آراء حرة

الشعب يريد... "تعيين برلمان"

الشعب يريد... "تعيين برلمان"

بقلم: مجدي أبو زيد - ناشط مجتمعي

أثارت حملة "الشعب يريد" بيّ الشجون والحنين إلى ماضٍ ليس بعيد، عندما كان لنا برلمان وانتخابات، حملةٌ أطلقها الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" وتطالب بضرورة وأهمية إجراء الانتخابات الدورية باعتبارها أحد اهم أدوات المساءلة المجتمعية، اعادتني الذكريات الى عهد الثورة في الشتات، كنا في تلك الأيام وقبلها نتغنى بديمقراطية "غابة البنادق" وديمقراطية الانتخابات العامة مطلع العام 1996 والتي أعقبت عودة الزعيم الراحل ياسر عرفات إلى أرض الوطن في أواخر العام 1994.

الانتخابات الفلسطينية الثانية للرئاسة والمجلس التشريعي في 2005 و2006 على التوالي كانت نموذجاً تغنى به الفلسطينيون ورقصوا على النغمة التي يطربون لسماعها، نغمة أننا القدوة والمثل الأعلى الذي بنى الدولة الفلانية وعلّم الشعب العلاني. وهكذا، كان الفلسطينيون أول من أسسوا لجنة انتخابات مستقلة وأول من أجروا انتخابات حرة ديمقراطية ونزيهة إلى حد كبير، إذا ما استثنينا غياب بعض الأسس المتعلقة بضبط التمويل الانتخابي.

يحق لنا أن نفخر بالماضي الذي صارعنا وقاسينا فيه لنقيم نوعاً مميزاً واستثنائياً من الديمقراطية تحت النار من خلال المجلس الوطني والمركزي والاتحادات بأنواعها، وأن نرفع القبعة لزعيمنا التاريخي الذي لم يرضخ لأي نوعٍ يُذكر من الضغوط عندما أصر على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية مطلع 1996، لولا إدراكه لأهمية إقران شرعيته الثورية بشرعية صناديق الاقتراع، من أجل ديمقراطية "سكر زيادة" كما كان يقول.

ان الرئيس أبو مازن، لم يكن مجبراً على الأقل في حينه عندما أصر على إجراء الانتخابات التشريعية التي فازت بها حماس في 2006، إذ كان بإمكانه تأجيلها لفترة من الزمن تحت حجج الفلتان الأمني والمعارضة الإسرائيلية لإجرائها والحاجة إلى التوافق، وغيرها من المبررات. غير أنه كان مؤمناً بأهمية تجديد الشرعيات والشراكة والتداول السلمي للسلطة، وكان أكثر من ذلك مؤمناً بالنظام البرلماني، بعد الذي عاناه خلال فترة توليه لرئاسة الوزراء.

لو سارت الأمور بشكل طبيعي وسلس دون انقسام، كان من الممكن أن تنتهي دورتان انتخابيتان كاملتان، وكانت الدورة الثالثة على وشك الانتهاء. وكان يمكن للنظام السياسي أن يصبح أكثر قوة ورسوخاً. وكان يمكن لجيل كامل أن يشهد/ يشارك أكثر من مرة في الإدلاء بصوته في انتخابات ديمقراطية لا يعلم عنها شيئا أكثر مما حفظه في مادة التربية الوطنية في الصفوف الابتدائية لأغراض تقديم الامتحانات فقط. وكان يمكن أيضاً للفلسطينيين أن يستمروا في فخرهم بأنهم الشعب العربي الأكثر ديمقراطية والأكثر قدرة على الشراكة والتعايش الداخلي حتى وهم المحاصرون والمصلوبون تحت حراب الاحتلال. 

فكيف وصلنا إلى هذه الكارثة التي نحن فيها... ما المُستجدات؟

لقد حافظت الدول الشمولية والشعوبية والملكيات غير الديمقراطية على أشكال مختلفة من البرلمانات والمجالس النيابية على اعتبار أنها أحد الأشكال الضرورية للحد الأدنى من متطلبات الأنظمة السياسية المعقولة. ووجدت هذه الدكتاتوريات أنها لا تستطيع إهمال وجود البرلمانات فقامت بهندستها وتعيين أعضائها أو بعضهم، وتزوير الانتخابات، أو قصرها على حزب/ أو أحزاب متعاونة، وحافظت على تجديدها حسب أوقات دورية ثابتة. كما وحرصت على إعطائها بعض الصلاحيات المتعلقة بالتشريع والمصادقة على تشكيل الحكومات وتعديل الدساتير، حتى ولو شكلياً.

الوضع الحالي في فلسطين غير منطقي وغير مقبول أبداً إلا على طرفي الانقسام، الذين على ما يبدو لديهم حساباتهم وتخوفاتهم، الأمر الذي أدى إلى اتفاقهم غير المكتوب – وهو الاتفاق الوحيد على ما يبدو بينهما- على عدم إجراء الانتخابات.

المجلس التشريعي مُعطل، والمجلس الوطني لم ينعقد منذ سنوات حتى ولو لتجديد أو استبدال الموتى والمرضى الطاعنين في السن والمتقاعدين. لا يوجد من يسأل، ولا من يسائل، ولا حامياً للاثنين ولا حتى شكلياً. ولا يوجد أي أفق لإجراء انتخابات قريبة، ولا حتى احترام لنتائج هذه الانتخابات إذا ما حدثت معجزة وتمت.

خلال حفل إطلاق تقرير الفساد السنوي الذي أقامه ائتلاف أمان قرع السفير النرويجي لدى دولة فلسطين الجرس، منبهاً إلى خطورة استمرار الوضع الحالي عندما أشار إلى انه لا يستطيع الاستمرار في إقناع برلمان دولته باستمرار دعم السلطة الفلسطينية مالياً في ظل استمرار تجميد الحياة الديمقراطية وغياب المجلس التشريعي. وأشار أيضاً إلى أنه يواجه صعوبات كبيرة في تجديد مطالبته بالدعم سنوياً، ولولا اتكاؤه على عكازة المجتمع المدني الفلسطيني – وهو الذي تحاول الحكومة تهميشه والسيطرة عليه- وبعض المؤسسات الأهلية التي تراقب العمل الحكومي لما استطاع أن يؤمن استمرار الدعم المالي إلى نظام -غير ديمقراطي-.

وعليه، وحتى نستكمل الحد الأدنى من المتطلبات الشكلية للدخول إلى نادي الدول، وأقصد وجود السلطات الثلاث، وبما أن للسعودية وسوريا والصومال واليمن وليبيا والمغرب وجميع الدول العربية الأخرى برلمانات، وحتى يكون لنا عنوان واضح للمساءلة والتشريع، وحفاظاً على مصلحة الدولة العليا ومصالح المواطنين "الدنيا/ السفلى" – على رأي عادل امام-، فإنني أطالب "بتعيين" مجلس تشريعي فلسطيني بمرسوم أو إصدار قانون بمرسوم لهندسة برلمان حسب المقاس، حتى وان كان شكلياً أو من لون واحد أو من الموالين والمحسوبين على أي طرف

**المقالات والآراء المنشورة تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي أمان
go top