دفع المعد لعمل استطلاع رأي صحفي عليه يتم قياس حجم الواقعة في ظل تكتم الفتيات الحديث في هذا الموضوع، وقمنا بتوزيع استطلاع رأي صحفي ورقي على 80 فتاة وامرأة عاملة في مختلف القطاعات الغير حكومية، ورفضت 62 أخريات تعبئة الاستطلاع بعد أن شاهدوا عنوانه، وتخوفوا الحديث فيه.
واستهدف الاستطلاع الفتيات والنساء العاملات في قطاع الصحافة والمؤسسات الأهلية والدولية والمحاميات والعاملات في مكاتبهم ومراكز شؤون المرأة. وكانت النتيجة:
- نسبة 91 في المئة منهن يعتقدون أن الفتاة والمرأة العاملة تتعرض للتحرش من بعض الشخصيات العامة والعاملين في قطاع غزة، أما 9 لا يعتقدون.
- نسبة 82 في المئة يعرفون فتاة أو امرأة تعرضت لتحرش أو اعتداء جنسي من قبل شخصيات عامة منذ خمس سنوات لغاية اللحظة، وكان التحرش اللفظي نسبته 32 في المئة، أما التحرش الجسدي فكان 18 في المئة، ومحاولة اعتداء جنسي 23 في المئة، والاعتداء الجنسي 15 في المئة.
-  الذي يتحرش يكون صفة موظف كبير بنسبة 81 في المئة، أما 19 في المئة يكون ربما موظف درجة ثانية أو موظف عادي. ونسبة 83 في المئة أشارت أن المتحرش من الشخصيات العامة يستغل حاجة الفتاة والمرأة للعمل.
- في حال تعرض إحدى العاملات للتحرش في مكان عملها، فإن 65 في المئة منهن سيتكتمون عما حصل معهن، ونسبة 15 في المئة ستشتكي المتحرش في المؤسسة، و11 في المئة تشتكيه للشرطة.
- وتشير نسبة 56 في المئة منهن أن سبب التكتم، بسبب نظرة المجتمع السلبية للفتاة وحرمان أهلها من العودة للعمل مرة أخرى، ونسبة 21 في المئة تتكتم بسبب تهديد المتحرش فيها من الشخصيات العامة، وتبدي نسبة 59 في المئة أن الإشكالية خطيرة لدرجة كبيرة، و31 في المئة أنها خطيرة، 0.5 خطيرة إلى حد ما.

وخلال البحث في مجالات أخر وجدنا حالات في قطاعات مختلفة، فكانت "ن" عملت في قطاع خاص بعيد عن العمل المؤسساتي، وهي صيدلانية تبلغ 28 عاماً تقدمت للعمل في صيدلية ما، وحصلت على قبول لكن في بداية عملها  تلقت كلام غزلي من صاحب الصيدلية، ورغم طلبها عدم مغازلها بهذه الطريقة، لكن لم يجب، واعتدى جنسياً عليها في يوم لكنها صفعته وانصرفت من الصيدلية.
وإلى الجامعات في غزة فلم تخلو من الواقعة رغم أن الضحية (س) 22 عاماً ليست فتاة عاملة، وطبيعة المتحرش أكاديمي، فتحرش في أختها وهي تعمل باحثة اجتماعية، وتقول (س) " هذا الأكاديمي كان يطلب من الفتيات مناقشته في مكتبه بأي قضية ويغازلهم، وتعرضت لتحرش منه وطلب مني أن أداعبه مادياً ويمنحني علامات ممتازة في مادته".

التحرش الجنسي ليس فقط ملموسا

وفي تقرير إداري شامل عن واقع التحرش الجنسي في أماكن العمل في فلسطين، صادر من الائتلاف لأجل النزاهة والمساءلة "أمان" في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2010 اعتبر قضايا التحرش الجنسي في أماكن العمل كشكل من أشكال الفساد، وذكر أن منظمة العمل الدولية اعتبرت التحرش الجنسي أحد أشكال الفساد والعنف وانتهاك لحقوق الإنسان والعاملين، وبالاستعانة بدراسة باحثات من جامعة ميشغن الأمريكية صنف كشكل من أشكال التمييز ضد المرأة في العمل.
ونوه التقرير أن التحرش الجنسي لا ينصب فقط على شكل مادي ملموس، بل إنه يتخذ أشكالاً ثلاثة، مثل، أولاً تحرش جنسي لفظي، مثل ملاحظات وتعليقات جنسية مشينة، وطرح أسئلة جنسية. وثانياً، تحرش جنسي غير شفوي، مثل نظرات موحية، والإيماءات والتلميحات الجسدية. أما الأخيرة، فهو تحرش جنسي بسلوك مادي، مثل محاولة لمس، أو لمس جسد الطرف الأخر، تقبيل أو محاولة تقبيل الطرف الأخر.
لكن التقرير ذكر هذه التصنيفات وفق شرطين أساسيان، وهو عدم ترحيب المتحرش به/بها لهذا السلوك، أما الثاني عندما يصبح الخضوع والموافقة للتحرش شرطاً للاستمرار في العمل والحصول على ترقيات وإمتيازات وحوافز والتدريب.

لا يوجد قانون فلسطيني خاص بالتحرش والمحاكم ترفض اطلاعنا بالجرائم الجنسية

وفي القانون الأساسي الفلسطيني لم نتمكن من الوصول إلى قانون خاص يعالج قضية التحرش الجنسي في المجتمع، ويعد القانون المتعارف عليه في تجريمه ضمن قانون العقوبات رقم 72 لعام 1936 الساري في الأراضي الفلسطينية. لكن جاء فيه إشارة لهذا الموضوع ضمن متفرقة تحمل عناوين تتعلق بالأعمال المنافية للحياء.
ويعتبر النص التجريمي الأقرب إلى التحرش الجنسي في المادة 305 من قانون العقوبات، ويتحدث عن المداعبة المنافية للحياء، ونص "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة كل من داعب بصورة منافية للحياء: امرأة أو فتاة لها من العمر خمس عشرة سنة أو أكثر دون رضاها.
أما المادة 306 فحملت عنوان عرض الأعمال أو توجيه الكلام المنافي للحياء، ونصت "من عرض على صبي دون الخامسة من عمره أو على أنثى عملاً منافياً للحياء أو وجه إليهما كلاماً منافياً للحياء عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة أشهر أو بغرامة لا تزيد على خمس وعشرين ديناراً"، بينما جاءت المادة 320 بعنوان الأفعال المنافية للحياء ونصت "كل من فعل عملاً منافياً للحياء أو أبدى إشارة منافية للحياء في مكان عام أو في مجتمع عام أو بصورة يمكن معها لمكن كان في مكان عام أن يراه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على خمسين دينار"
وفي إطار قانون يجرم الفساد في سوق العمل، أصدر قرار بقانون مكافحة الفساد لسنة 2010، وقد حدد القانون عدداً من الجرائم تحت بند الفساد، إلا أنه غاب عن استخدام التحرش الجنسي في العمل باعتباره شكل من أشكال الفساد.
ورفضت مع ذالك إدارة مجمع المحاكم إطلاع المعد على عدد الجرائم الجنسية المسجلة في أرشيفها. واعتبرت هذا القضية تمس الواقع المجتمعي، رغم تأكيد المعد على حقه في الحصول على المعلومة،
  وفي إطار الرفض يعتبر أستاذ القانون الجنائي والقاضي عبد القادر جرادة أن مشكلة الجرائم الجنسية، هي جرائم اجتماعية أكثر ما أنها قانونية، لأن المجتمع يرفض عرضها على القانون، كون النتائج المترتبة عليها تسيء للضحية أكثر من الإيجابيات الممكن تحققها من خلال محاسبة الجاني.
وبضيف جرادة إلى أن الفتاة إن توجهت للشرطة لتقديم شكوى لن يتم التعاطي معها بطريقة ذوق، والنظرة لها تكون سيئة، وعندما تقابل أهلها تجد السكوت أفضل من أن تقول ما حدث معها، لذالك الجرائم الجنسية قليلة جداً وشبه معدومة بالمحاكم، وهذا ما يجعل العاملين بقطاع العدالة يخطئوا في تكيف الجريمة الجنسية.

حلول ممكنة

ويشير جرادة، أن أول حل، هو الوعي القانوني، وينشر في مدارس والجامعات، لأن المجتمع الغزي يعاني من أمية قانونية، ولذالك الجاني يتمادى في الانتهاك.
وعلى صعيد الشرطة، يتحدث على وجوب تواجد أقسام خاصة لقضايا النساء، والعاملين فيها من النساء، ويعتمدون مبدأ السرية في العمل وهكذا تتشجع المرأة بالتحرك صوب هذه الظاهرة. أما للمؤسسات الدولة وغيرها، أن تكثف الدولة لمؤسسات الدولة للحلول البديلة بداخل جميع المؤسسات لتخفيف العبي على القضاة، لأنه الإثبات في هذه القضايا صعب نظراً لتحفظ كل قضية وخصوصيتها.

 

go top