أخبار 2016

المجتمع المدني والهيئة المستقلة يناقشون مسودة القانون الجديد للخدمة المدنية: لا يوجد ضرورة ملحة ولا مذكرة تشريعية والتعديلات أساسها توسيع صلاحيات ديوان الموظفين

المجتمع المدني والهيئة المستقلة يناقشون مسودة القانون الجديد للخدمة المدنية: لا يوجد ضرورة ملحة ولا مذكرة تشريعية والتعديلات أساسها توسيع صلاحيات ديوان الموظفين

عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" ورشة عمل حول مسودة قانون الخدمة المدنية الجديد وملاحظات المجتمع المدني حولها، بالتعاون مع الائتلاف الأهلي للرقابة على التشريع والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان التي عرضت ملاحظاتها على القانون المقترح اضافة إلى ملاحظات ائتلاف أمان.
افتتح الجلسة مستشار مجلس ادارة ائتلاف أمان لشؤون مكافحة الفساد د. عزمي الشعيبي بالإشارة إلى اهتمام ائتلاف أمان بالبحث في تعديلات القانون يأتي انطلاقاً من أن الوظيفة العامة هي الأداة العملية للتعبير عن الدولة ويشكل الموظفون المندرجون تحت لوائها ركناً اساسياً من أركان انطباق قانون مكافحة الفساد من عدمه، سيما وان جرائم الفساد بمجملها هي جرائم تندرج ضمن الجرائم المخلة بالوظيفة العامة. فضلا عن أن هذا القانون يرتبط بمفهوم المساواة والحق في تقلد الوظائف العامة على قاعدة التنافس وتكافؤ الفرص. الامر الذي يتطلب ان تكون احكامه واضحة منضبطة، وان لا تفتح المجال للاستثناءات التي تمثل المدخل الرئيسي للواسطة والمحسوبية والمحاباة. وأخيرا، ان القانون يترتب عليه تكلفة مالية عالية لاسيما فيما يتعلق بفاتورة الرواتب والحقوق والامتيازات المالية الاخرى للموظف العام كالعلاوات والبدلات وغيرها من المصاريف التي تمثل المستنزف الاكبر للخزينة العامة لدولة فلسطين.

مآخذ ابرزها موظفو العقود وتعيينات كبار الموظفين

من جهته تطرق المستشار القانوني لائتلاف أمان المحامي بلال البرغوثي إلى أبرز المآخذ على الاطار القانوني الناظم للوظيفة العمومية، انطلاقاً من غياب مذكرة ايضاحية لمشروع القانون المقترح او اية وثيقة تتضمن الاسباب الموجبة للتعديلات المطروحة على القانون النافذ، ما يجعل من فهم غايات التعديلات ومبرراتها مثار تساؤل حول غايات التعديل، والتي تدور في غالبيتها في فلك توسيع صلاحيات ديوان الموظفين العام، اضافة الى ان جعل اقرار سلم الرواتب من قبل مجلس الوزراء هو سلاح ذو حدين، وقد يساء استخدامه بهدف استرضاء الموظفين لغايات حزبية.
واستكمل البرغوثي حديثه بالتطرق إلى موظفي العقود، وهي الجزئية التي لم يتضمن مشروع القانون معالجة كاملة للاشكالات التي اعترت القانون الحالي، على الرغم ان هذه الفئة تستخدم حاليا للالتفاف التحايل على أحكام قانون الخدمة المدنية الخاصة بالتعيين والالتفاف على سلم الرواتب.
ومن من المآخذ الاخرى على مشروع القانون ما يتعلق بتعيينات كبار الموظفين. فعلى الرغم من ان نصوص مشروع القانون تحاول الايحاء بمعالجة الاشكالات التي اعترت القانون الحالي في عملية التعيين لهذه الفئة، الا أن مشروع القانون استمر في عدم اخضاع التعيينات في المناصب العليا والفئة الخاصة لاشتراطات ومواصفات معينة تضمن التنافس وتكافؤ الفرص ووصول أشخاص كفؤين لمؤسسات تنفيذية تتطلب كفاءة عالية لدى القائمين عليها، فضلا عن استمرار المخالفة الدستورية لنص المادة 69 من القانون الاساسي من حيث جهة التعيين التي يجب ان تكون للحكومة وليس لرئيس السلطة، وعدم تضمين مشروع القانون النص على انشاء لجنة عليا خاصة تتولى مراجعة التعيينات والترقيات والرقابة على الوظائف العليا.
وفي الجزئية المتعلقة بحركة الموظف العام (النقل والندب والاعارة) لم يتضمن مشروع القانون قواعد واحكام واضحة تضمن عدم التعسف في استخدام الادارة لصلاحيتها لنقل الموظف دون موافقته، فضلا عن انه يعالج الاشكالات المتعلقة بالاعارة، لا سيما بالاعارة على مشاريع ممولة تتبع الدائرة الحكومية نفسها التي يعمل فيها الموظف، اضافة إلى عدم وجود أية نصوص صريحة بشأن الموظف الوهمي او الموظف الشبح.

مشروع القانون لا يجرم أفعال التمييز في الوظيفة العامة ولا عدم حيادية الموظف العام

وفيما يتعلق بمبادئ الشفافية والنزاهة أشار البرغوثي إلى أن مشروع القانون استمر بالنص على مبدأ يخالف الشفافية والحق في الحصول على المعلومات حيث تبنى ان الاصل هو سرية المعلومات العامة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، فضلا عن خلو مشروع القانون كما هو الوضع في القانون الحالي من النص على ضرورة نشر نتائج المسابقات في التعيينات.
أما في الجانب المتعلق بالمساءلة والمحاسبة عن مخالفات الموظفين العموميين، فلا تزال الاشكالية المتعلقة بالاعفاء من المسؤولية عن الموظف الذي يقترف مخالفة مالية او ادارية  تنفيذا لاوامر رئيسه المكتوبة قائمة في مشروع القانون، بل كان من الواجب النص في هذه المادة على مسألة واجب الموظف العام بالابلاغ عن رئيسه الذي يصدر له مثل هذه الاوامر، من جانب آخر لا تزال الاشكالية الناجمة عن عدم النص صراحة في مشروع القانون على حق المواطنين في التعويض عن الاضرار التي تحدث لهم جراء الاخطاء التي تقترف من الموظف العام تجعل من مفهوم المساءلة والمحاسبة ضعيفا وغير مجدٍ بالنسبة للمواطن.
أما في جانب ضمانات نزاهة الموظف العام، فقد نصت الفقرة 3 من المادة 83 ان من ضمن المحظورات على الموظف العام" "استغلال وظيفته وصلاحياته فيها لمنفعة ذاتية أو ربح شخصي أو القبول مباشرة أو بالواسطة لأية هدية أو مكافأة أو منحة أو عمولة بمناسبة قيامه بواجبات وظيفته". ان النص على عبارة" منفعة ذاتية او ربح شخصي" يقصر مفهوم المصلحة الخاصة على النفع الذاتي وبالتالي قد لا يشمل ذلك المفهوم الاوسع للمصلحة الخاصة والذي يشمل المصلحة الحزبية او المناطقية او الدينية او العائلية، فضلا عن أن مشروع القانون لم يتضمن النص على واجب الموظف بالابلاغ عن اشكال الفساد التي يعلم بها، وأخيرا لم يشتمل مشروع القانون على نصوص صريحة لضمان حيادية الوظيفة العامة من خلال تجريم أفعال التمييز في الوظيفة العامة وتجريم عدم حيادية الموظف العام.

ايجابيات وسلبيات والحاجة للقانون الجديد غير مبررة

من جهته أشار منسق وحدة الدراسات والتشريعات في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان حازم هنية إلى أن الهيئة قامت بدراسة مشروع القانون دراسة مستفيضة وخرجت بعدد من الملاحظات التي شملت الجانبين الإيجابي والسلبي.
وشدد هنية على أن الهيئة المستقلة ترى أن المشروع يحمل في نصوصه العديد من المعالجات الضرورية للنقص والقصور الذي اعترى قانون الخدمة المدنية الحالي، كتقليص بعض الاستثناءات الخاصة بالفئات الوظيفية الخاصة والعليا، وحصرها برؤساء المؤسسات الحكومية ووكلاء الوزارات. كما حدد مشروع القانون الإجراءات الخاصة بالتعيين والترقية والتي يجب أن تتم وفقا لأسس واضحة ومنضبطة، بما يشمل المساواة وعدم التمييز.
من جهة أخرى، سجلت الهيئة عددا من الملاحظات على المشروع أهمها استمرار استثناء الفئات العليا والخاصة من الإجراءات المتبعة للتنافس على الوظائف، وعدم خضوع هذه الفئات لشروط إجراءات الترقية والتقييم التي يخضع لها باقي الموظفين العموميين، مرورا بخلو المشروع من إجازة أبوة بواقع 3 أيام واقتصارها على يوم وضع المولود، وانتهاءً باستمرار وجود المنهجيات النمطية المستخدمة في التعاطي مع حقوق ذوي الإعاقة في مشروع القانون الجديد وعدم معالجتها بناء على الالتزامات التي نتجت عن انضمام فلسطين للاتفاقية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة وحقهم في العمل في الوظائف العامة.

ديوان الموظفين العام: لهذا الأسباب نحن بحاجة لقانون جديد

من جهته أشار مدير عام الشؤون القانونية في دوان الموظفين العام لطفي سمحان إلى وجود عدد من القضايا التي تثبت الحاجة لقانون جديد أهمها أن حجم التعديلات والالغاءات التي خضع لها القانون بعد تعديله ارتقت بالمستوى من مجرد تعديل عدد من النقاط إلى قانون خدمة مدنية شامل وجديد. وضرب سمحان امثلة كثيرة على حجم التعديلات في مشروع القانون الجديد منها ما له علاقة بالتفويض والتكليف خلا من الاشارة اليها القانون الحالي فضلا عن جزئيات اخرى لها علاقة بالتحقيق الانضباطي الذي كان يتم الحديث فيه بشيء من الاختزال، مع الاشارة إلى وجود تعارضات كثيرة بين مواد قانون عام 1998 وتعديلاته لعام 2005 حيث أن تطبيق حرفية النص القانوني لا يجبر موظفي الفئة الاولى على الخضوع لفترة تجربة، مشددا على أن مشروع القانون لم يترك مادة الا طالها بتعديل اما بالحذف او الاضافة او اعادة القولبة، بهدف التغلب على مواضع اللا انسجام وتهذيبها.
واستكمل سمحان حديثه حول موجبات استحداث القانون الجديد هو أن مشروع القانون لم يكتفِ بنصوص القانون الحالي بل وضع أحكاماً وضوابط لكثير من الامور ومعالجتها بشكل كامل بدلا من الاكتفاء بتعديلها، معتقداً ان المشروع لا يخلو من التحفيز حيث اقر مبدأ من مبادئ الترقيات الجوازية والتي تغيب عن القانون الحالي، والذي يتحدث عن حد ادنى لترقية موظف من درجة الى أخرى وترك الحد الاقصى مفتوحا، فضلا عن موضوع الحسم في الصلاحيات وتحديد المرجعيات وتقاسم الادوار بين الجهات المختلفة.

لا توجد مذكرة توضيحية لتبرير التعديلات ولا لتبرير حالة الضرورة

من جانبه أشار ماجد حسين من الدائرة القانونية في ديوان الرقابة المالية الإدارية إلى أبرز ملاحظات ديوان الرقابة على مشروع القانون، والتي تتلخص في المآخذ على توسيع اختصاص وصلاحيات ديوان الموظفين العام يقابلها حصر لصلاحيات مجلس الوزراء، مروراً بغياب مذكرة السياسة التشريعية لتوضيح اسباب الحاجة للقانون الجديد، وانتهاءً بوجود بعض المواد التي تخالف مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص، إضافة إلى وجود مواضيع هامة تمت احالتها الى لائحة تنفيذية ستصدر لاحقا بالرغم من اهمية تضمينها في القانون.
النائب في المجلس التشريعي د. ايمن ضراغمة شدد على غياب مسألة الحيادية عن مشروع القانون حيث لم يضمن حيادية الوظيفة العامة، ذلك ان مواده خلت وبشكل واضح وصريح من ذكر الحيادية كأحد أهم الواجبات التي يجب على الموظف العام الالتزام بها. وأشار ضراغمة الى خطورة استثناء المجلس التشريعي من مواد القانون وحتى في ظل غيابه او تغييبه، فضلا عن ضرورة  مصادقة المجلس على تعيين رئيس ديوان الموظفين العام، وكذلك المصادقة على سلم الرواتب بحكم أنه هو من يقر الموازنة العامة ويعطيها الضوء الأخضر.
امين عام الاتحاد العام للنقابات المستقلة محمود زيادة أشار إلى تغييب مشروع القانون لموضوع الحق في التنظيم النقابي لموظفي الوظيفة العمومية، على اعتبار ان هذا الحق مرتبط بجملة حقوق اخرى كالحق في التعبير والتفاوض، مشيرا إلى انه ورغم ما جرى من تطوير على اجازة الامومة ضمن بنود مشروع القانون إلا أنه لم يصل للحدود الدنيا التي نصت عليها الحقوق العمالية العالمية والتي تمثلت بحد ادنى مدته 14 اسبوعا.
وقد اكد عدد من ممثلي مؤسسات المجتمع المدني كالأستاذ عصام العاروري من مركز القدس للمساعدة القانونية ومحمود الإفرنجي من مجلس منظمات حقوق الإنسان على تساؤلهم حول مدى ضرورة إصدار مثل هذا القانون وخصوصا في ظل حالة الانقسام الفلسطيني وما يمكن أن يمثله ذلك من زيادة في تكريس الانقسام التشريعي وخلق مراكز قانونية يصعب لاحقا إغفالها.
يذكر أن الجلسة تم تنظيمها بجهود من ائتلاف أمان والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بالشراكة مع الائتلاف الأهلي للرقابة على التشريع والذي يضم مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني بهدف الرقابة على حالة التشريع في فلسطين، وحضرها أيضا حزب الشعب ووزارة الثقافة والأوقاف والمرأة والإعلام والقدس والصحة والعمل ومجلس القضاء الأعلى والمجلس التشريعي والإحصاء الفلسطيني وعدد من وسائل الإعلام.

go top