آخر الأخبار

الفساد يكبّد الشعوب 2.6 ترليون دولار سنوياً

الفساد يكبّد الشعوب 2.6 ترليون دولار سنوياً

فيما أنهت منظمة الشفافية العالمية قبل أيام في العاصمة الماليزية كوالالمبور، مؤتمرها السنوي السادس عشر لمحاربة الفساد المالي في العالم، قال تقرير عن الفساد تم تداوله على هامش المؤتمر، إن الفساد السياسي وإدارة المؤسسات الحكومية للمصالح الشخصية، يكلّف العالم أكثر من 5.0% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، أي حوالى 2.6 ترليون دولار.

وهذا الرقم يعود إلى إحصائيات نشرتها منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي في نهاية العام الماضي 2014. وفي ذات الصدد تقدّر إحصائيات البنك الدولي حجم الرشاوى التي تُدفع في أنحاء العالم لكسب عقود أو الحصول على مزايا بحوالى ترليون دولار سنوياً.


وفي تفنيدها لأضرار الفساد، قالت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي إن الفساد ينهي الثقة بين الحكومة والشعوب وينهي حكم القانون ويفرغ مؤسسات الدولة تدريجياً من محتواها ويحوّلها من مؤسسات مملوكة للشعوب إلى مؤسسات مملوكة لأشخاص.


"الفساد ينهي الثقة بين الدولة والمواطنين ويقود تدريجياً إلى سقوط الدول وإشاعة الفوضى"

وهو ما يقود تدريجياً إلى عدم شرعية الحكومات وإشاعة الفوضى. ويلاحظ أن هذه العوامل كانت في صلب الثورات العربية التي أسقط بعضها حكومات مستبدة، قبل أن تعود باسم الثورة المضادة. وكذلك التظاهرات الأخيرة التي شهدتها المدن العراقية ضد الفساد الواسع الذي يتجه إلى إنهاء ما يسمى بالدولة العراقية، إن لم يحدث تغيير حقيقي في المؤسسات الحاكمة بالعراق.

وحسب دراسات متخصصة نشرت على هامش المؤتمر، فإن استغلال الوزراء والمدراء في الشركات والمؤسسات الحكومية للنفوذ السياسي وإدارة الاقتصاد والموارد والثروات السيادية لمصالحهم وأخذ الرشاوى في العقود الحكومية ومنح الوظائف وفقاً للمحسوبية بدلاً من الكفاءة، يقود تلقائياً إلى إفقار الشعوب وعزل الدولة عن المواطنين لتصبح شركة خاصة، تُدار وفقاً للمصالح المالية للمدير أو الوزير، ولا علاقة لها بالمواطن.

ويشير تقرير منظمة الشفافية الدولية إلى أن الفساد يرفع كلفة تنفيذ الأعمال التجارية في دول العالم النامي بحوالى 10% في المتوسط. كما يمنح عطاءات العقود الحكومية لمن يدفع أكبر رشوة وليس على أساس الكفاءة في تنفيذ المشروع واستيفاء المواصفات المنصوص عليها في العقد.

وعددت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي في تقريرها الذي نشر على هامش مؤتمر "الشفافية الدولية"، الأضرار المترتبة على الفساد السياسي وتداعياته السالبة على الشعوب في النقاط التالية:
أولاً: هدر موارد وثروات الشعوب وإفقارها. ويلاحظ أن تحالف الساسة مع شركات الطاقة الدولية في أفريقيا، خاصة في دول مثل نيجيريا والغابون وأفريقيا الوسطى ومصر، أدى إلى خسائر فادحة. ففي نيجيريا، وحسب المرافعات التي جرت في العام الماضي في محاكمة مسؤول نيجيري سابق في محكمة "أولد بيلي" بلندن، فإن عقود امتياز التنقيب عن النفط منحت لشركات بأثمان بخسة، بعد حصول هذا المسؤول على رشاوٍ ضخمة من شركات أوروبية.

وكشفت في سويسرا تحقيقات في نهاية العام الماضي داخل شركات الوساطة في زيورخ، أن شركات سويسرية تتاجر في الطاقة تحصل على كميات من النفط الأفريقي بأسعار أقل من سعر السوق، وتبيع هذا النفط الأفريقي بسعر أعلى ثم تقوم بتقاسم الفرق بين السعر المنخفض الذي تشتري به من الدول الأفريقية وسعر السوق مع مسؤولين حكوميين أفارقة.

"الفساد يرفع كلفة تنفيذ الأعمال التجارية في دول العالم النامي بحوالى 10% في المتوسط"

وفي مصر تم هدر الغاز المصري في الصفقات البخسة التي وقعت أيام حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وبيع فيها الغاز المصري بأقل من دولار لإسرائيل، فيما كان سعره يراوح بين 6 إلى 8 دولارات في السوق العالمي. وانتهت مصر إلى مواجهة أزمة غاز واضطرت إلى شراء الغاز بأكثر من 10 دولارات من السوق العالمي في السنوات الأخيرة.

وفي هذا الصدد، تشير إحصائيات منظمة التنمية والتعاون الدولي إلى أن الدول الأفريقية تخسر سنوياً حوالى 25% من إجمالي الناتج المحلي الأفريقي، وهو ما يعادل 148 مليار دولار، بسبب الفساد السياسي.
ثانياً: حرمان القطاعات الفقيرة في المجتمع من تنمية قدراتهم وتحقيق مستوى معقول من العيش الكريم. تقول تقارير في هذا الصدد إن الفساد يستهلك ميزانيات الصحة والتعليم والتنمية الريفية. كما أن الفساد يطاول المساعدات التي تصل للدول الفقيرة من الدول الغنية والمؤسسات متعددة الجنسيات مثل البنك الدولي وبرامج الأمم المتحدة.

ويشير تقرير منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي في هذا الصدد، إلى أن مبالغ تراوح بين 20 إلى 40 مليار دولار من المساعدات المالية الرسمية التي تقدم لدول العالم النامي تهدر بسبب الفساد.
ولاحظ مراقبون لتوزيع المعونات والمساعدات في بعض الدول الأفريقية، ومن بينها السودان، أن مواد الإغاثة والمعونات تباع في الأسواق، بدلاً من أن توزع على المواطنين الذين يستحقون هذه الإعانات والمواد الإغاثية.

يضاف إلى هذا، فإن الفقراء لا يتمكنون من الحصول على الخدمات المجانية في الصحة بعدد من الدول، إلا بعد دفع رشاوى، كما أن خريجي الجامعات من الطبقات الفقيرة عادة لا يتمكنون من الحصول على وظيفة مناسبة، لأنهم لا يملكون "واسطة" في المؤسسات والوزارات الحكومية.

"الفساد يقود تلقائياً إلى إفقار الشعوب وعزل الدولة عن المواطنين لتصبح شركة خاصة"

ولاحظت دراسة متخصصة أن المحسوبية والرشوة أصبح يُنظر إليهما في العديد من الدول العربية والأفريقية على أنهما سلوك عادي ومرغوب فيه، وليس كجريمة اقتصادية. وهذا أمر خطير يقوّض المؤسسات الحكومية، حسب تقرير منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.

ثالثاً: يقود الفساد إلى الحروب الأهلية، ففي أفريقيا تم التهجير قسراً لعدد من القبائل من مناطقهم لأنها تحتوي على ثروات طبيعية يريد الحاكم المتحالف مع شركات دولية استغلالها، دون الحصول على موافقة هذه القبائل أو الجماعة أو منحهم حقوقهم من هذه الثروات.

وعادة ما يفتعل الحكام الفتن القبلية لأخذها كذريعة للتهجير. ويدفع الحكام، وبمساعدة شركات دولية، مبالغ طائلة لجماعات مسلحة للقيام بعمليات نهب في سبيل إرعاب القبيلة أو الجماعة التي يريدون تهجيرها.

رابعاً: الفساد ينهي الثقة بين الدولة والمواطنين ويقود تدريجياً إلى سقوط الدول وإشاعة الفوضى. وهذا ما حدث ويحدث حالياً في العراق وسورية وليبيا التي تشهد حروباً أهلية وعرقية. حيث أنهى الفساد "دولة المواطنة"، بتقديم الانتماء العرقي والطائفي على الحقوق الأساسية للمواطن. وهو ما يقود حالياً إلى عمليات التقسيم والتجزئة في العالم العربي وأفريقيا.

 

موسى مهدي - العربي الجديد

 

go top