الصحافة الاستقصائية

دعوات لإعادة النظر في عقود الإمتياز الممنوحة للقطاع الخاص، و دراسة الفرص البديلة الضائعة..واستكمال المنظومة القانونية

دعوات لإعادة النظر في عقود الإمتياز الممنوحة للقطاع الخاص، و دراسة الفرص البديلة الضائعة..واستكمال المنظومة القانونية

تبنت السلطة الوطنية الفلسطينية منذ قيامها في العام 1994 توجهات اقتصادية تقوم على اساس اقتصاد السوق الحر والمفتوح، حيث مارست بعض عمليات الخصخصة، ومنحت القطاع الخاص عددا من عقود الإمتياز (التي تمثل نوعا من أنواع الإحتكار) لإدارة المرافق العامة واستغلال الموارد الطبيعية، خاصة خلال المرحلة الأولى من نشأتها، فكيف اعطيت عقود الإمتياز؟ ولمن؟ وهل تمت بموجب سياسة واسس تنافسية شفافة، بغية الحصول على افضل خدمة وسعر بشكل تُحفظ فيه مصلحة الجمهور والخزينة؟ هذه بعض الأسئلة التي تحاول صحيفة الـحدث الفلسطيني ان تجيب عليها، من خلال هذا التحقيق الذي استمر العمل عليه قرابة 3 اشهر.

قرارات ارتجالية… وعلاج الإقتصاد بالصدمة

المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن) اصدرت في شهر ايار2015 دراسة القت الضوء من خلالها على  سياسات الخصخصة وعقود الإمتياز الممنوحة للقطاع الخاص منذ نشأة السلطة الوطنية الفلسطينية، ومنها قطاعات (الطاقة، الإتصالات، النقل والمواصلات، المدن الصناعية، النفط والغاز، عقد بيع الرمل، واستيراد الحصمة والإسمنت،…الخ) فصّلت بعضها كنماذج، وقد ابرزت الدراسة بحسب مديرعام المؤسسة الدكتور جورج جقمان أنه و في المراحل الأولى  من عمر السلطة على الأقل” كان هناك غياب للتخطيط والسياسة المركزية المتعلقة  بالخصخصة ومنح الإمتيازات، الأمر الذي اتاح المجال لقرارات فردية اساسا بشكل كان فيه تعارض في المصالح والأدوار، اضافة إلى ان معظم تلك الإتفاقيات تمت دون دراسات اقتصادية معمقة أواستراتيجيات شاملة للتعامل مع القطاعات الحيوية، ودون تشكيل اللجان الفنية من خبراء ومستشارين لدراسة الجدوى الإقتصادية لادارة هذه القطاعات قبل اختيار الأسلوب المناسب في ادارتها،  ما يعني ان صياغة الإتفاقيات لم تكن دائما من قبل مختصين، الأمر الذي تسبب في اتخاذ قرارات خاطئة من منظور الحاجات الوطنية الفلسطينية، وهدر العائدات المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية في كثير من الأحيان”.

وقد وافقه الرأي رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية السابق واستاذ الإقتصاد السياسي  في جامعة النجاح  الدكتور محمود ابوالرب  والذي اوضح يقول” تم  تحويل القطاع العام بدون مقدمات للقطاع الخاص عبر قرارات ارتجالية، دون الإستناد لدراسة مهنية سليمة، على اعتبار اننا نريد توفير مصادر تمويل لخزينة السلطة! وكأنه علاج اقتصاد الأراضي المحتلة بالصدمة بشكل كامل، الأمر الذي أدى لأن يدفع المواطن الثمن الكبير”.

        مدير عام اللجان البرلمانية في المجلس التشريعي، ومقرر اللجنة الإقتصادية فيه للفترة من (1999-2005) الدكتور أحمد ابودية، والذي ساهم في إعداد دراسة (مواطن) أفاد قائلا” لم يكن يمر على المجلس التشريعي ولا على اللجنة الإقتصادية أي عقد من عقود الإمتياز التي وقعت سابقا، لا اتفاقية الكهرباء ولا الإتصالات ولا غيرهما! علما أن اللجنة كانت هي نفسها من تبادر وتبحث وتحصل احيانا على المعلومات، بفضل تعاون اعضاء من المجلس التشريعي كانوا اعضاء في اللجنة الإقتصادية، والذين شغلوا مناصب متصلة بتلك القطاعات، فاتاحوا لنا الوصول للمعلومات وزودونا بالإتفاقيات الموقعة، في حين اننا لم نتمكن من الحصول على بعض الإتفاقيات إلا بعد مرور (4-5سنوات) كما في اتفاقية انشاء وادارة وتشغيل الهاتف الثابت والمحمول الممنوحة لشركة الإتصالات الفلسطينية المساهمة العامة(  PALTEL )الموقعة في العام1996. وفي أحيان أخرى لم نحصل على الإتفاقيات نهائيا، كما في اتفاقية التنقيب عن الغاز في البحر مقابل شاطيء غزة عام1999 الممنوحة لشركة بريتش غاز البريطانية، بالتالي نعم في المراحل الأولى  من عمر السلطة على الأقل، لم يتم تشكيل اللجان الفنية من خبراء ومستشارين لدراسة الجدوى الإقتصادية لإدارة القطاعات التي منحت عقود امتياز “.

      لكن مدير عام الإدارة العامة للسياسات والدراسات في وزارة الإقتصاد الوطني والناطق الرسمي باسمها الدكتور عزمي عبدالرحمن، نفى أن يكون هناك تخبط وغياب للسياسات المتعلقة بعقود الإمتياز”عقود الإمتياز تمت بناء على عملية وسياسة مدروسة، من خلال تطبيق أهداف محددة بالكامل، فإما انها نظمت بقانون أو وفق تعليمات مجلس الوزراء”.

 

منح عقود الإمتياز دون منافسة

   بحسب الدراسة فإن بعض عقود الإمتياز خاصة في المرحلة الأولى من نشوء السلطة تم منحها منحا، وذلك من خلال نصوص متفرقة في قوانين وتشريعات، دون ان يتم اختيار صاحب الإمتياز من خلال اجراءات تنافسية شفافة، عبر طرح عطاء عام مفتوح  للشركات المؤهلة والمسجلة  كشركات مساهمة عامة، ومن الامثلة على ذلك عقود(الإتصالات، الكهرباء، التنقيب عن الغاز،  بيع الرمل، استيراد مادة الحصمة، والإسمنت).

        اللجنة الإقتصادية بحسب مقررها” لم تجد آنذاك أي عطاء او استدراج عروض مرتبط بعقود منح الإمتياز باسم السلطة، ما يعني انه و في بداية عمل السلطة كانت العقود تمنح منحا، ومن الأمثلة الصارخة على ذلك عدم طرح عطاء عام في فلسطين لانشاء وادارة وتشغيل الهاتف الثابت والمحمول، حيث تم منح العطاء لجهة اقنعت السلطة بأنها قادرة على ادارة وانشاء هذا القطاع، بعد تعهدها بسداد اية غرامات ناتجة عن فسخ العقد مع الشركة الأجنبية( TNT)، وهذا المثال وحده يكفي!”.

        وذلك ما أكده مستشار الرئيس لشؤون تكنولوجيا المعلومات ، ووزير الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق، الدكتور صبري صيدم” عقد الإمتياز والرخصة المتعلقة بشركة الإتصالات الفلسطينية (  PALTEL ) تم منحها  منحا ودون تنافس، كما اتفق على تعويض الشركة الأمريكية، التي سبق وأن منحت تلك الرخصة بعد تفاوض احد المسؤولين معها”.

     وهو الأمر الذي لم ينفيه الرئيس التنفيذي لمجموعة الإتصالات الفلسطينية عمار العكر ” صراحة كانت هناك اكثر من جهة مهتمة في قطاع الإتصالات، وكان هناك شبه قرار باعطائها لبعض الشركات الأجنبية، لكن معظم كبار المستثمرين الفلسطينيين، أنشؤوا تجمعا وتوجهوا للرئيس الراحل، وطالبوه بان لا يعطى هذا القطاع لجهات اجنبية كانت لها مصالح مرتبطة ببعض الشخصيات الفلسطينية النافذة في ذلك الحين، حيث كنّا نعرف أن الشركة ليست أمريكية بالخالص، وإنما فيها بعض المساهمين ممن يحملون الجنسية الأمريكية، ومسجلة أصلا في جزر الكاريبي وغيرها من الجزر، وأنها مجرد غطاء  لبعض الشخصيات آنذاك،  فكان القرار بأن يعطى العقد للمستثمرين الممثلين لكل راس المال الفلسطيني،  على ان تكون الشركة مساهمة عامة، مملوكة منذ البداية لآلاف المستثمرين من الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ، وأن يكون لكل مستثمر كبير نسبة من اسهم الشركة من أجل تشجيع الناس على المساهمة واعطاء الثقة لهذه الشركة، على ان لا تزيد نسبة الأسهم لكل مستثمر كبير عن 5%، وهذا ما تم بعد ان الغيت الإتفاقية مع الشركة الأجنبية، فقمنا في العام 1996 بدفع مبلغ مالي مقدما للسلطة، إضافة إلى نسبة مشاركة السلطة المنصوص عليها في الأتفاقية  البالغة 7% من الإيرادات إضافة لضريبة القيمة المضافة والدخل، علما أنه وبعد النزاع القانوني ما بين تلك الشركة الأجنبية والسلطة، ساهمت  شركة الإتصالات في  تسديد جزء من الغرامة المالية  نتيجة الحكم الذي حكم فيه ضد السلطة في المحاكم الأمريكية، على الرغم من اننا لم نكن جزء من هذه الإتفاقات “.

           كما دافع عمار العكر عن فكرة المنح دون عطاء في القطاعات الخدماتية الكبرى” المنح أفضل خيار ومدخل بالقطاعات الكبرى، فلو طرحت كعطاء لما تقدم احد وكان مهتم، بدليل عطاء التنقيب عن النفط الذي نشر أكثر من مره ، ولم يقدم للتنافس عليه أحد غير المستثمرين المحليين، وذلك لأن سوق فلسطين صغير جدا، وغير منافس بشكل كبير ومغري بالنسبة للشركات العالمية الكبرى، علما ان المنح لم يقتصر على قطاع الإتصالات، فذات الأمر تم في قطاعات أخرى، إذ ليس لفلسطين سوى اهلها كي يستثمروا فيها ويبنوا اقتصادها”.

         ذات الأمر تم في عقد الإمتياز لبناء محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة، والممنوح لشركة  كهرباء فلسطين عام1998، وذلك ما حدثنا عنه رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الدكتور عمر كتانه” في ذلك الوقت نشرت سلطة الطاقة عطاءات تكنولوجيا، فتقدمت في وقتها 8 شركات عالمية 4 امريكية و4 اوروبية، ونظرا لعدم توفر المقدرة لدينا في ذلك الحين على تقييم تلك العطاءات، قام البنك الدولي  بتعيين شركة استشارية من نيويورك ، حيث حضر مختصين منها وقيموا تلك العطاءات، ففازت شركة ( ABB ) السويدية، بائتلاف مع شركة(Alstom ) الفرنسية، ولا نزال نحتفظ بتلك العطاءات . أما بخصوص بناء محطة توليد الكهرباء، ولأنه لا يكفي ان تعمل عطاءات للتكنولوجيا حيث انك بحاجة لتمويل هذه التكنولوجيا،  فتم اتحاد وانشاء شركة لذات الغرض من بين مركبات القطاع الخاص، وحثهم الرئيس الراحل آنذاك على طرح25% من الأسهم كمساهمة عامة،  وفعلا وقع مع الشركة عقد شراء الطاقة لمدة 20 سنة اعتبارا من يوم الإنتاج التجاري الذي بدأ في العام2003، بعد ان اعطيت حق البناء في العام 1998، علما أن هناك رسوم  ترخيص مفروضة نص عليها القانون، أما بخصوص المبلغ المقطوع فلم يكن هناك قانون يحكم ذلك، ولو قدر لهذه المحطة ان توقع حاليا على هذه الإتفاقية، لكان أحد شروط الترخيص ايداع شيك لدى وزارة المالية يساوي قيمة الترخيص للسنة الأولى”.

 

ثغرات عقود الإمتياز

       القرارات الغير مدروسة، وفوضى التعامل مع الموضوع،  تمخض عنها ثغرات في بعض الإتفاقيات المبرمة، إسناد وجودها في بعض العقود التي تم التركيز عليها بحسب اطلاعنا على الدراسة، تم بناء على مجموعة من التقارير التي اعدها قانونيين ومستشارين في المجلس التشريعي آنذاك(حيث ناقشوا بعض تلك الجوانب مثل شركة كهرباء غزة)، إضافة لتقارير معهد ابحاث السياسات الإقتصادية  الفلسطيني(ماس) والتي اشارت بشكل دقيق لبعض الثغرات”.

(هدر المال العام)

      كبعض الصفقات التي عقدت بين بعض المتنفذين من القطاعين العام والخاص والتي جاءت على حساب الخزينة العامة، و تمليك بعض الشركات التي منحت امتيازا لادارة قطاع او مرفق معين، او حتى الحق في بيع الإمتياز وما يترتب عليه من حقوق للشركة إلى طرف ثالث ، وما تضمنته بعض الإتفاقيات من التزامات  مالية على السلطة تجاه هذه الشركات تفيد الدراسة.

        حيث اوضح الدكتور احمد ابودية  جانبا من ثغرات اتفاقية شركة كهرباء فلسطين” الإتفاقية الأولى التي وقعت مع الشركة عام 1998، لم تكن تعطي الشركة إدارة المرفق فقط، بل كانت تمنحها الإمتياز على الأرض، وامتياز على بيع جزء منه لجهة أخرى، لكن تعقب تقرير اللجنة الإقتصادية بالخصوص، أُخذ بعين الإعتبار، فوقعت مذكرة اضافية تابعة للإتفاقية الأساسية تنص على أن ذلك لا يعطي الشركة حق بيع الإمتياز لطرف ثالث، او ان تتملك الأرض القائم عليها المشروع، وغيرها من الأمور التي هي من حق السلطة”.

        كما أنه وبحسب الدراسة  فقد ترتب على السلطة العديد من الالتزامات  من قبيل ضمان استمرار توريد السولار الصناعي الخاص بتشغيل المحطة بكامل طاقتها، كما أُلزِمت السلطة بتعويض الشركة بقيمة الفرق بين الطاقة الكاملة لانتاج المحطة، وبين ما يتم انتاجه فعلا.

       وزير الحكم المحلي السابق الدكتور خالد القواسمة أكد “اننا و في موضوع الطاقة  فنحن نشتري الكهرباء من شركة كهرباء غزة سواء قاموا بتوليدها أو لم يولدوها، ما يعني انهم يولدوا لحساب السلطة ، فإذا اخذت السلطة الكهرباء استفادت وإن لم تأخذها فلهم عمولتهم!.

       وقد رد رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية قائلا” ما تنص عليه الإتفاقية  انه إذا لم تكن لدينا خطوط استيعاب للطاقة، وهم قادرين على انتاج الطاقة فندفع ثمنها، بمعنى انه لو لم تولد المحطة نظرا لذلك، فإننا ندفع ثمن ما كان يجب ان تولده لأننا المسؤولين عن ذلك، والحقيقة اننا حاولنا ان نتوصل لإتفاق بهذه الجزئية، فتبين قانونيا ان فتح الإتفاقية له عواقب، بالتالي فضلنا الإتفاق مع الشركة حين كان الدكتورسلام فياض وزيرا للمالية ، فتم التوصل الى نقاط معينه، بعضها طبق وبعضها لم يطبق، أما بخصوص الآلية او الأسعار فهي موجوده لكنها مرتفعة”.

        وأتبع يقول الدكتور عمر كتّانه” بعد عام2009 كنّا محكومين بقانون الكهرباء، فنشرنا عطاءات لإقامة محطة توليد كهرباء،  ووضع مجلس الوزراء خمس شروط لإقامتها، اهمها ان تؤمن الشركة الفائزة اتفاقية لشراء الغاز لهذه المحطة قبل اقامة المحطة،  فمن توليد الطاقة في غزة تعلمنا ان استخدام  الوقود كوقود رئيسي للمحطة غالي الثمن خاصة مع ارتفاع اسعار البترول، اضف إلى ذلك أن الغاز هو الأفضل كوقود للمحطات، وإحدى الشركات حصلت على اتفاقية غاز مع شركة اسرائيلية، لكنها لم تستطع ان تفي بمتطلبات هذا الإتفاق فألغي، وأوقفنا كل شيء لغاية الآن ، والشركة الآن في مفاوضات مع شركة( بريتش غاز) التي لديها امتياز التنقيب وتطوير حقل الغاز”.

      وأضاف” أما القول بأن الشركة صاحبة التصرف اونقل الملكية او البيع لطرف ثالث، فهذا الكلام مردود وغير صحيح، ففي الأحكام الختامية للإتفاقية هناك حالتين،  حالة انتهاء عقد الشراء لـ20 سنة فتستطيع التجديد لـ5 سنوات أخرى، أو ان تشتري بقيمتها في ذلك الزمن وهذا فقط للحكومة، وهي ما تسمى (BOT) أي اعادة تحويل ملكية المشروع ، الحالة الثانية الظروف القاهرة، ففي حالة عدم قدرة الشركة على القيام بأعمالها يجوز للحكومة شراؤها، حتى  أن قانون الكهرباء الساري المفعول، والتنظيمات المنبثقة عنه، تشير بشكل واضح انه لا يمكن بيع او التصرف او نقل الإمتياز في قطاعات الطاقة الثلاث (التوليد،النقل،التوزيع) الا بقرار من مجلس الوزراء، بالتالي فإن القانون جاء لينهي أي ثغرات قد تكون موجوده في قطاع الكهرباء”.

(حرمان الخزينة من الرسوم والضرائب…واستغلال حاجة السلطة للموارد المالية)

الإعفاءات..ثغرات ام حوافز

       حيث ابرزت الدراسة ، ان العقود التي ابرمت بشكل متسرع، ادت لحرمان الخزينة من ايرادات كانت متأتية من الرسوم والضرائب والأرباح نتيجة لسوء التقدير للمردود المالي، وغياب الآليات المعتمدة الموحدة الخاصة بتحصيل الإيرادات المستحقة، أو عدم الوضوح في تلك العقود،  بشكل أدى لتمتع الكثير من الشركات  بالإعفاءات من الكثير من الضرائب والرسوم بنص قانون تشجيع الإستثمار.

     الدكتور خالد القواسمة قال انه وبالذات في مراحل السلطة الأولى، الكثير من الشركات  لم تدفع رسوم الترخيص المطلوبة، وأخذت اعفاء من ضريبة الدخل لـ20و30 سنة بهدف جلب الإستثمار، وأضاف” ومن الأمثلة الحية ان شركة الإتصالات الفلسطينية المالكة لشبكة الخطوط السلكية في كل المناطق، تقوم بتركيب الأعمدة و تستخدم البنية التحتية  والمرافق العامة،  دون ان تدفع رسوم استخدام البنية التحتية ، بدعوى ان عقد الإمتياز الممنوح لهم يعطيهم هذا الحق! في حين ان من يستخدم الشارع العام المملوك للبلد من المفروض يدفع ضريبة او رسوم اشتراك لهذا الأمر “.

     فيما أكد الرئيس التنفيذي لمجموعة الإتصالات الفلسطينية أن الإعفاءات من الرسوم والضرائب التي حصلت عليها الشركة، كانت بموجب قانون تشجيع الإستثمار الساري في ذلك الحين، واضاف” بالتالي نحن لم نكن نستغل حاجة السلطة  للموارد المالية، بالعكس فإن هناك بند في الإتفاقية ينص على انه ان قلت نسبة الضريبة عن مبالغ معينة، فيتم تعويض السلطة من خلال نسبة المشاركة في الإيرادات، وسبق ان حدث ذلك حين كان هناك خلاف مع السلطة في تفسير بعض البنود، حيث لجأنا لمحكمين من إحدى شركات التدقيق والحسابات العالمية، والذين حكموا  في بعض البنود لصالحنا والبعض الآخر لصالح السلطة ، وفعلا دفعنا مبالغ للسلطة، وتم تسوية هذه المبالغ في ذلك الحين،  بالتالي لم نحصل على أي امتياز إلا ضمن القانون وضمن المعايير العالمية، ولا يوجد أي افضلية ضريبية لدى أي من شركات مجموعة الإتصالات الفلسطينية”.

       بدوره قال الرئيس التنفيذي لهيئة تشجيع الإستثمار الفلسطينية التي تأسست في العام 2001، المكون مجلس ادارتها الحالي من أحد عشر عضوا(6) منهم من القطاع العام،  فيما البقية من القطاع الخاص، والهادفة لتطبيق نصوص قانون تشجيع الاستثمار، عبر تسهيله ومنح الحوافز للمستثمرين، إلى جانب تبني الخطط والبرامج التي  تساهم في توفير المناخ الاستثماري المناسب ورفع التوصيات بها، هيثم الوحيدي ان الإعفاءات التي حصلت عليها شركة الإتصالات الفلسطينية، كانت بناء على نص قانوني صريح حول امكانية منح الإعفاء ان حصل المستثمر على موافقة مسبقة من مجلس الوزراء حسب قانون تشجيع الإستثمار في العام 1998 ، حيث تنص المادة 4 على أنه(تتمتع المشاريع بالإعفاءات والمزايا المنصوص عليها في احكام القانون، وينطبق ذلك على جميع مجالات الإستثمار، باستثناء القطاعات والمجالات التي تحتاج الى موافقة مسبقة من مجلس الوزراء قبل المباشرة بها) وكان من بين تلك القطاعات السبعة الإتصالات السلكية والاسلكية، وهذا ما تم، من خلال احضارهم للموافقة المسبقة، بالتالي نؤكد على ان الإعفاءات تعطى للمستثمرين بحسب القانون، والقانون الحكم بيننا، علما ان قانون تشجيع الإستثمار تم تعديله 4 مرات حتى الآن منذ قدوم السلطة”.

          الأمر الذي اكد عليه الدكتور عمر كتانة، بما يتعلق بالإعفاءات التي حصلت عليها بشركة كهرباء فلسطين” تلك الإعفاءات كانت تنفيذا لقانون الإستثمار، والهادفة لجلب استثمارات تفوق 100 مليون دولار لبناء وانشاء محطة توليد في ذلك الوقت”.

      فيا رفض مدير عام الإدارة العامة للسياسات والدراسات في وزارة الإقتصاد الوطني اعتبار تلك الإعفاءات على انها ثغرات في الإتفاقيات ” الإعفاءات الضرائبية ومثيلاتها في عقود الإمتياز ليست ثغرات وإنما حوافز تستند لنصوص قانون تشجيع الإستثمار، بالتالي فهو ليس استغلال لثغرات وإنما تطبيق لنصوص قانون ينظم الحياة الإقتصادية، وعملية الإستفادة من الشرائح أو الإعفاءات الضرائبية، علما أن تلك البنود لا تنفرد بوضعها الحكومة أو وزارة الإقتصاد الوطني، حيث ان تلك القرارات مبنية بالتكامل والتشاور مع القطاع الخاص، والتعديلات التي تتم على بنود القانون نسعى من خلالها لتشجيع وتحفيز الإستثمار في الحياة الإقتصادية”.

 

(غياب المرجعيات القانونية الواضحة)

     الثغرات والاحتكارات طويلة المدى في عقود الإمتياز التي منحت بقرارات فردية اساسا، ركزت الدراسة ان من أهم اسبابها غياب المرجعيات والأطر القانونية والتشريعية والمؤسسية الضابطة لعملية منح الإمتيازات ، التي تتضمن القواعد الأساسية  الواضحة التي تنظم العلاقات والحقوق والواجبات، كقانون الإمتياز، وقانون المنافسة و منع الإحتكار والمنافسة، وقانون الافصاح، وقانون منع تضارب المصالح، كذلك أنها تمت  قبل اصدار القانون الأساسي عام2002 .

    وهو الأمر الذي تناوله المستشار والخبير القانوني المحامي بلال البرغوثي مدير عام شركة الثقة للخدمات القانونية، والمستشار القانوني لمؤسسة أمان ” القانون الأساسي الذي يعتبر المرجعية الدستورية  نص على ان الإمتيازات تمنح بموجب قوانين، بالتالي فالإشكاليات المتعلقة بعقود الإمتياز بشكل عام، غالبا ما كان المتسبب فيها غياب تلك المرجعيات القانونية الواضحة، حيث ابرمت الإتفاقيات دون استكمال المرجعيات القانونية، بالتالي في ظل غياب الإطار القانوني أو المنظومة قانونية متكاملة ، إضافة للفراغ التشريعي لا يمكننا ان نعرف مدى أو مقدار الشفافية التي تمت! الأمر الذي قد يثير الشكوك حول تضارب المصالح أو الواسطة”.

        عدم اكتمال المنظومة القانونية في ذلك الوقت، كانت  له آثار على الحكومة وعلى القطاع الخاص يقول رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية، الذي أضاف” في بداية عمر السلطة لم يكن هناك قانون نحتكم اليه، وهذه النقطة يبدو انها كانت غائبة، فلو تضمنت تلك العقود مواد تشير انه في حال استكمال الأنظمة والقوانين تعاد دراسة هذه العقود، وان يتم تعديلها بما لا يجحف في حقوق الشركة، لأمكن فتح تلك العقود في مختلف القطاعات، أما الآن فهناك اسس تحكيمية  جيدة مستندة لأنظمة عالمية في هذا الموضوع قيمت جيدا مع المؤسسات والمنظمات التي نتعامل معها(رغم عدم وجود قانون متكامل).

   حق تعديل اتفاقيات عقود الإمتياز

        كما اوضحت الدراسة إلى ان الإدارة(وهي هنا السلطة) تملك بارادتها المنفردة تعديل  هذه العقود  بغير ان يحتج عليها بقاعدة الحق المكتسب او بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين، استنادا الى ضرورة تسيير المرفق العام على نحو ملائم.

       غير أن وزير الحكم المحلي السابق لا يعتقد أن بالإمكان ان تقدم الحكومة على  تعديل الإتفاقيات من طرف واحد” لتلك العقود خط زمني عليك ان تلتزم به، وأجل محدد عليك ان تلتزم بها وبمضمونها، لكن بعد نهايتها يمكن إجراء  دراسة معمقة لتلك العقود، حيث يفتح باب المنافسة للشركات الأخرى، وفق اجراءات واضحة وشفافة”.

        من جانبه رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية ، ان إعادة النظرفي عقود الإمتياز تحدث حين يكون هناك اختلاس أو تطبيق للإتفاقية بطرق غير نزيه، أو حتى إذا ما كانت عدادات الكهرباء الضخمة لا تعمل وهكذا، بالتالي “إذا كان هناك حاجة لتدخل حكومي يتم ذلك، ودعني اقول في هذا الإطار اننا بصدد القيام بتدخل حكومي، غير اني لن اعلن الآن عن طبيعة التدخل الذي قد يكون تغيير مجلس ادارة أو وقف حسابات.. إلخ”.

 

مطالبات

       وزير الحكم المحلي السابق الدكتور خالد القواسمة أكد على انه ” وبعد حوالي 20 سنة من عمر السلطة، فإن هناك ضرورة ملحة لإعادة النظر في مثل هذه العقود وبحثها من جديد، ففي قطاعي الماء والكهرباء على سبيل المثال لدينا اشكاليات كبيرة بحاجة للمعالجة وايجاد الحلول لها، وأعتقد ان القطاع الخاص بإمكانه المساهمة في حل هذه المشاكل، شرط توفر معايير الشفافية والنزاهة لتلك الحلول، كي لا يتحول الدور الأيجابي الممكن ان نعطيه للقطاع الخاص إلى دور سلبي”.

     وفي ذات الإطار تحدث  مستشار الرئيس لشؤون تكنولوجيا المعلومات، وزير الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق الدكتور صبري صيدم” جرى ما جرى، المهم اليوم ان تتم عملية تنظيم القطاعات، وهي عملية لا تقل اهمية عن تحرير القطاعات المختلفة، كما لا بد من اعادة النظر في منظومة الأستثمار على ارضية تتوافق وحالتنا الفلسطينية،  لأننا لا زلنا نعيش تحت احتلال، مع الأخذ بالإعتبار ان عدم اعطاء الحوافز هو حكم بالإعدام، بالتالي نحن بين المطرقة والسندان.

     وذلك ما ذهب اليه استاذ الإقتصاد السياسي  في جامعة النجاح ، ورئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية السابق، الدكتور محمود ابوالرب”هناك حاجة لإعادة النظر في كل النظام الإداري والمالي والسياسي  والإقتصادي في البلد، ووجود قوانين وأنظمة عصرية حديثة تنظم الوضع وتنقلنا الى مرحلة افضل من المراحل التي نحن فيها، ومن بينها  قانون شركات عصري، سواء من قبل المجلس التشريعي أو قرار بقانون، كذلك فنحن بحاجة لدراسة علمية مبنية على اسس مهنية محاسبية دقيقة، على اساس دراسة تكلفة الفرصة البديلة فيما لو بقيت تلك المؤسسات بيد السلطة، علما ان الغالبية العظمة ترى أن القطاع العام دائما يخسر، لكن ذلك غير صحيح،  وإن حدث ذلك، فلأن من يدير القطاع العام غير كفؤ، بالتالي اذا ما ادير القطاع بشكل جيد، فمن الممكن أن يكون أكفأ من القطاع الخاص، ومثال ذلك دبي”.

      بدوره أكد مدير عام اللجان البرلمانية في المجلي التشريعي، ومقرر اللجنة الإقتصادية الدكتور احمد ابوديه على مدى الحاجة لوجود مختصين اقتصاديين لدراسة  قيم  وحجم الفرص الإقتصادية  والمالية الضائعة في بعض العقود جراء ذلك.

     من جهته قال مدير عام المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن)الدكتور جورج جقمان عن انه”   ورغم ان الدراسة لم تسعى لرصد ارقام مادية لخسائر مادية ممكنة، إلا  ان السياسات الحالية المتعلقة بعقود الإمتياز ستؤدي إلى خسارة مادية بغض النظر عن قيمتها، عليه ندعو لضرورة اعادة النظر في تلك العقود( خاصة مع انتهاء فترة العقد) بناء على سياسة وليس كقرار تنفيذي من وزير ، حيث بدى ان السلطة تتفادى تبني سياسة اقتصادية شاملة، وهنا تأتي مسؤولية المجلس الوزاري  في بلورة رؤيا لدور القطاع الخاص، التي تتعدى نطاق العمل البيروقراطي لأي موظف داخل أي وزارة، الذي عمله تنفيذي ليس اكثر او اقل”.

  الرئيس التنفيذي لهيئة تشجيع الإستثمار الفلسطينية هيثم الوحيدي قال ان على الحكومة” أن تهيئ مناخاً قانونياً لقيام القطاع الخاص بهذه الاستثمارات الكبيرة، وان يتم تفعيل دور الهيئات والأجسام الرقابية  لمنع ظهور الاحتكارات، وأن يكون لديها آلية للمراقبة بعد مصادقتها على عقود الإمتياز”.

      بدوره قال المستشار والخبير القانوني المحامي بلال البرغوثي مدير عام شركة الثقة للخدمات القانونية، المستشار القانوني لمؤسسة أمان” أنه لا بد أن  يكون لدينا قانون يتعلق بمنح الإمتيازات العامة، والذي يحدد التفاصيل والإعتبارات التي فرضت عليك كحكومة لاعطاء أو منح الإمتياز، عبر مذكرة تفصيلية ترفق بكل اتفاقية بموجب القانون ويصادق عليها المجلس التشريعي”.

       يبقى ان نشير إلى انه لغاية انجاز هذا التحقيق،   لم نتلقى ردا على طلب اجراء مقابلة مع رئيس الهيئة العامة للمدن الصناعية والمناطق الصناعية الحرة، كما لم نتلقى ردا حول طلب ما يتوفر من معلومات حول موضوع عقود الإمتياز لدى كل من هيئة مكافحة الفساد، وديوان الرقابة المالية والإدارية، فيما اعتذرت  (شركة كهرباء فلسطين) عن إجراء المقابلة بالخصوص لاعطائها حق الرد.

 

[email protected]

>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>

عقود الامتياز الممنوحة للقطاع الخاص

غياب سياسة عامة واضحة وإطار تشريعي مكتمل ادى لمنح عقود امتياز بطريقة متسرعة تمخض عنها بعض الاحتكارات التي انعكست سلبا على المواطن

تحقيق: هيثم الشريف

بالتعاون مع الإئتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)

 

     قد لا يكون منح الإمتياز كاحتكارات في الوضع السياسي الغير مستقر قرار خاطيء، فلربما يكون ذلك أمرا مطلوبا وضروريا لتحفيز الإستثمار، لكن المهم في الموضوع إذا ما كان ذلك ينطبق على كل الإمتيازات، إذ يجب ان لا تكون النمط السائد في كل الحالات، لتعارض ذلك مع منطق اقتصاد السوق المبني على اساس التنافس، ناهيك عن ضرورة معرفة تحت أي ظرف تمت تلك القرارات؟ وإذا ما تمت بشفافية ونزاهة؟ هذه الأسئلة وغيرها سنحاول تناولها من خلال هذا التحقيق، الذي استمر العمل عليه بضعة أشهر.

 

   فترة نشوء السلطة.. والحاجة  لموارد مالية

       أكثر عقود الإمتياز اشكالية كانت في بداية تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية ، حيث ابرمت بطريقة عشوائية ودون ان تستند إلى التشريعات، كما ان معظمها تم بشكل ارتجالي ومحسوبيات، قال وزير التخطيط والتنمية الإدارية السابق، نائب رئيس معهد ابحاث السياسات الإقتصادية الفلسطيني(ماس) عضو الهيئة العامة للإئتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) الدكتور غسان الخطيب، والذي اضاف” حتى ان لجانا في المجلس التشريعي اصدرت تقريرا تحدثت فيه عن العديد من المشاكل وخصوصا ما يتعلق بالإمتيازات، وبشكل مركز في قطاع الإسمنت والدخان وغيرهما”.

         بدوره قال وزير الإقتصاد الوطني السابق المهندس مازن سنقرط ان” خبرة السلطة المتواضعة منذ نشوئها هي من تسببت في هذا الأرباك في السوق الفلسطيني، التي نتج عنها الخسارة الفادحة في ان تكون مقدرات السلطة وامكانياتها مستدامة،  ولو اننا بدأنا عملنا بشكل سليم وبطريقة شفافة سادها القانون واسس الشفافية والحوكمة، لما كان هناك اشتراطات أو احتكارات أو هدر”.

      وزير الحكم المحلي السابق الدكتور خالد القواسمة قال أنه ” في فترة تأسيس السلطة لم تكن السياسات والقوانين واضحة، الأمر الذي نتج عنه الكثير من الأخطاء التي تحتاج للمراجعة”.

     عدم الوضوح في القوانين تطرق اليه وزير الإقتصاد الوطني السابق الدكتور حسن ابولبدة” التفسير الغامض لقانون تشجيع الإستثمار في المرحلة الأولى من عمر السلطة ، كان جزء من الأخطاء التي  وقع فيها المشرعين والمطبقين للأنظمة، حيث استفادت الشركات من ذلك، وحصلت على اعفاءات ضريبية لفترات طويلة “.

        ورغم أن ظروف نشأت السلطة جاءت مستعجلة يقول مستشار الرئيس لشؤون تكنولوجيا المعلومات، وزير الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق الدكتور صبري صيدم ، إلا أن اداءنا كان من الواجب ان يكون اكثر حذرا وإلماما بالنسبة لبعض القطاعات.

      نهج الخصخصة في بدايات عمر السلطة لم يكن موفقا في عدة قطاعات قال رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية السابق استاذ الإقتصاد السياسي  في جامعة النجاح  الدكتور محمود ابوالرب” وذلك لأن خصخصة بعض المنشآت المحلية تمت بشكل متسرع، ودون وجود دراسات قائمة على اساس صناعة القرار لمصلحة الوطن والمواطن، على اعتبار حاجة السلطة للحصول على ايرادات مالية سريعة، إلى جانب الرغبة في التماشي مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فيما يتعلق بالخصخصة، وما كل تلك الأمور سوى مبررات كانت في اذهان من اتخذ القرار،  متناسين أن دور الدولة ضروري جدا في المراحل الأولى من أجل بناء العملية الإقتصادية( إنطلاقا من انه و في المراحل الإنتقالية، دائما ما يكون الأمر محفوف بالمخاطر) وحين ينمو الإقتصاد بحماية الدولة ويكون راس مال القطاع الخاص قادر على النهوض بهذه المؤسسات، من الممكن تسليم هذه القطاعات للقطاع الخاص ولكن بشكل تدريجي، وهذا ما لم يحدث لدينا”.

        وقد وافقه القول مراقب عام الشركات في وزارة الإقتصاد الوطني الدكتور حاتم سرحان” أنا مع الدولة القوية في البداية، عبر قيام الدولة بواجباتها من خلال بناء وإدارة المرافق الخدماتية الأساسية ، لأن ذلك يمكّنها من تقييم و تقدير قيمة الخدمات المقدمة بشكل افضل، وإذا لم تقم الدولة بذلك فعلى الأقل عليها ان تجري دراسة مستفيضة لكل المرافق العامة المطروح خصخصتها او إبرام عقود امتياز بشأنها، على ان يسبق ذلك الإستنارة بخبرات الآخرين، والإطلاع على تجارب الدول الأخرى، قبل اتخاذ القرار نظرا لحساسية الموضوع، وأن له تبعات مالية مهمة، وحتى لا تشكل عبء على المواطن”.

      وفي المراحل الأخيرة من أنجاز التحقيق نُشرت دراسة اعدتها المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن) تناولت الإرث التاريخي للخصخصة في فلسطين، ركزت فيها على عقود الإمتياز التي تمت منذ قدوم السلطة، كما في قطاعات(الطاقة، والإتصالات، والسوق المالي، والمياه، والنقل والمواصلات وتخصيص اراضي الدولة، والتنقيب عن الغاز، والموارد الطبيعية ..وغيرها) جاء فيها انه جرت عمليات خصخصة لبعض القطاعات  ومنحت امتيازات لاستغلال املاك عامة وموارد طبيعية عامة  من خلال قرارات ارتجالية وبطريقة متسرعة وغير مهنية دون دراسة علمية غالبا او رقابة ، ودون مراعاة اسس الحوكمة الرشيدة في ادارة الموارد العامة تحت مبرر تأمين مورد سريع، مما كان له انعكاسات سلبية ما زالت آثارها قائمة حتى تاريخه، تمثلت بهدر المال العام او سوء استخدامه، ونشوء بعض الإحتكارات في بعض القطاعات.

       وقد أوضح ذلك مدير عام المؤسسة الدكتور جورج جقمان” لا يوجد إطار عام أو سياسة مركزية مرشدة تتعلق بالخصخصة ومنح الإمتيازات للسلطة الوطنية الفلسطينية، بمعنى وجود لامركزية مفرطة عبر قرارات من قبل كل وزارة دون تنسيق، في حين أن هكذا قرارات يلزمها قدر من المركزية، كأن يكون هناك فريق أو طاقم متخصص يشرف على الإتفاقيات في الجانب القانوني  ودراسة ابعادها التنفيذية والإقتصادية، إذ لا يمكن ايجاد فريق من هذا النوع في كل وزارة”.

     التضارب في المصالح

       كما أظهرت دراسة (مواطن)، ان بروز بعض مراكز النفوذ ذات المصالح الخاصة، ادى للنظر للموارد العامة كشكل من اشكال الأصول التي تريد السلطة السيطرة عليها، وأنه لذلك جرت عملية الخصخصة أومنح الإمتيازات أحيانا عبر تبادل المصالح، من خلال انشاء شركات خاصة مملوكة للسلطة أو شركات مساهمة عامة موجهة بتحالف وقيادة من بعض ممثلي القطاع الخاص المتنفذين، فلعبت تلك الشركات دورا هاما في احتكار بعض الخدمات، وذلك ما اعتبره مدير عام المؤسسة الدكتور جورج جقمان غير مقبول، اذا كان لهؤلاء المسؤولين دور في اتخاذ القرار الخاص بعقود الإمتياز التي قد يصبحون شركاء فيها، لأنه يوفر المناخ لتضارب المصالح، وهو الأمر الذي يعد من انواع الفساد”.

            كما تناول هذا الجانب  مدير عام اللجان البرلمانية في المجلس التشريعي ومقرر اللجنة الإقتصادية فيه للفترة من عام(1999-2005) الدكتور أحمد ابودية، الذي ساهم في إعداد الدراسة ” بعض المقربين من صناع القرار،  كانوا يدخلون السلطة بصفتها شريك في بعض هذه المشاريع، او يشكلون شركات عامة لتقوم باحتكار احد القطاعات العامة، كما في موضوع الإسمنت، والحصمة، ومشاركة السلطة القطاع الخاص بمحطات الوقود في فترة زمنية ما. أضف لذلك أن بعض المتنفذين في تلك المرحلة كانوا أحيانا يُرتبون لتوقيع بعض عقود الإمتياز والإحتكار، إما لأن هذا الإمتياز من الممكن ان يجذب الاموال للسلطة عبر تعهد الشركات المتعاقدة بدفع مبالغ مالية للخزينة العامة مقابل توقيع عقد الإمتياز او الإحتكار، أو لأن بعض هؤلاء المتنفذين كانوا يستفيدون شخصيا من ترتيب مثل هذه العقود”.

          

       الدراسة المشار لها استعرضت عددا من عقود الإمتياز التي ابرمت في المراحل الأولى من عمر السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي قالت انها تمت دون تنافس،  كمنح عقد امتياز لشركة كهرباء فلسطين من اجل بناء محطة توليد كهرباء في غزة عام1998( لمدة 20 عاما)، ومنح عقد امتياز  لشركة الاتصالات الفلسطينية لانشاء وادارة وتشغيل اتصالات الهاتف الثابت والمحمول  عام1996 (لمدة20 عاما بما يتعلق بالهاتف الثابت، و5 سنوات او عند الوصول الى 120 الف مشترك بالنسبة للهاتف المحمول)، والعقود المتعلقة ببيع الرمل واستيراد مادة الحصمة والاسمنت، وعقد الامتياز الممنوح لشركة بريتش غاز البريطانية للتنقيب عن الغاز  عام1999، وعدد من الامثلة الاخرى.

           وعقود الإمتياز الإحتكارية التي لم تتم وفق اسس التنافس يقول الدكتور حسن ابولبده هي عقود ليست في مصلحة الأقتصاد الوطني، وليس لها أي مبرر مهما كان نوعها، لأنها تنعكس سلبا من حيث الكلفة على المواطن” وهذا ما حدث بالدرجة الأولى  في قطاع الإتصالات والطاقة والإسمنت، حيث لم تحصل الدولة على افضل نتائج بالنسبة لمصلحة المواطنين،  في حين ان المفروض أن تمنح تلك العقود بناء على التنافس وتلقي العروض والأسعار بطريقة مهنية وشفافة من قبل الجهات المعنية الداخلية او الخارجية، على أن يتم التعاقد مع الجهة التي قدمت افضل عرض، مقابل قيام تلك الجهة بمجموعة التزامات مالية واقتصادية وبيئة، وأن تتقيد بمجموعة من الشروط والمحددات، وان يكون هناك رقابة على آلية تعاطيها مع هذه العقود، كما أن من الواجب أن تتضمن الإتفاقيات شرح مفصل حول عواقب او تبعات مخالفة شروط المنح، التي اذا ما تمت مخالفتها فُض الإتفاق”.

          وذلك ما تناوله الخبير القانوني مدير عام شركة الثقة للخدمات القانونية المستشار القانوني لمؤسسة أمان المحامي بلال البرغوثي ” معظم عقود الإمتياز المبرمة لم تراعي الظروف الاستثنائية التي يجوز أن يؤذن فيها للسلطة المتعاقدة منح امتياز دون استخدام إجراءات تنافسية، كأن تكون هناك حاجة ماسة إلى ضرورة استمرارية تقديم الخدمة، أو ان تكون تلك المشاريع قصيرة المدة، أو لدواعي الدفاع أو الأمن الوطني، أو في الحالات التي لا يوجد فيها سوى مصدر واحد قادر على تقديم الخدمة اللازمة، على ان تتم في تلك الحالات المستثناة  مراعاة  الإجراءات التي اشترطها القانون كما أوصى به دليل الأونسيترال التشريعي، ومنها أن تنشر السلطة المتعاقدة إشعارا عن اعتزامها منح امتياز لأجل تنفيذ المشروع المقترح، وأن تباشر المفاوضات مع أكبر عدد تسمح به الظروف من الشركات التي يُرتأى أنها قادرة على القيام بالمشروع، إضافة إلى ضرورة ان تُقيّم العروض، وأن وتُرتب بدرجات وفقًا لمعايير التقييم التي وضعتها السلطة المتعاقدة، إضافة إلى ضرورة ان يتم التسبب بعدم اللجوء إلى إجراءات المنافسة”.

الحصرية…وتكريس مبدأ الإحتكار

        الدكتورأحمد ابودية اشار إلى ان الدراسة أخذت بعين الإعتبار أن من يوقع عقد احتكار يحتاج لفترة زمنية طويلة نسبيا حتى تتاح له الفرصة لاستغلال هذا المورد او ادارة هذا المرفق، وليبدأ في اعادة ما صرفه على البنية التحتية للمشروع” نتفهم وندرك هذه الحاجة في بعض القطاعات، لكننا نتحدث عن العقود التي زادت مدتها الزمنية عن المدة التي حددت لها بحسب العقد، فعلى سبيل المثال في اتفاقية جوال كانت الإتفاقية تنص على عدد محدد من المشتركين او السنوات ايهما اقل، وكلاهما تم تجاوزه بعدة سنوات، قبل ان يتم اعطاء الرخصة لمشغل ثان”.

       وهو ما أكده  وزير الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق ” هذا صحيح، إذ ان الحكومة التاسعة عام 2005،  رأت بأن هناك عملية اطالة لاستمرار شركة الإتصالات بتشغيل الهاتف المحمول، دون ان يفتح سوق الإتصالات لإدخال مشغلين جدد، ورغم تعرضي للإنتقاد الشديد آنذاك، حيث كانت هناك حملة  ضد فتح سوق الإتصالات، قبلت بالتحدي وتم فتح سوق الإتصالات، والإعلان عن العطاء الخاص بمشغل جديد للهاتف المحمول، بناء عليه دخلت شركة الوطنية موبايل.

      حق الرد أعطيناه للرئيس التنفيذي لمجموعة الإتصالات الفلسطينية عمار العكر حيث قال” الرخصة تحدثت عن فترة حصرية يمنع  فيها دخول أي مشغل آخر للسوق خلال فترة مؤقتة، وهي 10 سنوات بالنسبة للخط الثابت، و5 سنوات بالنسبة للمحمول أو 120 الف مشترك ايهما يحصل اولا، وقد انتهت الحصرية سواء بالنسبة للخط الثابت او المحمول. حتى ان دخول خط الدفع المسبق  وتطورالتكنولوجيا ادت لزيادة العدد بخصوص خط المحمول، وبدل ان تأخذ مدة 5 سنوات أخذت سنتين، لكن ومع وجود خطر الإستثمار في الإنتفاصة الثانية والحروب على غزة، ولأن حجم الإستثمار هائل والجدوى الإقتصادية فيه محدودة إلى جانب التطور التكنولوجي ، لم يكن هناك اهتمام كبير من المستثمرين في الخط الثابت من أجل منافستنا،  أما بالنسبة للمحمول فلفترة طويلة لم يكن هناك اهتمام للمنافسة في فلسطين، لحين  نشر العطاء بذلك في 2007″.

     ومن المهم الإشارة يقول عمار العكر” إلى اننا  لم نتمتع بالحصرية في أي يوم من الأيام، حيث اضطرنا للتعامل مع المنافسة غير الشرعية مع الشركات الإسرائيلية من أول يوم كي نستطيع جلب مشتركين، وحتى بما يتعلق بالخط الثابت، فالشركات الإسرائيلية مثل(bezeq) لا تزال تصل لأبواب المدن الفلسطينية، ويبحثون عن شركات انترنت صغيرة لتنافسنا داخل المدن الفلسطينية”.

      كما اشارت الدراسة لعدة امثلة تدل على تكريس مبدا الاحتكار، منها قيام السلطة بتأسيس شركة احتكارية لبيع الرمل من القطاع الى اسرائيل، واستيراد الحصمة منها للقطاع، اضافة الى احتكار استيراد الاسمنت الى السوق الفلسطينية، ومنح الحق الحصري لشركة كهرباء فلسطين في توليد الكهرباء.

      لكن رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الدكتور عمر كتانه رفض ذلك ” هذا الكلام مردود فنحن نشتري الطاقة لغزة من 3 مصادر، من محطة التوليد ومن مصر ومن اسرائيل، بالتالي لو كانت الشركة تحتكر التوليد لما استطعنا ان نشتري من غيرها، أو لكان الشراء من غيرها يتم من خلال الشركة، وهذا ما لم يحدث”.

      استاذ الإقتصاد السياسي  في جامعة النجاح قال أن “من المفروض ربط هذه الإمتيازات في فترة زمنية محددة يتم خلالها اعادة التقييم واستخلاص العبر، بالتالي كل من لديه امتياز اذا ما شعر ان هذا الإمتياز من الممكن ان يتم فقدانه ان أخلّ بالشروط، فسيؤدي ذلك لتحسين الخدمة وتخفيض التكلفة، كما يجب أن لا تبقى عقود الإمتياز  حكرا على( س )او( ص) كما في  قطاع النقل والمواصلات مثلا، فمن يأخذ خط بين مدينة ومدينة او منطقة وأخرى للأسف يصبح الخط على اسمه! وهذا التوريث إلى الأبد يجب اعادة النظر فيه بشكل جيد، وهو بحاجة إلى قانون ينظمه”.

          لكن مراقب المرور العام في وزارة النقل والمواصلات المهندس جمال شقير  نفى وجود إحتكارات في قطاع النقل”يمكنني الجزم انه وفي قطاع النقل ما من إحتكار نهائيا، فعمليا لدينا على مختلف الخطوط 86 شركة نقل عام، و5 شركات للنقل الخاص، وحوالي 3600 رخصة تشغيل تكاسي الطلبات، وقرابة 6 آلاف مركبة سرفيس، الأمر الذي يعني أن هذا القطاع غير محتكر، فأينما كانت هناك حاجة لصرف رخص تشغيل نقوم بذلك، ناهيك عن اهمية حماية كل من حصلوا على رخص تشغيل، لأن نشر عدد ضخم آخر من الرخص سيحول الإستثمار من قبل المواطنين إلى خسارة تؤثر على الإقتصاد”.

        و

go top