الصحافة الاستقصائية

التحرش الجنسي في المكاتب المغلقة... سر كبير في الأرض الفلسطينية

ارتفاع في حالات التحرش داخل المكاتب دون تدخل رادع

 وفا- بلال غيث


"يستغلون الأماكن الفارغة وقلة الموظفين في المكان... يستخدمون نفوذهم وقدرتهم على التوظيف أو إنهاء العمل للحصول على مرادهم، في أغلب الحالات ترفض الضحية التجاوب فتكون النتيجة ترك العمل... وفي حالات أخرى يحصل ما يريده الجاني... قلما أو نادرا ما تبلّغ الضحية عما جرى وتكتفي بالانسحاب"، هذه أبرز ملامح عمليات التحرش الجنسي التي تجري خلف الأبواب المغلقة.

يحاول التحقيق تسليط الضوء على عمليات التحرش بالنساء العاملات، قد رفعت العديد من الشكاوى على مسؤولين قاموا بالتحرش بهن، لكن هناك من يقفل القضية في النهاية لاعتبارات مختلفة دون محاسبة الجاني، بشكل أسهم في تطور عمليات التحرش لتصبح ظاهرة بدلا من وضع حد لها.

الإحصاءات الصادرة عن المؤسسات العاملة في هذا المجال أو القريبة منه تشير إلى ارتفاع في عمليات التحرش بالاستفادة من عدم تجريم القانون لها وعدم وجود نصوص تدين المتحرشين في قانون العقوبات الأردني المعمول به في فلسطين.

في هذا السياق تشير الإحصائيات الصادرة عن وزارة شؤون المرأة إلى أن عدد حالات التحرش التي سجلت في العام المنصرم لدى الوزارة تجاوز 40 حالة وهو رقم مرتفع مقارنة، بالأعوام السابقة، وهذا ما تؤكده أيضا الإحصائيات الصادرة عن مركز "سوا" المتخصص في التصدي لقضايا العنف ضد النساء، إذ تشير الإحصائيات الصادرة عنه إلى ارتفاع في أعداد عمليات التحرش الجنسي بشكل عام سنويا والتي يجري التبليغ عنها على خطوط الهواتف المخصصة لذلك في المركز.

وتوضح الإحصائيات الصادرة عن مركز سوا، أن 907 نساء اتصلن بالمركز للإبلاغ عن تعرضهم لعنف واعتداءات أو تحرش جنسي في عام 2012، في حين أن عددهن في عام 2011 بلغ 773 امرأة، وهذه الأرقام ناتجة عن عدد الاتصالات التي تلقتها المؤسسة خلال تلك الأعوام.
وتشير إحصائية سوا، إلى أن أغلب هذه الاعتداءات يجري في أمكان غير محددة وعدد قليل منها يجري في أماكن العمل لقلة عدد المتصلات اللواتي يبلغن عن تعرضهن للتحرش في أماكن عملهن.
أما الإحصائيات القليلة المتوفرة في هذا المجال والصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فتشير إلى تعرﺽ 1.7% ﻤﻥ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻟﻠﻌﻨﻑ ﺍﻟﺠﻨﺴﻲ "ﺍﻟﺘﺤﺭﺸﺎﺕ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ" ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ؛ (0.5% ﺫكوﺭ ﻤﻘﺎﺒل 3.0% ﺇﻨﺎﺙ)، وذلك وفق اﻠﻤﺴﺢ ﺍﻟﻭﻁﻨﻲ ﺤﻭل ﺍﻟﻌﻨﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻔﻠﺴﻁﻴﻨﻲ 2011.
وتؤكد الأرقام أن عمليات التحرش تزداد بشكل لافت، ما يعني تحولها من حالات فردية إلى ظاهرة، وما يعززها استخدام النفوذ لتحقيق شهوات شخصية، وعدم العمل لاعتبار ما يجري خلف الأبواب المغلة نوعا من الفساد بشكل مساوٍ لعمليات سرقة الأموال في المؤسسات العامة والخاصة.
وتحول المحاذير الاجتماعية دون إمكانية الوصول إلى المعلومة في هذا المجال نظرا للحرص على المكانة الاجتماعية أو للحفاظ على العمل، فعادة ما تقوم النساء المتحرشات بترك العمل طواعية للهروب من الجو الذي يعشن فيه، ويرفضن في الغالب كما يرفض المسؤولون الحديث عن هذه الظاهرة، ويحاول الكثيرون نفي وجودها أصلا فيما يؤكدها كثير.
هذا ما حصل مع الشابة (ه.س) في إحدى المؤسسات بمدينة رام الله، حيث قام مسؤولها في العمل بالتحرش بها مرارا، لكنها كانت ترفض على الدوام وتحاول تقليل الاحتكاك معه قدر الإمكان، ولكن دون جدوى".
وتقول (ه.س) التي رفضت بشكل قاطع ذكر اسمها في التقرير أو المؤسسة التي تعمل فيها: "كان يلمح مرارا إلى أنه يرغب بإقامة علاقة جنسية معي، لكنني كنت أغلق الباب أمامه وأخبره أن هذا غير مقبول على الإطلاق، فقام بالابتعاد عني لفترة قصيرة من الوقت".
وتضيف: "ذات نهار بينما كانت تتنقل من طابق إلى آخر في مكان عملها، قام مديرها بملاحقتها إلى سلم الدرج وهناك حاول الإمساك بها وتقبيلها، لكنها رفضت وأخذت بالصراخ، ولدى حضور الموظفين والخشية من الفضيحة أخبرتهم أنها تدحرجت على السلم وأن قدمها قد أصيبت لذلك صرخت، وفي اليوم التالي طلب منها مديرها إما قبول ما يريد أو ترك العمل، بدورها قررت ترك العمل والبحث عن وظيفة أخرى في سوق العمل الضعيف".
(إ.ع) إحدى الشابات الخريجات حديثا، التي تقول إنها أيضا تعرضت لتحرش جنسي في مكتب كانت تتدرب فيه في مدينة نابلس من قبل مديرها، لكنها رفضت على الإطلاق التفاعل معه".
وتسرد (إ.ع) قصتها قائلة:" في أحد الأيام طلب المدير مصافحتي باليد فصافحته، فقال لي هذه المرة كانت المصافحة باليد أما في المرة المقبلة ستكون المصافحة بالقبل، فشعرت بضيق شديد وأخبرت زملائي بما حصل وكانوا دائما يلتمسون له أعذارا، بحجة أنه يحب المزاح، وقمت باستشارة أصدقائي حول ما يجري معي من تحرش لفظي، وفي النهاية نصحوني أن أستقيل من العمل لأنني لا أستطيع إثبات تحرشه بي كما أنه لا توجد قوانين رادعة في هذا المجال".
وتضيف (إ.ع): "في أحيان كثيرة يقوم الشبان بلمس الفتيات بطريقة متعمدة وبعدها يعتذر عن ذلك، رغم أن كثيرا من الفتيات يلاحظن أن هذا الفعل متعمد وهدفه جنسي".
وتتحدث الشابة "خ. ب" العاملة في إحدى المؤسسات العامة برام الله، عن قيام أحد زملائها بمحاولة التحرش بها جنسيا بعد انتهاء الدوام عندما كانت تقوم بعملها الذي كان متراكما في ذلك اليوم".
وتضيف: "حاول أحد الزملاء الاقتراب مني بشكل مريب في وقت لم يكن فيه أحد في المؤسسة بعد انتهاء العمل وقام بمحاولة احتضاني لكنني صرخت وغادرت المكتب بسرعة هربا منه، خشية أن يتعرض لي بشكل أكبر في ظل عدم وجود زملاء لنا في المكتب".
اثنان من المتحرشين في الحالات السابقة ممن حاولت التحدث إليهم، رفضا بشكل قاطع التعليق على الموضوع أو نسبه لهما، وأحدهم هددني بشكل شخصي في حال الكتابة بهذه المواضيع.
وتزداد معاناة المرأة العاملة والدارسة سواء أكانت فتاة أم متزوجة بسبب ظاهرة "التحرش الجنسي"، والتي تتلون مظاهره بين التحرش الشفهي من إطلاق النكات والتعليقات المشينة، والتلميحات الجسدية، والإلحاح في طلب لقاء، وطرح أسئلة جنسية، ونظرات موحية إلى ذلك، ثم تتصاعد حتى تصل إلى اللمس والتحسس والقرص، وهو يعد من ألوان إهانة المرأة وإذلالها، وهو صورة من صور الأذى، وذلك بحسب معلومات منشورة في موسوعة ويكبيديا.
وبحسب ذات الموسوعة يعتبر المتحرش الجنسي في الولايات المتحدة مجرما بموجب قانون الحقوق المدنية الصادر عام 1964، وفي المملكة المتحدة بموجب قانون التمييز بين الجنسين الصادر عام 1975، كذلك يعتبر مجرما في عدد من الدول العربية، بينما لا يعتبر كذلك في فلسطين.
وتؤكد الباحثة نائلة الرازم في دراسة لها بعنوان: "التحرش الجنسي في أماكن العمل"، أن العديد من الدراسات والإحصائيات التي أجريت حول التحرش الجنسي في العمل، أثبتت أن التحرش الجنسي من قبل المسؤول بمرؤوسته قد لا تكون دوافعه ومحركاته جنسية بالدرجة الأولى، وإنما مظهر يبرز على هامش شكل من أشكال الفساد المالي والإداري الذي غالبا يقود إلى الفساد الأخلاقي، خاصة أن الكثير من حالات التحرش الجنسي ضد المرأة في العمل تنتج من رؤسائها الرجال لما يتمتعون به من سلطة ونفوذ وانعدام الرقابة حيث تتوفر بيئية وفرص متنوعة للفساد.
وتضيف أن صعوبة التحرش في أماكن العمل تكمن في عدم وجود شهود بما يحدث في أماكن العمل، ليس كالتحرش في الأماكن المفتوحة، وهذا نوع من الفساد الإداري خصوصا المتحرش هو رئيس للمتحرش بها، وهو يستغل منصبه ونفوذه من أجل التحرش.

40 شكوى لتحرش في المؤسسات العامة سجلت العام الماضي
من جانبها، قالت إلهام سامي مسؤولة وحدة الشكاوى في وزارة شؤون المرأة إن كثيرا من الشكاوى تقدم للوزارة عن سلوك سيئ وإخلال بكرامة النساء المهنية ويجبرها على ترك العمل، وأغلب النساء لا يتحدثن في الشكاوى عن إساءة التصرف معها فقط.
وأوضحت سامي أن هذا نوع من الفساد بصفته استغلال كل الموارد المالية والبشرية لمصالح الفرد، وهذا يتم من قبل المستغل صاحب القوة الذي يريد أن يحقق مصالحة الجنسية المتعلقة بإرضاء غرائزه الجنسية وهذا فساد أيضا إضافة إلى كونه جريمة أخلاقية، فهو يوظف صلاحياته لحاجاته الشخصية فالفساد ليس فقط سرقة المال، فهم آكلو لحوم النساء.
وأضافت في معايير العمل لا يوجد شروط تتعلق بسلوك الموظف وانضباطه، مثلا، ممنوع أن يجري التحدث بنكت مشينة أو فيها تلميحات، وأنا كموظفة عندما أرى خدشا للحياء العام يجب أن أرفض.
وقالت، وردت الوزارة العديد من الشكاوى عبر الهاتف والرسائل تتعلق بتحرش جنسي وأبرز الشكاوى كانت العام الماضي، عندما اشتكت امرأة حول محاولة التحرش بها وتعنيفها لأنها رفضت ما يطلب منها. وأوضحت أن 40 شكوى قدمت إلى وزارة شؤون المرأة العام الماضي، متعلقة بتحرش جنسي في المؤسسات المختلفة بالوطن وخلف الأبواب المغلقة.
وقالت إن الوزارة تقوم بتصنيف الشكوى فور وصولها ويجري المتابعة مع الجهة المعنية، من أجل حل المشكلة، سواء أكان فساد بحق النساء أم انتهاك لقانون العمل، والشكوى التي تصلنا في مجال التحرش نركز على أنها استغلال للسلطة ونوع من الفساد ونقوم بالدفع باتجاه اتخاذ إجراءات عقابية بحق من يقوم بذلك، في ظل عدم وجود قانون يحمي النساء في حالات التحرش الجنسي.

من ظاهرة إلى مشكلة في فلسطين
منيرفا قسيس جرايسة المحاضرة في دائرة العلوم الاجتماعية بجامعة بيت لحم، ترى أن قضية التحرش والعنف محورها قضية سيطرة ونظرة للمرأة على أنها العنصر الأضعف الذي يمكن الوصول إليه، ووفق المعتقدات والقيم الاجتماعية التي نعيشها، سلوك المرأة الجنسي مراقب بكثرة، وأقصد بسلوكها حركتها وعلاقتها مع الشباب، من وجهة نظر المجتمع لا نستطيع أن ينظر المجتمع لمعاني شفافة وبسيطة في حال رؤيتها مع شاب، وهذا يعطي انطباعا اجتماعيا بأنها سيئة.
وتضيف أن التحرش ينطلق من نظرة القوي للضعيف ولا علاقة له باللباس، والقضية ترجع للشخص نفسه، فهو ليس إنسانا مريضا، لكن جزءا من سلطته داخل عمله يجعله يعتقد أنه يستطيع أن يجرب لإشباع رغباته من خلال العضو الأضعف أي النساء، ويوجد نساء واعيات للموضوع وأكثرهن لا يتحدثن عن ذلك من أجل لقمة العيش، وفي حال الحديث في هذا الموضوع يوضع اللوم على البنت وليس على المتحرش.
وتضيف جرايسة أن التحرش تحول من ظاهرة إلى مشكلة، وهي ليست مشكلة جديدة، بل هي قديمة حديثة، خصوصا أنه مع ارتفاع نسب التعليم والتكنولوجيا أصبحت النساء يميزن بين ما هو العنف وما هو غير العنف، وأصبحن يدركن أن هذا التصرف لا يعطي شعورا بالراحة والنساء أصبحن يعرفن تفاصيل التحرش، وهو مرفوض اجتماعيا ودينيا، ولأنه يشكل إزعاجا وانتهاكا داخليا لإنسانية هذه الفتاة بحكم السلطة التي يحملها هذا الشخص، والحل يكمن في الوعي بالمشكلة ويجري تشكيل موقف من هذه المشكلة، ويجب على البنات أن يرفضن، والقضايا التي عملنا معها بين أن السكوت مرة زاد الوضع سوءا وأنها أصبحت ضحية من قبل من تحرش بها وهو كان من الناس الذين شوهوا سمعتها لأنها سكتت له، وبالتالي الوعي مهم ويجب أن يرفع الوعي بشكل أكبر ويوجد ضرورة أن تتكلم عن هذا الموضوع بطرق وقنوات لا تسيء للمرأة.
من جانبها، قالت أهيلة شومر مديرة مركز "سوا"، المختص في التعامل مع قضايا النساء، إن المركز يتلقى كثيرا من الاتصالات من نساء تعرضن لتحرش جنسي سواء في الشارع أو في أماكن العمل، فالتحرش الجنسي جزء من العنف الممارس بحق النساء في أماكن العمل، وهو يؤكد الدور السلطوي للمعتدي، وهو يستغل سلطته للاعتداء على أناس أقل منه في الوظيفة، لذلك نجد أن الشخص المسؤول عن أشخاص بمرتبة وظيفية أدنى منه مستغلا حاجتهم للعمل.
وأضافت بشكل عام نسعى في مؤسستنا للسماح للنساء أن يعبرن عما يتعرضن له في هذا المجال، ونحاول مساعدتهن للتصدي لمثل هذه الاعتداءات ووضع حد لها في ظل وضع اللوم على الضحية وعدم تصديقها والوقوف إلى جانب المدير أو الشخص المتنفذ.

غياب الرادع زاد المشكلة
وفي محاولة لتحليل ما يحدث قالت سريدا صباح مدير عام طاقم شؤون المرأة، إن حالات التحرش الفردية في المؤسسات تحولت إلى ظاهرة في ظل غياب الردع القانوني للمتحرشين، مشيرة إلى كثير من عمليات التحرش التي تجري في المؤسسات مقابل تبليغ عدد محدود من النساء عما يحصل لهن، بسبب الموانع الاجتماعية والأخرى المتعلقة بالعمل.
وأضافت أن "التحرش الذي يتم في أماكن العمل يستند إلى السلطة التي يتمتع بها المدير أو الموظف وهو يجري باستخدام السلطة والمصلحة لدى المتحرش، فالفتاة التي تتعرض لتحرش لها مصلحة أن تبقى في وظيفتها، وهو يستغل هذه المصلحة من أجل الحصول على ما يريد، وهي لا تتحدث في الغالب لأن المجتمع يلومها والذكور الذين حولها لا يفهمونها".
وتوضح صباح: "يوجد أمر أساسي تسبب في تحويل الحالات الفردية إلى ظاهرة وهو غياب الرادع القانوني، وغياب التربية الجنسية في المدارس، وخلافا لمجتمعنا توجد مجتمعات تهتم في هذه الأمور وتعمل مناهج تتحدث فيه عن تربية جنسية، ويوجد علماء تربويون يعملون على مناهج تربية جنسية تبدأ من الصغر، وبهذه الطريق نفهم بعضنا وتصبح هذه الأمور تؤخذ بطريقة طبيعية، ولكن لا توجد معلومات في البيوت والمدرسة، والمجتمع يلوم الضحية".
وتشير صباح إلى أنه "في مجتمعنا، من مسؤولية المرأة أن تحمي نفسها وإذا وقعت ضحية قد لا تستطيع ذلك، وهذا يعني أن مجتمعاتنا تعنف أعضاءها وأفرادها، لذا يجب أن نربي أنفسنا إناثا وذكورا لنقول لا لكل شيء سيئ بما فيه التحرش، والإسلام يدعونا لذلك وكذلك كل الديانات الأخرى".
وتبين أنها شخصيا على علم بوجد تحرش جنسي في أماكن العمل، وما يخرج للخارج هو أقل بكثير من الحقيقي، لأن النساء تترد لأن الجو العام والثقافة يحملان المرأة المسؤولية في هذا المجال وهذا يدفعها إلى عدم الإبلاغ، ويجري إلقاء اللوم على المرأة من خلال سؤالها عن لبسها وتصرفاتها في حال الحديث عن تحرش، ما يدفعها للتردد في البوح عن هذا الانتهاك خاصة لذكور الأسرة، لتجنب أن تصبح مشكلة كبيرة لحصول الذكور بالحرج وطلبهم منها تصرفات معينة لكي لا يتم التحرش فيها، علما أن التحرش الذي أعرفه سمعت من بنات متدينات ومن دون مكياج، أي بغض النظر عن الشكل الخارجي للأنثى.
وتختتم صباح قولها إنها "كانت في السابق حالات فردية، ومؤخرا أصبحت ظاهرة لعدم وجود رادع اجتماعي أو قانوني وعدم وجود توعية لدى الجنسين، والذكور في الغالب يعبرون بطريقة تمس الكينونة والذات الخاصة بالمرأة، وربما لا يكون الرجال يعلمون ولكن في المعظم توجد مشكلة لدى الذكور يعتقدون أن الإناث مساحات مستباحة إذا كنّ يسرن في الشارع".

لا توجد قوانين تجرم المتحرشين
وتلفت الحقوقية الفلسطينية المحامية خديجة حسين برغوثي، إلى أنه لا توجد تشريعات حول التحرش لحماية الأنثى التي تتعرض لهذا النوع من الجنح، بل توجد مادة في قانون العقوبات الحالي تتعلق بخدش الحياء تحت اسم "المداعبة المنافية للحياء"، ولا يتم اللجوء إليها أو استعمالها لنفس الأسباب لأنه لا يوجد كثير من الفتيات يبلغن عن التحرش.
وتضيف: "توجد حالات قليلة كانت الأنثى جريئة ووصلت للمحكمة، لكن القانون والقضاء لم يعرفا كيف يتعاملان مع هذه الحالة، وتسبب ذلك في الاستخفاف بالقضية أو التقليل من أثرها على الجاني، وهذا يقلل قدرة المرأة عن الدفاع عن نفسها.
وتضيف، "يوجد حاليا مشروع قانون العقوبات الذي يعمل عليه الفريق الوطني، وهو متضمن لجريمة اسمها التحرش الجنسي، وهذا المشروع لم يصبح قانونا بعد، وحاليا توجد فجوة في التشريعات القانونية النافذة، والمطلوب إما إقرار مشروع القانون الجديد أو إضافة نصوص تشريعية تعالج موضوع التحرش الجنسي".
وتشير برغوثي إلى أن التقارير الصادرة في هذا المجال تفيد بأن حالات تحرش جنسي في أماكن العمل في تصاعد مستمر، إذا تحدثنا عن سبب التحرش الجنسي في أماكن العمل يتم نتيجة ممارسة من رب العمل أو شخص مسؤول في ظل وجود ضعف رقابة يقوم رب العمل أو المسؤول باستخدام نفوذه وقوته لتنفيذ ممارسات لا تقبلها السيدة أو العكس من قبل النساء للرجال، ولكن في الغالب ضد النساء اللواتي يسكتن ويعتبرن أن الموضوع يمس فرصتها كامرأة في العمل ومكانتها في المجتمع.
ولا بد من الإشارة إلى أن المتحدثين يشيرون بوضوح إلى فساد من نوع آخر، فساد متعلق باستخدام السلطة ليس من أجل الحصول على المال، بل من أجل الحصول على الجنس عبر التحرش بالموظفات العاملات في المؤسسات، كما أن التحرش الجنسي تحول من حالات فردية إلى ظاهرة، والبعض رأى أنه تطور إلى مشكلة يجب العمل على حلها، عبر تحديد معالمه ووضع عقوبات رادعة للجاني، وتضمين التحرش الجنسي في القوانين واللوائح الناظمة لعمل المؤسسات والهيئات المعنية بمتابعة قضايا الفساد، وكذلك اتخاذ إجراءات وقائية في مختلف المؤسسات، وتبني آليات لتقديم الشكاوى تحافظ على الخصوصية والسرية.

الوزيرة: الحديث عن تحرش جنسي "مبالغات"
في هذا السياق، ترى وزيرة شؤون المرأة ربيحة ذياب، أن ما يجري الحديث عنه من عمليات تحرش داخل المؤسسات العامة والخاصة هو مبالغات رغم وجود بعض الحالات، مشيرة إلى القصة الشهيرة التي حدثت في وزارتها والتي تقدمت خلالها 17 موظفة بشكوى ضد مدير عام في الوزارة بحجة التحرش بهن، وبعد التحقيق تبين أن الهدف من ذلك هو السعي لإقالة المدير العام للخلاص منه.
وأشارت ذياب إلى أنه من الصعب إثبات التحرش وأن القضية التي جرى الحديث عنها في وزارة شؤون المرأة كانت منذ سنوات، وأن البراهين التي قدمت من الموظفات كانت ضعيفة، وكان من الصعب إثبات أنهن تعرضن لتحرش".
وأضافت ذياب "أن ما يجري هو مبالغات من قبل البعض من أجل الابتزاز، مشيرة إلى أنها على اطلاع بحالات قامت فيها موظفات بابتزاز مدراء للحصول على المال، جرى فيها مقايضة الرجل بالتشهير به في حال رفضه دفع أموال لبعض الموظفات اللواتي هددن بالحديث عن أنهن تعرضن لتحرش منه".
وترى الوزيرة أن "التحرش يمكن أن يحدث من الطرفين، ويجب وضع قوانين رادعة له باعتباره نوعا من الفساد الموجود في المؤسسات المختلفة في الوطن".

النائب العام المساعد: القضايا لا ترقى إلى جرائم الفساد
وفي رأي مختلف لما ذكر، قال النائب العام المساعد د. أحمد البراك، إن الشكاوى المقدمة في قضايا التحرش الجنسي خلف الأبواب المغلقة في المؤسسات العامة والخاصة محدودة جدا، قائلا إن قضايا تحرش توجد بشكل عام ولكن التحرش الجنسي في المكاتب يعتبر أمرا نادرا، نظرا لرغبة المجتمع على التغطية على مثل هذه القضايا وعدم السعي لكشفها لوجود محاذير اجتماعية وأخلاقية لها.
وأضاف البراك: "إنه لا يمكن التعامل مع قضايا التحرش الجنسي في العمل على أنها نوع من الفساد بل هي قضايا تحرش تندرج ضمن الجنح، فالمدير يستغل سطوته للتحرش ولا يمكن أن نعتبر هذه القضايا جزءا من الفساد وإلا توجب أن نسمي قانون العقوبات الجديدة "قانون العقوبات الفسادي" مثلا".
وأضاف، "إن المطبق حاليا في الأرض الفلسطيني هو قانون العقوبات الأردني، وهو يتعامل مع قضية التحرش الجنسي على أساس أنها مداعبة وإذا تطورت وحدث فيها لمس ووصلت حد "الجسامة"، وهي تندرج في إطار هتك عرض جنائي، لكن لم يرد موضوع التحرش في القانون، لذلك "نحن بحاجة لإضافة مواد للقانون التي لم يعالجها القانون الأردني ليكون فيها نص قانوني جازم وواضح، وقد جرى إضافته في مشروع قانون العقوبات الفلسطيني الذي كنت أمين سره، ولم يقر هذا القانون للأسف ويجب العمل على إقراره".

في النهاية، لا بد من التأكيد على أنه يوجد بالفعل تحرش خلف الأبواب المغلقة في العمل قد زاد بالفعل وتحول من حالات فردية لظاهرة، ولم تنجح الكثير من المحاولات لربطه بالفساد واعتباره نوعا من الفساد الممارس في استخدام السلطة، ولذلك يجب العمل بشكل أكبر من أجل اعتبار قضايا التحرش الجنسي جزءا من قضايا الفساد بشكل واضح وجازم، وكذلك العمل على المطالبة بإدخال نصوص قانونية تجرم التحرش الجنسي خلف الأبواب المغلقة، وتطوير إجراءات تسهل تقديم الشكاوى ضمن الخصوصية الشخصية في هذا الموضوع.

المصادر:
موقع ويكبيديا
مقابلات شخصية
كتاب التحرش الجنسي في أماكن العمل للباحثة نائلة الرازم
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني
مركز سوا
وزارة شؤون المرأة

 

go top