أخبار 2019

2018: عام سطّر تراجعاً حاداً في الثقة ما بين المواطن والمسؤول

2018:  عام سطّر تراجعاً حاداً في الثقة ما بين المواطن والمسؤول

ائتلاف أمان يعقد مؤتمره الحادي عشر في شطري الوطن

رام الله وغزة- تحت شعار "استمع للناس ولا تقمع.. وكافح الفساد ولا تجزع"؛ عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة – أمان مؤتمره السنوي الدوري لعرض نتائج تقريره الحادي عشر بعنوان "واقع النزاهة ومكافحة الفساد في فلسطين 2018" في شطري الوطن عبر خاصية الفيديو كونفرنس، بحضور لافت وبمشاركة ممثلين عن الحكومة، وأعضاء من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعدد من المسؤولين والسفراء الأجانب على رأسهم الممثلية النرويجية والسفير الهولندي والمانحين الدوليين، والمؤسسات الإعلامية والصحافة المحلية والدولية، ورؤساء المؤسسات العامة والأهلية والأكاديميين والشخصيات الاعتبارية والمواطنين المهتمين بقضايا مكافحة الفساد في فلسطين.

"صوت القمع يطغى على صوت الحوار"

افتتح وقائع المؤتمر رئيس مجلس إدارة ائتلاف أمان، السيد عبد القادر الحسيني، مشيرا أن تقرير أمان السنوي يحظى بثقة المواطنين وصناع القرار، لرصده واقع نظام النزاهة الوطني بتطوراته وتحدياته على مدار عام كامل، بهدف بلورة جملة من التوصيات المحددة لصنّاع القرار الفلسطيني والأطراف ذات العلاقة من أجل مساعدتهم في تبني إجراءات وتدابير لتحصين نظام المناعة ضد الفساد، فضلا عن رفع وعي وحشد المناصرين من مؤسسات المجتمع لمكافحة الفساد، ومنع تراكم الأخطاء والانحرافات، وحماية المال العام، وتوفير الدعم اللازم لتعزيز صمود شعبنا الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية متينة مبنية على احترام قيم النزاهة والالتزام بمبادئ الشفافية وتفعيل نظم المساءلة المختلفة ومكافحة  الفساد.

أوضح الحسيني منهجية إعداد التقرير التي تعتمد على خلاصة التقارير الخاصة التي يعدها ائتلاف أمان خلال العام، ونتائج مقياس النزاهة الذي يعتمد على عدد من المؤشرات المحلية ذات العلاقة بالنزاهة ومكافحة الفساد، بالإضافة إلى نتائج استطلاع الرأي السنوي الذي يرصد انطباعات المواطنين حول واقع النزاهة ومكافحة الفساد، الأمر الذي يدفع  ائتلاف أمان إلى الحرص على رصد المعلومات والحقائق من مصادرها وتوثيقها وتحليلها من قبل فريق إعداد التقرير رغم مماطلة وامتناع بعض الجهات الرسمية عن الإفصاح عن المعلومات أثناء مرحلة إعداد التقرير، إضافة إلى إشراك قرّاء خارجيين، هم: الدكتور غسان الخطيب والدكتورة تفيدة الجرباوي من الضفة، والصحفي طلال عوكلـ والباحث عبد القادر جرادة من غزة في عملية مراجعة التقرير.

وأشار الحسيني في كلمته أن البيئة العامة غير داعمة ومقوضة لنظام النزاهة الوطني خلال العام المنصرم، ما زاد من عدم ثقة المواطنين بالنظام السياسي القائم في شطري البلاد، وزاد من درجة إحباطهم انعدام أفق حل الإشكاليات التي تواجههم، الأمر الذي أظهرته نتائج استطلاع "الباروميتر العربي" الذي نفذه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في فلسطين خلال العام، إذ دلت النتائج على ضعف مستوى ثقة المواطن الفلسطيني بأداء المؤسسات العامة، بحيث جاءت الأحزاب السياسية أقل ثقة بنسبة  83%، تلتها حكومة الوفاق بنسبة 66%، وبنفس النسبة جاء عدم الثقة بمكتب الرئيس، يليه الحكومة (مجلس الوزراء) بنسبة 61%، ثم القضاء بنسبة 56%، ثم المجلس التشريعي والمجتمع المدني بنسبة 54%. وتوقف الحسيني مطوّلا أمام ظاهرة خروج الجماهير الى الشارع للاحتجاج السلمي في الضفة وغزة، وما قابلته تلك التحركات من قمع عنيف للأجهزة الأمنية، مخترقة لكافة القوانين.

نمدّ أيادينا في دعوة مفتوحة للحكومة الجديدة  

وشدد الحسيني على استعداد ائتلاف أمان لمناقشة محتوى التقرير السنوي والتقارير الأخرى مع الحكومة في كل المستويات بهدف بناء شراكة حقيقية، وتوزيع المسؤوليات وتحمل الأعباء. كما دعا المسؤولين للبحث الجدي في تحقيق المصالحة من أجل تحقيق الوحدة الوطنية، والتي تعتبر شرطا ضروريا لمواجهة امحتل الإسرائيلي المسنود أمريكيا، إضافة الى دعوة الحكومة الفلسطينية الجديدة بأن تضع على سلم أولوياتها تعزيز جهود مكافحة الفساد، وسيادة القانون، واحترام القضاء والفصل بين السلطات ومحاربة الفساد بجميع أشكاله، والانفتاح والمشاركة مع مؤسسات المجتمع المدني والاستجابة لمطالباتها وتوصياتها، لضمان بناء دولة مؤسسات قائمة على أسس النزاهة والشفافية والمساءلة، وقادرة تعزيز صمود المواطنين. وطالب الحسيني الحكومة الجديدة أيضا الدفع باتجاه ترجمة السياسات التي كانت مطروحة على أجندة الحكومة السابقة وتوصيات المجتمع المدني وبالأخص ائتلاف أمان الى خطوات عملية على أرض الواقع، وعلى رأسها: إقرار خطة وطنية شاملة عبر قطاعية لمكافحة الفساد تتشارك فيها جميع الجهود الرسمية والاهلية، والإسراع في إقرار قانون حق الحصول على المعلومات، والذي نصت عليه أجندة السياسات الوطنية على أهميته وضرورة المصادقة عليه بالتزامن مع المصادقة على قانون الأرشيف الوطني، والانفتاح والشراكة مع المجتمع المدني، وتقاسم الأعباء بعدالة، والقبول بالمساءلة المجتمعية على اعتبار أنها حق للمواطنين على المسؤولين وصناع القرار. 

وقد اطلع ائتلاف أمان على اجتماع الحكومة الجديدة بعين متفحصة، متفائلا بقرارات أول اجتماع لمجلس الوزراء، واتخاذه لسلسة من الإجراءات التقشفية لمواجهة الأزمة المالية التي تمر بها فلسطين، والتي لطالما نادى بها ائتلاف أمان، ومنها: عدم شراء سيارات جديدة للوزراء، والاكتفاء باستعمال السيارات القديمة، ووقف السفر على الدرجة الأولى لجميع الوزراء، وإقرار الذمم المالية لهم، مع التأكيد على عدم رفع نسبة الضرائب على المواطنين، وإعطاء الأولوية لدعم صمود المواطن المقدسي، إضافة الى إيلاء الأهمية للبرامج والنشاطات التي من شأنها تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، وخاصة في القضايا المتعلقة بحياة الناس في المجالات كافة لا سيما الصحة والتعليم، وخاصة في مدينة القدس المحتلة، وقطاع غزة، والمناطق المسماة (ج)، ومن خلال تكثيف الزيارات الميدانية لكافة الوزراء لتلمس احتياجات المواطنين والاطلاع على أوضاعهم. وسيأخذ ائتلاف أمان على عاتقه مواكبة ومتابعة التطورات الإيجابية المعلنة من قبل الحكومة، الى حين مأسستها وتطبيقها على أرض الواقع لتلاقي احتياج المواطن الفلسطيني.

كلمة الشركات الدوليين

وخاطب سعادة السفير كيس فان بار، ممثل مملكة هولندا لدى دولة فلسطين الحضور في الضفة وغزة مشددا على ارتباط دفع المواطن الفسلطيني للضرائب بضرورة تلقي خدمات بجودة عالية، وأن ذلك مقرونا بحق المواطن في المساءلة على الموازنة والانفاق وإدارة المال العام. والجدير ذكره أن برنامج ائتلاف أمان ممول من حكومة النرويج ولوكسمبرج وهولندا.

استمرار البيئة السلبية المقوضة لنظام النزاهة الوطني

شهد العام 2018 استمراراً للمؤثرات السلبية على بنية النظام السياسي الفلسطيني من الأعوام السابقة، الأمر الذي زاد من التحديات أمام تحصين نظام النزاهة الوطني؛ فقد استمرت سياسات الاحتلال الإسرائيلي العدوانية الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني لنهب ثرواته وموارده، والتحكم في أرضه، وإمعانه في تهويد القدس وتفريغها من مواطنيها، كذلك استخدامه لعائدات الضرائب (المقاصة) التي يدفعها المواطنون الفلسطينيون الرازحون تحت الاحتلال في قضايا الابتزاز السياسي، وفي قرصنة تتجاوز كل القوانين والاتفاقيات والمعاهدات والأخلاق والممارسات الدولية، وما شهده العام من استمرار فشل وتعثر جهود المصالحة الفلسطينية، ما زاد من سوء الأوضاع، واستمرار تراجع وتقليص التمويل والمساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية. وقد سطّر هذا العام سمة استمرار تراجع الثقة في نزاهة مركبات النظام السياسي الفلسطيني، سيما بعد قرار حل المجلس التشريعي بعد 12 عاما من الشلل والتجميد، وترافق ذلك مع تراجع دور السلطة القضائية الرقابي، وضعف الرقابة والمساءلة على إدارة المال والشأن العام، وازدياد تردي الأحوال الاقتصادية وتعثر القطاع الخاص، خصوصاً في قطاع غزة، حيث ارتفعت نسبة المواطنين الذين أصبحوا فقراء بموجب الإحصائيات الرسمية بنسبة تفوق 53% من عدد السكان، ما أدى الى تصاعد حالة الإحباط وانعدام الأمل وقلة الثقة بالمؤسسات الرسمية في الشارع الفلسطيني.

مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة

وقد حلّل التقرير مظاهر التحسن في الإدارة العامة للدولة، وذلك في بعض مجالات الالتزام بمنظومة النزاهة ومكافحة الفساد، فعلى صعيد إدارة الوظيفة العامة، أقرّت الحكومة للخطة الإستراتيجية للخدمة المدنية، وتم ضبط حركة التوظيف في الوظائف العادية باعتماد التخطيط الوظيفي، والذي شمل 77 دائرة حكومية بهدف ترشيد فاتورة الرواتب، إضافة الى تبني توجه حكومي نحو إشراك المجتمع المدني في الرقابة على عملية تعيين الوظائف العادية (وزارة الخارجية والمغتربين، ومجلس القضاء الأعلى)، واستمرار ديوان الموظفين بإعداد بطاقات الوصف الوظيفي لبعض الوظائف العليا والخاصة، ونشره لنتائج الامتحانات والمسابقات للوظائف. إضافة الى  إقرار مدونة سلوك موحدة لكافة الأجهزة الأمنية، مع استمرار برنامج رفع وعي الموظفين بمدونة سلوك الوظيفة العامة من قبل ديوان الموظفين العام وهيئة مكافحة الفساد، وإعداد نظام لتلقي الهدايا وآلية التعامل معها من قبل الموظفين.

أما على صعيد إدارة المال العام، فقد أشار التقرير الى إقرار الحكومة الخطة الإستراتيجية لإدارة المال العام، وتم رصد انخفاض في إجمالي النفقات العامة، وبالأخص في فاتورة الرواتب والأجور، إضافة الى انخفاض في نفقات المؤسسة الأمنية، وترافق ذلك باتساع رقعة الاعتماد على الضرائب المحلية والمقاصة كإيرادات للموازنة العامة لتصل الى قرابة 85% من الموازنة العامة.

أما على صعيد المساءلة، فقد استمر ديوان الرقابة المالية والإدارية في الضفة بالقيام في دوره الرقابي بفاعلية، وقام بنشر تقريره السنوي لعام 2017 الذي كشف فيه عن عشرات التجاوزات والمخالفات المالية والإدارية القانونية، وتحويل 23 تقريراً تتضمن شبهات فساد إلى هيئة مكافحة الفساد، كذلك قيام ديوان الرقابة المالية والإدارية في قطاع غزة باستقبال (48) شكوى، شملت بلديات ووزارات وجمعيات.

كما سُجّل تحسنٌ على صعيد دور منظمات المجتمع المدني في المساءلة والرقابة على الشأن والمال العام، كتنسيق جهود عدد من مؤسسات المجتمع المدني لتنظيم يوم "المساءلة الوطني" بهدف تعزيز مفهوم المساءلة المجتمعية، وخروج المواطنين في فعاليات ووقفات ومسيرات سلمية للاحتجاج على قرارات وسياسات الحكومة، مثل الفعاليات ضد قانون الضمان الاجتماعي، وحراك "ارفعوا العقوبات عن غزة"، واستمرار عمل «الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة» في برامجه لنشر المعلومات وتحليلها حول واقع إدارة المال العام، وبشكل خاص حول الإيرادات والنفقات في الموازنة العامة.

ومن جهة أخرى، حصل تحسن ملموس على صعيد تفعيل مجلس تنظيم قطاع الكهرباء باعتماد هيكلية وموازنة سنوية والنص على استقلاليته ماليا واداريا. كما تم اجراء الانتخابات النقابية مثل نقابتي المحامين والأطباء والغرف التجارية والصناعية ومجالس طلبة. كما وتم إصدار القرار بقانون بشأن الحماية والسلامة الطبية والصحية، رغم استمرار الجدل حول بعض أحكامه واعتراض نقابة الأطباء عليه. كما طرأ بعض التحسن وبعض التوسع في إنشاء مواقع إلكترونية لأنظمة الشكاوى في المؤسسات الرسمية في الضفة الغربية، التي ترتبط إلكترونيّاً بنظام الشكاوى الحكومي المركزي المحوسب في الأمانة العامة لرئاسة الوزراء. وفي قطاع غزة، ارتبط نظام الشكاوى المركزي بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي تديره.

2018: تراجع حاد في الثقة ما بين المواطن والمسؤول

شهد النظام الوطني للنزاهة في فلسطين تحديات جمة كان من أبرزها تراجع مستمر في شفافية وانفتاح الحكومة ومؤسساتها على المجتمع، مما أدى إلى تراجع حاد في الثقة ما بين المواطن والمسؤول وتراجع في شفافية ونزاهة إدارة المال العام وبشكل خاص إدارة الموازنة العامة في ظل غياب السلطة التشريعية.

وعرّج التقرير في استمرار خرق مبدأ الحق في المساواة في تقلد الوظائف العامة، وبشكل خاص في الفئات العليا، حيث لم يتم الالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص أو المنافسة النزيهة بين عموم الفلسطينيين، إذ تم تعيين 62 مسؤولا من خلال 39 قرارا رئاسيا في مخالفة مباشرة للقانون الأساسي، كونها تمت بدون نشر إعلانات التوظيف، وإجراء مسابقات ودون رقابة من جهة رسمية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد أشار التقرير أن بعض التعيينات والترقيات المذكورة تمت "باستثناء" بدون بيان الأسباب، إذ رصد ائتلاف أمان أن معظم التعيينات في المناصب العليا والترقيات قد تمت على قاعدة المحسوبية والولاءات وتقاسم النفوذ. كما جاءت بعض التعيينات مخالفة للقانون بهدف الحصول على امتيازات مالية وتقاعدية. فقد استهدف بعض أبناء المسؤولين الوصول الى مواقع في القضاء والنيابة العامة والسلك الدبلوماسي. ومن الجدير ذكره تعيين سبعة (7) محافظين في ظل عدم وجود قانون خاص بالمحافظين. إضافةً إلى ترقيات و/أو انتداب على حساب الحكومة في مؤسسات غير حكومية، من أهلية وحزبية، مثل: مفوضية العلاقات العربية والصين، ومفوضية العلاقات الدولية، ومكاتب حركة فتح ومفوضية التعبئة والتنظيم والمجلس الأعلى للشباب والرياضة.

وأشار التقرير الى استمرار تعيين موظفي العقود دون المرور بإجراءات التعيين الرسمية باعتباره بابا خلفيا للتوظيف، وقيام بعض المسؤولين -الذين تشترط وظائفهم التفرغ الكامل- بتولي مناصب أخرى في مجالس إدارة مؤسسات عامة غير وزارية أو شركات حكومية بهدف الحصول على امتيازات مالية إضافية.

حساب ختامي معلّق منذ خمس سنوات

وعلى الصعيد إدارة المال العام، استمرت وزارة المالية والتخطيط قي التأخر في إعداد الحسابات الختامية خلافا لما أكدته بأنها ستقوم بإصدار الحسابات الختامية للسنوات المالية 2015 - 2014 – 2013، وقد أكد ديوان الرقابة المالية والإدارية أنه أتم التدقيق على الحساب الختامي لعام 2013 والمتوقع ان ينشر في عام 2019. والجدير ذكره أن نشر حساب ختامي بعد حوالي خمس سنوات من انقضاء العام المالي يضعف من المساءلة والرقابة على إدارة المال العام، ويسمح بإفلات الفاسدين من العقاب، الأمر الذي يستوجب ضرورة مساءلة وزارة المالية عن مبررات تأخرها في إنجاز الحسابات الختامية بعد تعهدها بإنجازها للأعوام الفائتة.

استنزاف ما يقارب المليار شيقل من الخزينة العامة

وأضاء التفرير على صافي الإقراض، الذي يستنزف ما يقارب مليار شيقل من الخزينة العامة سنوياًّ، كما بلغ الدّين العام 15 مليار شيكل تقريبا مع مطلع العام 2018، في ظل استمرار قرصنة الأموال الفلسطينية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ما يتطلب وضع خطة شاملة ومدروسة لتحصيل الحق الفلسطيني كاملا.

وقد شكك التقرير بعدم جدية الحكومة في تبني سياسة التقشف والترشيد ما يدلل على عجز في أدائها، ويؤشر على ذلك ارتفاع النفقات العامة وعدم التحسن في تقديم الخدمات، واستمرار استحداث هيكليات تنظيمية جديدة، ما أدى الى تضخم في عدد الدوائر والوحدات والأقسام بشكل لا يتناسب مع حجم العمل. وقد ذكر التقرير تحد آخر يعصف في الإدارة السليمة للمال العام، يتمحور في عمليات الشراء العام، وبالأخص من خلال تمرير قرارات صادرة من مجلس الوزراء لحالات شراء مباشر من قبل العديد من الوزارات والمؤسسات العامة، ويعود ذلك بسبب الدور الإشرافي الهزيل الذي يقوم به المجلس الأعلى لسياسات الشراء العام.

عدم جدية جهود الحكومة في مكافحة الفساد

وفيما يخص مكافحة الفساد، سلط ائتلاف أمان الضوء على عدم شروع الحكومة ببلورة خطة وطنية عبر قطاعية لمكافحة الفساد، ناهيك عن عدم وجود نظام أو قانون خاص لحماية المبلغين عن الفساد، وعدم تطبيق قانون مكافحة الفساد في قطاع غزة، كما أشار استطلاع الرأي الذي يجريه أمان العام الماضي الى ضعف ثقة المواطن الفلسطيني باستقلالية هيئة مكافحة الفساد، وعدم جديتها في محاسبة كبار المسؤولين، إضافة الى عدم وجود برلمان لمتابعة تقارير وتوصيات ديوان الرقابة المالية والإدارية، وفي المقابل أيضا عدم جدية المؤسسات العامة للأخذ بتوصياته.

معلومات شحيحة و"بالقطّارة" وصحفيون ملاحقون بدون حماية!

وتطرّق التقرير في مجمله الى صعوبة الوصول الى  المعلومات وملاحقة الصحفيين، وخوفهم المستمر من الملاحقة القانونية، يعود ذلك الى عدم وجود حماية مهنية وقانونية لهم عند اعدادهم لتحقيقات استقصائية.
وتتصل قضية عدم إقرار قانون للحصول على المعلومات بعدم المصادقة على قانون للأرشفة، ما يحدّ من حق المواطنين في الوصول إلى المعلومة بسهولة، ويحكم قبضة بعض المسؤولين في التحكم بالأرشيف الخاص بالمؤسسسات العامة التي يعملون بها، الأمر الذي يتيح مجالا للفاسدين من الإفات من العقاب، وإخفاء كافة الوثائق الموثقة في الأرشيف، كون جريمة الفساد لا تسقط بالتقادم.

تتعدد الأشكال والفساد واحد

وعلى صعيد أشكال الفساد السائدة عام 2018، فقد تعددت أشكالها بين الواسطة، والمحسوبية وإساءة الائتمان، وإساءة استخدام السلطة والاستثمار الوظيفي. وعلى الرغم أن الشكل الأبرز للفساد حسب الشكاوى لدى هيئة مكافحة الفساد هو الواسطة والمحسوبية، حيث بلغ عددها في 71 شكوى وبلاغاً، إلا أن محكمة جرائم الفساد لم تنظر في أي قضية صنفت على أنها واسطة أو محسوبية، ما يؤشر على عجز قانون مكافحة الفساد في معالجة الواسطة واعتبارها جريمة فساد، الأمر الذي يؤكد توصية أمان بشأن ضرورة تعديل قانون مكافحة الفساد بخصوص جريمة الواسطة وتحويلها إلى جنحة.

19 شكوى فقط من أصل 482 محولة من هيئة مكافحة الفساد الى نيابة مكافحة الفساد

وقد تركزت معظم الشكاوى قي القطاع العام، تليه االهيئات المحلية، ومن ثم الاتحادات والنقابات. وتحدث التقرير عن تكدس العديد من التظلمات التي يرفعها المواطنون لدى هيئة مكافحة الفساد، إذ أظهر استطلاع الرأي الذي أعدّه ائتلاف أمان التوجه التشاؤمي وانعدام ثقة المواطنين بجهود مكافحة الفساد، حيث ارتفعت نسبة من يعتبرون أن الفساد ازداد عن السنوات الأخيرة من 55 % عام 2017 إلى 67 % عام 2018 ، ما يشير الى حالة الإحباط والروح التشاؤمية وانعدام الثقة في جهود مكافحة الفساد. كما وتوقع 70 % في الضفة و 51 % في غزة أن الفساد سيزداد في عام 2019.

فيما أظهرت تحليل بيانات هيئة مكافحة الفساد وجود فجوة بين في عمل هيئة مكافحة الفساد من حيث عدد الشكاوى والبلاغات المستلمة، والتي بلغ عددها  482 شكوى وبلاغا، مقارنة بعدد الشكاوى والملفات التي تم تحويلها إلى نيابة مكافحة الفساد ومحكمة جرائم الفساد. والصادم أن عدد البلاغات والشكاوى المردودة بسبب عدم الاختصاص 225، وتم التحفظ على 249 شكوى، فيما بلغ عدد القضايا المحولة من هيئة مكافحة الفساد إلى نيابة مكافحة الفساد خلال نفس الفترة 19 شكوى، و29 قضية أخرى مبتوت في أمرها لدى محكمة جرائم الفساد، فيما حفظت 12 قضية دون سبب واضح. كما بلغ عدد المتهمين بقضايا فساد 375 شخصاً حكم على 185 منهم.

غياب هيئة مكافحة الفساد في قطاع غزة

وفي قطاع غزة، تتولى النيابة العامة متابعة قضايا الفساد فيها، عوضا عن عمل هيئة مكافحة الفساد، وهي نيابة غير متخصصة في قضايا الفساد وتعاني من قلة كادرها، إذ عالجت النيابة العامة 6 قضايا فساد فقط خلال 2017، فيما لم تتوفر معلومات عن العام 2018)، الأمر الذي لا يعكس حجم الفساد في القطاع. فيما عالجت النيابة العامة خلال العام 2017 مبالغ قيمتها قرابة العشرين مليون دولار من جرائم الفساد، واستردت ما قيمته 92 % منها.
وقد رصد ائتلاف أمان خلال عام 2018 ازدياد انتشار حالات الجرائم الاقتصادية في البلاد، الأمر الذي ترافق مع استمرار ضبط يومي لأغذية غير صالحة للاستخدام البشري، ويعود ذلك الى عدم وجود هيئة واحدة مختصة لمكافحة الغذاء والدواء الفاسدَيْن، إضافة إلى أن الأحكام العقابية غير الرادعة لمرتكبي تلك الانتهاكات والجرائم.

وفي منحى آخر، أبرز التقرير بعض القضايا التي تستوجب متابعة فورية كاستمرار التعديات على أراضي الدولة في قطاع غزة، الأمر الذي يستوجب تشكيل لجنة تحقيق وطنية رسمية في كافة أراضي الدولة التي تم تخصيصها لأغراض معينة، ولم يتم استغلالها لما خصصت له، أو وقع التعدي عليها وسُجلت كملكيات خاصة.

السولار المهرب يفقد الخزينة العامة مليارات الشواكل

وسلط التقرير الضوء على عدم إقرار قانون لهيئة البترول العامة حتى نهاية 2018 ، والتي ترد الى خزينة الدولة ما يقارب المليار دولار سنويا، مما يدفعه المواطنون لقاء الوقود الذي يشتروه وذلك بسبب الصراع على الصلاحيات من المسؤولين.

كما بينت نتائج البحث والتقصي أن قسماً من المحروقات في بعض المحطات هو من السولار المهرب الذي يُباع للسلطة الفلسطينية، الأمر الذي يستوجب ضرورة كشف الجهات الفلسطينية المتواطئة في شبهات التهريب، والجهات النافذة التي تقف وراءها وتحميها.

انتقال الموظفين في العمل ما بين القطاع العام والخاص بدون نظام

وقد أشار التقرير الى عدم وجود تشريع شامل ينظم علاقة كبار الموظفين في السلطة مع القطاع الخاص، ما يتيح المجال للبعض منهم للحصول على امتيازات من القطاع الخاص، وممارسة الاستثمار الوظيفي دون محاسبة، مشيعا ًقيماً سلبية في المجتمع، مثل النفاق من قبل بعض ممثلي القطاع الخاص للمسؤولين عن الضرائب والجمارك ومنح الأذونات والتراخيص.

الحكومة مساءلة بأداء وظيفتها أمام الشعب

احتوى التقرير على مجموعة من التوصيات على عدة أصعدة، كمطالبته السيد الرئيس محمود عباس بضرورة إصدار مرسوم لتحديد موعد الانتخابات العامة "الرئاسية والتشريعية"، ومطالبته حركة حماس في غزة بضرورة الموافقة على التفاهم لإجراء انتخابات فور تحديد موعد لها. وعلى صعيد التشريعات، طالب ائتلاف أمان بإصدار قانون خاص بالامتياز وقانون المنافسة ومنع الاحتكار، وقانون الحق في الوصول الى المعلومات، المقلّب في أدراج المسؤولين بين مد وجزر منذ 15 عاما ولم يقرّ بعد، وقانون الأرشيف الوطني، وقانون الهيئة العامة للبترول. كما طالب ائتلاف أمان مجلس الوزراء إصدار النظام الخاص المنصوص عليه في قانون مكافحة الفساد لحماية المبلغين عن الفساد وحمايتهم من الادعاء المضاد، إضافة الى وضع نظام أو لائحة لتنظيم إجراءات انتقال الوزراء والنواب ومأموري الضرائب والجمارك للعمل في القطاع الخاص، وإصدار مدونة السلوك لأعضاء مجلس الوزراء، ووضع إجراءات تنظيمية تضبط قبول الهدايا والضيافة والإفصاح عنها للمسؤولين والموظفين.

إصلاح منظومة العدالة والقضاء والفصل المتوازن بين السلطات

وطالب التقرير أيضا السيد الرئيس بضرورة تبني خطة انتقالية بقانون لإصلاح الجهاز القضائي وتوحيده، بما يشمل النيابة العامة، وذلك من خلال تشكيل مجلس انتقالي أو لجنة وطنية مستقلة لشخصيات عامة اعتبارية وقضائية ومهنية، يناط بها اعتماد معايير مهنية وموضوعية لتقييم مؤسسات العدالة.

تفعيل عملية مكافحة الفساد

وكرر ائتلاف أمان توصيته بتبني الحكومة "خطة إستراتيجية وطنية عبر قطاعية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد"، وإقرارها طبقاً لبروتوكولات إقرار الإستراتيجيات والخطط الوطنية عبر القطاعية المعتمدة لدى الحكومة. وضرورة إقرار نظام جديد للتأمين الصحي بحيث يكون إلزاميا وشاملاً.
وعلى صعيد تعزيز النزاهة والشفافية في العطاءات والشراء العام، فقد أوصى التقرير بإتخاذ الإجراءات اللازمة بإلزام كافة الوزارات والمؤسسات العامة الخاضعة للقانون بأحكام قانون الشراء العام، والتوقف عن منح "الاستثناءات" في عمليات الشراء المخالفة لأحكام القانون.
وعلى صعيد الوظيفة العامة طالب أمان تبني الحكومة سياسة حازمة وملزمة لمنع تسييس الوظيفة العامة وتفعيل دور أجهزة الرقابة، وبضرورة الإسراع في إنشاء "لجنة جودة الحكم في القطاع العام"، التي تنظر في تعيينات المرشحين للوظائف المدنية والأمنية في القطاع العام.

العمل وفق خطة للتقشف والترشيد في إدارة المال العام

شدد ائتلاف أمان على ضرورة ضبط الإنفاق العام، وطالب الحكومة بوضع وإقرار خطة للتقشف لمواجهة الأزمة المالية والتكيّف مع الوضع الجديد ومواجهة سياسات الاحتلال العقابية المسنودة أمريكياً، والالتزام بمبادئ الشفافية في عرض وثائق الموازنة العامة ونشرها، وإصدار ونشر التقارير الدورية والحسابات الختامية في مواعيدها وفقاً للقانون وعدم إدارتها كملف مستقل عن الحكومة والمواطنين، إضافة الى ضرورة مراجعة وتحديد مفهوم علاوة المخاطرة بشكل دقيق وواضح، حتى يصار إلى صرفها لمستحقيها فقط.

متنفذون يعرقلون تنظيم وضبط المؤسسات العامة غير الوزارية

طالب ائتلاف أمان مجلس الوزراء بالاستمرار باعتماد النظام المالي والإداري للمؤسسات العامة الحكومية غير الوزارية، مطالبا مؤسسة الرئاسة والحكومة بضرورة العمل على إلزام المؤسسات العامة غير الوزارية بتقديم تقاريرها إلى الجهات المرجعية حسب قانونها.

تعزيز نزاهة إدارة القطاعات الخدماتية العامة المخصخصة

أما ما يخص تعزيز نزاهة إدارة القطاعات الخدماتية العامة؛ فلقد طالب ائتلاف أمان بإستكمال تشكيل المجالس التنظيمية للقطاعات العامة والخدمات العامة المخصخصة، وبتفعيل النص القانوني المتعلق بمجلس تنظيم الاتصالات، والعمل على إقرار قانون يتعلق بمجلس تنظيم النقل العام، والمجلس الأعلى للإعلام، وبضرورة إنشاء هيئة وطنية واحدة لمتابعة صحة وسلامة الغذاء والدواء. كما طالب التقرير من هيئة سوق رأس المال ولجنة تنسيق القطاع الخاص ومراقب عام الشركات بمتابعة أحكام مدونة حوكمة الشركات، بغية البدء بتطبيقها. كما طالب من أعضاء مجالس إدارة مؤسسات المجتمع المدني، وبشكل خاص الشبكات والائتلافات، بضرورة استكمال تشكيل آلية للرقابة الداخلية على مدى الاحترام والالتزام بأحكام مدونة سلوك العمل الأهلي، ومطالبة الجمعيات العمومية في مؤسسات المجتمع المدني بضرورة تفعيل دورها في الرقابة على مجالس الإدارة والجهاز التنفيذي فيها.
كما أوصى بضرورة تفعيل دور مجالس الهيئات المحلية في الرقابة والمساءلة على الجهاز التنفيذي ورئيس مجلس الهيئة المحلية، والاهتمام بتفعيل وحدات الرقابة الداخلية ونظم الشكاوى، وتفعيل المساءلة المجتمعية.

 

تصدر الفساد ومكافحته كأولوية لدى المواطن الفلسطيني

قدّم المدير التنفيذي لائتلاف أمان، السيد مجدي أبو زيد، عرضاً تحليلياً إجماليا للمستجدات التي طرأت والعناصر التي تشابكت لإنتاج حالة عدم الثقة بين المواطن والمسؤول، حيث تناول قضية الإفلات من العقاب، وغياب الإرادة السياسية في مكافحة الفساد، وعدم وضوح جهة المساءلة في قطاع غزة، ما أنتج تغير أولويات المجتمع الفلسطيني، حيث تصدرت قضية الفساد ومكافحته وللمرة الأولى الأولوية لدى المواطن الفلسطيني بنسبة 38% حسب استطلاع الرأي الأخير الصادر عن ائتلاف أمان، وفي الوقت الذي تراجعت فيه أولويات أخرى كالأزمة المالية والاحتلال وتحقيق المصالحة الداخلية،  في حين اعتقد 64% من المستطلع آراؤهم في نفس الاستطلاع المذكور أن الفساد متركز في الشخصيات المتنفذة.
فيما فتح باب المداخلات والأسئلة من المواطنين في الضفة وغزة، حيث أثيرت عدة قضايا مثل: غاز غزة، والتصرف في أراضي الدولة وعلاقتها مع صندوق الاستثمار، وعدم تلقي مخصصات التنمية الاجتماعية لثمانين ألف أسرة في قطاع غزة لعدة أشهر.

 

رد صندوق الاستثمار على مداخلة السيد فريح أبو مدين خلال مؤتمر اطلاق التقرير السنوي:

لمشاهدة وقائع المؤتمر كاملا :

 

" height="500px" width="100%" frameborder="0">

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


يمكنكم تنزيل التقرير، بالضغط هنا:
https://www.aman-palestine.org/ar/reports-and-studies/6501.html

يمكنكم مشاهدة فيديو يلخص نتائج تقرير واقع النزاهة ومكافحة الفساد للعام 2018، عبر الضغط على الرابط التالي: 

https://www.youtube.com/watch?v=Kk6BA5DgN0U&feature=youtu.be&fbclid=IwAR1rCl2EzpH1WDxS6yzCemLXQ-eDHK09DZ2T4YpuGLFClqcoH_yESVyJ7k0

 

go top