آراء حرة

نحو مجتمع خال من الفساد

نحو مجتمع خال من الفساد

بقلم: عاطف شقير

في تنشئتنا العربية يوجد بعض الأمور التي لربما تسهم في زيادة أشكال الفساد في مجتمعاتنا العربية، فحينما ترى الابوين في مؤسستهم الإجتماعية (الأسرة) يغدقون العطايا والهدايا لابنهم الكبير، لانه يحمل اسم العائلة، متناسين إخوانه الاخرين تدرك حجم التمييز والمحاباة بين الأبناء في مجتمعنا الفلسطيني، الأمر الذي يعمق الفجوة بين الأبناء داخل الأسرة الواحدة، وليس هذا فحسب ولكن تزاد عطايا الآباء للابن الصغير أيضا أو ما يوصف( تالي العنقود)، وهذا ما يعزز الشرخ في النسيج الإجتماعي في الاسر العربية، لان الحقوق يجب ان تمنح على التساوي، ولا يجوز تميز أحد الأبناء على غيره لئلا تحدث الفجوة التي تؤثر على بنيان النسيج الإجتماعي للمجتمع برمته.
  وعندما يشب الولد ويلتحق بالمؤسسة التعلمية الأولى الا وهي المدرسة، يبدأ المعلم يعامله وفق وجاهة والده واسرته في المجتمع الفلسطيني، ويعطيه مزيدا من الإحترام إذا شعر بان والده له تأثير في الشأن العام لهذا البلد، وأما الطلبة الفقراء فيحفرون في الصخر لإثبات جدارتهم وأهليتهم لمعليمهم.
   فسياسة التميز والمحاباة تنشأ مع الطفل وأسرته، و تغذيها مؤسسات المجتمع التعليمية أو الدينية او السياسية، وتساهم في بلورة بذرة الفساد الإجتماعي من خلال تنشئة الطفل في أسرته، وتستمر تغذيتها من خلال المؤسسات التعليمية الأخرى ذات الصلة بحياة الطفل فيما بعد.
وبعد ان ينضج الطفل ويسرح في عالم الفكر ويتبنى نهجا فكريا مغايرا للتيار السائد في مجتمعنا الفلسطيني، يواجه بالضغط الفكري من اجل ايقافه عن تهوره الفكري، وهذا ما اسمه الفساد الفكري التي لا يتيح للإفراد حرية تبني الفكر والرأي الذي يقتنعون به في أطار حدود القانون وإحترام حرية الاخرين.
   وبعد ان يتخرج الطالب من جامعته، ويريد ان يلتحق بالوظيفة العمومية أو الخاصة، فيرى حجم الواسطة والمحسوبية واللون السياسي التي تترنح فيه مؤسساتنا الفلسطينية، يذهل ويصاب بالعمى الفكري، وهذا مؤشر من مؤشرات الفساد في مجتمعنا الفلسطيني، اذ لا يعقل المحاباة والتمييز بين أفراد المجتمع الواحد، فكلنا أبناء هذا الوطن فلنا ما له وعلينا ما عليه، وهنا يجدر الإشارة ان الكفاءة والأهلية هي مربط الفرس في أي وظيفة، من أجل الرقي بمجتمعنا والنهوض به من غول الفساد والتهميش والتميز، وسأسرد لكم بعض المؤشرات التي تشير إلى حجم الفساد الإداري في أغلب مؤسساتنا الفلسطينية وهي كالآتي:
1- تطغى العائلية على بعض مؤسساتنا الأهلية والمجتمعية والعامة في كثير من الأحيان، وهذا يضعف كفاءة بعض المؤسسات العاملة في فلسطين.
2- يشكل اللون السياسي أحد أهم عوائق التنمية في مؤسساتنا الفلسطينية، فإذا كنت من التيار (س) وتحمل من الكفاءات ما يكفي، قد لا يكون هذا عامل يؤهلك للحصول على هذه الوظيفة، لانك لست من التيار (ج) على سبيل المثال لا الحصر.
3- خشية  البعض من إستقطاب الكفاءات خوفا من كشف عوراتهم وتبيان مؤهلاتهم العلمية والإدارية والفنية.
وما ذكر انفا، يوضح ان الفساد الإداري يجب العمل على محاربته من خلال وضع الانسان المناسب في المكان المناسب دون ممارسة سياسة التمييز والمحاباة، واي شكل من هذه الاشكال.
على صعيد اخر فيما يتعلق بالفساد المالي، فلا بد من المسائلة القضائية للاشخاص الذين يشتبه بكبر حجم ثروتهم المالية، كي يكون المواطن على بينة من نزاهة وشفافية كل العاملين في مختلف المؤسسات العاملة في فلسطين.
اما فيما يتعلق بالسطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، فلا بد من إستقلال تلك السلطات عن بعضها البعض، كي تسود الحياة الديمقراطية باحلى تجلياتها في الساحة الفلسطينية، ولا يجوز لإي سلطة التدخل أو الضغط على سلطة أخرى أو التدخل في صلاحياتها لئلا تعكر صفو حياة المجتمعات.
  كما ان حرية التعبير والإعلام يجب ان تصان وفق تشريعات قانونية عصرية تتوائم مع روح العصر وحق الانسان في الحصول على المعلومات من مصادرها المختلفة، كما يتعين على المشريعين إقرار القوانين اللازمة التي تمكن الإعلاميين  من الحصول على مصادر المعلومات والإحتفاظ بها، اذ ان مستوى الحريات الصحفية في بلد ما، يعكس مدى ازدهارها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها.
خلاصة القول، ان ما مضى قد مضى ولكن لا بد من اصلاحه وتأهيله ليصبح خاليا من الفساد، ويجب فتح صفحة جديدة من خلال تفعيل آليات الرقابة والمسائلة القانونية والمجتمعية لمختلف المؤسسات العاملة في فلسطين من اجل تصويب مسارها، وتحقيق مجتمع خال من الفساد.

**المقالات والآراء المنشورة تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي أمان
go top